ما الذي يجري في العراق؟

العراق

ما الذي يجري في العراق؟


17/07/2018

يشهد العراق منذ أيام "انتفاضة" شعبية، انطلقت من مدينة البصرة، في أقصى جنوب العراق، وسرعان ما توسعت وانتقلت شرارتها إلى محافظات وسط العراق، وبعض أحياء العاصمة بغداد، بما فيها "النجف الأشرف"؛ حيث تم وقف الملاحة الجوية في مطارها الدولي، وتخللها سقوط ضحايا وجرحى بين المتظاهرين وقوات الأمن، يتفاوت عددهم بين منطقة وأخرى، إضافة إلى إحراق مقرات كتل انتخابية وأحزاب تقليدية، خاضت الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل شهرين في العراق.

بعد مضيّ 15 عاماً على تغيير النظام العراقي، يتساءل العراقيون عن التغيير الموعود

الانتفاضة الحالية، انطلقت لأسباب معلنة؛ هي تردّي ونقص الخدمات المقدمة، وتحديداً مياه الشرب، في محافظة البصرة، ورغم محاولات الحكومة لإنقاذ الوضع بتشكيل وفد وزاري يضم وزراء الخدمات لإنهاء مشكلة المياه، إلا أنّ المظاهرات توسعت وانتقلت إلى مناطق أخرى، في ظلّ عجز الحكومة عن تقديم حلول سريعة ودائمة لمشكلة المياه، التي تتحمل إيران جزءاً من مسؤوليتها بعد تحويل مجرى الأنهار في المنطقة، ما زاد نسبة ملوحة مياه شط العرب، وزاد من عقبات تحلية المياه.

نقص مياه الشرب وسوء الخدمات أساس الأزمة العراقية المتصاعدة

قضية نقص مياه الشرب، وسوء الخدمات، تشكل رأس جبل الجليد في الأزمة العراقية المتصاعدة، والتي تتضمن أسباباً غير معلنة، مرتبطة بالفساد ورفض الطبقة السياسية التي أدارت العراق منذ العام 2003، فبعد مضيّ خمسة عشر عاماً على تغيير النظام العراقي، يتساءل العراقيون، خاصة في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية في وسط وجنوب العراق، عن التغيير الموعود، خارج الخطاب الديني الذي يهيمن، والذي تقوده الأحزاب التقليدية الدينية، في ظلّ مفردات المظلومية ومواجهة الإرهاب التكفيري، بالتوازي مع سيطرة نخبة سياسية تمثلها زعامات ورموز تلك الأحزاب في إطار تدوير المواقع والمناصب، خلال أربع دورات انتخابية جرت في العراق منذ العام 2003، وشيوع الفساد بأبشع صوره، لدرجة أصبح معها العراقيون يستذكرون الخدمات التي كانت في عهد النظام السابق، مع ما هو قائم اليوم، وفيما إذا ما انتقلوا من مظلومية إلى أخرى جديدة.

تعامل الحكومة العراقية مع المظاهرات يستلهم التجربة والأساليب الإيرانية في التعامل مع المتظاهرين

السخط الشعبي في العراق على النخب الحاكمة، لم يكن وليد اللحظة؛ فقد شهدت مناطق جنوب ووسط العراق، إضافة إلى شماله وغربه، مظاهرات على مدى الأعوام الماضية، وللأسباب ذاتها: "نقص وتردي الخدمات"، وربما كانت نسبة المقاطعة في الانتخابات الأخيرة هذا العام، التي تؤكد "جهات مستقلة" أنها تجاوزت الـ 80%، إعلاناً عن رفض الطبقة السياسية، وفشلها عبر أعوام في حكم العراق.

اقرأ أيضاً: أزمة طهران - واشنطن: أين تتجه بوصلة العراق؟

من اللافت للنظر؛ تعامل القوى السياسية الحاكمة والمرجعية الدينية في العراق مع الانتفاضة، بالإعلان عن تأييدها لمطالب المتظاهرين، وأن تبقى في الأطر "السلمية"، وهو ما يعبّر عن استخفاف بالمتظاهرين، ومحاولة لاحتواء سخطهم، في الوقت الذي أحرق المتظاهرون مقرات هذه القوى السياسية، وكأنّ المظاهرات ضدّ نخب من كوكب آخر، فلم يستطع العراقيون تمرير تأييد هادي العامري، قائد الحشد الشعبي، أو تأييد نوري المالكي، رئيس الوزراء لثمانية أعوام، للمظاهرات.

التأثير الإيراني في انتفاضة العراق حاضر وبقوة

التأثير الإيراني في انتفاضة العراق حاضر وبقوة، فمن جهة يدرك العراقيون أنّ هناك انتفاضة تجري في إيران لأسباب انتفاضتهم ذاتها، كما يدركون أنّ فشل الكتل السياسية العراقية في تشكيل حكومة عراقية بعد الانتخابات الأخيرة، مرتبط بموافقة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي يعدّ المندوب السامي الإيراني في العراق، وأنّ رموز النخب السياسية العراقية يقدمون مصلحة إيران على مصالح العراق، كما أنّ تعامل الحكومة العراقية مع المظاهرات يستلهم التجربة والأساليب الإيرانية في التعامل مع المتظاهرين في إيران، من خلال الاعتقال وإطلاق النار على المتظاهرين، وقطع خدمات الاتصالات والإنترنت، والتمسك بمقولات "المؤامرة الخارجية"، وأنّ أمريكا تقف وراء تحريك المتظاهرين، بالتعاون مع أجهزة استخبارية تعمل على الإطاحة بالثورة الإسلامية، وكلها شعارات أصبح المتظاهرون يجيبون عليها بشعاراتهم وهتافاتهم، ويستذكرون أنّ إعلان حيدر العبادي عن خطط لمواجهة الفساد ما هي إلا ملهاة، تم إفشالها من قبل إيران.

اقرأ أيضاً: الاحتجاجات في البصرة: عفوية التظاهر ونظرية التآمر

ربما يتم احتواء الانتفاضة العراقية الحالية، بوصفها تمرداً، وربما تنجح الأساليب الأمنية في خفض منسوبها، إلا أنّ احتمالات توسعها وامتدادها إلى مناطق غرب وشمال العراق، تبقى احتمالات قائمة، غير أنّ الأهم هذا  الشعور الجمعي الوطني العراقي، الذي  يتأسس في عموم العراق بعراقية العراقيين، ولن تنفع معه التعبئة والشعارات القائمة لرموز المكونات العراقية، فقيادات "السنّة والأكراد" ليسوا بأفضل حالاً، والتذمر نفسه والشكوى ذاتها ينتشران في مناطق السنّة والأكراد، تجاه الطبقة السياسية التي تمارس الفساد ذاته، دون أي احترام  لكرامة الإنسان العراقي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية