ماهناز شيرالي: إيران دولة خارجة عن القانون

ماهناز شيرالي: إيران دولة خارجة عن القانون


كاتب ومترجم جزائري
04/02/2020

ترجمة: مدني قصري


بعد أن فازت ماهناز شيرالي Mahnaz Shirali، الدكتورة في علم الاجتماع السياسي، ومديرة الدراسات في برنامج المقارنات الدولية والمدرسة بمعهد العلوم السياسية في باريس Science-Po Paris، في جائزة لوموند للأبحاث الجامعية (2001)، بدأت، الباحثة التي ألفت العديد من الكتب عن إيران، تعاوناً طويلاً مع غوشيت، بهدف إعداد كتاب؛ "لعنة المتديّنين، هزيمة الفكر الديمقراطي في إيران"(1)، والذي نُشر عام 2012، حيث يتناول جمهورية إيران الإسلامية على مدار 4 عقود تقريباً وتأثيرها على المجتمع.

اقرأ أيضاً: إيران: انتخابات بلا معركة؟
وتتساءل الباحثة، التي تعمل حالياً على تأثير الإسلام الإيراني على الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط، في بداية مقالة نشرتها صحيفة لوبوان الفرنسية الأحد 1 شباط (فبراير) 2020؛ "هل يمكن أن يستمر المجتمع الدولي في الحفاظ على علاقات دبلوماسية طبيعية مع دولة تذبح سكانها؟".


في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تسببت الزيادة التعسفية في سعر البنزين باحتجاجات واسعة النطاق من قبل الشعب الإيراني، سيما الأكثر فقراً منهم، وفي غضون أيام قليلة، تم قمع المظاهرات الشعبية، وتمكن قادة البلاد، بفضل العنف الشديد، من تهدئة غضب الناس، حيث أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية على المتظاهرين العُزّل، مما أسفر عن مقتل المئات، خلف أبواب مغلقة، مع قطع شبكة الإنترنت والهواتف.

تأسست الجمهورية الإسلامية وفق إرادة المرشد الأعلى ولم يكن هناك أي رقابة أو سيطرة على أدائه من قبل المجتمع

وبمجرد استعادة الاتصال بالإنترنت، بعد أسبوع واحد، خرجت سلسلة من صور القتل إلى خارج البلاد، وتمكّن العالم من رؤية كيف تضمن الجمهورية الإسلامية بقاءها من خلال قتل مواطنيها، وبسرعة كبيرة، تم تأكيد الأخبار؛ أكثر من 1500 قتيل، مئات الجرحى، واعتقال تعسفي لحوالي 7000 شخص، من ضمنهم صحفيون، لن يكون لهم الحق في محاكمة عادلة، كما أنّ حياتهم في خطر.
وأدى القمع الجماعي للمواطنين العاديين بالجمهورية الإسلامية إلى الانزلاق لمرحلة جديدة من وجودها، فإن كانت الجمهورية الإسلامية تمارس العنف ضد المعارضين السياسيين منذ 40 عاماً، فقد انتهكت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قوانينها الخاصة، تلك التي وضعها مؤسسوها أنفسهم؛ إذ أدى الاستخدام المتعمد للقمع العسكري ضد السكان المدنيين، إلى تجاهل الجمهورية الإسلامية لدستورها.
نحن نواجه نظاماً غير شرعي، النظام الذي يقتل مواطنيه لأنهم ضده لم يعد نظاماً سياسياً بل نظاماً عسكرياً، إننا نشهد تحوّل الدولة الإيرانية، ولهذا السبب لا يرغب النظام في خروج الأخبار من البلاد، حتى لا يعرف العالم ما يجري في شوارع طهران.


ووفقاً للتعريف المقبول عموماً، تتمثل وظيفة الدولة في التصرف على أساس القانون العام، من خلال إنشاء نظام قانوني هرمي، لضمان حماية مواطنيها ومصالحهم، حيث على الدولة بجميع أجهزتها، أن تخضع للقواعد والمعايير التي تضعها لنفسها، وفي هذا السياق، لا يكون القانون أداة عمل للدولة فقط، وإنما ناقل للحدّ من سلطتها.
كيف يمارَس النظام الإيراني السلطة ضد الشعب نفسه؟
تأسست الجمهورية الإسلامية وفق إرادة المرشد الأعلى، ولم يكن هناك أي رقابة أو سيطرة من قبل المجتمع على أدائه، ولا أي حماية حقيقية للمواطنين ضد السلطة، ففي غياب أي قيود من جانب المواطنين على ممارسة السلطة، تم استيعاب جمهورية المرشد الأعلى على أنّها "دولة بوليسية"، أي دولة تمارس سلطتها وفقاً لصلاحياتها ومعاييرها الخاصة، دون مراعاة لمصالح أي شخص، ورغم هذا النقص في السيطرة الاجتماعية، لم تلتزم الجمهورية الإسلامية بالدستور، منذ ظهورها، إلا نسبياً.

شيرالي: نواجه في إيران قوة لا تحترم تسلسلها الهرمي في الحقوق والمعايير والقيم وتُمارس السلطة ضد الشعب نفسه

وتعد المذبحة بحق 1500 مواطن؛ انتهاكاً صارخاً للمادة 27 من دستور الجمهورية الإسلامية، الذي يعترف بحق الإيرانيين في التظاهر السلمي، مما يعني أنّنا بتنا نواجه قوة لا تحترم تسلسلها الهرمي في الحقوق والمعايير والقيم، حيث تُمارس السلطة ضد الشعب نفسه، وهي منفصلة عن قاعدتها، وبالتالي، عن الأساس السياسي الذي كانت تعتمد عليه حتى تاريخ انفصالها عن هذه القاعدة، إنّ انسلاخ الجمهورية الإسلامية عن قوانينها الخاصة يجعلها أكثر من "دولة اللاقانون"، بل "دولة خارجة عن القانون".
وتثير قطيعة نظام المرشد الأعلى مع المجتمع الإيراني موضوع مسؤولية الدول الديمقراطية في مواجهة دولة تسود على دماء شعبها، وقد اعتمدت بعض الدول قوانين الاختصاص العالمي التي تسمح لمَحاكمها بالنظر في الجرائم المرتكبة في الخارج عندما تكون خطيرة، إلّا أنّ مبدأ سيادة الدولة هو الذي يسود في القانون الدولي، حيث للدولة حرية التصرف على أراضيها ومع رعاياها بشرط أن تكون قانونية بموجب القانون الدولي؛ أي المعاهدات الموقعة من قبل الدولة أو المبادئ القابلة للتطبيق في القانون الدولي، كحظر اكتساب دولة أخرى بالقوة، على سبيل المثال، فهل يمكن أن نشعر بالرضا إزاء عدم وجود بيان أو معيار في القانون الدولي، يحظر على الجمهورية الإسلامية، قتل مواطنيها؟ ألا ينبغي لنا أن نضيف إلى القانون الدولي، إدانة جديدة ضد الجمهورية الإسلامية لتجرّئها على دفع قواتها العسكرية ضد شعبها؟


لقد كانت للجمهورية الإسلامية، المخالفة للإطار العرفي لمبادئ القانون الجنائي في العلاقات بين الدول، أيدٍ قذرة منذ وقت طويل، إذ أُدينت فيما يتعلق بتفجير ثكنات المارينز الأمريكية في لبنان عام 1983.
الجمهورية الإسلامية تُشجّع الإرهاب وتروج له
يعود تاريخ العلاقات الثنائية المضطربة للغاية بين طهران وواشنطن إلى قيام الجمهورية الإسلامية، التي شجعت على  الإرهاب، وروجت له، ودعمته بالمال، فضلاً عن انتهاكها التزاماتها المتعلقة بعدم انتشار الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية والاتجار بالأسلحة.

تلجأ الجمهورية الإسلامية إلى استخدام الاغتيال للقضاء على المنشقين والمعارضين لنظامها

وتلجأ إيران، منذ فترة طويلة، إلى استخدام الاغتيال للقضاء على المنشقين وغيرهم من المعارضين لنظامها (أو الذين ينظر إليهم على هذا النحو)، ومن بين الأمثلة الأكثر شهرة؛ اغتيال 4 أعضاء من الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في برلين يوم 17 أيلول (سبتمبر) 1992، خلال المحاكمة الجنائية، حيث أكدت محكمة برلين مسؤولية السلطات الإيرانية عن مقتل الأعضاء الأربعة في الحزب الديمقراطي في كردستان إيران.
ولا يملك مواطنو الجمهورية الإسلامية أي حق باللجوء القانوني لإجبار الأخيرة على احترام دستورها، أليس من واجب القانون الدولي إذن أن يحميهم من الجرائم التي ترتكبها الجمهورية الإسلامية ضدهم؟ ومع ذلك، فإنّ المسؤولية القانونية والسياسية للجمهورية الإسلامية، كدولة تدعم الإرهاب الموجه ضد بلدان أخرى، وضد رعاياها وغيرهم، منذ ظهورها في عام 1979، مسؤولية بديهية.
دولة تنبذ القانون الدولي منذ 40 عاماً
هل يمكن للمجتمع الدولي الاستمرار في إقامة علاقات دبلوماسية "طبيعية" مع دولة لا تفي بالحد الأدنى من الالتزامات المفروضة عليها لحماية سكانها؛ دولة تنتهك الحقوق الأساسية لمواطنيها داخل حدودها، دولة تنبذ القانون الدولي منذ 40 عاماً؟


الهوامش:
1.  في كتابها "لعنة المتدينين.. هزيمة الفكر الديمقراطي في إيران"، تُحلل مهناز شيرالي لماذا وكيف تمكّن الإسلام السياسي من السيطرة على المجتمع الإيراني منذ سبعينيات القرن الماضي، وكيف استطاع فرض نفسه على حساب حركة الإصلاح التي بدأت مع الثورة الدستورية في بداية القرن العشرين، وكيف نجح في الحصول على مثل هذا الجمهور في إيران، ثم في العالم الإسلامي بأسره، وتتساءل شيرالي عن التاريخ الإيراني في القرن العشرين لفهم دور ومكانة الدين الشيعي في التنظيم الاجتماعي والسياسي لدولة دخلت في عملية التحديث، وما هي العناصر التي سمحت للديني باحتكار السياسي وفرض نفسه على رأس السلطة العلمانية، وكيف استطاع أن يحل محل القوى السياسية الأخرى، التي كانت موجودة على الساحة الإيرانية لفترة طويلة.
هذا الكتاب يكشف لعنة مزدوجة، اللعنة التي يثقل بها تيار المحافظين الدينيين كاهل الحداثة السياسية، من خلال محاربة ورفض أي توجه ديمقراطي. ثم اللعنة التي تسيء إلى الدين نفسه، من خلال تشويهه بقوة، لعنة الديني واحدة من أعمق الانتقادات الموجهة اليوم للإسلام السياسي الذي ظهر في طهران".

 


مصدر الترجمة عن الفرنسية:
https://www.lepoint.fr/debats/mahnaz-shirali-la-republique-islamique-d-iran-un-etat-hors-la-loi-02-02-2020-2360867_2.php



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية