متى تحمي تركيا النساء من العنف؟

متى تحمي تركيا النساء من العنف؟


10/09/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


إنّ مقتل امرأة تركيّة على يد زوجها السّابق، أمام ابنتها البالغة من العمر عشرة أعوام، لفت الانتباه مجدّداً إلى قضيّة العنف ضدّ المرأة في تركيا.

اقرأ أيضاً: فلسفة الضرب الرحيم.. هل تُشرعن العنف ضدّ الزوجات؟
وكانت إمين بولوت (38 عاماً) قد التقت، في 18 آب (أغسطس) الماضي، بزوجها السّابق في أحد المقاهي من أجل مناقشة حضانة ابنتهما. وأثناء المناقشة، شعر الرّجل بأنّه "تعرّض للإهانة" (هكذا وصف الأمر لاحقاً) وطعن بولوت مراراً وتكراراً بسكّين. "لا أريد أن أموت"، صرخت المرأة، فيما كانت تتوسّل ابنتها: "أمّي، رجاءً، لا تموتي"! لكنّها توفّيت فيما بعد متأثّرةً بجراحها في المستشفى.

خرجت آلاف النّساء إلى الشّوارع للاحتجاج على العنف

وفيما بعد، أثار شريط فيديو للهجوم، نُشر على الإنترنت، الغضب في تركيا. ومنذ الهجوم، خرجت آلاف النّساء إلى الشّوارع للاحتجاج على العنف، وحملت الكثيرات منهنّ لافتات تقول "نريد أن نعيش"! واستنكر جريمة القتل مشاهير وسياسيّون من الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة، وكذلك بعض أندية كرة القدم في إسطنبول، مثل بشكتاش وفنربخشة؛ حيث ارتدى لاعبو فريق فنربخشة قمصاناً سوداء زُخرِفَت بهاشتاغ #إمين_بولوت.

في مجتمعاتنا الأبويّة يأخذ العنف ضدّ المرأة شكلاً هيكليّاً ويمثل الأمر مشكلة بالرّغم من الاتفاقيات والقوانين المحلية والدولية

إمين بولوت مجرّد ضحيّة بين عدّة مئات من الضّحايا في تركيا - كلّ عام. ففي شهر تمّوز (يوليو) وحده، قُتلت 31 امرأة على الأقلّ في تركيا، ممّا رفع العدد الإجماليّ لهذا العام إلى أكثر من 250، وفقاً لبيانات المنظّمات غير الحكوميّة. وفي عام 2018، وقعت 440 امرأة ضحيةً للعنف.
هذا بالرّغم من حقيقة أنّ تركيا قد صدّقت على "اتّفاقيّة مجلس أوروبا لعام 2011  في إسطنبول" والّتي تهدف إلى منع ومكافحة العنف ضدّ المرأة، مثل كافّة الدّول الأعضاء البالغ عددها 47 دولة. ومع ذلك، فشلت الحكومة التّركيّة منذ ذلك الحين في تنفيذ التّدابير العديدة الّلازمة لحماية المرأة من العنف على النّحو المنصوص عليه في الوثيقة.

 العديد من النّساء غير آمنات في بيوتهنّ

العنف ضدّ المرأة: ظاهرة عالميّة

الحكومة الألمانيّة أيضاً صادقت على "اتّفاقيّة إسطنبول" - ولكن حتّى ألمانيا لم تتمكّن من تلبية كافّة الشّروط. فيجب على ملاجئ النّساء إبعاد الّلواتي يطلبن الحماية بانتظام، بسبب عدم كفاية المرافق والتّمويل. وفي ألمانيا، أيضاً، قُتلت 150 امرأة تقريباً، في غضون عامٍ واحد، على أيدي شركائهنّ أو شركائهنّ السّابقين، وفقاً لآخر الإحصاءات المتوفّرة.

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. العنف ضد النساء في ألمانيا
وأظهرت دراسة على مستوى الاتّحاد الأوروبيّ أنّ ثلث النّساء يتعرّضن للعنف البدنيّ و/أو الجنسيّ، وفي معظم الحالات على أيدي أزواجهنّ أو شركائهنّ. وثلث المتضرّرات فقط يلجأن إلى الشّرطة أو إحدى منظّمات الإغاثة للحصول على المساعدة.
لذلك، دعونا نوضّح ونفكّك عدداً من الأحكام المسبقة:
أوّلاً، استهداف النّساء داخل العلاقات عبر القتل والقتل غير العمد - والعنف ضدّ المرأة بشكل عام - ليس مجرّد ظاهرة محليّة أو ثقافيّة (بغضّ النّظر عن الاختلافات الكمّيّة)، حتّى لو حاول بعض الجناة تبرير جنايتهم بالدّفاع عن "شرفهم" المزعوم.
ثانياً، العديد من النّساء غير آمنات في بيوتهنّ. ومع ذلك، سيكون من السّهل للغاية وصف القضيّة بأنّها "عنف منزليّ". لكن المشكلة سياسيّة.
وفي مجتمعاتنا الأبويّة، يأخذ العنف ضدّ المرأة شكلاً هيكليّاً. ويمثّل الأمر مشكلة إلى اليوم، بالرّغم من كلّ تلك القرارات والاتّفاقيّات وخُطط العمل والقوانين المحلّيّة والدّوليّة، وبالرّغم من النّضالات النّسويّة والجهود المثيرة للإعجاب (من جانب كلّ من النّساء والرّجال) والتّقدم الملحوظ خلال العقود الماضية.

قوة العنف، عنف القويّ

خلال النّزاعات العالميّة وفي ظلّ الدّيكتاتوريّات، تتعرّض النّساء للتّعذيب والاغتصاب من أجل "كسر" المعارضين - ممّا يعيدنا إلى مسألة الدّفاع عن "الشّرف".
وحتّى في المجتمعات الأكثر ديمقراطيّة، تأخذ المشكلة شكلاً هيكليّاً: فقد زعم الرّئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وهو أحد أقوى الرّجال في العالم، ذات مرّة بابتسامة أنّ كونه نجماً سمح له بأن يُمسك النّساء من مناطقهنّ الحسّاسة دون أيّ تداعيات. إلامَ يشير ذلك؟ لقد أوضحت حملة #أنا_أيضاً، من بين حملات وحركات أخرى، أنّ هذه لم تكن حالة معزولة.

مقتل امرأة تركيّة على يد زوجها السّابق لفت الانتباه مجدّداً إلى قضيّة العنف ضدّ المرأة في تركيا

وتتراوح عمليّات المقاضاة في حالات العنف الأسريّ في كافّة أنحاء العالم بين غير المُرضية والمروّعة. فنادراً ما تتوقّع الضّحايا تحقيق العدالة ضمن أنظمة شرطيّة وقضائيّة يُهيمن عليها الذّكور في كثيرٍ من الأحيان، وإلى هذا يعود جزئيّاً الإبلاغ عن جزءٍ ضئيلٍ فقط من هذه الجرائم.
وبالنّسبة إلى العديد من الرّجال، تبقى النّساء هدفاً سهلاً للتّنكيل. ولننسى كلّ هذا الحديث عن الشّراكة، أو كون الجميع على قدم المساواة.
لا، إنّني لا أقوم بمساواة العنف الّذي يدمّر الحياة وتعقبه صدمات نفسيّة بالتّعليقات المتحيّزة ضدّ المرأة - فبالطّبع، هناك فارق. ونعم، يمثّل العنف في بعض البلدان مشكلةً أكثر خطورة من غيرها. لكن المشكلة الهيكليّة الأساسيّة موجودة في كافّة أنحاء العالم، وكلّما فشلنا في رفع الوعي بالأمر في أذهان الجميع، فإنّنا ببساطة سننقل المشكلة من جيل إلى آخر.


المصدر: بيات هنريكس، دويتشه فيله



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية