ما دور تركيا في الحرب الروسية الأوكرانية؟

ما دور تركيا في الحرب الروسية الأوكرانية؟


04/01/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

مع اقتراب حلول عام 2022، جذبت روسيا انتباه العالم، بحشدها ما يقرب من مئة ألف جنديّ على طول الحدود مع أوكرانيا. ومع ذلك، فقد فشلت، حتّى الآن، في تخويف العديد من الأوكرانيّين.

 بينما أكتب في شقّتي بوسط كييف، يقضي مئات المحتفلين العطلات في أعلى الشّارع باحتساء النّبيذ السّاخن، وتصفّح أكشاك الهدايا البسيطة، والتقاط صور لرفعها على أنستغرام في سوق الكريسماس المزيّن ببذخ أمام كاتدرائيّة سانت صوفيا المدرجة في قائمة اليونسكو.

ربما يعرفون أنّ لديهم حلفاء ملتزمين في المنطقة وخارجها، كما أوضحتُ في هذه الصّفحات الشّهر الماضي، دعمت تركيا كييف في شبه جزيرة القرم؛ حيث إنّ لها روابط تاريخيّة مع المجتمع التتريّ، كما باعت لأوكرانيا طائراتها المتطوّرة بدون طيار، والتي أثّرت بالفعل في ساحة المعركة.

جذبت روسيا انتباه العالم بحشدها ما يقرب من مئة ألف جنديّ على طول الحدود مع أوكرانيا

يعتقد المحلّل ديمتري ألبيروفيتش المقيم في الولايات المتّحدة، وهو خبير في الأمن السّيبرانيّ ورئيس مركز أبحاث سيلفرادو المسرّع للسياسات؛ أنّ الحدّ من قدرة تركيا على تعزيز القوّات الأوكرانيّة من بين حوافز أيّ تصعيد عسكريّ روسيّ ضدّ أوكرانيا. يكتب أنّ الرّئيس الرّوسي، فلاديمير بوتين، "راقب حرب كاراباخ العام الماضي ولديه تقدير جيّد لما يمكن أن يفعله جيش مسلّح بأسلحة حلف شمال الأطلسيّ الحديثة، مثل طائرات "تي بي 2" التّركيّة بدون طيّار، لاستعادة الأراضي".

اقرأ أيضاً: هل تجتاح روسيا أوكرانيا في مطلع العام الجديد؟.. 4 اعتبارات تحكم القرار الروسي

يوافقه الرّأي المفكر السّياسي الأمريكيّ الرّائد، فرانسيس فوكوياما، الذي قال مؤخّراً: "قد يغيّر استخدام أوكرانيا للطّائرات التّركية بدون طيّار قواعد الّلعبة تماماً، ولهذا السّبب تبدو موسكو منشغلة جدّاً بهذه القضيّة".

تفكّر واشنطن الآن في نشر أكبر للحرب الإلكترونيّة، وقد حذّر المسؤولون الأمريكيّون والبريطانيّون روسيا مراراً من عقوبات اقتصاديّة قاسية في حالة دخول قوّاتها إلى أوكرانيا

علامة أخرى على احترام روسيا لقوّة تركيا العسكريّة هي اهتمام موسكو بشراء طائرات تركيّة بدون طيار، وهي خطوة قال المسؤولون الأتراك إنّهم على استعداد للموافقة عليها.

اقرأ أيضاً: روسيا وأوكرانيا: طبول الحرب تقرع... وأمريكا وأوروبا تتوعدان

قد تمارس موسكو أيضاً ضغوطاً خفيّة على حليفتها في بعض الأوقات، تركيا. اعتقلت السّلطات الرّوسيّة قبل أسبوعين صحفيّين تركيّين في موسكو واتّهمتهما بالتّجسّس. بعد ذلك، أدلى بوتين بتصريح واضح بدا أنّه يستهدف نظيره التركيّ، رجب طيب أردوغان، الذي تعرّض لانتقادات لرفضه رفع أسعار الفائدة وسط انخفاض حادّ للّيرة، عندما سُئل عن رفع البنك المركزيّ الروسيّ لأسعار الفائدة الخاصّة بالبلاد، قال بوتين: "إذا لم تفعل ذلك، فستكون (النّتيجة) كما في تركيا".

في الوقت الحاليّ، تتمسّك تركيا بأسلحتها فيما يخصّ أوكرانيا. قال وزير الخارجيّة مولود جاويش أوغلو الأسبوع الماضي: "لن نتجاهل مبادئنا وعلاقاتنا الوثيقة مع أوكرانيا لمجرّد أنّ لدينا علاقات واسعة مع روسيا".

أرسلت الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة خبراء في الأمن السّيبراني إلى أوكرانيا

تشمل هذه العلاقات الواسعة والمعقّدة شراء تركيا، عام 2019، أنظمة الدّفاع الصّاروخيّة "إس-400"، الأمر الّذي دفع الولايات المتّحدة إلى فرض عقوبات، وتحقيق توازن في الطّاقة والعتاد العسكريّ في البحر الأسود، واستمرار المفاوضات بشأن الوضع المتوتّر في محافظة إدلب السّورية، والتّعاون الاقتصاديّ الكبير الذي أبرزه ميل الرّوس لقضاء العطلات على ساحل البحر الأبيض المتوسّط في تركيا.

إلى أيّ مدى قد تكون تركيا المضطّربة اقتصاديّاً على استعداد للمخاطرة لدعم أوكرانيا؟ لم يتّضح ذلك بعد، وقد عرضت أنقرة بالفعل التّوسط في محادثات بين الخصمين، ممّا يؤكّد اهتمامها بتجنّب الحرب. إذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن يطول أمد الصّراع الرّوسي الأوكرانيّ الشّامل، ممّا يمنح أنقرة الوقت الكافي لدراسة خياراتها.

اقرأ أيضاً: هل نجحت قمة بوتين-بايدن في تجنّب الحرب في أوكرانيا؟

تمتلك روسيا قوّة قتاليّة تزيد عن 3 ملايين، أكبر حتّى من الجيش الأمريكيّ، ويعتقد بعض المراقبين أنّ الشّعور المتنامي بالقوميّة في المجتمع الرّوسي، مدعوماً بنزعة تدخليّة عسكريّة روسيّة حديثة، ربما يكون قد أعدّ السّكان لصراع كبير. قال ديمتري موراتوف، المحرّر الصّحفيّ الذي يتّخذ من موسكو مقرّاً له، في خطاب قبوله لجائزة نوبل للسّلام هذا الشّهر: "اعتاد النّاس على فكرة جواز (الحرب)".

اقرأ أيضاً: هل يرسل بايدن قوات أمريكية إلى أوكرانيا؟.. وماذا عن فرض عقوبات على روسيا؟

في غضون ذلك، أصبح الجيش الأوكرانيّ أقوى بكثير ممّا كان عليه عام 2014، عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم ودعمت القوّات الانفصاليّة في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، منذ ذلك الحين زادت كييف إنفاقها العسكريّ من 1.6 في المئة من النّاتج المحليّ الإجماليّ إلى 4 في المئة، بينما استثمرت الولايات المتّحدة 2.5 مليار دولار في الجيش الأوكرانيّ.

المفكر السّياسي الأمريكيّ فرانسيس فوكوياما: قد يغيّر استخدام أوكرانيا للطّائرات التّركية بدون طيّار قواعد الّلعبة تماماً، ولهذا السّبب تبدو موسكو منشغلة جدّاً بهذه القضيّة

مع وجود 250,000 جنديّ و900,000 جنديّ احتياطيّ، تمتلك كييف الآن ثالث أكبر جيش في أوروبا، بعد روسيا وفرنسا. في الأسبوع الماضي، أمرت الحكومة الأوكرانيّة جميع النّساء بتسجيل مهنهنّ لجعلهنّ مؤهّلات للخدمة العسكريّة، وهي خطوة ستزيد بشكل كبير من عدد القوّات الأوكرانيّة المتاحة.

إضافة إلى تركيا، يبدو أنّ دول حلف شمال الأطلسيّ الأخرى قد انحازت إلى جانب أوكرانيا، بعد دعمها القويّ لبناء خطّ أنابيب "نورد ستريم 2"، الذي يهدف إلى نقل الغاز الرّوسي تحت بحر البلطيق إلى أوروبا الغربيّة، تقول ألمانيا الآن إنّ خطّ الأنابيب ما يزال في حاجة إلى المرور بحشد مع السّلطات التّنظيميّة في الاتّحاد الأوروبيّ وتعهّدت بإبقائه مغلقاً إذا دخلت القوّات الرّوسيّة أوكرانيا.

اقرأ أيضاً: ما لا تخبرنا به الصراعات الجارية في أوكرانيا وسوريا وليبيا وناغورنو-قاراباخ عن مستقبل الحرب

هذا الشّهر أدرج المسؤولون الأمريكيّون 300 مليون دولار أخرى للجيش الأوكرانيّ في فاتورة دفاعهم السّنويّة وأرسلت واشنطن خبراء عسكريّين إلى أوكرانيا لتقييم الدّفاعات الجويّة والبحريّة للبلاد. إضافة إلى ذلك، أرسلت الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة خبراء في الأمن السّيبراني إلى أوكرانيا لمساعدة كييف في الدّفاع ضدّ الزيادة الأخيرة في الهجمات الإلكترونيّة التي تهدف إلى القضاء على النّظام المصرفيّ والمؤسّسات الحكوميّة وشبكة الكهرباء.

اقرأ أيضاً: روسيا تُعد قائمة بالدول الأجنبية غير الصديقة... ما علاقة أوكرانيا؟

تفكّر واشنطن الآن في نشر أكبر للحرب الإلكترونيّة، وقد حذّر المسؤولون الأمريكيّون والبريطانيّون روسيا مراراً من عقوبات اقتصاديّة قاسية في حالة دخول قوّاتها إلى أوكرانيا. ما قد يرغبون أيضاً في فعله هو الاعتماد أكثر على تركيا، التي تتمتّع بصلات عسكريّة قويّة مع كييف، إضافة إلى إمكانية التّأثير على التّفكير في موسكو.

يزداد الوضع توتّراً، يوماً بعد يوم، خارج كييف، بدأ القرويّون في تنظيم ميليشيات متطوّعة، وجمعوا الأسلحة، وعملوا على الاستعداد للقتال، ويمتلك بعض الأصدقاء الأوكرانيّين حقيبة جاهزة في حالة احتياجهم للفرار بسرعة من البلاد، وقد حفظ آخرون موقع المخابئ التي تعود إلى الحقبة السّوفيتيّة، بما في ذلك عدد قليل منها يأخذ شكل حانات كوكتيل الذّكية، في حالة وقوع غارة جويّة، لكنّ معظمهم سعوا إلى ممارسة حياتهم الطّبيعية، بالرّغم من أيّام عديدة أخيرة من الرّياح والثّلج ودرجات الحرارة الّتي تصل إلى ما تحت الصّفر، ناهيك عن متحوّر أوميكرون الذي أحدث الفوضى في جميع أنحاء أوروبا الغربيّة.

في تجمّع في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بعد فترة وجيزة من العشاء، خفت الأضواء، وأصبحت الخيارات الموسيقيّة مفعمة بالحيويّة على نحو متزايد، وذهب الحاضرون، الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و70 عاماً، إلى حلبة الرّقص، فتمايلوا ولفّوا واحتفلوا بحرّيّاتهم مع تجمّع السّحب الدّاكنة على عام 2022.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال،  28 كانون الأوّل (ديسمبر) 2021

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2021/12/28/does-turkey-hold-the-key-to-easing-ukrainian-fears-about-russia/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية