مباركة البراهمي: حركة النهضة الإخوانية حوّلت تونس التسامح إلى منصّة للتطرف

مباركة البراهمي: حركة النهضة الإخوانية حوّلت تونس التسامح إلى منصّة للتطرف


22/02/2022

أجرى الحوار: رامي شفيق

قالت مباركة البراهمي، أرملة السياسي التونسي محمد البراهمي الذي اغتيل في 2013 وهو المعروف بمعارضته الكبيرة لحركة النهضة، إنّه "مع صعود جماعة الإخوان المسلمين في تونس، انتشرت ظاهرة التطرّف الديني، وإشاعة الفكر المتشدّد، بعد أن أصبحت تونس مزاراً لقيادات التطرف العالمي".

النائب السابقة كشفت في حوارها مع "حفريات" أنّ وزارة الداخلية التونسية، تلقت تحذيراً من أحد أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة، قبيل اغتيال زوجها، "لكن الأجهزة الأمنية بتدبير من حركة النهضة لم توفر له الحماية".

وأكدت القياديّة بحزب التيار الشعبي التونسي أنّ "كل الذين يعارضون قرار الرئيس بحلّ المجلس الأعلى للقضاء، الذي حمى الفاسدين واللصوص والمهربين والإرهابيين، هم من لهم مصلحة مع حركة النهضة".

وهنا نص الحوار:

حل المجلسِ الأعلى للقضاء

اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيّد، خطوة جديدة بحل المجلس الأعلى للقضاء، لكنّ البعض يرى أنّ ثمة تمهلاً وبطئاً في تنفيذ إجراءات الرئيس. ما رؤيتكم في هذا السياق؟

من الناحية العاطفيّة، كان العديد من المواطنين يتمنون أن تبدأ محاكمات الفاسدين والإرهابيين واللصوص يوم 26 تموز (يوليو) الماضي، غير أنّ رئيس الدولة الضامن لأمن البلاد واستقرارها، ولِعُلويّةِ القانون، لم يذهب في مسار المحاكمات العشوائية، وأعطى المجلس الأعلى للقضاء فرصته لتصحيح أخطائه وتدارك مثالبه؛ بغية تنقية الأجواء داخل المؤسسة القضائيّة، وإبعاد كل المتورطين في حماية المجرمين؛ عبر إفراغ ملفاتهم الثقيلة من محتوياتها، وسرقة أهمّ المستندات والمؤيدات التي تدينهم، وخاصّة القاضي الطيب راشد، الرئيس الأوّل لمحكمة التعقيب، المتهم بالتواطؤ في قضايا الفساد المالي، والقاضي وكيل الجمهورية بشير العكرمي، المتهم بالتستر على الإرهاب، والتلاعب بملفات الاغتيالات السياسية، بيد أنّ تعنّت المجلس الأعلى للقضاء، ورئيسه يوسف بو زاخر، وإصرارهم على حماية القضاة الفاسدين والمرتشين، بل وإعادة قاضي الإرهاب، صهر القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري، إلى عملِه؛ بناء على حُكم من المحكمة الإدارية، التي يُعتبرُ رئيسها أحد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.

كل هذه العوامل وغيرها، دفعت رئيس الدولة إلى حلّ المجلس الأعلى للقضاء، فجر السادس من شباط (فبراير) في الذكرى السادسة لاغتيال الشهيد شكري بلعيد، مثلما ارتبطت إجراءات 25 تموز (يوليو) بالذكرى الثامنة لاغتيال الشهيد محمد البراهمي.

ملف الاغتيالات والإرهاب

تُعد الاغتيالات والتسفير من الملفات الخطيرة ضد حركة النهضة خلال العقد الماضي، فما أبرز الأدلة والوثائق التي بحوزتكم، سيما في قضية الشهيدين شكري بلعيد، ومحمد البراهمي؟

مرت بلادنا بعشرية قاسية جداً، انتهكت فيها كرامة التونسي، واستبيحت دماؤه الزكية بغير وجه حقّ .

رافق صعود جماعة الإخوان المسلمين في تونس، ظهور بارز لظاهرة التطرّف الديني، وإشاعة الفكر المتشدّد العنيف، بعد أن أصبحت تونس مزاراً لشيوخ الفتنة مثل: العريفي، ومحمد حسّان، وعائض القرني، وحسن بن عبد الله القعود، وغيرهم كثير.

عوامل تواطؤ وتستر واضحة من المجلس الأعلى للقضاء دفعت رئيس الدولة إلى حلّه

هؤلاء الذين تم استقبالهم بالقاعة الشرفية بمطار تونس، قرطاج الدُّولي، وفُرِشَ لهم السجاد الأحمر، وجُمِع لهم شباب تونس ليُلقنوه أبجديّات التكفير والعنف والقتل، فأصبح حزّ الرؤوس وبقْر البُطون وذبح الأبرياء جهاداً في سبيل الله، وأصبح حُماة الوطن من أمنيين وعسكريين طواغيت؛ يجب ذبحهم والتنكيل بهم.

مدّت حركة النهضة هذا الشباب، الذي غرسوا فيه العنف والكراهية، بكلّ التسهيلات؛ للتدريب على السلاح، وأعدّت لهم معسكراتٍ لهذا الغرض، كما مكّنتهم من المساجد؛ لنشر فكرهم لدى البسطاء، الذين انطلت عليهم حيلة كون الإخوان هم حُماة الدين، وانتشرت الخِيَمُ الدعوية لهذا الفكر الإجرامي، في كل المدن والقرى والأحياء.

شرعوا نحو مسلسل الدم في تونس؛ عبر استهداف الأبرياء، ناهيك عن شبكات التسفير إلى بؤر التوتر في سوريا وليبيا بالأساس، بعد أن نظموا "مؤتمر أصدقاء سوريا" سيِّئ الذكر، وحوّلوا تونس الخضراء من بلد التسامح والتآخي العربي والإسلامي، إلى منصّة متقدّمة، ينطلق منها العدوان على أشقائنا.

وما هي دلالات تواطؤ بعض الجهات القضائية والأمنيّة؟

لقد انفرد الإخوان بالحكم مع مجموعة صغيرة من الوصوليين والعملاء، وأشاعوا أجواء العنف. ودعت قياداتهم السياسية -علناً- إلى سحل المعارضة والتنكيل بها؛ فقتلوا الشهيد لطفي نقض، العام 2012، ضرْباً وركلاً ودوساً بأقدامهم، وانتشرت فيديوهات عملية قتله على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن القضاء حكم على المتهمين بالبراءة، واعتبر أنّ الشهيد قضى بسبب سكتة قلبية.

كذلك الشهيد شكري بلعيد، المعارض الشرس لهذا التنظيم الإرهابي، الذي أعلم الأجهزة الأمنية بكونه ملاحقاً ومستهدفاً بالتصفية من هؤلاء، لكن وزير الداخلية علي العريض، في تلك الفترة استهزأ به، ولم يمْضِ وقت طويلٌ على ترصُّدِهِ حتّى اغتالوه غيلة، أمام منزله يوم 6 شباط (فبراير) 2013، وبعد أقلّ من ستة أشهر تم اغتيال الشهيد محمد البراهمي، أمام منزله أيضاً، بأربع عشرة رصاصة يوم 25 تموز (يوليو) من نفس السنة، وقت آذان صلاة الظهر في نهار رمضاني قائظ.

هل ثمة أدلة واضحة على تورّط حركة النهضة؟

سأضع بين يدي القراء هذه الوثيقة، التي تشير إلى كون وزارة الداخلية التونسية، استقبلت مراسَلة من أحد الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، قبيل اغتيال الشهيد البراهمي، باثني عشر يوماً، تُعلم فيها الجهات الأمنية التونسية بأنّ محمد البراهمي، سيقع اغتياله، لكن الأمن التونسي لم يوفر له الحماية، ولم يُخبره بالمخطط الذي يستهدف حياته، وتركوه حتى قتلوه.

طيلة تسع سنوات أنجزت هيئة الدفاع عن الشهيدين: بلعيد، والبراهمي عملا جباراً مع شرفاء هذا الوطن، لكن هيمنة حركة النهضة على الجهاز القضائي، جعل من ملف الاغتيالات السياسية خطّاً أحمر، وتم شراء ذمم بعض القُضاة، سواءً برشوتهم، أو بابتزازهم بملفات فساد؛ حتى  حصل ما حصل في 25 تموز (يوليو) 2021، عندما أعلن السيد رئيس الجمهورية أنّ كل الملفات ستُفتح، وأنّه لا أحد فوق القانون، وأعقب ذلك بإعلانه يوم 6  شباط (فبراير) الجاري، حلّ المجلس الأعلى للقضاء، الذي طالما أكدت أنّ أبرز مهماته هي حماية الفاسدين والإرهابيين.

تأليب الرأي العام

تحركت الجماهير التونسيّة، في وقفاتها الاحتجاجية الأخيرة لمحل إقامة راشد الغنوشي، في إشارة واضحة لتورطه في اغتيال الشهيدين، فهل سنرى حلاً قريباً لحركة النهضة؟

نعم، قبل تجمّع المواطنين للاحتجاج أمام منزل راشد الغنوشي، فقد عَمَد الجمهور الغاضب يوم 25 تموز (يوليو ) 2021، إلى إحراق مقرات حركة النهضة في العديد من المدن والقُرى والأحياء، في إدانة واضحة، وتحميل المسؤولية السياسية والأخلاقية لهذا التنظيم، عمّا آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في بلادنا .

الرئيس قيس سعيّد، رجل قانون، ولا يُمكن إتخاذ إجراءات لحلّ هذا الحزب أو غيره، دون سندٍ قانوني، ولذلك نجده يتحرك بخطوات محسوبة؛ تحقق له شل إرادة  من يريد السوء بتونس، دون خرق القانون والدستور؛ فهؤلاء عصابة، وزعزعة الأمن الوطني لا يعني لهم شيئاً، بل إنّ خلاياهم النائمة جاهزة لتنفيذ كل المشاريع التخريبية ضدّ بلدنا، فولاؤهم للخارج وليس للوطن.

مرت بلادنا بعشرية قاسية جداً انتهكت فيها كرامة التونسي واستبيحت دماؤه الزكية بغير وجه حقّ

عموماً، ملفات فرع التنظيم العالمي للإخوان بتونس ملفّاتٌ ثقيلة، فقد استهدفوا أمن الوطن وأمن دول شقيقة أخرى، ناهيك عن تفقير البلاد، والاستيلاء على مقدّرات تونس لمصالحهم الحزبية والتنظيمية. وربما ذلك ما يجعلنا نرى في الأفق كافة الإجراءات اللازمة؛ لضبط خطورة هذه الحركة والقيادات المرتبطة بها.

 تذهبون إلى أنّ بعض رجالات القضاء يأتمرون بحركة النهضة، بيد أنّ ثمة جهات تسعى لتأليب الرأي العام الدولي ضد قرارات الرئيس.. ما مدى تقديرك لتلك الخطوات؟ 

كل الذين يعارضون قرار الرئيس بحلّ المجلس الأعلى للقضاء، الذي حمى الفاسدين واللصوص والمهربين والإرهابيين، هم من لهم مصلحة مع حركة النهضة، هم الذين نالوا منها المناصب، وتبادلوا معها المصالح.

هذا الضجيج الذي يُحدثونه؛ سبَبُه في حقيقة الأمر الخوف من فتح الملفّات؛ ملفات الفساد والإرهاب التي تتعلّقُ بحركة النهضة، وكل من له علاقة قريبة أو بعيدة بهذه الملفات، متذرعين بالتصدّي للديكتاتورية، والحال أنّ الرئيس سعيّد، أكثر إيماناً منهم بالديمقراطية القائمة على العدالة، وليست الديمقراطية التي أحدثت لها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مراكز تدريب وجمعيات مُريبة، وقنوات فضائيّة ومواقع إلكترونيّة، ضُخّت لها أموال طائلة لتوجيه الرأي العام وقت الحاجة كما يشاؤون.

لكن برز تحالف واضح بين قياديين من توجهات ليبرالية ويسارية، مع بعض قيادات حركة النهضة، كيف ينظر الشارع التونسي إلى مثل هذه الحركات؟

الشارع التونسي قال كلمته في حق هذا التنظيم الإرهابي منذ سنوات، بعد أن شقّ صوتُ الرصاص أمن هذه البلاد الهادئة، وأُهدرت دماء، لكن المال السياسي الفاسد الذي تضخُّهُ دُولٌ أجنداتها مشبوهة، في تونس وعموم المنطقة، والإعلام المُوجّه، وتواطؤ التقدّميين المزوّرين، والليبراليين الانتهازيين، جعل المشهد على هذه الشاكلة.

حركة النهضة مدّت الشباب الذين غرست فيهم العنف والكراهية بكلّ تسهيلات الإرهاب من تسليح ودعم

لقد أتى فيهم أمر الله سبحانه وتعالى، وقُضِيَ أمرهم بعد أن انتهوا في الجزائر، ومصر منذ سنوات، وتنهزم فلولهم في سوريا، وتختلط أوراقهم في ليبيا.

هم منتهون، لأنّهم لم يأتوا لأجل التونسيين، بل انهارت تونس في حِقبتهم. لقد جاؤوا لأجل النظام الأردوغاني في تركيا، فحزنوا على انهيار الليرة التركية، أكثر من حزنهم على انهيار الاقتصاد الذي خربوه لمصلحة الخارج.

لقد خرج التونسيون يوم 25 تموز (يوليو) الماضي، وأحرقوا أوكارها الإرهابية؛ في رسالة شعبية واضحة للرأي العام التونسي والعالمي، كما أنّ الوقفة التي نظمتها نُخبة تونس من سياسيين ورجال قانون ومواطنين، أمّام منزل زعيم الإرهاب راشد الغنوشي، أسقطت الهالة التي أحاط بها الأخير نفسه، وفرّ باكراً من منزله الذي حاصره الأمن، دون أن تحدث أيّة مناوشات، أو محاولات اقتحام.

هيمنة حركة النهضة على الجهاز القضائي جعل من كشف ملف الاغتيالات السياسية خطّاً أحمر

فإذا كان هذا شأن الأصيل، فكيف بالوكيل من جماعة "مواطنون ضدّ الانقلاب"، الذين يمثلون مجموعة معزولة من الشعب التونسي، خاصّة وهم معروفون بالانتهازية والتلوّن والولاء لمن يدفع أكثر.

استياء شديد ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، في أعقاب توعد يسري الدالي، القيادي بحزب ائتلاف الكرامة الجيش والشرطة والمساندين للرئيس التونسي، بالمحاسبة، في وسط مظاهرات للنهضة، ما دلالات ذلك؟

ائتلاف الكرامة حزب يمثّل الذراع البلطجي لحركة النهضة، فهو يدها الثقيلة الباطشة، بينما تحرص النهضة على تمرير صورتها في هيئة التيار المنفتح على الآخر.

جميع نواب ائتلاف الكرامة هم من بلطجيّة الشوارع، ينتمي إليهم محامون هم مُحامو الإرهابيين واللصوص والمهربين، فيهم إعلاميّة سابقة مغمورة،  كانت بوقاً لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وتخصصت في بث أخبار زوجته وابنه.

عُرف ائتلاف الكرامة بممارسة العنف اللفظي والجسدي ضدّ زملائهم النواب، وقاموا بإلقاء الأوراق النقدية على إحدى زميلاتهم بالبرلمان، ومارسوا البذاءة بأنواعها، ونحن لا نستغرب منهم أيّ سلوك أو تصريح ضدّ وطننا وشعبنا وجيشنا وأمننا.

الرئيس قيس سعيّد رجل قانون ولا يُمكن اتخاذ إجراءات لحلّ هذا الحزب أو غيره دون سندٍ قانوني

تصريح يُسْري الدالي، الذي يهدّدُ فيه أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية، يجب أن يؤخذ على مَحْمَلِ الجِد؛ِ لأنه يعبٍر عن حقدٍ دفين ضدّ حماة الوطن، الذين يعتبرهم هذا المجمّدُ وجماعته طواغيت يجبُ استهدافهم.

بعد 25 تمموز (يوليو)، وبعد حلّ المجلس الأعلى للقضاء؛ أصبح الحِمْل على الشعب التونسي أقلّ ثِقلاً، وأصبحت العدالة على مرمى حجر، فقط نحتاج ثقةً أكبر، وثباتاً أكثر، وطالما تونس مُحاطة بالمخلصين؛ فلا خوف عليها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية