متطلبات الإصلاح.. ما الذي ساهم بتفوق بعض الأنظمة التعليمية؟

متطلبات الإصلاح.. ما الذي ساهم بتفوق بعض الأنظمة التعليمية؟

متطلبات الإصلاح.. ما الذي ساهم بتفوق بعض الأنظمة التعليمية؟


18/03/2024

تتناول هذه المقالة المتطلبات اللازمة لإحداث إصلاح في النظم العلمية، على ضوء نتائج ما فعلته الدول المتفوقة في الاختبارات الدولية. وسنبدأ بعرض خطوات الإصلاح في عدد من الدول التي تفوقت وصولاً الى ما يمكن لأي نظام تعليمي أن يفعله في مسعاه للإصلاح.
إنّ أكثر الدول التي حققت إنجازات متفوقة في مجال التعليم ؛ سنغافورة وأستونيا وكندا وفنلندا ومدينة شنغهاي، ومن المهم التنويه لبعض الأمور منها:

لا يوجد رابط مشترك بين نجاحات الدول فلكل نظام تعليمي مناهجه الخاصة وملامحه الخاصة

1. عدم وجود رابط مشترك بين نجاحات هذه الدول، فلكل نظام تعليمي مناهجه الخاصة وملامحه الخاصة.

فهناك أنظمة تعليمية متفوقة تركز على الواجبات البيتية المكثفة، وأنظمة أخرى لا تعطي أهمية للواجبات ومع ذلك تفوق طلابها. كما أنّ بعض الأنظمة التعليمية تركز على إطالة فترة اليوم الدراسي، فيما قللت دول أخرى من فترة اليوم الدراسي وتفوقت كلتاهما في مجال التعليم. وهذا يؤكد أنّ المسألة لا تعتمد على إجراء محدد.

2. إنّ التفوق المقصود هو تفوق في التحصيل الدراسي، وهذا هو محط اهتمام اختبار "بيسا". حيث يركز على زيادة عدد المتفوقين وقلة عدد من حصلوا على درجات دنيا.

اقرأ أيضاً: جدلية التعليم .. لماذا يتعثر الإصلاح التربوي؟
يرى بعض الباحثين أنّ هذا المنطق غير مقبول، نظراً لوجود معايير أخرى غير التحصيل الدراسي يمكن من خلالها تقييم نجاح الطلبة، مثل الشخصية والتفكير، وطرق مواجهة المشكلات، ومتعة الدراسة وغيرها.. ووصل الأمر إلى الدرجة التي دافع عنها مربون أمريكيون قائلين: لا نريد لطلبتنا أن يكونوا مجرد حافظين لمعلومات حتى يتفوقوا في الاختبارات.
3. إنّ الدول التي تفوق طلبتها في الاختبارات الدولية، لم تنتج علماء ومفكرين، ولم يسمع عن حصدها لجوائز دولية، كجائزة نوبل وغيرها، مقارنة بالدول التي لم تتفوق. وهنا يجب أن نتساءل، ما جدوى التفوق في اختبار لم يكشف عن أي إبداعات لخريجي هذه الأنظمة المتفوقة؟

خصائص بعض الأنظمة المتفوقة

كما قلنا سابقاً، فقد تفاوتت بل اختلفت خصائص الأنظمة التعليمية المتفوقة، ففي سنغافورة تم التركيز على إصلاحات سريعة في استئجار معلمين متفوقين، وإعداد كتب دراسية وبناء مدارس عديدة في فترة سريعة. و كان شعار النظام السنغافوري حينها: درّس أقل، وعلّم أكثر، بالإضافة لشعار: مدارس مفكرة تساعد أمة متعلمة. كما زادت سنغافورة من الإنفاق على التعليم ليصل إلى 20% من الإنفاق الحكومي.

ركزت الحكومة الكندية على زيادة رواتب المعلمين حيث تبين وجود علاقة إيجابية بين زيادة الرواتب وتحصيل الطلبة

وفي إستونيا تميز تفوق طلابها من خلال انخفاض نسبة من حصلوا على درجات دنيا، فقد حصل 96% من طلابها على درجات جيدة، بينما كانت نسبة الطلبة الأضعف لا تتعدى 4% فقط، وهي من أفضل النسب في جميع الدول.
ركزت إستونيا في إصلاحاتها على اللامركزية، وإعطاء دور للمدارس في اختيار المناهج والمعلمين، كما قلصت عدد الطلبة في الفصل الواحد.
وفي كندا، كان الطلبة قد أعلنوا أنّهم يدرسون من أجل المتعة، كما ركزت الحكومة الكندية على زيادة رواتب المعلمين، حيث تبين وجود علاقة إيجابية بين زيادة الرواتب، وتحصيل الطلبة.

اقرأ أيضاً: المدرسة والبيت: علاقات جدلية.. فكيف نحقق المعادلة الصعبة؟

وفي فنلندا، قلّص النظام التعليمي من فترة الدراسة اليومية، وقللت الواجبات إلى أدنى حد. وكان اهتمام النظام مركزاً على تطوير مهنة التدريس، بما يجعل للمعلم مكانة اجتماعية مرموقة، فقامت بجذب عناصر جيدة للتدريس، وأعطتهم استقلالية في القرار، بالإضافة إلى أنّها زودت الطلبة بوجبة ساخنة يومياً.
أما في مدينة شنغهاي، فقد التزم النظام التعليمي بمقولة: كل طالب يستطيع الوصول إلى درجة مقبولة من النجاح، وبذلك ألغت تصنيفات الطلبة، وتوزيعهم حسب قدراتهم.
وسعى النظام التعليمي إلى جذب معلمين أكفاء، وكان تركيزهم على الواجبات الطويلة مما حفز الأهالي على تسجيل أبنائهم في دروس خاصة خارج المدرسة.

اقرأ أيضاً: أسس بناء المقررات الدراسية.. كيف نصنع منهاجاً؟
وهكذا نلاحظ تضارب بعض الإصلاحات في مجال التعليم، ولكنها جميعاً ركزت على وجود المعلم الجيد والمعلم المستقل. ومن وجهة نظري، إنّ ما يجمع هذه الأنظمة كلها هو: الإرادة السياسية في إحداث الإصلاح التعليمي، بدءاً بإصلاح المعلمين.

متطلبات الإصلاح التعليمي

يتضح مما سبق أنّ منهج الإصلاح يتفوق في أهميته على محتوى الإصلاح، وكما رأينا فإنّ ما يصلح لنظام تعليمي قد لا يصلح لغيره. لذلك يبدو الحديث عن منهج الإصلاح أكثر ضرورة.
إنّ نهج الإصلاح يمكن أن يعتمد على مبادئ أساسية قد تتفق أو تكون مشتركة بين الجميع مثل:
1- وجود إرادة سياسية واضحة للإصلاح التعليمي، تستطيع حد الطاقات وتقليل مقاومة المحافظين أو الرافضين لأي إصلاح، فمثلاً: لو تطلب الأمر لتقليل حصص اللغة العربية أو التاريخ، فإنّ المجتمعات العربية سترفض ذلك، وقد تتمرد لو عرض عليها تقليل حصص التربية الإسلامية. لهذا لا يمكن البدء بالإصلاح دون وجود إرادة سياسية لذلك.

وجود إرادة سياسية للإصلاح التعليمي تستطيع حد الطاقات وتقليل مقاومة المحافظين أو الرافضين لأي إصلاح

ففي المملكة العربية السعودية تمكّن النظام التعليمي من إحداث تعديلات مهمة في المناهج، حيث أدخلت مادة تعليم التفكير ومادة المنطق. وهذه مهمات مستحيلة لو لم تتوافر إرادة سياسية لذلك.
أما في الأردن، فإنه يستحيل الحديث عن إدخال مادة الفلسفة أو المنطق أو التربية الجنسية، أو حتى تقليل وحدات دراسية من مادة التربية الإسلامية خوفاً من الإرباك المتوقع نتيجة لمثل هذه القرارات.
2- بناء شبكة دعم واسع للإصلاحات التربوية، تتمثل بضمان تأييد المعلمين والأهالي ورجال الدين وغيرهم من الجماعات المؤثرة في المجتمع.
وهذا يتطلب أن يكون نهج الإصلاح علمياً، وأن تكون غاياته واضحة، ولا مجال أصلاً لإصلاح تعليمي ليس مدعوماً مجتمعياً.
ففي الأردن عام 2016 تم إحراق عدد من الكتب المدرسية، رداً على تعديل أجري على منهاج اللغة العربية، تطلب تقليل عدد الأحاديث النبوية؛ فالإصلاح يبدأ بالعمل مع فئات المجتمع وتوضيح غايات الإصلاح أمامها.

اقرأ أيضاً: منهاج عربي: هل هذا ممكن؟

3- أن يكون الإصلاح المطلوب قريباً من مستويات المعلمين، ولا يجوز أن يفوق الإصلاح ما يستطيع أن يقوم به المعلمون.
وقد أثبتت تجارب عديدة أنّ المعلمين -وتحت أعذار مختلفة- يستطيعون تدمير أي إصلاح إذا كانوا بعيدين عنه.

4- بناء توافق وطني حول متطلبات الإصلاح واتجاهاته، ولا يكفي أن نقول إننا نريد تعليم مهارات التفكير مثلاً، فلا بد من تحديد هذه المهارات، ومجال استخدامها.

فمهارة الشك مثلاً كانت مرفوضة في المناهج الأردنية، للاعتقاد بأنه قد يساء استخدامها وتوظيفها، كذلك مهارات مثل نفي المسلّمات وعكس المسلّمات وتشويه المسلّمات. فلن يقبل المعلمون ولا المجتمع أي مهارة قد يفهمون منها، حرية زائدة في التفكير.

أشارت دراسات عديدة إلى أن المشتركات الوطنية هي:
- مهارات حقوق الإنسان بما في ذلك المرأة.
- مهارات التفكيرالمنطقي والناقد والإبداعي.
- مهارات تخطيط المستقبل.
- مهارات إدارة الذات.
- مهارات العيش في عالم التغير السريع.
- مهارات استخدام "الإتيكيت" والبروتوكول.
- مهارات الحفاظ على سلامة البنية.
- مهارات الذوق والجمال.

اقرأ أيضاً: نحو منهاج يُخرج تعليم اللغة العربية من جمود التقليد

5. بناء قدرات النظام من حيث الموارد الفنية الإنسانية، وهي أكثر أهمية من الموارد المادية. ومن الموارد المهمة أيضاً اختيار توقيت الإصلاح ومدة العمل عليه، فالإصلاحات التربوية لا تظهر آثارها بسهولة وسرعة، فلا بد من فترة بين بداية الإصلاح وبين حصد ثمراته.

هذه هي متطلبات الإصلاح، مع التنويه إلى أنه ليس هناك محتوى معين للإصلاح؛ فالمحتوى يعتمد على ظروف النظام التعليمي؛ فالواجبات البيتية قد تكون إصلاحاً أو إعاقة، وكذلك الإنفاق الزائد ومدة الدراسة أيضاً.

ولكن لا بدّ للإصلاح من أن يكون تقدمياً، بمعنى أن يعتمد البحث العلمي والمنهج العلمي. وأن يعترف بأنّ كل طفل قادر على التعلم، وأنّ التعليم الجيد هو ما ينمّي مهارة التعليم مدى الحياة. ولن يشعر الطلبة بذلك الاّ إذا شاهدوا معلّميهم متعلمين لا مجرد معلمين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية