ما الجديد في الإعلان عن صفقة القرن؟

ما الجديد في الإعلان عن صفقة القرن؟


29/01/2020

بعد تأجيل الإعلان عنها المرة تلو الأخرى، والعمل على تفاصيلها أزيد من عامين، عبر فريق أمريكي مقرّب من الرئيس دونالد ترامب، ينسجم وبشكل كامل مع انحيازاته لإسرائيل، أعلن الرئيس الأمريكي، من باحة البيت الأبيض أمس، وبجانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مشهد غير مسبوق في تاريخ الإدارات الأمريكية، عن الخطوط العريضة لما يسمى "صفقة القرن".

اقرأ أيضاً: صفقة القرن: يوم أسود في التاريخ الفلسطيني‎
لا أعتقد أنّ متابعاً على المستوى الرسمي أو على مستوى المحللين والمتابعين، فوجئ بما تم الإعلان عنه، إن على صعيد ما في جاء في كلمة ترامب أو التوضيحات التي قدّمها نتنياهو، فقد جاءت مضامين الخطة في إطار العنوان العريض للاستراتيجية الأمريكية، القائلة بسلام اقتصادي مع الفلسطينيين، في إطار دولة "هلامية" أعلى من حكم ذاتي وأقل من دولة، تبقى تحت التجربة لمدة أربعة أعوام؛ إذ إنّ كل ما تم الإعلان عنه جاء متوافقاً مع التسريبات على مدى العامين الماضيين، بعد إنهاء أهم الملفات واستبعادها عن أية مفاوضات وهما: ملف القدس بحسم الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وإلغاء قضية اللاجئين، بما في ذلك التعويض المنصوص عليه بالقرارات الدولية، والتأكيدات حول مشاريع اقتصادية كبرى وتخصيص 50 مليار دولار لتحسين الأوضاع الاقتصادية، ليس في الضفة الغربية وقطاع غزة وحدها، بل في الدول المجاورة؛ الأردن ومصر ولبنان.

بيضة القبان في تمرير الصفقة وإفشالها تقع على عاتق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة

ليس جديداً القول إنّ الإعلان عن الصفقة بهذا التوقيت جاء في سياق حسابات أمريكية وإسرائيلية مرتبطة بالأوضاع الانتخابية لترامب ونتنياهو، الواقعين تحت ضغوطات العزل بالنسبة لترامب، واحتمالات مغادرة الحياة السياسية بالنسبة لنتنياهو على خلفية قضايا فساد، وهو ما يفسر تعداد ترامب لإنجازاته بإنهاء خطر تنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي، ومقتل قائد "فيلق القدس" الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ووصف إعلانه لـ"صفقة القرن" بأنّها إنجاز جديد.
الخطة تؤشر لتصورات ومقاربات اليمين الإسرائيلي للحل النهائي، التي تستند بالتوافق مع الإدارة الأمريكية إلى مرجعية الواقع القائم على الأرض، لذا كان الحديث عن الاعتراف الأمريكي بضم الجولان السوري المحتل منذ عام 1967.

اقرأ أيضاً: المواجهة الفلسطينية المطلوبة لصفقة القرن
ورغم التحفظات الدولية والإقليمية على الخطة الأمريكية – الإسرائيلية، إلا أنّها جاءت في بعدها الدولي بحدود طلب التوضيحات والإجابة على تساؤلات تطرح على هامشها، فيما جاءت في الإطار الإقليمي من قبل تركيا وإيران، في إطار حسابات الدولتين لمستقبل علاقاتهما مع الولايات المتحدة، وتحسين شروط مفاوضاتهما ودورهما في الإقليم، على هامش التحولات والتغييرات الكبرى الجارية لإنتاج شرق أوسط جديد، وهو ما يعني أنّ تلك المواقف الدولية والإقليمية، لن تتعدى سيناريو تحسين شروط تحقق المصالح الفلسطينية، ولكن في الإطار العام للصفقة، وليس في اجتراح سيناريوهات جديدة، تضمن الحقوق الكاملة غير المنقوصة للشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون يلوحون بالتصعيد
بعيداً عن البكائيات، والاتهامات التي توجّه لترامب التي تجتاح أوساطاً من الإعلاميين والسياسيين العرب، في إطار قاموس الرعونة والتهكم والخيانة وقرع طبول الحرب والاستعداد للشهادة، ومفاهيم لا صوت يعلو فوق صوت البندقية، فإنّ بيضة القبان في تمرير الصفقة وإفشالها تقع على عاتق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد أظهرت ردود الفعل الأولية على الصفقة على المستويين؛ الشعبي والرسمي العربي، مستوى تلك الردود، والتي تكاد تكون صورة مكررة عن تلك التي نشأت بعد إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل.

خطر الصفقة وتبعاتها وتداعيات ترجمتها على الأرض يفترض أن يكون مدعاة حقيقية لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس

خطر الصفقة وتبعاتها وتداعيات ترجمتها على الأرض، يفترض أن يكون مدعاة حقيقية لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس، فخطر الصفقة لا يوازيه أي خطر، خاصة بعدما قبلت كافة الأطراف العربية مبدأ دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام دائم وعلى أساس حدود عام 1967.
حل السلطة الفلسطينية، التي لم يتبقَّ منها إلا التنسيق الأمني مع إسرائيل وفقاً لاتفاق أوسلو، لتواجه إسرائيل حقيقة أنّها محتلة، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وإطلاق انتفاضة "حجر" فلسطينية ثالثة، تتراوح مع غيرها في كونها سيناريوهات محتملة وأماني مطروحة في الشارع الفلسطيني والعربي؛ فالعالم اليوم ينظر بعيون شاخصة إلى الشعب الفلسطيني وما يمكن أن يفعله في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعيداً عن "جعجعة" فضائيات وخطابات التحرير التي يبني ممولوها علاقات "سياسية واقتصادية" وثيقة مع إسرائيل، بالتزامن مع إعلان "داعش" التي أقرّت بأنّ قضية المسلمين والعرب هي القضية الفلسطينية، وقررت العمل على تحرير فلسطين، بعد إعلان "صفقة القرن".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية