ما دور تركيا في الضربة الأمريكية للفصائل الجهادية في إدلب؟

ما دور تركيا في الضربة الأمريكية للفصائل الجهادية في إدلب؟


04/09/2019

تعرّض موقع اجتماع "سرّي" لقادة فصائل جهادية في قرية "كفر جالس"، جنوب غرب مدينة إدلب، لضربات صاروخية، بعد ظهر يوم السبت، 31 آب (أغسطس) 2019، وقد أشارت تسريبات إلى أنّ عدد قتلى الهجوم تجاوز الأربعين قيادياً، من تنظمي: "القاعدة" و"حراس الدين"، المصنَّفين ضمن قوائم الإرهاب الروسية والأمريكية و"التركية"، فيما لا يعرف مصير زعيم "جبهة النصرة" في سوريا "الجولاني"، الذي ترددت معلومات عن أنّه كان من بين المشاركين بالاجتماع.

اقرأ أيضاً: إدلب تنتفض ضدّ النصرة والجولاني
من الواضح أنّنا نقف أمام عملية استخبارية بامتياز، تتجاوز مجرد توجيه ضربة لاجتماع قيادات في فصائل جهادية، وجاءت نتاج تنسيق أمني عالي المستوى بين ثلاثة أجهزة استخبارية تتبع لكلّ من: روسيا وأمريكا وتركيا، والمرجَّح أنّه كان لتركيا الدور الأبرز في إنجاز العملية وإنجاحها، في ظلّ تغيرات بالإستراتيجية التركية وعلاقاتها ومخاوفها مما يجري في إدلب، وامتلاكها معلومات متكاملة لكافة تفاصيل ما يجري هناك.

اقرأ أيضاً: سقوط الرهانات الأردوغانية في إدلب
المعطيات الأولية تشير إلى أنّ إدلب أصبحت تشكّل أزمة حقيقية لتركيا، وأضعفت موقفها في مفاوضات سوتشي وأستانا، مع شركائها في موسكو وطهران، في ظلّ عدم قدرتها في السيطرة على "جبهة النصرة" و"حراس الدين"، وغيرهما من الفصائل المتشددة، التي ترفض إلقاء السلاح في إدلب، وحصر السلاح بالجيش الحر، بوصفه فصيلاً معتدلاً يمكن الدفاع عنه، مقابل مقاربة روسية مفادها أنّ اللحظة حانت لـ "تحرير" إدلب، والقضاء على الفصائل الإرهابية فيها، وإعادتها للدولة السورية.

نقف أمام عملية جاءت نتاج تنسيق أمني عالي المستوى بين ثلاثة أجهزة استخبارية تتبع لكلّ من: روسيا وأمريكا وتركيا

في لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أيام؛ حمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معه صفقة، لم تؤكدها تصريحاته بعد اللقاء، والتي ذهبت باتجاه التحذير من مواصلة الاعتداء على المدنيين في إدلب، بقدر ما أكّدتها تصريحات الرئيس بوتين، الذي قال: "اتفقت مع الرئيس أردوغان على تدابير إضافية للقضاء على الإرهابيين، الذين يواصلون مهاجمة أراضي قوات النظام السوري من إدلب، ويهدّدون القواعد العسكرية الروسية، واتفقنا على ألّا تكون المنطقة مأوى ووكراً للميليشيات"، وكانت هذه الإشارات كافية لتأكيد أنّ صفقة تركية– روسية قد تم إنجازها، مضمونها قبول روسيا بالطلب التركي بتأمين منطقة آمنة شمال إدلب، تحول دون تدفق المزيد من اللاجئين لتركيا، وبالمقابل تتعاون تركيا بشكل كامل مع روسيا، للقضاء على الفصائل الإرهابية في إدلب، وأنّ ترجمات هذه الصفقة ستظهر بعد أيام؛ بتقديم معلومات "استخبارية" حول الفصائل الجهادية في إدلب "إحداثيات مواقعها وأسلحتها وتحركات قياداتها وقواعدها" في ظلّ "اختراق" استخباري واسع للاستخبارات التركية لكافة تفاصيل محافظة إدلب.

اقرأ أيضاً: تركيا تحشد قواتها إلى إدلب.. آخر التطورات في المنطقة
منطقياً؛ يفترض أن يكون سلاح الجو الروسي هو الذي نفّذ الضربة، لكن جاء الإعلان من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، ويرجَّح أنّ الضربة تمّت وفق السيناريو الآتي: مصدر المعلومات هو الجانب التركي، الذي يحتفظ بـ "بنك" من المعلومات حول كافة الفصائل في إدلب، بمن فيها "جبهة النصرة"، و"حراس الدين"، وغيرهما من الفصائل "المعتدلة والمتشدّدة"، ولدى الجهاز الأمني التركي معلومات حول الاجتماع في بلدة "كفر جالس"، من المرجَّح أنّه تمّ تمريرها للقيادة الروسية، وربما للقيادة الأمريكية أيضاً.
ولضمان توفير الظروف المناسبة لإتمام الاجتماع، أعلنت القوات الروسية والجيش السوري "هدنة" من جانب واحد، لم تكن باتفاق مع الفصائل المسلّحة ، التي كانت تمثلها تركيا، كما في "هدنات" تمت بالسابق، وذلك لتمكين الفصائل المسلّحة من إتمام اجتماعها بموعده، ولضمان "حفظ ماء وجه تركيا" ونفي الاتهامات التي توجه إليها بالتعاون مع روسيا، وأنّها "باعت إدلب"، والتي تردّدت خلال معارك خان شيخون، وأنّه تمّ تسليمها للجيش السوري بأوامر تركية، وأنّها لم تقدّم أيّة معلومات لروسيا حول الاجتماع، تمّ الإعلان عن قيام التحالف الدولي "أمريكا" بالمسؤولية عن تنفيذ العملية، وهو أمر مرجَّح، وفق شهود من فصائل مسلحة، رصدوا طائرات "إف 16" الأمريكية، وهي تشنّ الغارات بالصواريخ على بلدة "كفر جالس"؛ حيث يعقد اجتماع الفصائل الجهادية، وهو ما يبدّد، على الأقل، الشكوك بتعاون أمريكا مع "القاعدة" و"داعش".

المعطيات الأولية تشير إلى أنّ إدلب أصبحت تشكّل أزمة حقيقية لتركيا وأضعفت موقفها في مفاوضات سوتشي وأستانا

عملية كفر جالس ضدّ قادة الفصائل المسلحة، ترسل رسالة بحجم التغيرات في الإستراتيجية التركية، التي أصبح جوهرها التعاون مع أمريكا وروسيا، وضمان تحييد الفصائل الكردية في الشمال السوري، وإنجاز مناطق آمنة، تضمن الحيلولة دون تدفق لاجئين جدد، وأن تكون مقراً للاجئين السوريين المعادين من تركيا.
الإستراتيجية التركية الجديدة تواجه العديد من التحديات، لعل أبرزها القدرة على الاحتفاظ بتوازن تركي، يضمن القدرة على احتواء التناقضات الأمريكية-الروسية، والقدرة على فصل عناوين هذا التعاون ما بين الملف السوري، بما فيه إدلب والإرهاب، وملفات أخرى مرتبطة بالاندفاعية التركية لتوثيق علاقاتها الأمنية والعسكرية مع روسيا، وشراء منظومات صواريخ "إس400" و"سوخوي" المتطورة، فيما يشكّل ردّ الفعل المحتمل للفصائل الجهادية، خاصة "القاعدة"، بتنفيذ عمليات نوعية ضدّ أهداف تركية تحدياً آخر، في ظلّ معرفة تلك الفصائل بتفاصيل الساحة التركية، وانعكاس أية عمليات على السياحة؛ التي تشكّل أهمّ مصادر الدخل القومي التركي، خاصة في المرحلة الحالية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية