ما وراء قرار حظر النقاب في مؤسسات التعليم الجزائرية؟

ما وراء قرار حظر النقاب في مؤسسات التعليم الجزائرية؟


19/09/2018

فعّلت وزارة التربية الجزائرية قرار حظر النقاب في المؤسسات التربوية والجامعية، مطلع الموسم الدراسي الجديد، بمساندة من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وسط معارضة من أنصار التيار السلفي، الذين لم يتردّدوا في توجيه تهم محاربة القيم الروحية للشعب الجزائري.

الجزائر تفعل قرار حظر النقاب في المؤسسات التربوية والجامعية وسط معارضة من التيار السلفي

ونقل أنصار التيار السلفي في الجزائر معركة مقاومة التوجهات الجديدة لوزيرة التربية نورية بن غبريط، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي، طاهر حجار، إلى منصّات التواصل الاجتماعي، للتباكي على زيّ النقاب الذي تمّ حظره، في المدارس والجامعات، بداية من الموسم الدراسي الجاري، بحسب ما أوردت صحيفة "العرب" اللندنية.

وأظهرت تسجيلات ومنشورات في صفحات ومدونات لناشطين في التيار السلفي، رفضاً قاطعاً لقرار الحكومة القاضي بحظر النقاب، والاستعداد للتضحية بمنصب الشغل بدل التنازل عمّا يعدّونه دليلاً على "العفة والتديّن وتطبيق شرع الله في الأرض"، وأظهرت موظفات ومدرّسات في قطاع التربية والتعليم يتباكين على النقاب، كرمز للمرأة المسلمة، وعنوان للعفّة والاستقامة.

ويجري تنفيذ قرار الحظر بناءً على تعليمات وأوامر وجهت للهيئات الإدارية في جميع المدارس والجامعات والأحياء، بحظر ارتداء النقاب على أيّة أستاذة أو موظفة أو طالبة، بدعوى متطلبات معرفة هوية المرأة المعنية، وحماية المؤسسات التعليمية من أشكال ومضامين التطرف الديني.

وعرف القرار تأخراً في دخوله حيّز التنفيذ، فرغم صدوره العام الماضي، تم إرجاؤه عدة أشهر؛ بسبب سعي الحكومة لتحييد القطاع التعليمي عن الجدل المتصاعد.

 واقتصرت ردود الفعل، إلى الآن، على بعض الجيوب السلفية، وما يعرف بـ "التنسيقية الوطنية لأساتذة العلوم الإسلامية"؛ التي فتحت النار على وزيرة التربية نورية بن غبريط، بعد أيام قليلة من انطلاق السنة الدراسية الجديدة.

القرار يهدف إلى حماية المؤسسات التعليمية في الجزائر من أشكال ومضامين التطرف الديني

 وقالت في بيان لها: إنّها "كشفت المستور عن الإصلاحات الجديدة التي صرحت الوزيرة بتجسيدها، سعياً منها إلى ضرب مواد الهوية الوطنية ورموز الإسلام، بما فيها حذف البسملة، حظر النقاب والقميص بالمؤسسات التربوية، وتقليص الحجم الساعي لمادة العلوم الإسلامية"، واتهم الأمين العام للتنسيقية، بوجمعة محمد شيهوب بن غبريط، بأنّها "مدعومة من طرف فرنسا العلمانية وتحاول كسر المنظومة التربوية".

وكشف شيهوب، ما أسماه "استياء أساتذة العلوم الإسلامية من تصريح الوزير الأول أحمد أويحيى، حول نفيه حذف البسملة من الكتب المدرسية، الذي أثار ضجة كبيرة خلال العام الماضي، وإرجاع ذلك إلى خطأ مطبعيّ، لتتم بداية من العام الدراسي الجديد إعادة طبع الكتب دون بسملة، وهو ما عدّه الأساتذة تراجع حكومة أحمد أويحيى عن مواقفها السابقة.

وفيما تبقى من جهات إسلامية؛ فقد ساد الصمت الذي تلتزم به الأحزاب، والجمعيات المحسوبة على التيار الإسلامي، على غرار جماعة الإخوان وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

ويرى متابعون لشؤون الإسلام السياسي في الجزائر؛ أنّ "المؤسسات التعليمية والجامعية، شكّلت خلال سنوات العشرية الحمراء بؤرة لنمو التيارات المتطرفة، قياساً لبعض المضامين والخطابات المساعدة على تنامي أفكار التشدّد، وهو ما دفع الحكومات المتعاقبة، منذ مطلع الألفية، إلى مراجعة المنظومتين التربوية والتعليمية، في إطار إستراتيجية الحرب على الإرهاب والتطرف."

وبالموازاة مع القرار المذكور، ركزت السلطات التعليمية في البلاد، في تعليمات وأوامر أخرى، على ما أسمته "الزيّ المحترم والمحتشم"، للحدّ من المظاهر المنافية للأخلاق العامة، وهو ما يكون قد سحب البساط من الإسلاميين الذين يستثمرون في كلّ ما له صلة بالدين، ويسحب منهم ورقة اتهام الحكومة بـ "تشجيع التوجهات العلمانية على حساب الثوابت والقيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري."

وفي خطوة لتأكيد التضامن الحكومي، أعرب وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، عن مساندة دائرته الوزارية لـقرار زميلته في الحكومة، وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط، القاضي بحظر النقاب داخل المدارس وجميع المؤسسات التربوية في الجزائر.

وقال عيسى، في مقابلة مع الإذاعة الحكومية: إنّ وزيرة التربية تقوم بعملها بشكل جيد، ووصفها بالفطنة، وجاء قرار وزير الشؤون الدينية والأوقاف متماشياً مع قرار بن غبريط، التي قالت، في تصريحات بمناسبة الإشراف على افتتاح الدخول المدرسي: إنّه يجب أن تكون هوية الموظف داخل قطاع التربية وداخل المؤسسة واضحة، "لا نستطيع تسيير عملية التعليم والتعلم، دون أن يرى التلميذ وجه أستاذته، وفيما يخصّ الرجال، يجب أن يكون لباسهم محترماً كذلك، ويجب عليهم ارتداء لباس لائق ومحترم".

وأضاف وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، في المقابلة الإذاعية: إنّ "نشاط المدارس القرآنية سيخضع للمزيد من الرقابة التي تصب في صالح التلاميذ، وإنّ المصليات في الجامعات ستراقب من أجل الحدّ من التعصّب والتشدّد"، وهو ما يوحي بإمكانية مراجعة وزارته لبعض المسائل المتصلة بالتعليم الديني في البلاد، المعروف بممارسات مشابهة لتلك التي حظرتها وزارة التربية.

وتعكف الحكومة الجزائرية، في الأعوام الأخيرة، على مراجعات كثيفة لمختلف المضامين والأشكال المتصلة بالممارسات الدينية، في قطاعات التعليم والشؤون الدينية؛ للحدّ من تغلغل الأفكار الحاملة لبذور التطرف الديني في إطار الحرب الموازية على الإرهاب، وتعمل على إرساء ما تسميه "الوسطية والاعتدال"، عبر التمكين للتيار الصوفي، بوصفه المرجعية الدينية الأولى للبلاد.

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية