ماهي المحاذير الأمريكية الثلاثة التي تقض مضجع تركيا؟

ماهي المحاذير الأمريكية الثلاثة التي تقض مضجع تركيا؟


26/07/2020

شهد تمّوز (يوليو) الجاري صدور ثلاثة مواقف أمريكية تتّسم بالشدّة تجاه تركيا؛ كان أولها حذف اسم تركيا من قائمة الدول المشاركة في تصنيع الطائرة "إف – 35" (الشبح)، وما تبعه من تجميد بيع 6 طائرات من هذه الفئة لها، والموقف الثاني؛ كان التأكيد الأمريكي المباشر على وقف إطلاق النار في ليبيا، والدفع نحو المفاوضات، على عكس رغبة تركيا للتقدّم نحو سرت.

الباحث أحمد الباز لـ"حفريات": أيّ تقارب عسكري بين روسيا وتركيا على مستويات التسليح، سيكون له صدى صوت أمريكي تجاه تركيا، خاصة في ملفّ ليبيا، الذي تستثمر فيه أنقرة بقوّة

وتمثّل الموقف الثالث في تصريحات مسؤول بالخارجية الأمريكية؛ دعا فيها أنقرة إلى التوقّف عن العبث بأمن شرق المتوسّط، على خلفية التنقيب عن الغاز قرابة جزر يونانية، واستنفار الأخيرة عسكرياً.

ويؤكّد متابعون أنّ واشنطن ترسم خطوطاً خضراء وحمراء لتركيا، وتسمح لها بهامش مناورة؛ دون تجاوزٍ للخطوط الحمراء، وفي حال تجاوز تركيا تردّ واشنطن بفرض عقوبات، تتراجع على إثرها تركيا، أو تتمادى وتخسر كثيراً.

وترى واشنطن في تركيا كلب حراسة لمصالحها في المتوسّط وغرب آسيا، تستخدمه في مناوشة روسيا، سواء في سوريا أو ليبيا، غير أنّ التقارب التركي الروسي أثار حفيظة واشنطن، وجعلها تتشدّد مع أنقرة.

تركيا: الابن الضالّ للناتو

استفادت تركيا من موقعها الإستراتيجي، الذي يقع بين أوروبا وروسيا، من جهة الجنوب، لتكسب أهمّية كبيرة في واشنطن؛ باتّخاذها حائط صدّ أمام الاتّحاد السوفييتي، ثم روسيا الاتّحادية، خصوصاً بما تملكه من جيش كبير؛ هو الثاني في الحجم داخل الناتو.

اقرأ أيضاً: صومالي غارديان: قطر وتركيا جندتا 5 آلاف صومالي كمرتزقة في ليبيا

وحكم هذا العلاقات بين واشنطن وأنقرة، فحافظت على قوتها، رغم ما يعتريها من خلافات وتناقض مصالح، ويرى الباحث في العلاقات الدولية، محمد الدابولي؛ أنّ "تركيا بمثابة الابن الضالّ للناتو؛ فرغم انتماء أنقرة للتحالف إلّا أنّها دائماً ما تتّخذ سياسات من شأنها إعاقة عمل الحلف، ودبّ الوقيعة بين أعضائه، ومن ذلك أزمة قبرص عام 1975".

ويقول الدابولي، لـ "حفريات": "رغم المشكلات التي تسببها أنقرة للحلف، إلّا أنّ أمريكا مضطرّة لإبقاء تركيا فيه، رغم السياسة الاستغلالية لأنقرة منذ تأسيس الجمهورية التركية؛ فهي تستغلّ موقعها الجغرافي الملاصق لأبرز الدول المهدّدة للأمن الأوروبي والأمريكي؛ ففي السابق كان الاتحاد السوفييتي، واليوم إيران وداعش واللاجئين، إذاً تركيا استغلّت فزّاعة الشيوعية في الماضي، والإسلامية اليوم، في فرض شروطها على الغرب عموماً".

ويوطّد هذه العلاقة العجز العربي الكبير عن التدخّل بحزم لمواجهة الأخطار المحيقة بالعرب، والتي ترتبط بمنطقتهم؛ ممّا زاد في اعتماد واشنطن على أنقرة كشرطي في المنطقة.

ليبيا: انتهى دور أردوغان

جاء التدخّل التركي في ليبيا بضوء أخضر أمريكي؛ لمعادلة النفوذ الروسي وتحجيمه، والذي يسعى إلى إيجاد موطئ قدم له في الخاصرة الجنوبية لحلف الناتو، واستعادة المكانة المميزة لروسيا في ليبيا ما قبل 2011.

اقرأ أيضاً: صراع السراج مع باشاغا على صلاحيات إرضاء تركيا

ولدى تركيا طموحات أخرى، تفوق المرسومة لها في ليبيا؛ إذ لم تكن لتتدخل لولا تلاقي مصالحها مع خطط واشنطن، غير أنّ الأخيرة لم ترضَ عن تمادي تركيا في ليبيا؛ كوّن ذلك يؤدّي للصدّام مع قوى إقليمية أخرى صديقة لواشنطن، ومنها مصر وفرنسا والاتّحاد الأوروبي.

وشهد الإثنين الماضي، 20 تموز (يوليو) الجاري، حدثان لهما دلالة:

الأول؛ اتّصال الرئيسَين، المصري والأمريكي، بشأن ليبيا وغيرها، وتأكيد ترامب على تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا، وعدم التصعيد، تمهيداً لتفعيل الحوار السياسي، وجاء الحدث الثاني في تصريحات على لسان المتحدّث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، الذي أكّد ألّا نيّة لبلاده في الصدّام مع مصر أو فرنسا في ليبيا، والدفع نحو مفاوضات السلام، ولم تكن مصادفة تصريحات قالن في اليوم نفسه، خاصة أنّ اتّصالاً هاتفياً بين ترامب وأردوغان بشأن ليبيا، سبق تلك التصريحات بعدّة أيام.

وتعليقاً على ذلك؛ يقول الباحث في الدراسات الأمنية وشؤون الشرق الأوسط، أحمد الباز: "يمكن القول إنّ الميدان الليبي هو ميدان الخطوط الحمراء للجميع ضدّ الجميع؛ سواء مصر، أو روسيا، أو الولايات المتحدة، أو تركيا".

ويردف الباز، لـ "حفريات": "رغم التقارب الملحوظ بين واشنطن وحكومة الوفاق، وبالتبعية تركيا، في ليبيا؛ فإنّ هناك خطوطاً حمراء أمريكية لن تسمح لتركيا بتجاوزها، منها؛ التقارب مع روسيا في ليبيا، وتفجير الوضع فيها بما يؤدّي إلى فوضى في المنطقة، تؤدّي لتدخل أكبر لواشنطن".

اقرأ أيضاً: هل تُرسل تركيا المقاتلين السوريين إلى اليمن؟

ويرى الباحث الدابولي؛ أنّ واشنطن تدخّلت لإنقاذ تركيا من التورّط في الفخّ الليبي؛ حيث كانت حسابات أنقرة أن تدعم ميليشيات من بعيد، دون التورّط في صدام مباشر مع القاهرة، لكنّ الجدّية المصرية الأخيرة أربكت تركيا، ووضعتها أمام حتميّة الصدام، بما يعنيه من خسائر اقتصادية وعسكرية كبيرة، ما دفع واشنطن للتدخل لإنقاذها.

ويقرأ الدابولي ما سبق في تصريحات المسؤولين الأتراك المتعدّدة، بأنّ لا نيّة لتركيا في حرب مع مصر، وما سبقها من اتّصال ترامب بأردوغان، ثمّ بالسيسي، وما تبعه من تأكيد تركي على خفض التصعيد".

لا مكان لتركيا في غاز المتوسّط

بحسب دراسة أعدّها "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" الأمريكي؛ فلا يبدو أنّ الولايات المتحدة ترى مكاناً لأنقرة في غاز المتوسّط، وخططها المستقبلية لسياسة الطاقة، التي تريد من ورائها تحقيق هدفَين؛ تحويل غاز شرق المتوسّط إلى فرصة للتّعاون بين دول الإقليم، وهو ما تحقّق بنجاح، والثاني؛ إيجاد مصدر بديل للغاز الروسي، يساهم في تخفيف تحكّم روسيا في أوروبا عن طريق الغاز.

ووفق الدراسة؛ فإنّ التدخّل التركي يعرقل خطط واشنطن، ويثير التوتّرات في الإقليم، ولا يتوقع الباحث في العلاقات الدولية، محمد الدابولي، أن تنفجر أزمة الغاز عاجلاً، ويقول: "من المتوقّع انفجار أزمة غاز المتوسّط بين عامَي 2026 و2027؛ حيث سيشهد هذان العامان تحوّل مصر إلى منصّة إقليمية للغاز المسال، وتشغيل خطّ "إيست ميد"؛ بين قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا، والذي سيمرّ بالحدود البحرية التركية؛ التي حددتها في اتّفاقية ترسيم الحدود مع حكومة الوفاق الليبية، عام 2019".

اقرأ أيضاً: مصر وتركيا والخطط الوهمية لإردوغان

وكانت وكالة "سبوتنيك" الإخبارية قد نقلت تصريحات خاصة عن مسؤول في الخارجية الأمريكية؛ طالب فيها تركيا بإيقاف كافّة إجراءاتها بالقرب من جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، في 22 من الشهر الجاري.

وشهد اليوم نفسه نشر اليونان بوارج عسكرية في بحر إيجة، وإعلان حالة التأهّب القصوى، وكاد الصدام يقع بين الطرفين، لولا تدخّل كبير من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وفق ما نقلت صحيفة "بيلد" الألمانية.

ورغم عدم انخراط واشنطن الكبير في ردع التجاوزات التركية في المتوسّط؛ فإنّها لم تترك اليونان وحيدةً أمام تركيا؛ ففي نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، صدّق البرلمان اليوناني على اتّفاقية لتعزيز التعاون العسكري مع واشنطن.

التقارب مع موسكو

يعدّ التقارب مع موسكو الخطّ الأمريكي الأشدّ احمراراً ليس لتركيا وحدّها، بل لعدّة دول، ويزداد في حالة تركيا؛ كونها عضواً في حلف الناتو، ومسؤولة عن أمن وسرّية معلومات وقدرات الحلف العسكرية.

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. هكذا تدهور وضع الإعلام في تركيا في 6 سنوات

وخرقت تركيا الخطّ الأحمر بالتعاقد مع موسكو على توريد نظام الدفاع الجوي "إس – 400"، عام 2017، وتسلّمت أولى البطاريات عام 2019، دون أنّ تجرؤ على تشغيلها، خوفاً من عقوبات أمريكية أكبر من التي تعرّضت لها.

وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات متتالية على أنقرة؛ منها استبعادها من المشاركة في تصنيع الطائرة الحربية "إف – 35"، وحذف اسمها من قائمة الدول المشاركة في تصنيع الطائرة، في 18 تموز (يوليو) الجاري، ثمّ أخيراً تجميد بيع 6 طائرات من هذه الفئة إلى أنقرة، والطلب من الطيارين الأتراك المتدرّبين على الطائرة مغادرة البلاد، وذلك في قرار من البنتاغون صدر الثلاثاء الماضي.

فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات مالية على ثلاثة مسؤولين أتراك، إضافة إلى وزارَتي الطاقة والدفاع، بأمر تنفيذي أصدره ترامب، في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، بهدف الضغط على أنقرة

وعلّق الباحث في الدراسات الأمنية وشؤون الشرق الأوسط، أحمد الباز، على التقارب العسكري بين روسيا وتركيا بالقول: "أيّ تقارب عسكري بين روسيا وتركيا على مستويات التسليح، خاصة أنّ تركيا امتلكت منظومة "S-400"، أو التوسّع في مشروعات الغاز المشتركة، سيكون له صدى صوت أمريكي تجاه تركيا، خاصة في ملفّ ليبيا، الذي تستثمر فيه أنقرة بقوّة".

ومن المتوقّع أن تفرض واشنطن عقوباتٍ أغلظ على تركيا، حال تسلّمها بطاريات أخرى من صفقة S"-400"، أو تشغيلها لما سبق أن استلمته.

ويذكّر بأنّ وزارة الخارجية الأمريكية فرضت عقوبات مالية على ثلاثة مسؤولين أتراك، إضافة إلى وزارَتي الطاقة والدفاع، بأمر تنفيذي أصدره الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، بهدف الضغط على أنقرة لإيقاف عملياتها العسكرية شمال شرق سوريا.

وشهد العام الماضي صدور تشريع من مجلس النواب الأمريكي يحثّ ترامب على معاقبة تركيا، على خلفية التقارب العسكري مع روسيا، وبعد شهرين من ذلك؛ أصدر مجلس الشيوخ تشريعه في السياق نفسه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية