ما مخططات تركيا المستقبلية للتعامل مع اللجوء السوري؟

ما مخططات تركيا المستقبلية للتعامل مع اللجوء السوري؟


27/03/2022

تستضيف تركيا في الوقت الراهن نحو (4) ملايين لاجئ سوري، وتحصل على تمويل بقيمة (6) مليارات يورو من الاتحاد الأوروبي لإقامة اللاجئين على أراضيها ومنعهم من التدفق نحو القارة الأوروبية، بموجب صفقة وقّع عليها الطرفان في العام 2016، إلّا أنّ هذا التفاهم لم يكن كافياً لمنع تصاعد الأزمات الناجمة عن تواجد هذه الكتلة السكانية الكبيرة في الداخل التركي؛ ممّا استدعى تطوير مخططات جديدة للتعامل معها.

"الاجتياح الديموغرافي" السوري

يقترب عدد اللاجئين السوريين في تركيا اليوم من الـ(4) ملايين، وهو ما يعادل نحو (5%) من مجموع مواطني البلاد، ويتوزعون بالدرجة الأولى في إسطنبول والولايات المجاورة للحدود السورية. وفي بعض الولايات، مثل "هاتاي" (أنطاكية)، باتوا يُشكّلون قرابة نصف عدد سكان الولاية البالغ نحو (1.7) مليون، وذلك مع إحصائيات خاصة بالمواليد تشير إلى ارتفاع نسبة المواليد لدى العائلات السورية، حيث تصل نسبة المواليد بين السوريين إلى نحو (75%) من إجمالي الولادات في الولاية، وهو ما ينبئ بتحوّلها تدريجياً إلى ولاية بأغلبية راجحة من السوريين؛ الأمر الذي جعل رئيس بلدية "هاتاي" لطفي صاواش يقول في آذار (مارس) 2022: إنّ "الولاية تَخرج من أيدي الأتراك"، وإنّه "في حال لم يُتخذ أيّ إجراء بهذا الخصوص، فقد يتم تسليم البلدية للسوريين بعد أعوام". وأشار إلى أنّ "السوريين يُشكّلون جماعات في الأحياء التي يسكنون فيها بدلاً من الاندماج مع سكانها".

أشار رئيس بلدية "هاتاي" لطفي صاواش إلى أنّ السوريين يُشكلون جماعات في الأحياء التي يسكنون فيها بدلاً من الاندماج

وبالتالي، فإنّ هذه الأرقام تنبئ بتطوّر مشكلة عرقية وإثنيّة جديدة في البلاد، تُضَاف إلى القضية الكردية في الجنوب الشرقي، حيث إنّ الكتلة السورية السكانية غدت بمثابة "اجتياح ديموغرافي" بات يغيّر المعادلات السكانية داخل تركيا، وهو ما يستتبع عواقب سياسية واقتصادية واجتماعية؛ فعلى المستوى الاقتصادي تُشكّل أرقام السوريين عبئاً متزايداً على الخدمات، ويسبب توجههم لممارسة العمل ضغطاً على الوظائف وفرص العمل والتجارة في ظل تزايد حدّة الأزمات بالاقتصاد التركي.

وعلى المستوى السياسي، فإنّ المخاوف تزداد لدى المعارضة التركية بالتوسع بمنح الجنسيّة التركية للسوريين، وهو ما حصل بالفعل لعدد منهم، ولرقمٍ بات يبلغ وفقاً لآخر إحصائيات وزارة الداخلية التركية، بين عامي 2011 و2021، قرابة الـ (175) ألفاً، ومن منظور المعارضة فإنّهم سيتحولون إلى خزّان انتخابي لصالح حزب العدالة والتنمية.

يقترب عدد اللاجئين السوريين في تركيا من الـ(4) ملايين نسمة، وهو ما يعادل نحو الـ (5%) من مجموع مواطني البلاد

وعلى المستوى الاجتماعي، فإنّ نسبة كبيرة من التواجد السوري بالمدن التركية يكون على شكل "غيتوهات" وأحياء وتجمعّات منعزلة، ممّا يزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي داخل المدن والذي يكون على أساس عرقي، وقد تكررت حوادث العنف في الأعوام الأخيرة التي تستهدف أحياء وأماكن تجمّع السوريين ومحلاتهم، وهو ما يكون مهدداً بالازدياد والتفاقم خاصة أثناء الاختناقات الاقتصادية والسياسية.

تشريعات جديدة... سياسة "التخفيف المكاني"

ومع نشوء "غيتوهات" سورية داخل المدن التركية، بدأت السلطات التركية في آذار (مارس) 2022 بتطبيق تشريعات وسياسات جديدة، تمثلت في قرار وقف طلبات الإقامة في إسطنبول والعاصمة أنقرة و(14) مدينة أخرى أمام الأجانب. ووفقاً للسياسات الجديدة، فإنّ السوريين الذين يعيشون في تجمعات مكتظة، وتتجاوز نسبتهم (25%) من سكان المدينة، سيتم نقلهم إلى مناطق ومدن أخرى.

تحطيم محال وبيوت لاجئين سوريين في ضاحية ألتنداغ... آب 2021

الخطة التي تحدث عنها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، وحملت اسم "مكافحة التركيز المكاني"، تهدف لمنع تجمّع السوريين في مناطق وأحياء معيّنة. وتبلورت الخطة تحديداً بعد أحداث ضاحية "ألتنداغ" بأنقرة في آب (أغسطس) 2021، والتي جاءت إثر مقتل شاب تركي على يد سوريين، وقام فيها أتراك غاضبون بتحطيم محال وبيوت لاجئين سوريين.

اقرأ أيضاً: بعد استخدامهم أعواماً ورقة ابتزاز مالي وسياسي.. تركيا تدير ظهرها للاجئين

وعند الوقوف على هذه الخطوات والسياق والتوقيت الذي تأتي فيه، يبدو أنّها خطوات تهدف لامتصاص الغضب الشعبي التركي المتزايد والمتجه نحو الوجود السوري في تركيا، وخاصّة في أعقاب تزايد حدة الأزمة الاقتصادية في تركيا، وتأتي مثل هذه الإجراءات في إطار مساعي الحكومة لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية القادمة، وخاصّة مع استغلال أحزاب المعارضة ورقة اللاجئين باعتبارها إحدى أسباب الأزمة الاقتصادية في البلاد.

العودة الطوعية إلى سوريا

وإلى جانب سياسات "التخفيف المكاني"، اتجهت السلطات التركية لتفعيل ما سمّته "العودة الطوعية للاجئين السوريين"، وقد بادرت بعض البلديات بفتح باب التسجيل للعودة إلى الأراضي السورية، وتحديداً إلى المناطق غير الخاضعة للحكومة السورية في شمال سوريا. وشملت الإجراءات تخصيص حافلات للنقل إلى معبر باب الهوى على الحدود مع سوريا، ومساعدتهم في إعداد الوثائق اللازمة من أجل العودة إلى سوريا. وقد بادرت لتطبيق هذه السياسة بشكل خاص بعض البلديات في إسطنبول، التي يسيطر عليها حزب الشعب الجمهوري المعارض لاستمرار وجود اللاجئين السوريين في تركيا.

تقوم أحزاب المعارضة التركية باستغلال ورقة اللاجئين باعتبارها أحد أسباب الأزمة الاقتصادية في البلاد

وبدأت رحلات "العودة الطوعية" بشكل رسمي منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وخلال شباط (فبراير) 2022 تم ترحيل قرابة (1400) شخص من تركيا إلى سوريا، وفق بيان صادر عن إدارة معبر "باب الهوى" الحدوديّ في 3 آذار (مارس) 2022. وكانت السلطات التركية قد رحّلت خلال شهر كانون الثاني (يناير) 2022 (1139) لاجئاً سورياً إلى مناطق الشمال السوري.

وزير الخارجية التركي ونظيره الأردني... من المؤتمر الصحفي في 2 آذار 2022

وخلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأردني في 2 آذار (مارس) 2022 في العاصمة التركية أنقرة، صرّح وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو بأنّ بلاده تعمل مع الأردن من أجل "عودة طوعية" للسوريين إلى بلادهم، وأعرب عن رغبة بلاده في تنظيم مؤتمر على مستوى وزراء دول جوار سوريا المستضيفة للاجئين السوريين لمناقشة العودة الطوعية لهم.

مخططات التغيير الديموغرافي

لكنّ إعادة اللاجئين إلى مناطق الشمال السوري لا تقف عند إعادتهم وحسب، بل هي مقترنة بمخططات استراتيجية أبعد، وبالتحديد المخططات التي بدأت تركيا بتطبيقها، والتي تهدف إلى تغيير ديموغرافية الشريط الحدودي مع سوريا إلى الأبد.

 

اقرأ أيضاً: منظمة العفو الدولية تنتقد تركيا.. ما علاقة اللاجئين؟

في 17 كانون الثاني (يناير) 2020 أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّ تركيا بدأت بتشييد ما وصفها بـ "المستوطنات"، بهدف إعادة اللاجئين السوريين في تركيا وتوطينهم فيها، وذلك بالتحديد في المناطق التي نزح عنها الأكراد في عفرين بريف حلب الشمالي في أعقاب العملية العسكرية التركية "غضن الزيتون"، التي تمّت في كانون الثاني (يناير) 2018. وصرّح الرئيس التركي بأنّ مناطق أخرى على طول الحدود التركية السورية "يمكن أن تؤوي مليون شخص"؛ أيّ من اللاجئين السوريين الذين تخطط تركيا لإعادتهم.

وفقاً لآخر إحصائيات وزارة الداخلية التركية، فإنّه بين عامي 2011 و2021 تمّ منح قرابة الـ (175) ألفاً من السوريين الجنسية التركية

والهدف من بناء هذه المستوطنات هو تغيير ديموغرافية مناطق مثل عفرين ذات الغالبية الكردية، إذ تتركّز أغلب المستوطنات حولها، حيث إنّ نسبة الأكراد انخفضت فيها من حوالي (95%) قبل عملية "غصن الزيتون" إلى نحو (25%) في عام 2021، مع بناء مستوطنات في مناطق أخرى بالشمال السوري، ومنها مستوطنات في محافظة إدلب، تنتشر على أطراف كلٍّ من بلدات: سلقين، وكفر تخاريم، وأرمناز، في ريف إدلب الشمالي، ومناطق الدانا، ودير حسان، وكفر لوسين، وسرمدا، في ريف إدلب الغربي، وعلى أطراف مدينتي جسر الشغور ودركوش، وذلك لضمان هدف استراتيجي مستقبلي يتمثل في منع توجه أي تواجد سكاني كردي في هذه الأجزاء من الشمال السوري بالمستقبل، حتى بعد الانسحاب التركي منها.

لافتات تشكر متبرّعين من الكويت وفلسطين لمساهمتهم في دعم مشاريع التوطين بريف عفرين

وتخدم مخططات التوطين هذه هدفاً يتمثل في ضمان وجود كتلة سكانية سورية موالية لتركيا وسياساتها بالمستقبل، ومتواجدة في المناطق الحدودية المتاخمة لتركيا. وفي سبيل دعم مخططات هذه المستوطنات اعتمدت تركيا على حملات تمويل قامت بها شبكات وجمعيات مرتبطة بالحركات الإسلامية في دول عربية كفلسطين والكويت، وتمّ جمع التبرعات تحت عنوان مساعدة اللاجئين السوريين.

جاء تبلور السياسات التركية الجديدة، من "التخفيف المكاني"، و"العودة الطوعية"، في ظلّ تزايد الضغوطات والأزمات المرتبطة بالوجود السوري في الداخل التركي، من تعرّض اللاجئين للهجمات العنصرية المتزايدة في الأعوام الأخيرة إلى الأزمة الاقتصادية والبطالة المتزايدة، فضلاً عن الارتدادات السياسية وتصاعد الخطابات المعارضة لاستمرار الوجود السوري، بما في ذلك خطابات صادرة من قبل حزب الحركة القومية، حليف حزب العدالة والتنمية في الحكومة، إلّا أنّ الأتراك لم يشاؤوا أن تكون العودة منفصلة عن تحقيق مكاسب استراتيجية لتركيا، وهو ما جاءت مشاريع "التوطين" لتكفل تحقيقه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية