ما هي عواقب التدخل التركي في ليبيا؟

ما هي عواقب التدخل التركي في ليبيا؟


كاتب ومترجم جزائري
05/01/2020

ترجمة: مدني قصري


إنّ تطبيق اتفاق التعاون العسكري مع تركيا، الذي أعلنته طرابلس، يفتح الطريق لمزيد من التدخل التركي في ليبيا.

تنظر الجزائر إلى الخطوة التركية على أنّها معادية وأنّها لا تختلف عن مغامرة أنقرة العسكرية في شمال سوريا

يمكن لتركيا أن توفر لحكومة الوفاق الوطني الدفاع المضاد للطائرات، بما في ذلك نظام تشويش الطائرات بدون طيار، والمزيد من المستشارين، وطائرات بدون طيار أكثر حداثة، وفقاً للخبير في الشؤون الدفاعية، أرنود ديلالاندي.
وحذّر محللون والأمم المتحدة من خطر التصعيد، ومن حدوث سيناريو على الطراز السوري - حرب اشتركت فيها العديد من القوى الكبرى والقوات الإقليمية - في حالة تورط مباشر أكثر من قبل الدول الأجنبية في ليبيا.
ومع ذلك، استبعد ديلالاندي إرسالًا محتملاً للجنود الأتراك للقتال على الأرض -كما كان الحال في شمال سوريا- أو الطائرات المقاتلة لتنفيذ الضربات.
من ناحية يعتقد عماد بادي من معهد الشرق الأوسط، أنّ المزيد من الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني "يمكن أن تُغيّر مجريات اللعبة".

 

مصلحة أنقرة ودوافعها
قال السيد بادي: "توافق تركيا مع حكومة الوفاق الوطني تمليه عدة عوامل، بما في ذلك بعض العوامل الجيوسياسية والإيديولوجية".
قبل كل شيء، تريد تركيا مواجهة تأثير الجهات الفاعلة الإقليمية، التي تعارض التيارات الإسلامية القريبة من أنقرة.

اقرأ أيضاً: ليبيا وتونس واختيال أردوغان
هناك أيضاً دوافع اقتصادية واستراتيجية أخرى، في حين تثير رواسب النفط المكتشفة في شرق البحر المتوسط شهية تركيا، وأيضاً غيرها من البلدان المُشاطئة التي لديها علاقات صعبة مع أنقرة.
بعد تهديدها بالعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب أعمال الحفر التي تعتبرها غير قانونية قبالة ساحل قبرص، وهي جزيرة تحتل تركيا الجزء الشمالي منها، تعتزم تركيا الاعتماد على اتفاق آخر مع ليبيا بشأن رسم الحدود البحرية، لإنهاء عزلتها في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتأكيد حقوقها في استغلال المواد الهيدروكربونية.
استقبل أردوغان زعيم حكومة الوحدة الوطنية الليبية فايز السراج

إصرار أردوغان
استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأحد 22 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، للمرة الثانية في أقل من شهر، زعيم حكومة الوحدة الوطنية الليبية فايز السراج، بعد أيام قليلة من الحديث عن إرسال قوات إلى ليبيا لدعمها.
وقال أردوغان للتلفزيون التركي "سنحمي حقوق ليبيا وتركيا في شرق البحر المتوسط". "نحن أكثر من مستعدين لتقديم كل الدعم اللازم لليبيا".

اقرأ أيضاً: هل تتدخل تركيا عسكرياً في ليبيا؟
بناءً على طلب طرابلس، أحيل الاتفاق الثنائي، الذي ينص على قوة رد سريع، إلى البرلمان التركي يوم السبت، دون تحديد موعد للتصويت.
تأتي مناورات أنقرة هذه في الوقت الذي تدخل فيه الحرب في ليبيا مرحلة حاسمة تميزت بـ "المعركة النهائية" لطرابلس التي أطلقها الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.
استكشفت يورونيوز أسباب المزاعم العسكرية التركية في ليبيا وعواقبها المحتملة على الساحة الإقليمية والدولية، في وقت يتزايد فيه التوتر بين أنقرة وبين حلفائها الأوروبيين.

 

دوافع تورط تركيا في هذه الأزمة
قالت تركيا، في بداية شهر كانون الأول (ديسمبر)، إنّ الارتباط العسكري مع ليبيا مدفوع بشكل أساسي بالشرعية.

الأوروبيون خائفون للغاية من ردود فعل ونفوذ الرئيس التركي وخاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة لدفع الحدود ضده بعيداً

لكن اهتمام تركيا بليبيا ليس جديداً، وفقاً لبراه ميكائيل، مدير مؤسسة Stractegia Consulting والأستاذ المشارك في جامعة "سانت لويس" في مدريد؛ حيث قال "سعت أنقرة لتطوير سياسة التأثير بعد سقوط الزعيم الليبي السابق معمر القذافي" في عام 2011 ، و"مع هجوم القائد خليفة حفتر على طرابلس في نيسان (أبريل) 2019 ، وجد الأتراك طرقاً جديدة لتوسيع نفوذهم السياسي والعسكري على الأرض".
وحسب هذا الخبير، فإنّ الاهتمام الاستراتيجي لتركيا بليبيا يتمثل في تطوير سياسة متوسطية قابلة لأن تتنافس مع سياسة الأوروبيين. وقال إنّ الحسابات الاقتصادية عامل آخر؛ حيث تقدم ليبيا "آفاقاً هائلة" لتركيا فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار.
قد ترغب تركيا أيضاً في إظهار قدراتها العسكرية عن طريق بيع الأسلحة إلى ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس.
خلال زيارة أردوغان إلى تونس

خلفية إسلاموية وجيوسياسية
وأضاف الخبير "يمكن أن يكون هناك أيضاً عنصر أيديولوجي يجب استكشافه، نظراً لأن حكومة فايز السراج معروفة بخضوعها - حتى لو كانت أقل من ذي قبل - لتأثير الإسلاميين، في سياق ليست فيه التوجهات والمعتقدات الإسلامية للرئيس التركي أردوغان سراً، "لكنني أشك في أن يتغلب هذا المكون على الجوانب الجيوسياسية".
ما هو احتمال التدخل التركي؟
وفقاً لنص الاتفاقية العسكرية المرسلة إلى المشرعين الأتراك، قد تطلب طرابلس المركبات والمعدات والأسلحة لدعم الجيش الليبي والعمليات البحرية والجوية. كما تنص الاتفاقية على إقامة التبادلات في مجال الاستخبارات.
هذا وكانت العلاقات العسكرية قد وحدت بالفعل بين البلدين قبل هذا الاتفاق. في الأيام القليلة الماضية أبرز مجلس الأمن الدولي دور بعض الدول في تسليح الجماعات المتحاربة في ليبيا، مما يشكل انتهاكاً للحظر المفروض على الأسلحة الساري على البلاد.

 

مخاطر التدخل التركي
وكما يلاحظ ميكائيل، لقد شدد الرئيس أردوغان حتى الآن على استعداد تركيا لوضع الوسائل العسكرية في متناول السراج - بدلاً من إرسال قوات إلى الميدان.
ويقول المحلل "من الواضح أنّنا لا نستطيع أن نستبعد أي شيء، لكن إرادة الأتراك لإرسال قوات إلى ليبيا يجب أن تؤخذ بحذر".

اقرأ أيضاً: تركيا تتدخّل في ليبيا من أجل الغاز.. و"الإخوان"
ويضيف "يقول الأتراك إنّ طلباً رسمياً بسيطاً من طرابلس يمكن أن يؤدي إلى تدخل تركيا. وأجرؤ على الاعتقاد بأنّ فايز السراج والوفد المرافق له لن يأخذ في الاعتبار فقط إحجام نظرائهم الأوروبيين بشأن هذه المسألة، ولكنهم سيحسبون أيضاً مخاطر مثل هذا التدخل قبل أن يقرروا استدعاءه". لأن المخاطر المرتبطة عن هذا التدخل "كبيرة".
حتى في تركيا، لا يبدو أنّ هناك إجماعاً على إرسال قوات إلى ليبيا. في هذا الصدد قال Utku Cakirozer ، عضو البرلمان عن حزب المعارضة التركي CHP وعضو الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، في مقابلة مع "رويترز": "يجب ألا تبدأ تركيا مغامرة جديدة". وقال "يجب أن تتوقف حكومة حزب العدالة والتنمية على الفور عن المشاركة في الحرب في ليبيا".

 

التأثير على الاستقرار الإقليمي
وقال ميكائيل إنّ موقف أنقرة من المرجّح أن "يزيد من زعزعة الاستقرار الحالي وخطر قيام القوات المسلّحة الأجنبية الأخرى بتقليد القرار التركي".
يأتي وعد تركيا بتقديم دعم عسكري لليبيا في وقت يتصاعد فيه التوتر بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي على عدد من الجبهات - لا سيما تدخل أنقرة العسكري ضد الأكراد في سوريا في بداية هذا العام.

اقرأ أيضاً: المغامرة التركية في ليبيا.. هل تكون آخر معارك أردوغان في المتوسط؟
وقعت أنقرة وطرابلس اتفاقهما العسكري في الوقت نفسه الذي وقّعتا فيه مذكرة بشأن الحدود البحرية التي أغضبت اليونان. لقد حذرت أثينا، التي طردت السفير الليبي بعد توقيع المذكرة، من أنّ تركيا تزيد من حدة التوتر في المنطقة.
وقال نائب وزير الخارجية اليوناني ميلتاديس فرفتسيوتيس، لصحيفة Ethnos، يوم الأحد "يجب أن تختار تركيا بين أتباع طريق العزلة الذاتية من خلال الاستمرار في لعب دور مثيري الشغب في المنطقة، أو التصرف كجار جيد الآن".
كما دانت اليونان التنقيب التركي عن الغاز قبالة ساحل جزيرة قبرص المقسمة.
خوف الأوروبيين من ردود تركيا
لكن وفقاً لميكائيل، سيبقى رد فعل الاتحاد الأوروبي محدوداً إذا أرسلت تركيا قوات إلى ليبيا، "إذا تحقق ذلك على الأرض، فإنّ التدخل التركي على نطاق واسع في ليبيا من المرجح أن يؤدي إلى سلسلة من الانتقادات الأوروبية، ولكن سيكون له تأثير ضئيل على تركيا. فالأوروبيون خائفون للغاية من ردود فعل ونفوذ الرئيس التركي، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة، لدفع الحدود ضده بعيداً".

 

العواقب المحتملة للتدخل التركي في ليبيا
تريد تركيا أن تضع قدماً في ليبيا. أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الخميس 26 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أنّه سيتم إرسال قوات عسكرية قريباً بناء على طلب طرابلس، مضيفاً أنّه سيقدم مشروع قانون بهذا المعنى إلى البرلمان في وقت مبكر من العام الجديد 2020 من هذا العام. وفقاً للرجل القوي من أنقرة، من المقرر بالفعل اعتماد النص في 8 أو 9 كانون الثاني (يناير).

اقرأ أيضاً: الميليشيات المسلحة في ليبيا: تآكل الدولة والسيادة وانسداد الآفاق
"بما أنّ هناك الآن دعوة (من ليبيا)، فسوف نقبلها. وقال الرئيس التركي "سنضع مشروع القانون حول إرسال القوات على جدول الأعمال بمجرد افتتاح الجلسة البرلمانية". من خلال هذا الإعلان، تُظهر تركيا مرة أخرى دعمها لحكومة الوحدة الوطنية الليبية. وافق البرلمان التركي بالفعل يوم السبت على اتفاقية تعاون عسكري وأمني موقعاً مع حكومة الوحدة الوطنية يوم 27 تشرين الثاني (نوفمبر)الماضي، أثناء زيارة لزعيمها فايز السراج إلى اسطنبول. وقال مسؤولون أتراك إنّ الاتفاق يسمح للجانبين بإرسال أفراد عسكريين وأفراد شرطة إلى كلا البلدين للقيام بمهام التدريب والتعليم.

اقرأ أيضاً: هل يطالب أردوغان بإنشاء "منطقة آمنة" في ليبيا؟
ووقعت أنقرة أيضاً أثناء زيارة فايز السراج، اتفاقية تعيين الحدود البحرية التي تسمح لتركيا بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط والتي تطمح إليها بلدان أخرى، ولا سيما اليونان. ولكن للحصول على إذن لنشر قوات قتالية في ليبيا، يجب أن تحصل الحكومة التركية على موافقة البرلمان على تفويض منفصل، كما يفعل كل عام لإرسال جنود إلى العراق وسوريا.
بلد غارق في الفوضى
تأتي تصريحات رجب طيب أردوغان حول إرسال قوات إلى ليبيا بعد يوم من زيارة مفاجئة قام بها إلى تونس، ناقش خلالها القضية الليبية مع نظيره التونسي قيس سعيّد. في 25 كانون الأول (ديسمبر)، تحدث أردوغان عن التعاون مع تونس، التي تشترك في حدود مع ليبيا، للمساعدة في تسوية النزاع الليبي. وقال الزعيم التركي "ناقشنا سبل التعاون لتحقيق وقف لإطلاق النار في ليبيا واستئناف العملية السياسية".

اقرأ أيضاً: "إخوان" ليبيا وفوبيا الجيش
وكان الرئيس التركي قد أعلن بالفعل يوم الأحد 22 كانون الأول (ديسمبر) أنّ بلاده ستزيد دعمها العسكري لطرابلس إذا لزم الأمر، وبكافة أشكاله. وقال الزعيم التركي "سنقيّم جميع أنواع الدعم العسكري، بما في ذلك على الأرض، في البحر وفي الجو إذا لزم الأمر".

 

موقف الجيش الجزائري
يعتبر الجيش الجزائري نشر قوات تركية محتملة في ليبيا تهديداً. لقد أثارت زيارة الرئيس التركي إلى تونس لمناقشة احتمال نشر القوات التركية في غرب ليبيا، في الوقت الذي دفنت فيه الجزائر قائد قواتها المسلحة، غضباً شديداً لدى القيادة العسكرية الجزائرية. وفي هذا السياق ترأس الرئيس الجزائري الجديد، عبد المجيد تبون الخميس 26 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، اجتماعاً مع المجلس الأعلى للأمن حيث تمت مناقشة القضية الأمنية المتعلقة بالحدود الجزائرية الليبية.

اقرأ أيضاً: القرصان التركي في ليبيا
تنظر الجزائر، إلى الخطوة التركية على أنّها معادية، وأنّها لا تختلف عن مغامرة أنقرة العسكرية في شمال سوريا، أو المحمية التركية المفروضة على محافظة إدلب المتمردة.
وبالتالي، فإنّ الجيش الجزائري، الذي غير رئيس أركانه للتو، سوف يرى أي نشر محتمل للقوات التركية في طرابلس كمتطفل جديد للقوات "الزرقاء" في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شمال أفريقيا، وبالتالي كتهديد.
هذا الموقف من شأنه أن يجعل الجزائر أقرب إلى موقف مصر إذا حصلت أنقرة على مبرر قانوني لتدخل عسكري محتمل في طرابلس.
أخيراً، في ضوء نشاط الناتو في ليبيا عبر الحكومتين المتنافستين في طرابلس وطبرق، لا يمكن للجيش الجزائري سوى تجديد تضامنه مع جهود دمشق لاستعادة محافظة إدلب المتمردة، ومواجهة الوجود العسكري التركي في أقصى شمال سوريا.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:

euronews.com و lepoint و lefigaro
 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية