مالكوم إكس.. من ضيق الإسلاموية إلى رحابة الإسلام

مالكوم إكس.. من ضيق الإسلاموية إلى رحابة الإسلام


01/03/2020

هناك مجموعة من التجارب الإنسانية المرتبطة بثنائية الدين والتدين، أو ثنائية الإسلام والإسلاموية، في الحالة الإسلامية، تقتضي التأمل لأخذ العبرة، ونُصح أتباع كل مشروع إسلامي حركي، يعتقد أصحابه أنّهم يُمثلون "النسخة الحقيقية" أو "النسخة الصحيحة" للدين، على أمل الانخراط في مراجعات حقيقية، لا علاقة لها بموضة المراجعات الشكلية التي يُعلن عنها في العديد من النماذج والتجارب.

اقرأ أيضاً: الدخول إلى التيه: الإسلاموية كإخفاق تاريخي
نتحدث عن تجارب الأعضاء الذين أخذوا مسافة نهائية وصريحة من هذا المشروع، في شقيه النظري والتنظيمي، وقد توقفنا في مقال سابق، عند بعض النماذج الخاصة بالحالة المغربية، وخلُصنا حينها إلى وجود مجموعة قواسم مشتركة بين هؤلاء، منها خلاصة مفادها؛ أنّ التحرّر من الانتماء الأيديولوجي في شقه الإسلامي الحركي، يكاد يُصبح إعادة اكتشاف للإسلام من جديد، كما نقرأ في مضامين "كنت إسلامياً" للكاتب والإعلامي المغربي عمر العمري، أو "لماذا انفصلت عن الإخوان المسلمين؟" للباحث والكاتب المغربي المقيم في فرنسا، محمد لويزي.

اعتنق مالكوم إكس الإسلام أثناء وجوده في السجن بسبب تورطه في قضايا ذات صلة بالمخدرات والدعارة

ونتوقف في هذا المقال عند حالة دالّة تهم المجال الأمريكي، بذكر نموذج الناشط والداعية الراحل مالكوم إكس، والذي اشتهر لدى الجمهور السينمائي من خلال الفيلم الشهير، الذي أدى بطولته الممثل الأمريكي دنزل واشنطن، وأخرجه سبايك لي، حيث شارك الأخير في التمثيل، مجسداً دور صديق مالكوم إكس في فترة الانحراف، وقد اعتبر سابيك لي لاحقاً، أنّ مشاركته في الفيلم، جاء اعترافاً بمكانة وشخصية مالكوم إكس النضالية، مع اختلاف المرجعية العقدية بينهما؛ لأنّ الأخير مسلم والأول مسيحي.
ومالكوم، كما هو معلوم، ناشط أمريكي اغتيل يوم 21 شباط (فبراير) 1965، وهو صاحب الشخصية الكاريزمية والخطيب الناري، ويُعد الزعيم الأسود الأهم والأكثر تأثيراً في حركة الدفاع عن الحقوق المدنية للسود والأقليات ضد التمييز العنصري في أمريكا، رغم محاولة وسائل الإعلام والحكومة الأمريكية تجاهله، والتركيز على منافسه الزعيم مارتن لوثر كينغ.
ما يهمنا هنا، تلك التحولات في الانتماء عند مالكوم إكس؛ حيث اعتنق الإسلام أثناء قضائه عقوبة، بمقتضى حكم قضائي بالسجن لمدة 7 أعوام، لتورطه في قضايا ذات صلة بعالم المخدرات والدعارة وما إلى ذلك، وجاء هذا التحوّل في المرجعية قبيل الإفراج عنه، مستفيداً من تخفيف مدة العقوبة، إلّا أنّ اعتناق الإسلام تمّ عبر بوابة الانتماء الأيديولوجي والعرقي في آن، من خلال إعلان الولاء لجماعة "أمة الإسلام".
وساعدت عدة عوامل مالكوم إكس على التحرر من السياج الذهني الإسلاموي، منها عوامل ذاتية، ومنها عوامل موضوعية أو خارجية.

ابتعد مالكوم عن مرشده الديني إلايجا محمد بعد إدانة الأخير بإقامة علاقات جنسية غير مشروعة مع 6 نساء من الجماعة

نبدأ بهذه الأخيرة؛ لأنّها ثانوية مقارنة مع العوامل الذاتية، وفي مقدمتها اطلاعه على تورّط شيخه الأسبق؛ إلايجا محمد، زعيم جماعة "أمة الإسلام" في قضايا أخلاقية، عندما اكتشف مالكوم في عام 1963، أنّ مرشده الديني، أقام علاقات جنسية غير مشروعة مع 6 نساء ينتمين إلى الجماعة، وأثمر عن ذلك مجموعة أطفال غير شرعيين.
وهناك عدة خلاصات عندما نقارن تعامل مالكوم إكس مع القلاقل الجنسية لشيخ الجماعة، بتعامل العديد من إسلاميي المنطقة وأوروبا على هامش الكشف عن القلاقل الأخلاقية للداعية والباحث طارق رمضان، حيث ترك مالكوم إكس خطاب المؤامرة والشيطنة، واتجه مباشرة إلى أصل الداء، عبر إدانة شيخه، وأخذ مسافة منه، مع أنّ السياق التاريخي حينها، وخاصة سياقات العنصرية والاضطهاد وما جاورهما، كان أرضية جاهزة تخول مالكوم للتذرع بها وصرف النظر عن تبعات تلك القلاقل، وتبني ترويج خطاب المؤامرة والتخوين، لولا أنّ خياره النهائي كان خلاف ذلك، وهذه حكاية أو سردية شبه غائبة في الساحة العربية وعند إسلامييها.
نأتي للعامل الذاتي؛ لأنّه يهمنا أكثر، ويرتبط بأداء مناسك الحج، حيث سيطلع مالكوم إكس لأول مرة في حياته، على شعائر دينية، تقوم بها فئات مسلمة من عدة أعراق وثقافات ومذاهب، دون أدنى حساسيات؛ لأنّ الغلبة في تلك المقامات تكون للتعبد والذكر وما جاورهما، كأنّه تعرّض لهزة ذهنية لم تكن متوقعة، وهو القادم من مجال أمريكي، يعج بقلاقل العنصرية وتبعاتها على علاقة البيض بالسود، حتى أنّ الانتماء العرقي، كان قاسماً مشتركاً بين أغلب أعضاء جماعة "أمة الإسلام"، لولا أنّ هذه القلاقل العرقية، وشبه المُسلّم بها في الساحة الأمريكية حينها، كانت غائبة كلياً في مكة والمدينة.

اقرأ أيضاً: آخر حيل "الإسلامويين"!
وكانت إحدى نتائج ذلك، انخراطه في سلسلة مراجعات، سوف تفضي بداية إلى الإدلاء بمواقف لا تخطر على بال أتباع الجماعة، وتحديداً قادتها، ومنها قوله الشهير، في معرض إبداء مواقفه من الأمريكيين البيض، قائلاً: "يمكن أن أنادي الرجال البيض بأنهم أخوتي".
واتضح أنّ خطاب مالكوم في فترة الانتماء لجماعة "أمة الإسلام"، لا علاقة له البتة بخطبه في مرحلة ما بعد أدائه مناسك الحج، حتى أنّ تأثره بمشهد الكعبة وأصوات التلبية، جعله يُحرر ما يلي: "لم أشهد في حياتي أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إنّ أمريكا بحاجة إلى فهم الإسلام".
وأفضت هذه المراجعات إلى إعلان مالكوم إكس الانفصال النهائي عن إسلاموية مشروع "أمة الإسلام"، واكتشاف النزعة الإنسانية في الإسلام، كما تجتهد في التعريف بها مجموعة من الأسماء البحثية في المنطقة، نذكر منها؛ سليمان بشير ديان من السنغال، ومحمد أركون من الجزائر، وفتحي المسكيني من تونس، ومحمد التهامي الحراق من المغرب، وأسماء أخرى.

خطاب مالكوم في فترة الانتماء لجماعة أمة الإسلام لا علاقة له بخطابه في مرحلة ما بعد أدائه مناسك الحج

وتطوّرت التحولات التي ميزت هذه الرحلة، بنشوب خلاف جذري مع شيخه إلايجا محمد، حيث اعتبر مالكوم أنّ تصريحات الأخير تنافي الإسلام الحقيقي؛ الذي عرفه في رحلته إلى مكة المكرمة، كما توجزها التصريحات التي أدلى بها، والتي باتت تُعرف بالخطبة الأخيرة لمالكوم، وألقيت يوم 14 شباط (فبراير) 1965، حيث قال؛ "أنا لست عنصرياً، عندما كنت في حركة المسلمين السود لم أكن أعرف الإسلام؛ لأنّ الإسلام كما عرفته مؤخراً، لا يسمح لأي شخص أن يحكم على إنسان آخر بسبب لون بشرته؛ لأنّ المقياس المعتمد في الإسلام للحكم على إنسان آخر هو الأفعال، وعندما نستخدم هذا المقياس معياراً للحكم، فإننا لن نخطئ أبداً". (هناك عمل للباحث والمترجم السعودي حمد العيسى، ننصح به في هذا السياق، لمن يريد الاطلاع على أفكار ومسار مالكوم إكس، وعنوانه "مالكوم إكس.. النصوص المحرمة ونصوص أخرى"، مترجم).
انتهت هذه الرحلة إذن، بتغيير مالكوم اسمه إلى "الحاج مالك الشباز"، ليغادر مدينة جدة في نيسان (أبريل) 1964، ويزور عدداً من الدول العربية والإفريقية؛ حيث رأى في أسبوعين ما لم يره في 39 عاماً، فشرع في صياغة أفكار جديدة، ونادى بأخوة بني الإنسان بغضّ النظر عن اللون، داعياً إلى التعايش بين البيض والسود، كما أسّس منظمة الاتحاد الإفريقي الأمريكي، التي تروج أطروحات تتعارض مع أطروحات جماعة "أمة الإسلام".
وعلى غرار النماذج سالفة الذكر، لأعضاء كانوا من أتباع حركات إسلامية؛ دعوية أو سياسية أو قتالية، ولكنّهم أخذوا مسافة صريحة منها، اتضح أنّ مالكوم إكس، انتقل بدوره من ضيق الإسلاموية نحو رحابة الإسلام، وما كان له ليُفكر في الترويج للنزعة الإنسانية في الدين، والانتصار لقيم المشترك الإنساني، لو بقي منتمياً لجماعة إسلامية شبه طائفية؛ لأنها كانت عرقية بمقتضى السياق التاريخي الأمريكي حينها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية