ما هي سيناريوهات إسرائيل للردّ على استفزازات حماس؟

ما هي سيناريوهات إسرائيل للردّ على استفزازات حماس؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
27/08/2020

ترجمة: إسماعيل حسن

يتراوح الوضع الأمني على حدود غزة بين تصعيد تدريجي وهدوء مؤقت، فيما تبدي الأوساط الإسرائيلية قناعة بأنّها لن تتسرع في عملية عسكرية، في ذروة أزمة صحية واقتصادية وسياسية تعصف بها، مع أنّ الأمر يحتمل زيادة الضغط على حماس دون خوض معركة واسعة.

 في الوقت ذاته؛ فإنّ إسرائيل أمام جولة من التدهور على حدود غزة، وما بدأ بإطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة ينتقل إلى صواريخ ومناوشات على الجدار، وإرهاب يعرقل حياة سكان الغلاف، كما أنّ إسرائيل تعيش اليوم في أزمة سياسية داخلية كفيلة بأن تؤدي إلى جولة انتخابات رابعة، ويختلف الائتلاف حول أزمة الميزانية وأزمة كورونا التي تضرب الاقتصاد، ومعدلات البطالة تتسلق إلى مستويات مرتفعة، ويتطلع الجيش الإسرائيلي إلى البدء بتنفيذ الخطة الجديدة متعددة السنين التي تنطوي على تغييرات ثورية في بناء القوة، وميزانية غير جلية، وليس واضحاً إذا ما كانت أولوية الجيش المالية ستعطى في هذا الوقت لمواجهة البالونات المتفجرة والصواريخ المتوجهة إلى إسرائيل من قطاع غزة، في ظلّ حالة التأهب القصوى في صفوف الجيش.

 في المقابل؛ يعلم الإسرائيليون، لكنّهم يكابرون، أنّ اقتصاد غزة في حاجة لتدفق الأكسجين إليه، فالفلسطينيون يواجهون ركوداً اقتصادياً حادّاً، مع أنّ قطر هي الداعم العربي الوحيد في غزة في الأعوام الأخيرة، إلا أنّ ملايينها تبقي رؤوس الفلسطينيين فوق سطح الماء، وتمنحهم الحدّ الأدنى من الاستقرار الأمني والاجتماعي.

البالونات الحارقة

مسؤولون إسرائيليون يرون أنّ البالونات الحارقة وإطلاق الصواريخ سيستمران لبعض الوقت، فقد يستغرق الأمر أياماً وربما أسابيع، لأنّ حماس غير مستعدة لتغيير مواقفها، وإسرائيل لا تريد التصعيد خلال فترة كورونا وربما عشية الانتخابات، مع أنّ جميع الافتراضات الأخرى تهدف للتغطية على حقيقة أنّ إسرائيل ليس لديها حالياً حلّ للوضع في غزة، حتى إن خضعت لجميع مطالب حماس. وفي الوقت ذاته؛ يهدّد كلٌّ من رئيس الوزراء ووزير الدفاع بالردّ بقوة على كلّ استفزاز يصدر من قطاع غزة، لكن يبدو أنّ حماس غير مردوعة في هذه المرحلة، والعكس هو الصحيح؛ فقد شدّدت حماس أعمالها الإرهابية، فالزعامة الكفاحية بقيادة السنوار وهنية تسعى، على ما يبدو، لإضعاف خصمهم مشعل قبيل الانتخابات القريبة، فيما تسعى حماس لاستغلال الأجواء السياسية في إسرائيل، والرغبة في الحفاظ على الهدوء، كي تدفع الحكومة لمواصلة التنسيق مع قطر وضخّ التمويل؛ حيث يبقى ضخّ الأموال سارياً مع حلول العام القادم مقابل تثبيت حالة الهدوء.

تعتقد إسرائيل أنّ حماس لا تخشى أن تتعرض غزة لهجوم عسكري كبير، وتفهم كذلك أنّ اغتيالات مستهدفة واسعة النطاق أمر غير وارد بالنسبة إلى إسرائيل

ليس معقولاً أن تسمح قيادة إسرائيل لحماس هذه المرة بمواصلة إملاء قواعد اللعب، فقد وعد الزعماء بردّ حادّ على الاستفزازات، والجيش الإسرائيلي إذا ما واجه التحدي فسيعرف كيف يردّ بحزم، من المهم خلق معادلة جديدة لا تفرق بين بالون حارق وآخر متفجر، أو صاروخ، لقد نشأت في إسرائيل أجواء تفيد بأنّ على الجيش الإسرائيلي أن يعيد تثبيت ردعه، من خلال إطلاق رسالة واضحة وحاسمة لحماس، في أنّ معادلة الردع لن تكون في صالحها.

منظومة ليزر تكتيكية

لقد نشرت إسرائيل مؤخراً منظومة ليزر تكتيكية لاعتراض البالونات كوسيلة دفاع أخرى، ويعتقد كثيرون بأنّ هذا جهد زائد، لكن هذا في ضوء توصيتنا لا يختلف عن نشر قبّة حديدية لاعتراض الصواريخ، في كلّ الأحوال؛ الليزر ليس رداً كافياً، فجعل مطلقي البالونات أهدافاً مشروعة هو السبيل لإعادة تثبيت الردع، وهو لا يختلف عن السياسة الإسرائيلية للمسّ بالنشطاء الذين يطلقون الصواريخ، في هذا النشاط توجد إمكانية كامنة للتصعيد، لكنّها مخاطرة ينبغي ويجب أخذ الاعتبار بها.

اقرأ أيضاً: بالونات غزة الحارقة تضغط على عصب الاحتلال الإسرائيلي

إنّ مطالب الفلسطينيين في غزة أن يتمّ إنقاذ الوضع المعيشي من حالة الانهيار الحاصلة بعيداً عن المسكنات المؤقتة بين حين وآخر، بما فيها زيادة عدد العمال المسموح لهم بدخول إسرائيل، وتوسيع مساحة الصيد بحرياً وتنفيذ مشروعات لتخفيف الوضع الاقتصادي، وتقليص البطالة في قطاع غزة، وإنشاء خطّ كهرباء جديد لها، كلّ ذلك متاح لهم؛ العمال يدخلون إسرائيل للعمل، والبحر مفتوح أمام الصيادين، والمشروعات في غزة ما تزال قائمة، لا نعرف ماذا تريد حماس تحديداً؟

بعد سلسلة الهجمات سمع عن تفاؤل حذر في الجانب الإسرائيلي؛ بأنّه سيكون ممكناً الوصول إلى تهدئة في الساحة الجنوبية المشتعلة، هذا التفاؤل يعتمد على سببين أساسيين؛ مواصلة الوسيط المصري جهوده لتثبيت الهدوء، والهبوط النسبي في عدد البالونات الحارقة التي أطلقت خلال الأيام الماضية، يجب التعاطي مع السبب الثاني بشكّ، وفحصه وفق سلسلة الأيام، لكنّ الوقفة المصرية ذات معنى عظيم، على خلفية تجربتهم في تهدئة الخواطر بين الطرفين، ومواصلة إجراء المحادثات لتخفيض مستوى اللهيب بين إسرائيل وحماس.

هل لحماس مصلحة في التصعيد؟

في المداولات الداخلية التي أجريت في الأيام الأخيرة، كانت محافل التقدير في جهاز الأمن متفقة في الرأي، بأنّ حماس لا مصلحة لها في تصعيد واسع على الجبهة الجنوبية، والأحداث الأخيرة هي في الأساس نتيجة لضائقة غزة الاقتصادية، فالتنظيم معنيّ، إلى جانب ضمان استمرار التمويل القطري لأطول فترة ممكنة، باستئناف سلسلة من المشروعات المدنية، في محاولة لجلب بشرى لسكان القطاع، كما أنّه معنيّ بجذب اهتمام الأسرة الدولية من جديد، بعد أن انتقل الاهتمام إلى لبنان في أعقاب مصيبة بيروت.

بات لدى الإسرائيليين قناعة بأنّ قيادة حماس أدركت الطريقة الصعبة للضغط على إسرائيل بتأخير إطلاق القذائف الصاروخية واعتماد سياسة المضايقة ضدّها، خاصة عبر البالونات الحارقة

بات لدى الإسرائيليين قناعة بأنّ قيادة حماس أدركت الطريقة الصعبة للضغط على إسرائيل بتأخير إطلاق القذائف الصاروخية واعتماد سياسة المضايقة ضدّها، خاصة عبر البالونات الحارقة والإرباك الليلي على الحدود، ورغم أنّ تلّ أبيب زعمت أنّها لن توافق على أن يدفع المانحون فلساً واحداً تحت التهديد، لكنّها معنية، في الوقت ذاته، بتحقيق الاستقرار في القطاع، وترى أنّه لا بدّ من المساهمة في إتاحة الهدوء النسبي في الجنوب.

 

 إسرائيل تستعدّ وتبدي جاهزيتها لتجاوز الأزمة مع حماس، لكن بعد توقف إطلاق البالونات الحارقة من غزة تماماً، كجزء من محاولة بثّ أثمان الربح والخسارة، في مقابل كلّ ذلك؛ شدّدت إسرائيل من الضغط العسكرى والاقتصادي على قطاع غزة، بعد أن واصلت منظمة حماس إزعاج سكان الجنوب وإطلاق البالونات الحارقة، وتجاهل كافة مساعي التهدئة، فيما تقدر إسرائيل بأنّ حماس لن تستطيع الصمود أمام هذا الضغط الداخلي على مدى الزمن، وتعوّل إسرائيل على هذا على أمل أن تأمر حماس بوقف إطلاق البالونات، الأمر الذي يسمح بعودة الهدوء والحياة الطبيعية إلى الغلاف.

 حتى إن نجح المصريون مرة أخرى بالجسْر بين الطرفين، فستكون توافقات هشّة ومؤقتة، تشترط إسرائيل لكلّ تقدم للتفاهمات بعيدة المدى بحلّ مسألة الأسرى والمفقودين، وتشكّك المحافل ذات الصلة بالموضوع في أن يكون الأمر ممكناً الآن على خلفية المطالب العالية التي طرحتها حماس، والتي لا تنوي إسرائيل الاستجابة لهاـ ولن يكون التقدم ممكناً، إلا إذا أبدت حماس مرونة كبيرة في المباحثات الحالية غير المباشرة.

لا يجوز الاستخفاف

رغم كلّ ذلك؛ يتركز الجهد الإسرائيلي في هذه الأثناء على تحقيق الهدوء في الغلاف، فالضرر الذي تلحقه الحرائق، وإن كان قليلاً بالنسبة إلى ذاك الذي وقع في صيف 2018، فإنّ الاستخفاف بوقعه المعنوي على السكان الذين يسكنون في المنطقة يبقى محظوراً، وكما هو الحال دوماً فإنّهم يبدون حصانة وقدرة صمود عظيمة، لكن كان يجدر بالدولة أن تتوافق معهم في جملة موضوعات مدنية، تعزز صمودهم، استعداداً للجولات التالية التي لا بدّ من أنّها ستأتي، سواء من جبهة الجنوب أو الشمال، فالمستوطنون في مستوطنات غلاف غزة يواجهون مخاوف أمنية متصاعدة، مع استمرار إطلاق البالونات الحارقة، والتي أسفرت عن اشتعال الحقول الزراعية، وحين أغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم مع القطاع زادت البالونات، وحين قلصت مساحة الصيد استمر الهجوم، فالتوتر الحالي قد يزداد قسوة، وينتظر ما قد تسفر عنه محادثات الجهات الوسيطة، لعلها تحقق إنجازاً يذكر، مع أنّ مطلب حماس من إسرائيل هذه الأيام يتمثل في فتح المعابر، وهو ما من شأنه تحريك السيولة المالية في أيدي الفلسطينيين، وتحفيز الاقتصاد المهتز في القطاع، ومنح تصاريح لتصدير المزيد من البضائع للخارج أو لإسرائيل.

اقرأ أيضاً: سلطتان في غزة ورام الله لحكم الفلسطينيين: أما لهذا العذاب من نهاية؟

تعتقد إسرائيل أنّ حماس لا تخشى أن تتعرض غزة لهجوم عسكري كبير، وتفهم كذلك أنّ اغتيالات مستهدفة واسعة النطاق أمر غير وارد بالنسبة إلى إسرائيل، رغم تصريحات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لذلك فإنّ قيادة الحركة تواصل حملة ضغوطها ضدّ إسرائيل، التي تدمّر بين حين وآخر عدداً لا بأس به من مواقع الفصائل في غزة، من خلال قصفها المتقطع، وتفضيلها الردّ على البالونات الحارقة باستهداف نقاط المراقبة في المنطقة القريبة من السياج، بمساعدة الدبابات.

 صحيح أنّ الهجمات الإسرائيلية تلحق أضراراً كبيرة بالفصائل المسلحة، لكنّ الأخيرة وضعت لنفسها أولوية، وهي على استعداد لخسارة بعض المواقع المهمة بشرط تلبية مطالبها، وبكلمات أخرى، وفق الرؤية الإسرائيلية؛ فإنّ حماس تعمل بكلّ ما للكلمة من معنى، وتقدّر أنّ البندقية التي تصوّبها إسرائيل تجاهها خالية من الرصاص.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/article/791665



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية