ما مصير المصالحة الفلسطينية إذا نفد صبر القاهرة؟

فلسطين

ما مصير المصالحة الفلسطينية إذا نفد صبر القاهرة؟


23/05/2019

منذ عدة أشهر لم تشهد العاصمة المصرية القاهرة زيارات مكوكية لقادة الفصائل الفلسطينية، على رأسها حركتا "فتح وحماس"، لبحث ملف المصالحة الفلسطينية، وكان نصيب الأسد لمباحثات التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي ترعاه مصر والأمم المتحدة؛ فهل تخلّت مصر عن جهودها في توحيد الفلسطينيين، أم أصبحت غير قادرة على تحقيق نتائج في هذا الملف؟ وهل أصبح لملف التهدئة الأولوية على المصالحة؟

توقعات بتحويل ملف المصالحة لجامعة الدول العربية في حال أعلنت مصر توقف جهودها المبذولة بين فتح وحماس

ويعتقد الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية، يوني بن مناحيم؛ أنّ مصر جمدت جهودها لإنجاز المصالحة الفلسطينية، وتركز حالياً على منع اندلاع تصعيد جديد على حدود قطاع غزة، بين "حماس" و"إسرائيل"؛ لأنّ احتمالات تحقيق المصالحة تقترب من الصفر، في حين أنّ موضوع التهدئة يمسّ الأمن القومي المصري، وهو أكثر أهمية لهم؛ فالهدوء في غزة يعني استقراراً للوضع في شمال سيناء.
وأوضح مناحيم؛ أنّ موضوع المصالحة لم يعد يتصدر اهتمامات قادة الاستخبارات المصرية، حتى أنّ وفد الاستخبارات الذي يزور قطاع غزة أسبوعياً لا يقوم بزيارات مماثلة إلى المقاطعة، حيث يوجد مقرّ الرئيس الفلسطيني، كما كان يفعل في السابق؛ بل تجري حوارات مكوكية بين غزة و"تل أبيب"، دون المرور برام الله".
وكان الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلاميّ"، زياد النخالة، قد صرّح، في 3 أيّار (مايو) الجاري، بعد زيارته القاهرة، بدعوة رسميّة للقاء مسؤولين مصريين، لبحث الوضع السياسيّ الفلسطينيّ؛ بأنّ "مصر لن تتابع موضوع المصالحة بين حركتيّ "فتح" و"حماس" بعد الآن".
الهدوء في غزة يعني استقراراً للوضع في شمال سيناء

طريق مسدود
وقال الناطق باسم حركة حماس، عبد اللطيف القانوع، في تصريحات صحفية: إنّ "المصالحة الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود، ومن يعرقل إتمامها هو الرئيس محمود عبّاس، وهذا الأمر باتت مصر تدركه جيّداً".
وبيّن الناطق باسم حماس؛ أنّ العقبة الأساسية لعدم التوصل لاتفاق شامل لإنهاء الانقسام الفلسطيني؛ هي عدم إيمان حركة فتح بقاعدة الشراكة الوطنيّة، ليس مع حماس فحسب؛ بل مع كلّ الفصائل؛ إذ ما يزال عبّاس يتفرّد بالقرار الفلسطينيّ".

اقرأ أيضاً: هل تستجيب المصالحة الفلسطينية لـ"صفقة القرن" أم تواجهها؟
في المقابل، حمّل عضو المجلس الثوري لحركة فتح، عبد الله عبد الله، حركة حماس "المسؤولية الكاملة عن عدم إتمام اتفاق المصالحة، وتنصلها من الاتفاقيات، ومحاولة تفجير موكب رئيس الوزراء الأسبق، رامي الحمد الله، في آذار (مارس) من عام 2018، أثناء زيارته لتسلم الحكومة بغزة".
وقال عبدالله لـ "حفريات" إنّ "مصر لن تتخلى عن المصالحة، ولكن هناك انسداد بالأفق لعدم توصل جهاز الاستخبارات المصرية لنتائج ملموسة على أرض الواقع، وذلك نتيجة عدم التزام حركة حماس بالاتفاقيات، خاصة اتفاق القاهرة، في 12 تشرين الأوّل (أكتوبر) من عام 2017، الذي لم يتم تنفيذ شيء من بنوده".
وشدّد على أنّ حركة حماس لا تريد مصالحة حقيقية، كي تبقى في سدة الحكم، وأنها فضلت إنجاز ملف التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي على ملف المصالحة "لإحكام سيطرتها على القطاع، وعدم تمكين السلطة الفلسطينية من القيام بمهامها".
تجميد الجهود
وفي هذا السياق، يقول هاني المصري، مدير مركز "بدائل" للأبحاث والدراسات، لـ "حفريات" إنّ مصر لن تتخلى عن المصالحة الفلسطينية، "ولكن ما حدث هو تجميد للجهود المصرية، لعدم وجود تجاوب في وجهتي النظر، وعدم الوصول إلى نتائج ملموسة خلال الأعوام الماضية، نتيجة تكرار الشروط والمطالب، وهذا يدلل على عدم قدرتها على ممارسة الضغوط على طرفي الانقسام لإلزامهم بتطبيق المصالحة".

اقرأ أيضاً: "حماس" توافق على الرؤية المصرية للمصالحة الفلسطينية
ويعتقد أنّ تعثّر ملف المصالحة الفلسطينية وعدم الوصول لأيّ اتفاق جديد، "يصبّ في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي؛ فبدل من أن يوجه الفلسطينيون جهودهم الرئيسة ضدّه، يتم استنزاف طاقاتهم في صراع داخلي، يخدم الاحتلال بشكل كبير؛ كون الجبهة الداخلية الفلسطينية منشغلة بالاقتتال الداخلي والتراشق الإعلامي".
ويرى المصري أنّ ملفّ التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي أصبحت له الأولوية على ملف المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام وتوحيد الصفّ الفلسطيني، "وهذا يعدّ بداية انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة، وهو ما يخدم مصلحة الاحتلال الإسرائيلي، بالسيطرة على الضفة الغربية، وتطبيق ما يسمى صفقة القرن".
عبدالله: حركة حماس لا تريد مصالحة حقيقية

تغيير المقاربة
ويرى المصري أنّ من الضروري تغيير المقاربة التي اعتمدت من أجل المصالحة، وأن يتم تحديد وجهة نظر جديدة "الرزمة الشاملة"، وأن يكون كلّ طرف على دراية تامة بماذا يقدم؟ وماذا يأخذ؟ ووضع برنامج مشترك يتم تطبيقه بالتوازي والتزامن.
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، أكرم عطا الله، لـ "حفريات": إنّ "مصر شعرت بأنّ ملف المصالحة أكثر تعقيداً؛ بسبب حداثة التجربة الفلسطينية بالسياسة، وأيضاً بسبب الدور الإسرائيلي الذي كان له أثر كبير، إضافة إلى تدخلات إقليمية؛ كون مصر ليست وحدها التي تعمل بهذا الملف، فالتجربة المصرية أكدت أنه من المستحيل تحقيق التقدم في هذا الملف، نظراً إلى الأسباب الثلاثة؛ لذلك جمّدت جهودها في هذا الملف".
مصر الأقرب للفلسطينيين
ويضيف بأنّ ملفّ المصالحة الفلسطينية "ملف مصري بامتياز، فمصر أكثر دراية بهذا الملف، وهي الأقرب لكلّ الفصائل الفلسطينية، فهي لها مسؤولية تاريخية تجاه الفلسطينيين، فإن فشلت في تحقيق المصالحة، لن يتمكن أحد غيرها من تحقيقها".

عضو في المجلس الثوري لحركة فتح: حماس تتحمل المسؤولية الكاملة عن عدم إتمام اتفاق المصالحة

ويردف: "تفاهمات التهدئة التي تتم برعاية مصرية وأممية، لها دور في عدم الإسراع في إنجاز ملف المصالحة، وأيّ انفراج لقطاع غزة يقوّي موقف حماس، ولن يجعلها تقدم تنازلات للسلطة من أجل تطبيق المصالحة، فإذا توقفت مباحثات التهدئة تختنق حركة حماس، وتبحث عن الحلول، وأحد تلك الحلول الذهاب نحو المصالحة، ولكن عندما تجري مباحثات التهدئة، وتكون هناك انفراجات مالية، بالتأكيد ذلك سوف يقلل من رغبة حماس واستعدادها لتقديم التنازلات".
ويرى عطا الله؛ أنّ التجربة غير الناضجة لطرفي الانقسام "حماس وفتح" هي التي منعت كلاً منهما من تقديم تنازلات؛ لأنّ تراكم التجربة يمكن أن يكرّس ثقافة التوحد والمشاركة والحلول الوسطى، التي تتطلب تقديم التنازلات، فلم نرَ أيّ طرف منهما قدّم تنازلاً من أجل تطبيق المصالحة.
بدورها، رأت سارة الشلقاني، مسؤولة ملف الصراع العربي الإسرائيلي في صحيفة "الدستور" المصرية؛ أنّ "التقارير الحالية حول تجميد مصر جهودها في المصالحة الفلسطينية غير صحيحة، فأمر كهذا يعني أنّ الطرفين وضعا شروطاً تعجيزية لبعضهما البعض، وأنهما لا يتعاطيان مع الجهود التي تبذلها القاهرة، وهو ما يحدث عكسه بشكل تام على أرض الواقع.

اقرأ أيضاً: حماس تتوج اتفاق المصالحة الفلسطينية بالانعطاف نحو إيران
وبينت؛ أنّ تلك التقارير ما هي إلا تكهنات بعد التصريحات التي قالها زياد النخالة، الأمين العام للجهاد الإسلامي، من أنّ مصر لن تتابع ملف المصالحة بعد الآن، ولكن القاهرة مستمرة في جهودها، وخلال التصعيد الأخير مع غزة، كانت هناك اتصالات بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والسلطات المصرية، بشأن منع الحرب على غزة وضرورة توحيد البيت الفلسطيني.
القاهرة مستمرة في جهودها

طريق شبه مسدود
وأبلغت الشلقاني "حفريات" أنّ المصالحة ربما تكون "في طريق شبه مسدود الآن، ولكن القاهرة لم تأخذ أيّ قرار حتى اللحظة بتجميد جهودها، وما تزال مستمرة في تلك الجهود لمحاولة تحريكها مرة أخرى؛ أي إنها، بالأحرى، لم توقف جهودها، وإن كانت تصريحات النخالة صحيحة، فلماذا تبقى القاهرة لأكثر من أسبوعين دون إعلان الأمر؟".

اقرأ أيضاً: غزة.. بيضة قبان "صفقة القرن" وموقف حماس الصعب
وتضيف بأنّ حركتي حماس وفتح تريان أنّ القاهرة هي الراعي الوحيد للمصالحة، بل شريك فيها، وحتى الآن توجد مباحثات لكلّ منهما مع القاهرة على حدة، ويتم بحث دعوة حماس للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لزيارة غزة، وكذلك عدة خطوات من الضروري تنفيذها، هي: تمكين الحكومة، وعودة السلطة للمعابر، "وذلك لا بدّ من أن يكون قبل إعلان الإدارة الأمريكية صفقة القرن بشكل رسمي، والتي من المقرر أن تبدأ أولى خطواتها نهاية الشهر المقبل، في المؤتمر الدولي في مملكة البحرين".
وتوقعت الشلقاني أن يتم "تحويل ملف المصالحة لجامعة الدول العربية، في حال أعلنت مصر توقف جهودها المبذولة بين الطرفين، وهو ما يعني أنه سوف يأخذ شوطاً كبيراً من الوقت، وهو الأمر الذي لا يصبّ في صالح القضية الفلسطينية، مع بدء الإدارة الأمريكية في صفقة القرن، وهو ما يجعله أمراً مستبعداً للغاية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية