"ما بعد السلفية".. هل تخلّى السلفيون عن الدعوة لصالح السياسة؟

"ما بعد السلفية".. هل تخلّى السلفيون عن الدعوة لصالح السياسة؟

"ما بعد السلفية".. هل تخلّى السلفيون عن الدعوة لصالح السياسة؟


12/08/2018

أفضى الإسلام السلفي، في ضوء تحولاته مؤخّراً داخل مصر، إلى "سلفية سياسيّة جديدة" متنوّعة، تُعنى بتوطيد الهمّ السّلطويّ قبل الهم الدعوي، وانقلاب الأولويات لتصبح الدولة والأمة في البداية قبل الإسلام التربوي والدعوي، بما يؤكد بداية طي صفحة السلفية التقليدية التي تهتم بالدعوة والتربية دون خوض لغمار العمل السياسي، والسلفية الإصلاحية التي أجازت العمل السياسي، وقبلت بالعملية الديمقراطية، أو السلفية الجهادية التي تؤمن بجواز الخروج على الحكّام.

مرحلة جديدة

هي مرحلة جديدة،  انتهى فيها عصر السلفية، إلى "ما بعد السلفية" التي انتقلت من الإيمان بالأفكار الإسلامية العامة المستقاة من النموذج الإسلامي التاريخي، إلى الإيمان بالعمل السياسي، والتحول إلى معنى جديد يتكيّف مع تطوّر المشهد المصري، وينسلخ تدريجياً من كل المرحلة التاريخية القديمة، إلى حالة تتجاوز كل القديم.

الدراسات النقدية التي تناولت تحولات السلفية كانت شحيحة خاصة من السلفيين أنفسهم

هذا وكانت شحيحة تلك الدراسات النقدية التي تناولت تحولات السلفية، كما كانت قليلة التي تناولت السلفية من السلفيين أنفسهم، بما لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، إلا أنّ واحداً من تلك الدراسات أثار جدلاً في الأروقة السلفية، وهو (ما بعد السلفية)، لأحمد سالم، من الشباب السلفيين، الذين كانوا يعدونه كقيادي وشيخ سلفي كبير، لذا أطلقوا عليه أبو فهر، من كثرة حفظه للمتون والشروحات السلفية، وعاونه شاب آخر وهو السلفي، عمرو بسيوني، وكلاهما الآن ترك السلفيين، ويُنظر لهم من خارج هذا التيار.

غلاف كتاب "ما بعد السلفية"

إعادة تعريف السلفية

أهم ما طرحه الكتاب الصادر العام 2015 عن مركز نماء للبحوث والدراسات في 704 صفحات، هو إعادة تعريف السلفية؛ حيث أنكر التعريف السلفي للسلفية وهو الجماعة التي تعتقد بمنهج السلف، وتنتهج منهجهم في فهم الكتاب والسنّة، وهؤلاء السلف هم الصحابة والتابعون وتابعوهم من أهل القرون الثلاثة الأولى، ويعتبر السلفية أنّ من كان بالحديث أعلم كان بمذهب السلف أعلم وله أتبع، وأكد المؤلفان أنّ هذا التعريف ينقصه الكثير، فيما أضافا، أنّ السلفيين يتفقون على مجموعة من الأصول المتعلقة بالتوحيد، والتي تُعَد العقيدة الواسطية لابن تيمية وكتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب كركيزتين لهم وينصّون على ضرورة الاتباع لها.

أهم ما طرحه الكتاب إعادة تعريف السلفية حيث أنكر التعريف السلفي لهذا المفهوم

كل هذا يعتبر مجموعة من القواعد مثل رفض التأويل الكلامي ورفض المبالغة في الاعتداد بالعقل وتقديمه على النقل، وعدم معارضة الوحي بعقل أو رأي أو قياس، وهذا منهج بلا شك لا بد وأن يخضع للنقد وفق ما ذهب إليه الكتاب.

يقول الباحثان إنّ للسلفية مجموعة من الاختيارات أدّت إلى صياغة هوية ثقافية للمنتمين للسلفية المعاصرة، مثل التزام النساء بتغطية الوجه، وتقصير الثياب وتحريم إسبال الرجال لثيابهم، وتحريم الموسيقى، وتحريم حلق اللحية، وترك تهذيبها والأخذ منها.

نقد فكرة الفرقة الناجية

طرح الكتاب نقداً لفكرة الفرقة الناجية لدى السلفيين، وأبدى رأياً أكثر انفتاحاً، مفاده أنّ مصطلح الفرقة الناجية مرادف لمصطلح الإيمان الكامل بالواجبات، والموافقة التامة لما كان عليه النبي صلى عليه وسلم في العلم والعمل، ولا ينطبق معنى الحديث على العقائد كما ينطبق على العبادات والأخلاق، وكل فرقة قد تصيب الحق في القول والعمل، وقد يفوتها في أقوال وأعمال أخرى، وقد تدركه في أبواب أخرى، بحيث تكون النجاة هنا مدار سعي للناس والفرق.

اقرأ أيضاً: الخطاب الديني السلفي وصناعة الأسطورة 1/2

تستعمل السلفية حديثاً آخر لتدل من خلاله على معنى الفرقة الناجية، وهو قول النبي عليه السلام: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين"، والباحثان يشيران إلى كيفية استخدام ابن تيمية لهذا الحديث؛ فالطائفة المنصورة -كما يفسرها ابن تيمية- هم أهل الجهاد، وإن حُمِل الجهاد على معنى العلم، فلا يفيد الحديث تحديداً لطائفة دون غيرها، وفق قلهما.

بين السلفية المنهجية والتاريخية

تطرَّق الباحثان بعدها لضرورة التفريق بين السلفية المنهجية والسلفية التاريخية، وأنّ الصَّحابة ليسوا هم الفِرقة الناجية، مع أنهما ركَّزا كثيراً على مرجعية "إجماع الصحابة"، إلا أنَّ هذا التركيزَ كان له هدفٌ واضحٌ في الكتاب؛ ألا وهو زحزحة مكانة معتقَد السلفيين في موقع الصَّحابة، حيث يقولون (أي السلفيين) إنّ السَّلفيَّة: هي طلبُ ما كان عليه صحابةُ رسول الله، صلَّى الله عليه وسلم، وهذه وفق المؤلفين منهَجٌ يُطلبُ، وليست حقيقةً تُحاز، ومَن زعم اكتمال سلفيَّته كَذب.

اقرأ أيضاً: الخطاب الديني السلفي وصناعة الأسطورة 2/2

ويوضّح الكتاب أنّ السلفيَّةُ ليستْ مجرَّد مضامين معرفيَّةٍ، مَن حازها فهو سلفيٌّ؛ بل إنَّ من أعظم البلايا: أن تتحوَّل السلفيَّةُ إلى حالةٍ معرفيَّةٍ مجرَّدةٍ، ليس معها مقتضياتها الإيمانيَّة من التحقُّقِ بأعمال القلوب، وعِبادات الجوارح، ومكارم الأخلاق.

يختم الباحثان بقول مهم، وهو: إن السلفي المعاصر لم يحلّ مشكلة التنازع التأويلي للكتاب والسنة بأنْ يردَّ الناس لفهم السلف، وهذا يعود إلى أنَّ ضبط أقوال السلف ومقاصدهم وأحوال هذه الأقوال- اتفاقاً واختلافاً، ثبوتاً ودلالةً- يمر بالضرورة عبر الذات المتلقية الناظرة في كلام السلف، وبالتالي فإن أقوال السلف نفسها ستعاني نفس إشكالية التنازع التأويلي، وهذا إن لم يكن في كل المسائل أو إنْ سلِمتْ منه مسائل، فلن تسلمَ منه أخرى، وبالتالي فإن العمل النقدي سيكون لازم الحضور للنجاة من أخطاء الذوات المتلقية لأقوال السلف؛ كي لا يتحوَّل فهم هذه الذوات إلى عقيدة صلبة.

 من أعظم البلايا أن تتحوَّل السلفيَّة إلى حالة معرفيَّة مجرَّدة ليس معها مقتضياتها الإيمانيَّة

مرحلة "الليبروسلفية"

لقد صبغت تحولات ما بعد السلفية إلى أنّ رؤية ما أسماه المؤلفان "ليبروسلفية" بمعنى أنّها تتحول ناحية الليبرالية، وساعتها لن تكون السلفية التي تستند إلى موقف اجتماعي نابع من استعادة الأصل الديني النقي بطريقة نصوصية؛ بعيداً عن الفكر السائد، وبهذا فهي في الأساس حركة دفاعية عن أصول الدين، تدعو لهيمنة منهج السلف وعلومهم، وأن تكون مركزية العلم الديني هي مركزية التفاضل بين المنتمين لها، وإعمال العقل الفقهي في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية عامة للمسلمين، وهذا يختلف في مجمله عن الليبرالية، حتى لو غير السلفيون مواقفهم من بعض "الثوابت الخاصة".

يخلص المؤلفان في أطروحتهما إلى أنّ "ما بعد السلفية" أنتجت خطاباً جديداً تحوّل من الأخلاقي إلى السياسي

"ما بعد السلفية"، وفق الكتاب، هي المرحلة الجديدة التي استطاعت أن تتجاوز نفسها بعد أن احتكت بالديمقراطية التداولية الحقيقية، وبعد أن رأت قدرة وإمكانية الآلة الديمقراطية على إنجاز الأفكار نظرياً وإنجاحها عملياً، كما استطاعت أن تعيد إنتاج خطابها الكلاسيكي لتكسبه طابعاً جديداً قابلاً للحياة في مجتمع علماني.

يخلص المؤلفان في أطروحتهما إلى أنّ "ما بعد السلفية" أنتجت خطاباً جديداً تحوّل من الأخلاقي إلى السياسي، وكذلك مع ملامح جديدة، لم تقف أمام بعض الثوابت، واعتبرتها منتجات فكرية نابعة من اختلاف الرؤى واكتشاف خبرات السلف ودلالتها من جديد، مثل مفهوم الدولة الوطنية، الذي كان مؤسساً سابقاً على سيادة مبدأ الأخلاق وقيم ومبادئ السلف حتى في النموذج السياسي للدولة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية