ما لا تعرفه عن محمد الظواهري

السلفية الجهادية

ما لا تعرفه عن محمد الظواهري


14/11/2018

بعد 4 أعوام قضاها قابعاً في ذلك القبو المظلم، مرتدياً زيّاً أحمر، وشعرات المشيب كانت قد غزت لحيته الكثة، كسر صرير باب تلك الزنزانة صمت الليلة الباردة، ليفتح عينيه المتعبتين على وجه أمّه، التي قالت له: "إذا كنت ترى أنك على حقّ، فتماسك يا ولدي، وإذا كنت غير ذلك فالرجوع للحقّ فضيلة".

اقرأ أيضاً: كيف وظفت السلفية الجهادية مفهوم الطاغوت في القرآن الكريم؟

كانت تلك الزيارة الأولى من السيدة أميمة عزام، لولدها محمد الظواهري، عام 2006، إذ رُحّل إلى مصر، عام 2002، بعد صدور حكم غيابي في حقّه بالإعدام، من القضاء العسكري، فبات لا يحقّ له نقض ولا إبرام، وكانت السيدة أميمة امرأة قوية متماسكة، تهوى كتابة الشعر والأدب، ولم تهوَ السياسة، كما هو حال آل عزام، بل انحازت إلى والدها الأديب المصري المرموق، عبد الوهاب عزام، فلم تعتنق يوماً أفكار السلفية المتشددة، إلا أنّها لم تضغط يوماً في اتجاه تغيير مسارات أبنائها الثلاثة من العنف إلى السلم، بل تركتهم وشأنهم.

اقرأ أيضاً: شيوخ السلفية.. سلطة الماضي على الحاضر

ينحدر محمد وإخوته، إذاً، من نسل عائلة كريمة، نأت بنفسها عن معتركات السياسة، واعتكف أفرادها لدراسة العلوم الشرعية والعملية؛ فجدّه لأبيه كان شيخاً للأزهر، وأبوه كان أستاذاً في علم الأدوية، وعمّه يعدّ من كبار علماء الطبّ في العالم العربي، إلا أنّ عائلة الظواهري قالت إنّ ولوج أبنائها هؤلاء من بوابة السياسة، جاء على خلفية "عروق أخوالهم"، آل عزام، أما هم فيبغضون تصاريف "ساسَ ويسوس"!

الصيد الثمين

عام 2002؛ حصلت أجهزة الأمن المصرية على صيد ثمين، عادت به على متن إحدى طائراتها؛ إنّه محمّد الظواهري؛ الذي كان قد تلقّى حكماً بالإعدام، عام 1998، في قضية اشتهرت إعلامياً بــ "العائدين من ألبانيا".

اقرأ أيضاً: "ما بعد السلفية".. هل تخلّى السلفيون عن الدعوة لصالح السياسة؟

هكذا عاد إلى القاهرة، رغماً عنه، مكبلًا بالأغلال، فاقداً وعيه، بعد أن قضى هارباً خارج البلاد ما يقرب من الـ 20 عاماً، ولم يكتسب هذا الصيد قيمته كونه أخاً للعدو الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية فحسب؛ وإنما لأنّه ظلّ مريباً وغامضاً، يبدو دوماً أنه يحمل في جعبته ما لا يعرفه أحد قطّ.

ينحدر محمد وإخوته من نسل عائلة كريمة، نأت بنفسها عن معتركات السياسة

انضمّ محمد، المولود عام 1953، في حيّ الدقي العريق في القاهرة، لتنظيم الجهاد، أواخر سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يزال في كلية الهندسة، تأثراً بأخيه الأوسط، أيمن، و"بغية تطبيق شرع الله"، وفق تعبيره، وقد اتُّهما معاً في قضية اغتيال الرئيس المصري، أنور السادات، عام 1981، إلا أنّ الشقيق الأكبر كان قد أفلت من قبضة الأجهزة الأمنية، فطار هارباً إلى إحدى دول الخليج.

سبق محمد أخاه إلى حقول المعارك في أفغانستان، وطاف بالعديد من الدول العربية، تحت مسمى شبه رسمي حينها "مدير إدارة هيئة الإغاثة الإسلامية"، لكنّ المهمة الأساسية كانت العمل على تشكيل تنظيم جهاد عالمي، يرتكز على قاعدة له في أفغانستان.

اقرأ أيضاً: أئمة المساجد بالجزائر يواجهون خطر سيطرة السلفية

وكان ما يلبث أن يحطّ بأمتعته في ركن من أركان المعمورة، إلا ويشدّ الرحال هارباً من السلطات التي تطلب "الصيد الثمين"، حتى أنّ الحكومة السعودية التي آوت الرجل عدة أعوام، حاولت اعتقاله عام 1993، إلا أنّه نجح في الفرار من هناك عبر اليمن.

اقرأ أيضاً: إبراهيم السكران: السلفية المغلقة ترتدي قناع النقد

هاجمت القاعدة سفارتَي الولايات المتحدة الأمريكية، في نيروبي ودار السلام، وفجّرت السفارة المصرية في باكستان، وظلّ هو كالشبح الذي يظهر فجأة، ثم ما يلبث أن يختفي، حتى وقعت أحداث 11 سبتمبر المشهورة، فألقت الأجهزة الأمنية الإماراتية القبض عليه، وأهدته إلى الأجهزة الأمنية المصرية، فحطّ أخيراً في وطنه سجيناً.

إعدام مع وقف التنفيذ

السلطات المصرية لم تعلّق محمد على حبل المشنقة، بل علّقت تنفيذ الحكم به، ولم يجد البعض تفسيراً لذلك؛ سوى أنّ نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، لم يرد إعدامه، حتى لا يستفزّ أخاه، نائب زعيم القاعدة حينها، أيمن الظواهري، لتنفيذ عمليات إرهابية مجدداً في مصر، كان قد أعلن توقفها عام 1996، ثأراً لإعدام شقيقه، وكي يتركه منشغلاً بما أسمته القاعدة "قتال العدو البعيد"، أو أن يبقى أخوه محمد رهينة تكفّ أذى القاعدة عن مصر!

اقرأ أيضاً: الجماعة السلفية في مصر: حرب على الإرهاب أم تفريخ له؟

كان محمد مزعجاً في سجنه؛ فقد تصدّى بحزم لوثيقة "ترشيد الجهاد"، التي أطلقها غريم أخيه، سيد إمام الشريف، منظّر الجهاد السابق، في السجون، بالتوازي مع المراجعات التي أطلقتها الجماعة الإسلامية، ورفض الاعتراف بها واصفًا إياها بــ "وثيقة تركيع الجهاد".

وسُئل أيامها: ما رأيك في الرئيس مبارك؟، فأجاب: حاكم كافر، لا يحكم بما أنزل الله، فقيل له: وما قولك في الديمقراطية؟ فقال: هي كفر؛ لأنّها تحكم غير شريعة الله، تغيّر الوجه ولم تتغير الأفكار، ما تزال حرب "الطواغيت" مقدسة، ومؤسسات الدولة كافرة! "وفق أفكار الرجل".

اقرأ أيضاً: "السلفية المدخلية" في مصر.. التمدّد فوق الركام

لبث في سجنه أعواماً، حتى اشتعلت ثورة 25 يناير، عام 2011، ولم ينفَّذ فيه حكم الإعدام، ثم خرج بعد الثورة بإهاب المنتصر.

"خلية مدينة نصر الإرهابية"

شبح في العباسية

أوّل ظهور له بعد ذلك، عام 2012، في ساحة ميدان العباسية؛ حيث مقرّ وزارة الدفاع والمجلس العسكري، بعد حصوله على براءة استثنائية؛ وقد ظهر حينها بين ملثّمين يحملون رايات سوداء، مخطوط عليها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وبعدها وقعت المذبحة؛ التي راح ضحيتها 11 مواطناً، كانوا يطالبون بتسليم السلطة إلى المدنيين، وبمنع قانون يحصن اللجنة العليا للانتخابات من الطعون، لقد كان هؤلاء يستهدفون حماية مرشّحهم الرئاسي المحتمل، الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل.

اقرأ أيضاً: السلفية الجهادية في الأردن.. منظّرون وتنظيمات

حلم بعودة أخيه إلى أحضانه، فأطلق مبادرة لوقف القتال بين القاعدة والغرب، لم يستجب أحد لها، فعزم على تغيير المسار، فأصبح شوكة في حلق الرئيس الإخواني الأسبق، محمد مرسي، وجماعته، لا يستطيعون بلعها أو لفظها، فبات رمزاً لجهاديّي مصر، يلتفون حول رايته السوداء.

وعام 2013، قبل القبض على متهمي "خلية مدينة نصر الإرهابية" بشهرين، كانت قوات الأمن قد ألقت القبض على أحد كوادر السلفية الجهادية، وهو عادل عوض شحتو، دون أن تفصح عن الأسباب، ما حدا بالبعض إلى أن يرجع ذلك إلى الهجوم الذي شنّه شحتو على وزارة الداخلية، ووصفه لها بالكفر، ودعوته إلى هدم الأهرامات.

اقرأ أيضاً: "السلفية العلمية" في الأردن.. سلمية تيار متشدد

أسباب بدت واهية وغير مقنعة؛ فحال شحتو في هذا الأمر لم يختلف عن غيره من أقرانه في السلفية الجهادية، لكنّ اللافت بعدها؛ هو ظهور اللاعب الجهاديّ المتمرّد على المسرح السياسيّ والإعلاميّ، متمثلاً في خروج شيخ السلفية الجهادية، محمد الظواهري، مندّداً في كافة الوسائل الإعلامية بالقبض على شحتو وزوّار الفجر، ومحذراً من عودة الممارسات الأمنية القديمة، وختم ذلك المشهد باعتصام مدهش لأعضاء السلفية الجهادية أمام قصر الاتحادية، وبإعلان جماعة جهادية جديدة، حملت اسم "الدعوة السلفية الجهادية"، وعيّن المنظر الجهادي هادئ الطباع، داوود خيرت، متحدثاً رسمياً باسمها، وبدا أنّ هناك مساومة ما تشي بصفقة في الأفق.

وُجِدَ بحوزتهم دفتراً معنوناً بـ "فتح مصر"

اللعب بالنار

اقتحمت الأجهزة الأمنية شقة في مدينة نصر، ولم يستطع مرسي حينها منع عملية الاقتحام، لتقبض على عدد من أعضاء السلفية الجهادية، وقد وجدت بحوزتهم دفتراً معنوناً بــ "فتح مصر"، يؤصّل شرعياً لوجوب الخروج على الحاكم، الذي لا يحكم بما أنزل الله، وبوجوب قتال كلّ من يقف حائلاً دون ذلك، وفي مقدمتهم الجيش والشرطة.

زجّ به في السجن وظلّ معتقلاً ما يربو على الـ3 أعوام، حتى أصدرت المحكمة حكماً ببراءته

لكنّ الغريب أنّ أحداً لم يقترب من قيادات السلفية الجهادية، ولا حتى ما يقرب من 10 متهمين في القضية نفسها، ثم ظهرت بوادر تمييعها بإغفال سؤال المتهمين عن "الوثيقة".

بعد ذلك اختفت قيادات السلفية الجهادية البارزة لفترة، ثم خرجت بخطاب مغاير تماماً لما بدأته قبل القبض على خلية مدينة نصر، امتلأ مضمونه بممالأة مرسي والإخوان، واعتبارهم "مسلمين"، وبجواز إعطائهم الفرصة لتطبيق شرع الله وغير ذلك من الخطاب الديني والسياسي المهادن.

وبعد أن قام الظواهري بدور تحريضي على احتجاجات 11 سبتمبر؛ التي جرت خارج السفارة الأمريكية في القاهرة، ووصلت ذروتها باختراق جدران المجمع وإحراق العلم الأمريكي، خفت دوره التصعيدي ضدّ الأمريكيين تماماً، وعادت قيادات السلفية الجهادية البارزة بخطاب موالٍ لـ "الإخوان"، وأجازت إعطاءهم الفرصة لتطبيق "شرع الله".

اقرأ أيضاً: السلفية المغربية.. وتحولات "الربيع" العربي

بعد عملية "نسر"؛ التي شنّها الجيش المصريّ رداً على مذبحة رفح الأولى، عام 2012، والتي قُتل فيها 3 من التكفيريين في سيناء، تدخّل الظواهري لدى مرسي، وقام باستلام الجثث ودفنها بنفسه، ومعه عدد من قيادات التكفيرية في سيناء.

ثمّ ظهر الظواهري بعد ذلك، في إحدى جلسات خلية مدينة نصر، بعد أن ظلّ حيناً من الزمن ينكر أيّة صلة له بها، لكنّ الأخطر، وهو بيانه الذي أصدره قبل ثورة 30 يونيو بيومين، وحذّر فيه من الانقلاب وأنّ الإطاحة بــمرسي، ستجلب الدمار على مصر.

ثورة الـ 30 من يونيو أطاحت بأحلام الإسلاميين أدراج الرياح

قطّ بسبعة أرواح

اندلعت ثورة الـ 30 من يونيو، وأطاحت بأحلام الإسلاميين أدراج الرياح، فكان محمد من أوائل من ألقي القبض عليهم من قبل السلطات.

اقرأ أيضاً: إسلامي سابق يحكي قصته مع السلفية الراديكالية في ألمانيا

وزجّ به في السجن، باعتباره زعيم تنظيم حمل اسمه إعلامياً "الظواهري"، فظلّ معتقلاً ما يربو على الــ 3 أعوام، حتى أصدرت المحكمة حكماً ببراءته، مما نسب إليه، بينما حصل أعضاء آخرون في التنظيم على أحكام بالإعدامات والمؤبد، خرج زعيم التنظيم، وحكم على أعضائه.

في التحقيقات التي أجريت معه، سأله المحقق: أنتَ متهم بإعادة إحياء تنظيم الجهاد؟ فأجاب: لست أنا، بل هو نبيل نعيم (أحد زعماء تنظيم الجهاد التائبين)، إنه يخرج معرّفاً نفسه بذلك، لست أنا صدقوني!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية