ما بعد داعش.. كيف نقرأ هذا الوحش؟

ما بعد داعش.. كيف نقرأ هذا الوحش؟


30/05/2018

زوال دويلة داعش، ككيان سياسي، دفع الباحثين والمختصين إلى التفكير في مرحلة ما بعد داعش، وكيفية مواجهة خلاياها السرية وذئابها المنفردة، لكنّ السؤال العميق الذي يجب أن نطرحه الآن: ما هي الدروس التي تعلمناها من ظهور هذا الوحش الماضوي، الذي صنعته أفكار وظفتها أجهزة إقليمية تقاطعت مصالحها، معه وعليه، فشحنته بالمال والسلاح والرجال، وأطلقت سراحه من القمم، فعاث في الأرض فساداً فأهلك الحرث والنسل؟

ولم تنقص هذا التنظيم الأيديولوجية التي تسوغ شرعيته الدينية؛ حيث وجد ضالته في كتب التراث الماضوي، فنهل منها وغرق في معينها، مشكلاً أيديولوجيته التي طالب من خلالها بإقامة دولة الخرافة، ظاناً أنّه بذلك يخدم دين الله وقضية السماء!

ويبدو لي، أنّ توجه شطر لا يستهان به من الباحثين لمعالجة ذئاب داعش، وخلاياها السرية، التي اندغمت في المجتمعات المختلفة، دون بحث ظاهرة داعش كتنظيم سياسي تسلَّحَ بأيديولوجية تنتمي إلى تراثنا، وواقع مجتمعاتنا المرير، يؤدي إلى التعمية والتغطية على الأسباب؛ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، التي ساهمت في توفير البيئة الحاضنة لهذه الأيديولوجية، وبغير هذا النهج التفكيكي للعوامل المسببة لظهور هذا الوحش، وغيره من وحوش الماضوية، فإنّنا سنغرق في متاهة الما بعد، وننسى الما قبل؛ فالمقدمات يتمخض عنها نتائج، والواقع البائس ينبجس، منه وعنه، حركات وتنظيمات، إما عقلانية تنويرية تسعى للتغيير إلى الأفضل، أو حركات شعبوية خلاصية فاشية، تهلك الحرث والنسل.

أدّى انطفاء السياسة والتنمية في أغلب مجتمعاتنا العربية، إلى ظهور الحركات الشعبوية

ومع ذلك، فقد أسهب بعض الباحثين في تحليل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي أفضت إلى ظهور الحركات الدينية الفاشية؛ حيث أدّى انطفاء السياسة والتنمية في أغلب مجتمعاتنا العربية، إلى ظهور الحركات الشعبوية التي تقدم نفسها كحركات منقذة ومخلصة. وعلى وجاهة هذه التحليلات؛ ما يزال مجتمعنا العربي، على العموم، يغفل أهمية العامل الثقافوي والفكروي المستند على النصوص الدينية والتراثية، والأمر الذي يدفعنا هنا للتأكيد على أهمية العامل الأيديولوجي، هو صمت مجتمعاتنا وتنظيماتها المدنية؛ من أحزاب ونقابات وروابط، عندما اكتسح داعش بعض ساحاتنا العربية؛ حيث لم نلحظ قيام مظاهرات شعبية كبيرة تعترض على هذا التنظيم وفظائعه التي ارتكبها، أو على تشويه داعش للإسلام، على اعتبار أنّها تنادي بتطبيق شريعته!!

وهذا، في نظري، ليس مثيراً للاستغراب؛ نظراً إلى أنّ ثقافة داعش وأيديولوجيته تنتمي لنا، ولعقلنا الجمعي، الذي تشكَّل عبر قرون من الزمن؛ فالتربية التي نشأت عليها مجتمعاتنا على يد حرَّاس الإيمان والاعتقاد؛ التقليديين منهم والإسلامويين الحركيين، تنادي بتطبيق تصوّر طوباوي لدولة دينية تطبق شريعة الله، وفق ما يتخيله الموقعون عن رب العالمين، في كتبهم الحالمة، حول إقامة مدينة الله في الأرض، ذلك الفردوس الدنيوي الذي لم ولن، يتحقق في التاريخ.

ما يزال مجتمعنا العربي يغفل أهمية العامل الثقافوي والفكروي المستند على النصوص الدينية والتراثية

إنّ مسألة تفكيك العقل الجمعي لمجتمعاتنا، ضرورة منهجية وفكروية، حتى ندرك طبيعة قيام حركات دينية فاشية، كداعش والإخوان المسلمين، وباقي السلالة الشريرة التي انسلّت منها، فشئنا أم أبينا، هي منا ومن بنات ماضينا البعيد والقريب؛ فقد صدرت عن جملة آراء دينية مبثوثة في كتب تراثنا الديني، صاغها دهاقنة الإسلام السياسي الحديث، مستغلين أوضاعاً سياسية واجتماعية واقتصادية بائسة، فتسللوا إلى عقل المواطن العربي، المنهك حضارياً، وزرعوا فيه فكرة دولة حاكمية الإله، لتحقيق التمكين في الأرض. لذلك، فلا نعجب إذا سألنا هذا المواطن المغلوب على واقعه وأمره: كيف يمكننا حلّ مشكلاتنا؟ فأعطانا إجابة تشبه ما تطرحه داعش، وأختها جماعة الإخوان المسلمين، إجابة متمثلة في أيديولوجية: "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ"، ومن ثم الجهاد في سبيل الله للوصول إلى أستاذية العالم!

لذلك كله؛ إن لم نخلص إلى هذه النتيجة، فإننا سنبقى نتهم الآخرين بالإساءة إلى الإسلام، من خلال ربطه بسلوكيات داعش، على اعتبار أنّ فكرها الإسلاموي الفاشي هو نبت شيطاني لا ينتمي إلينا! هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن لم يساهم الباحثون والمفكرون العرب في تفكيك وإنهاء الأيديولوجية التي يتم من خلالها شحن عقول المجتمع بها، المتمثلة في الخطاب الديني الإسلاموي الحركي، والتقليدي الرسمي، ستبقى الفاشية الداعشية والإخوانية، وأخواتها من التنظيمات السلفية، تعيث فساداً في الأرض العربية والعالم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية