ما دلالات الانسحاب "التكتيكي" للميليشيات الإيرانية من سوريا؟

ما دلالات الانسحاب "التكتيكي" للميليشيات الإيرانية من سوريا؟


27/05/2020

بالرغم من المعلومات المتواترة في الصحف العالمية والمحلية السورية حول الانسحاب "التكتيكي" للميلشيات الإيرانية من سوريا، وتخفيض قواتها تدريجياً، إلا أنّ واقع الحال يكشف عما هو أبعد من تلك الأخبار المسربة، كما يفصح عن تناقضات عميقة، تخفيها الأحداث الرائجة على السطح، بينما يبرز صراعات محتدمة داخل النظام الإيراني، والتي تفاقمت على إثر انتشار فيروس كورونا المستجد، ومقتل قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، مطلع العام الحالي، مما ترتب عليهما تغييرات جمة، وأوضاع اقتصادية وسياسية مأزومة، أعادت النظر، مجدداً، في التكاليف المهدرة في النزاعات الإقليمية.

اقرأ أيضاً: تركيا تنتقل إلى الاحتلال المباشر في سوريا بعد نقل كافة الفصائل الموالية لها إلى ليبيا
بيد أنّ المصالح الإستراتيجية للحرس الثوري الإيراني في دمشق، والتي تتجاوز تعبئة المسلحين إلى ضخ الأموال والاستثمارات جنباً إلى جنب مع الأرواح، حيث ترى في وجودها أهمية جيوسياسية، تعززه اتفاقيات اقتصادية وتجارية وعسكرية، جعلتها تصمد أمام الضربات الإسرائيلية المتكررة، تارة، والضغوط المحلية والخارجية، تارة أخرى.

 

 

إيران والمصالح في دمشق
وبحسب مراقبين، فإنّ الانسحاب الإيراني من سوريا يتخلله بعض المبالغات وعدم الدقة، حيث يمكن توصيفه بـ"إعادة الانتشار"؛ إذ لا توجد مؤشرات تعكس تغييرات إستراتيجية للدور الإقليمي لإيران في سوريا، فضلاً عن أهدافها الأمنية والسياسية والأيدولوجية.

جيفري: العلاقة الروسية السورية تتعرض إلى هزات عنيفة، وتغيير في المواقف والرؤى بسبب النظرة المختلفة تجاه الأسد

ومن جانبه، أوضح المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، منتصف الشهر الجاري، أنّ طهران قلصت وجودها في سوريا، على خلفية التأثر بالعقوبات الأمريكية الصارمة التي شلّت الاقتصاد الإيراني، ما أدى إلى أزمة مالية شديدة ترتب عليها "تقليص حجم بعض قواتها في سوريا نتيجة العقوبات الأمريكية"، وذلك في الوقت الذي تكثف فيه عدة أطراف جهودها لقطع طريق طهران، بغداد، دمشق، بيروت، من خلال السيطرة على النقاط الحدودية الممتدة بين سوريا والعراق عبر معبر البوكمال.
سياسة "الضغط القصوى"
وفي ندوة بمعهد "هادسون" بواشنطن، قال جيفري: "رأينا الإيرانيين يقلصون بعض أنشطتهم الخارجية في سوريا بسبب الأزمة الاقتصادية في طهران، وتقليص القوات المدعومة من إيران في سوريا، ما أدى إلى تراجع وتيرة القتال المستمر هناك، كما يعكس النجاح الهائل لسياسات العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترمب على إيران".

اقرأ أيضاً: 7 تطورات ومفاجآت تعيد سوريا إلى الواجهة
واعتبر المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا أنّ سياسة "الضغط الأقصى" التي تفرضها إدارة ترامب ضد النظام الإيراني، قد حققت أغراضها في عدم تحويل سوريا من قبل طهران إلى منصة ثانية لجهة إطلاق الأسلحة بعيدة المدى ضد إسرائيل، أو قناة تمثل أحد أجنحة الهلال الشيعي، بغية إمداد حزب الله بصواريخ أكثر دقة، مضيفاً: "نرى بعض الانسحابات من القوات التي تقودها إيران، وقد يكون بعضها تكتيكياً لأنهم لا يقاتلون في الوقت الحالي، ولكنهم أيضاً يعانون من نقص المال".

 

 

وإلى ذلك، لفت جيفري إلى أنّ العلاقة الروسية السورية تتعرض إلى هزات عنيفة، وتغيير في المواقف والرؤى بسبب النظرة المختلفة التي بدأت تسود تجاه دور بشار الأسد، حيث أكد الطرف الروسي، لنظيره الأمريكي بأنهم غير سعداء بوجود الأسد، لكنهم لا يجدون بديلاً عنه، موضحاً أنّ "الإدارة الأمريكية الحالية تأخذ ذلك الحسبان وتساعدهم بالشراكة مع المجتمع الدولي لتهيئة الانتقال السياسي".

 

 

النائب الإيراني حشمت الله فلاحت بيشة: طهران أنفقت ما بين 20 إلى 30 مليار دولار لدعم الأسد ومحاربة داعش

ويتفق والرأي ذاته، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، في معهد دول الخليج العربي، علي ألفونة؛ حيث يرى أنّ التغييرات التي قامت بها القوات الإيرانية في سوريا، وتمثلت في الانتقال من دير الزور إلى موقع أكبر في تدمر، بالإضافة إلى بعض التحركات التكتيكية الأخرى، تعد بمثابة إعادة انتشار لقواتها، ولا يمكن اعتباره مغادرة، في كل الأحوال، إنما حيلة تكتيكية جاءت نتيجة الضربات الجوية الإسرائيلية على الأهداف والمواقع العسكرية الإيرانية.
تزامن الحديث عن انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا مع زيادة الغارات الاسرائيلية المكثفة، مطلع الشهر الجاري، والتي استهدفت المواقع العسكرية الإيرانية، في دمشق، بينما كانت آخرها الغارة على حلب؛ إذ كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ "انفجارات هزت مواقع قوات النظام والميليشيات الإيرانية في معامل الدفاع، في شرق حلب، واستهدفت الفرع 247 معامل الدفاع بالسفيرة، الموجودة في جنوب شرق المدينة ذاتها، وقد أسفرت عن تدمير مستودعات ذخيرة".
وبحسب المرصد فقد "دوت ثلاثة انفجارات عنيفة في بادية الميادين، في ريف دير الزور، بالتزامن مع تحليق طائرات مجهولة يرجح أنها إسرائيلية، استهدفت مواقع انتشار الميليشيات الإيرانية، دون ورود معلومات عن حجم الخسائر حتى الآن".
الضغوط على إيران ورفض اقتصاد الحرب
وعلى إثر ذلك، تباينت ردود الفعل الإيرانية الرسمية التي بدت في بعضها غاضبة من الخسائر التي يتكبدها الإيرانيون في سوريا، حيث صرح النائب الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، بأنّ طهران أنفقت ما بين 20 إلى 30 مليار دولار لدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، ومحاربة تنظيم داعش، بينما طالب النائب الذي يشغل منصب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، باستعادة تلك الأموال من سوريا.

اقرأ أيضاً: تركيا تقود أطفال سوريا إلى رحلة الموت في ليبيا
وفي سياق متصل، يوضح الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، محمد الجبوري، أنّ هناك مجموعة من المعطيات قد تفسر لنا تلك التغييرات التكتيكية فيما يتصل بمستوى تعاطي طهران مع سوريا، لكن لا يمكن وضع الأمر برمّته باعتباره انعكاساً لتغيير إستراتيجي في بنية الطموح السياسي للولي الفقيه، السياسي والأيدولوجي والأمني، تجاه دمشق، لما تمثله من أهمية جيوسياسية، وكذا، حجم الاستثمارات في العقارات وإعادة بناء وتعمير البنية التحتية للبلاد التي دمرتها الحرب، والتي تحتكرها شركات إيرانية، ناهيك عن التغييرات الديمغرافية التي تعرضت لها العاصمة، ومناطق أخرى عادت إلى سيطرة النظام".

 

 

ويضيف لــ"حفريات": "ثمة ضغوط خارجية تتعرض لها إيران، مؤخراً، حيث العقوبات الاقتصادية الأمريكية، واستهداف قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، مطلع العام الحالي، وكلاهما مثل خسارة فادحة لها في ما يخص ترتيبات الوضع العسكري والميداني في الإقليم، ناهيك عن التعبئة التي تتعرض لها من أجنحة رسمية داخل النظام، ومستوى النقمة الشعبية في الاحتجاجات المستمرة؛ إذ رفع المحتجون خلالها شعارات عديدة، تنبذ اقتصاد الحرب، وتندد بالأموال المهدرة في الحروب والتدخلات الخارجية".

 

 

اقرأ أيضاً: عين على الميدان.. خريطة التنظيمات المُسلحة في سوريا
بيد أنّ قانون "قيصر" الأمريكي، المزمع تنفيذه في حزيران (يونيو) المقبل، يدخل ضمن السياق العام الذي يفرض حصاراً ليس ضد النظام السوري، فقط، إنما ضد الدول والكيانات المتحالفة معه، ومن بينها، روسيا وإيران؛ حيث إن التشريع الأمريكي الذي حاز موافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن، يستهدف فرض عقوبات اقتصادية على الأسد، وإرغامه على القبول بالانخراط في المسار السياسي، والرضوخ للقرارات الدولية، بحسب الباحث المتخصص في الشأن الإيراني.
ويختتم: "تبدو إدارة ترامب عازمة على مواصلة سياسة "الضغط القصوى"، خاصة في ظل مساحة الحركة الحيوية والمدعومة سياسياً، بغية تقليص خيارات النظام السوري والمتحالفين معه أمام العقوبات الصارمة ضدهم، وذلك في حال إصرارهم على مواصلة القتال واستئناف الحرب".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية