ما أبرز الأقليات التي تعيش في تونس؟

ما أبرز الأقليات التي تعيش في تونس؟

ما أبرز الأقليات التي تعيش في تونس؟


28/03/2024

تبدو تونس قبل الثورة من البلدان الأكثر انسجاماً وتعايشاً، ولكن ذلك لم يكن يخفي ما فيها من تنوّع، عرقي وديني وثقافي، ظهر للعيان غداة سقوط نظام بن علي في 2011. حينها برزت إلى السطح أسئلة كانت مكبوتة تتعلق بالدين والهوية واللغة وغيرها من الأسئلة التي أثارها الجدل الدائر آنذاك حول الفصل الأول من الدستور التونسي، الذي انتهى بالمحافظة عليه كما هو.

اقرأ أيضاً: إيران تكتوي بنار العنف المسلط على الأقليات

وتتشكل تونس من فسيفساء متنوعة من الأقليات التي تحظى بهامش من الحرية لم تصبها بعد لعنة الطائفية كما في بعض الدول العربية. "حفريات" في هذا التقرير تسلط الضوء على أبرز ثلاث أقليات تعيش صلب المجتمع التونسي، منخرطة في همومه وقضاياه متحدية بعض الأصوات النشاز التي تحاول من حين إلى آخر احتكار الحقيقة وإلغاء التنوع الذي فرضته تركيبة المجتمع منذ زمن بعيد.

يعد اليهود أقدم الأقليات في تونس

اليهود

يعد اليهود أقدم الأقليات في تونس، وتذكر بعض التقارير غير الرسمية أنّ عددهم حالياً محصوراً بين 1500 و2000 يهودي يعيش ثلثهم في العاصمة، في حين يعيش الثلثان في مدينة جربة. فيما ترجّح بعض التقديرات أنّهم 3000.

اقرأ أيضاً: أقليات العراق تشكو تغييبها عن تشكيل الحكومة

يعود وجود اليهود في تونس إلى القرن السادس قبل الميلاد، وهو وجود تعزز بمجموعة أخرى أصغر قدمت من إسبانيا وإيطاليا، وتسمى "يهود الغرانة". تقول منسقة برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة حقوق الأقليات الدولية الباحثة سيلفيا كواتريني في تقرير أعدته منذ عام: "عاش اليهود، قبل الاحتلال الفرنسي في عام 1881، في مرتبة أهل الذمة لقرون، وقد وفر ذلك لهم مستوى من الحماية لم يجدوه في أوروبا، فضلاً عن حقوق أخرى لم يتمتعوا بها في المغرب والجزائر، ولكن صاحبت هذه الحقوق بعض التعاملات الدونية تجاه اليهود".

تتشكل تونس من فسيفساء متنوعة من الأقليات التي تحظى بهامش من الحرية لم تصبها بعد لعنة الطائفية

وتذكر الباحثة، في التقرير ذاته، أنّ حكومة الحكم الذاتي في 1954 ضمت وزيراً يهودياً هو ألبرت بيسيس، وتلاه أندريه باروش في العام 1956، ورغم توظيف بورقيبة الإسلام وسيلة لتعزيز الهوية التونسية، فإنّه كان واعياً بالفرق بين اليهودية والصهيونية.

تعيش الأقلية اليهودية في انسجام داخل النسيج الوطني في تونس بارعين في التجارة، وبالأخص منها تجارة الذهب. وباستثناء الهجوم الإرهابي على الكنيس اليهودي في جربة في العام 2002 مخلفاً عدداً من القتلى، فإنّ اليهود التونسيين يعيشون في سلام وأمن بما توفره الدولة من حماية لهم ولمعتقداتهم، وبما يتمتع به قطاع واسع من الشعب التونسي من انفتاح عملت دولة الاستقلال على ترسيخه منذ عقود طويلة. زيادة عن بعض القوانين التي تحرم اليهود من تولّي بعض المناصب الهامة في الدولة مثل رئاسة الدولة، أو الوظائف التي تشترط أداء القسم على القرآن الكريم مثل القضاء والمحاماة.

اقرأ أيضاً: مؤتمر الأقليات المسلمة في الإمارات.. تصحيح صورة المسلمين

يمارس يهود تونس طقوسهم واحتفالاتهم وأعيادهم بحرية تحت حماية مشددة، وعلى رأسها "الحج" إلى معبد الغريبة في مدينة جربة الذي يقام كلّ ربيع، رغم بعض الشعارات "الجهادية" التي رفعت إثر سقوط بن علي مباشرة؛ إذ يذكر تقرير للحالة الدينية في تونس أنّه "منذ انهيار نظام بن علي في 2011 وظهور مناخ من الحرية برز ما كان كامناً عند الكثير من التونسيين فيما يتعلّق بالمسائل الدينية ولا سيما عن الديانات الأخرى واليهودية على وجه الخصوص.

وتزامن ذلك مع اشتداد وطأة السلفيات الجهادية المناهضة بشدّة لليهود واليهودية، والتي لا تفصل في أدبياتها بين اليهودية والصهيونية وبين اليهودي واليهودية والصهيوني.

اقرأ أيضاً: مؤتمر الأقليات المسلمة في مواجهة تيارات الغلو والتطرف

وزاد من تغذية هذه المشاعر المعادية لليهود انسداد آفاق الحلّ السياسي للقضيّة الفلسطينية، ورؤية المجازر الإسرائيلية في حقّ الفلسطينيين، وانتشار رؤية السلفية لليهود واليهودية عبر القنوات التلفزيونية المخترقة للحدود، وهو ما أدّى إلى امتزاج كره اليهود وبمكوّنات متأتّية من أدبيات معاداة السامية الأوروبية. وكان الشّعار المخيف لهذه الثّورة الذي هتف به كثير من المتأثرين بالإسلام السياسي العنيف، هو "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود"، والذي فعل فعله في المتظاهرين المعادين لليهود في تونس ومصر والأردن".

ليس هناك إحصائيات رسمية تحدد عدد المسيحيين في تونس

المسيحيون

ليس هناك إحصائيات رسمية تحدد عدد المسيحيين في تونس، غير أنّ جهات غير رسمية تقدر عددهم بـ5000 حالياً، 90% منهم كاثوليك، في حين تقدر بعض المصادر أنّهم 25 أو 30 ألفاً.

كان لارتباط المسيحيين بالاستعمار في أذهان التونسيين آثار سلبية على حريتهم، خلافاً لليهود الذين سعى الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لضمان حرية ممارساتهم الدينية، ذلك أنّ بناء الكنائس الجديدة مثلاً محظور. ولكن بعد الثورة تمكن المسيحيون من الاحتفال بعيد السيدة العذراء للمرة الثانية في حلق الوادي قرب العاصمة تونس في 15 آب (أغسطس) 2018.

يمارس يهود تونس طقوسهم واحتفالاتهم وأعيادهم بحرية تحت حماية مشددة وعلى رأسها الحج إلى معبد الغريبة

أما علاقتهم ببقية الأديان في تونس فلا يوجد أثر ظاهر للكراهية؛ إذ يعيشون في صلب المجتمع التونسي منخرطين في هموم اليومي، يمارسون طقوسهم ويؤدون واجباتهم من مواقعهم المختلفة.

ويبلغ عدد رجال الدين الكاثوليكي 35 راهباً من أوروبا وإفريقيا والقارّة الأمريكية، غير أنّه يلاحظ توجّه نحو غلبة رجال الدين من الأفارقة عليهم، على الرّغم ممّا لوحظ أخيراً من وفود جماعات من رجال الدّين من أمريكا اللاتينية، ويمكن تفسير هذا الأمر بأزمة الرّهبنة في أوروبا؛ إذ يبلغ معدّل سنّ هؤلاء الرّهبان نحو 53 عاماً.

اقرأ أيضاً: "فقه الأقليات" يجعل كل مسلمي أوروبا في نظر اليمين "طابورا خامسا"

تشهد تونس اليوم وفود أعداد كبيرة من الشباب الأفارقة سواءً من الطلبة أو المهاجرين والعملة، وقد ساهم الزّواج المختلط بين المسلمين والمسيحيين في زيادة عددهم؛ إذ يمثل هؤلاء المسيحيون بالنّسبة الى الكنيسة جمهوراً من الأتباع المخلصين الأوفياء، وهذه الزّيجات مكوّنة أساساً من نساء أوروبيات (فرنسيات وإيطاليات وإسبانيات وألمانيات وبولونيات) متزوّجات من تونسيين.

ما يزال أثر الوجود الشيعي في تونس حاضراً في عادات التونسيين وثقافتهم وأسمائهم

الشيعة

ما يزال أثر الوجود الشيعي في تونس حاضراً في عادات التونسيين وثقافتهم وأسمائهم (جعفر وعلي وفاطمة والصادق) وتعظيمهم لشخصية علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، كما أنّ أثر التشيع حاضر في بعض الأغاني الشعبية القديمة، وماثل في بعض الأمثال والحكايات الشعبية والأساطير التي يرويها الكبار عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.

اقرأ أيضاً: ما هي أقلية الإيغور المسلمة التي تحتجز السلطات الصينية مليون شخص منها؟

إنّ هذا دليل واضح على أنّ التشيع ليس غريباً على البيئة التونسية ما دام عائداً إلى قرون خلت، وتجدد في ستينيات القرن العشرين، وتعزز بنجاح الثورة الإيرانية التي وجدت من إخوان تونس صدى إيجابياً فأطلقوا عليها اسم "الصحوة"، وتأثروا بشخصية مهندسها وقائدها آية الله الخميني.

عبدالله جنوف: أيد التيّار الإسلاميّ بتونس الثورة الإيرانية واعتبرها ثورة إسلاميّة وتأثّر بالجانب الأيديولوجيّ منها

يقول الباحث المتخصص في دراسة المسألة الشيعية عبدالله جنوف في حوار مع الباحث فيصل شلوف: "أما الثورة الإيرانيّة فقد أيّدها التيّار الإسلاميّ في تونس، ودافع عنها، واعتبرها ثورةً إسلاميّةً، وتأثّر بالجانب الأيديولوجيّ منها، أي بقراءتها الأيديولوجيّة التي كانت تؤوّل الإسلام تأويلاً سياسياً، يضخّم البعد الاجتماعيّ فيه، ويوظّفه في مواجهة الخصوم السياسيّين.

ويبدو هذا الأمر في أهداف الثورة كما لخّصها الغنوشي يومئذ وهي "محاربة الاستبداد"، و"محاربة الفوارق الطبقيّة"، و"محاربة التبعيّة السياسيّة للإمبرياليّة العالميّة"، و"تحرير المجتمع الإيرانيّ من الثقافة الاستعماريّة المائعة". وليس في هذه الأهداف إلاّ هدف واحد يخصّ المجتمع الإيرانيّ، وقد اقترن "بالثقافة الاستعماريّة المائعة" التي يرى الإسلاميّون أنّها غزت بلادهم وأنّهم مكلّفون بمواجهتها.

اقرأ أيضاً: المسلمون في نيبال: أقلية تعيش في وئام مع المجتمعات المحلية

أمّا الأهداف الأخرى فيمكن تطبيقها في المجتمعات الإسلاميّة كلّها، وهذا يعني أنّ الثورة الإيرانيّة كانت عند الإسلاميّين مثالاً يمكن القياس عليه، وقد نبّهتهم على قدرة الإسلام على قيادة الثورات لإسقاط الاستبداد، وبعثت فيهم أملاً قوياً لنجاح "الصحوة الإسلاميّة" في قيادة "المشروع الحضاريّ" الذي كانوا يتحدّثون عنه، وولّدت في نفوسهم إعجاباً بالقيادة الدينيّة والصبر الشعبيّ".

ورغم سمة الانفتاح والتسامح التي عادة ما يوصف بها المجتمع التونسي، فإنّ الأمر بعد الثورة قد سمح بإخراج "مكبوتات" اجتماعية لدى بعض الفئات التي كانت آراؤها ومواقفها مصادرة ووجدت في 2011 متنفساً، مثل الإسلاميين المتشددين.

اقرأ أيضاً: القضاء على التمييز ضد الأقلية المسلمة يساهم في تعزيز التعايش

إذ قال الداعية البشير بن حسن في تصريح شهير اعتبر فيه أنّ "تونس سنيّة وليست رافضية"، مضيفاً "لن نتركهم، إما أن يتوبوا أو يذهبوا إلى إيران"، وتابع "إن الشيعة الصفوية أعتبرها من أخطر الفئات على أمن البلاد فكيف لا نخاف منهم ونحن نراهم ماذا يفعلون بالسنّة في العراق واليمن؟ تاريخهم دموي مع الشعب التونسي خلال الدولة الفاطمية فكيف لي أن لا أخاف على بلدي؟".

وجدت تصريحات الداعية بن حسن استنكاراً من أحزاب وجمعيات كثيرة، احتجت بأنّ الشيعة مواطنون تونسيون ولهم الحرية التي يحظى بها جميع التونسيين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية