ما دلالات رداءة الترجمة العربية لوثيقة "صفقة القرن"؟

ما دلالات رداءة الترجمة العربية لوثيقة "صفقة القرن"؟


02/02/2020

ضمن سيل جارف من التعليقات الغاضبة على إعلان الرئيس الأمريكي للشقّ السياسي لما تعرَف بـ "صفقة القرن"؛ تداول فلسطينيون ومؤيدون لهم على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يتهكمون فيه على ترامب، وهو يقول: "الأكوا موسك" مخطئاً في لفظ "الأقصى"، في دليل آخر على جهل صاحب الخطة بإحدى أهم مفردات فلسطين والعالمَين العربي والإسلامي، والتي ترمز لمكان شكّل منذ أكثر من قرن بؤرة للصراع الذي يفترض أنّ خطته تتناوله بالتفصيل.

الأخطاء اللغوية دليل آخر على غياب الإتقان وتدنّي الكفاءة لدى الإدارة الأمريكية، وفريقها المكلف بملف السلام في الشرق الأوسط

وإذا كانت أخطاء كهذه قد باتت مألوفة بالنسبة إلى رجل أعمال لعوب مستهتر، جاءت به ظروف وتناقضات محلية ودولية كثيرة، على رأس أقوى دولة في العالم؛ فإنّ الأمر يتعدى كونه مجرد زلّة لسان.
لم تقم الإدارة الأمريكية بعد بترجمة الشقّ السياسي من تصورات إدارة ترامب للسلام في الشرق الأوسط إلى العربية والعبرية، لكن لنعد قليلاً إلى الوراء، فبعد أيام من ورشة "الازدهار من أجل السلام"، التي عقدت في المنامة، في 25 و26 من شهر حزيران (يونيو) الماضي، نشر البيت الأبيض على موقعه الإلكتروني وثيقة من أربعين صفحة تلخص تصورات كوشنر للجانب الاقتصادي من الخطة، مرفقة بترجمتين إلى العربية والعبرية.
باستثناء مقالة د. أحمد جميل عزم، المعنونة "منتخب الهواة الأمريكي والعرائس الفلسطينية"، والتي أشار فيها إلى رداءة النصّ العربي لما قدمه كوشنر في البحرين، بدا أنّ الكفاءة اللغوية للترجمة العربية لتصورات كوشنر للسلام في الشرق الأوسط هي الغائب عن النقاش.

اقرأ أيضاً: مراجعات ما بعد صفقة القرن.. ما الذي أضعف الموقف العربي؟
في العنوان وحده يحتاج القارئ العربي إلى أقل من ثانيتين لتقع عيناه على خطأ إملائي وآخر في الترجمة: "من السلام إلى الإزدهار" (والصواب: الازدهار لأنّها همزة وصل)، رؤيا جديدة للشعب الفلسطيني (والصواب: رؤية)، علماً بأنّ تلك المنتهية بألف ممدودة تعني "حلم"، كما جاء في سورة يوسف في القرآن الكريم: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾.
بعد منتصف الصفحة الأولى؛ قررت أن أقوم بمراجعة لغوية شاملة للترجمة العربية، وهذه هي النتيجة:
أخطاء نحوية
يخلق فرص عالية الأجر (والصواب: فرصاً، لأنّه مفعول به منصوب بالفتحة)، سيخصص تمويل إضافي (والصواب: تمويلاً إضافياً؛ لأنّه مفعول به منصوب بالفتحة، ونعتاً لمنصوب)، سيدعم هذا المشروع الفلسطينيون الساعون (والصواب: الفلسطينيين الساعين؛ لأنّه مفعول به منصوب بالياء، وصفة لمنصوب)، بمثابة معرضاً (والصواب: معرض، لأنّه مضاف إليه مجرور بالكسرة)، مزيداً من الشفافية ستساعد (والصواب: مزيد، لأنّه مبتدأ مرفوع بالضمة)، سيخلق للمزارعين فرص هائلة (والصواب: فرصاً، لأنّه مفعول به منصوب بالفتحة)، لضمان أن يكون الطلاب المتخرجين من المدارس يمتلكون (والصواب: المتخرجون، لأنّه نعت لمرفوع)، وجود نظام قضائي ومحكمة يمكن الاعتماد عليها يسمحا (والصواب يسمحان، لأنّه فعل مضارع مرفوع بثبوت النون)، يحافظ على النمو الطويل الأجل (والصواب: طويل الأجل، لأنّ المعرّف بالإضافة لا يعرَّف بـ الـ)، ستكون .. قاعدة للنمو الطويل الأجل للاقتصاد (والصواب: طويل الأجل، لأنّ المعرَّف بالإضافة لا يعرَّف بـ الـ).
أخطاء صرفية
أكثر كفاءة (والصواب: أكفأ، لا مانع من اشتقاق اسم تفضيل على وزن أفعل)، أكثر شمولاً (والصواب: أشمل، لا مانع من اشتقاق اسم تفضيل على وزن أفعل).
أخطاء إملائية تتعلق بالهمزة
1- أخطاء في همزات الوصل

تداول فلسطينيون ومؤيدون لهم مقطع فيديو يتهكمون فيه على ترامب، وهو يقول: "الأكوا موسك" مخطئاً في لفظ "الأقصى"

الكلمات التالية وردت بهمزة، مع أنّها همزات وصل:
استثمار (60 مرة)، اقتصاد (57 مرة)، ازدهار (30 مرة)، اعتماد (12 مرة)، استفادة (7 مرات)، استخدام (7 مرات)، استدامة (6 مرات)، ابتكار (5 مرات)، استقرار (4 مرات)، استقلالية (3 مرات)، اتصالات (3 مرات)، استقطاب (3 مرات)، اهتمام (3 مرات)، انضمام (مرتين)، التزام (مرتين)، اندماج (مرتين)، استغلال (مرتين)، احتمال (مرتين)، انتظار (مرتين)، اقتراض (مرتين)، امتداد (مرتين)، استناد (مرتين)، استقلال (مرتين)، استعداد، اغتنام، اتفاق، استثنائي، استهداف، ائتمان، استمرار، احتياط، اجتذاب، امتياز، استكشاف، اختلاف، اتساق، اعتراف، التحاق، اكتساب، احتياجات، افتقار، احتفاء، استطاعة، استجابة، اتفاقيات، انتهاكات.
2- أخطاء في همزات القطع 
الكلمات التالية وردت من دون همزة، مع أنّها همزات قطع:
إنّ (مرتين)، إلى (7 مرات)، أنّ (5 مرات)، أمراض (مرتين)، إسكان، إنماء، إلا، إضافية، أنحاء، أموال، أبواب، أو، أهداف، إلقاء.
3- أخطاء أخرى في الهمزة
مكان الهمزة: (أداء)، وضع مدّة بدلاً من همزة: (آداء)، همزة ناقصة: (من شانها تحسين).

اقرأ أيضاً: ما الإشكاليّات التي تواجه اللغة العربية في ظل العولمة؟
أخطاء إملائية تتعلق بالمسافة

1- عدم وضع مسافة بين كلمتين: آثارسلبية، مخاطرنقص، غيرالمباشرة، الأطرالقانونية، توفيرمساحات.
2- وضع مسافة بعد حرف العطف: و المؤسسات، و ستكون، و تحديد، و قوية.
3- وضع مسافة في وسط الكلمة: الأموا ل.

أخطاء في ترجمة المفردات
رؤيا (والصواب: رؤية، تكررت 15 مرة)، تتماهى وتتفاخر (والصواب: تتباهى)، ادعاءات أمام المحاكم (والصواب: دعاوى).
أخطاء في الاتّساق
-  التنقل بين "سـ" المستقبلية و"سوف" بشكل عشوائي، وأحياناً في جملة واحدة مثل: (سوف تسهم الصناديق في خلق وظائف جديدة وستيسر تأسيس).
-  الإشارة إلى "الضفة الغربية" و"غزة" أحياناً كوحدة واحدة (مفرد): (في الضفة وغزة وجيرانها، تحويل الضفة الغربية وغزة إلى مركز ثقافي)، وأحياناً كمثنى: (يمكن للضفة العربية وغزة أن توفرا مستقبلاً، سيصبح الشباب فيهما)، وأحياناً كمفرد ومثنى في جملة واحدة: (مزايا كثيرة تؤهل الضفة وغزة لتصبحا وجهة عالمية).
-  عدم الاتساق في كتابة النسب المئوية: (في المائة، في المئة، بالمئة).
- تغيير غير مبرر في حجم الخط (كما في الصفحة 8).
كلمات زائدة
مثل: مما سيزيد زيادة القدرة توليد الطاقة
كلمات ناقصة
مثل: بالإضافة سيدعم (والصواب: بالإضافة إلى ذلك، سيدعم)
أخطاء طباعية
يتصّف (شدة على الصاد، والصواب: يتّصف)، من شِأن (كسرة تحت الشين، والصواب: شَـأن)
أخطاء في كتابة الأسماء
آيس كريم روكاب (والصواب: ركب)
أما عن ركاكة التعابير والترجمة الحرفية وأخطاء علامات الترقيم، فحدّث ولا حرج، وهو ما تتعذّر الإحاطة به في معرض مقالة مختصرة كهذه.
***
في وثيقة واحدة من 40 صفحة، تجاوزت أخطاء اللغة الثلاثمئة، بما في ذلك كلمات مفتاحية، مثل ازدهار واستثمار واقتصاد، كتبت خطأ عشرات المرات، ولكن ما هي دلالات ذلك؟
إنّ إيكال فريق كوشنر لمهمة ترجمة وثيقته إلى العربية لمترجم هاوٍ، ثم رفعها على الموقع الإلكتروني الرسمي للبيت الأبيض، دون تدقيق لغوي، يشير إلى أمرين مهمّين:
أولاً: أنّ ذلك هو امتداد لعدم الجدية والارتجال في التعاطي مع الشقّ الفلسطيني/ العربي من خطة ترامب للسلام، مقارنة بذلك المتعلق بالإسرائيليين، خاصة إذا علمنا أنّ الترجمة العبرية للوثيقة ذاتها تخلو من أخطاء اللغة، بحسب سيفان باراك، الخبيرة في اللغة العبرية، والتي قامت بمراجعة لغوية خصيصاً لهذه المقالة.

اقرأ أيضاً: اللغة العربية حبيسة في صورتين للعروبة
ثانياً:
أنّه دليل آخر على غياب الإتقان وتدنّي الكفاءة لدى الإدارة الأمريكية عموماً، وفريقها المكلف بملف السلام في الشرق الأوسط وعلى رأسه كوشنر خصوصاً، الأمر الذي يعصف بما تبقى من سمعة القوة الناعمة التي تميزت بها الدبلوماسية الأمريكية.
ويبقى الخطأ الوحيد الذي قد ألتمس للمترجم عذراً فيه هو في ترجمة (vision) على أنّها "رؤيا"، لأنّه ينبغي على الفلسطينيين أن يكونوا نياماً ليصدقوا ترامب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية