محاكمة دبلوماسي إيراني ببلجيكا: سفارات طهران وكر لتصفية المعارضين

محاكمة دبلوماسي إيراني ببلجيكا: سفارات طهران وكر لتصفية المعارضين


14/10/2020

تُبرز محاكمة الدبلوماسي الإيراني، أسد الله أسدي، والمتهم في قضايا عنف وإرهاب ببلجيكا، والذي من المفترض أن تجري محاكمته في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) العام الحالي، الأدوار الملتبسة و"المشبوهة"التي تؤديها العناصر والجهات الرسمية التابعة للجمهورية الإسلامية بالخارج، بحسب مراقبين، كما أنّها ترفع الغطاء عن جانب لافت في ما يتصل بأنشطتهم ومهامهم المتمثلة في تعقب المعارضين للنظام الإيراني، وتشكيل مصدر تهديد متواصل لهم، ما يخالف الأعراف الدبلوماسية والقانونية، إضافة إلى حشد الدعاية السياسية والأيديولوجية من خلال المراكز الدينية والثقافية في العواصم الأوروبية، لجهة تعزيز نفوذهم، والتغطية على ممارساتهم، بطرق غير مباشرة، عبر وسطاء غير رسميين.

الدبلوماسي الإيراني، أسد الله أسدي

في حزيران (يونيو) العام 2018، تم توقيف أسدي أثناء تواجده في ألمانيا، بناء على مذكرة توقيف أوروبية، والذي يعد ثالث قنصل لدى السفار الإيرانية بفيينا، حيث جرى اعتقاله لنحو ثلاثة أشهر، ثم قامت السلطات الألمانية بتسليمه إلى بلجيكا؛ وذلك بعدما كشفت التحقيقات الأمنية معه، أنّ دوره بالخارج ليس له ثمة صلة بالعمل الدبلوماسي، لكن مهمته انحصرت في ملاحقة المعارضين والنشطاء والإيرانيين، في جنوب أوروبا، حيث كانت السفارة الإيرانية بفيينا، مركزاً حيوياً للإعداد والتخطيط لهذه الأمور.

مؤسسات إيران الرسمية على قوائم الإرهاب

وفي غضون ذلك، وضع الاتحاد الأوروبي وحدة مخابرات إيرانية على قائمة الإرهاب، مطلع العام الماضي، وذلك في أعقاب محاولات شن هجمات إرهابية، لصالح النظام الإيراني، في عدد من العواصم الأوروبية، حيث أوضح بيان رسمي صادر عن الاتحاد أنّ "إيرانيين اثنين وإدارة الأمن الداخلي التابعة لوزارة المخابرات الإيرانية، وضعت على قائمة الإرهاب الخاصة بالاتحاد، وقد تبنى المجلس هذا الإدراج في إطار رده على هجمات أحبطت مؤخراً على أراض أوروبية".

كان من مصادر قلق النظام الإيراني، فرار رموز وعناصر نظام الشاه خارج البلاد، وكانت الدول الأوروبية هي المحطة الأبرز لهم، فقامت إيران بتعقب الكثير منهم، واغتيالهم

من بين أبرز تلك العمليات التي قام بالتخطيط لها النظام الإيراني، ونفذتها عناصر تابعة للحرس الثوري، استهداف معارضين ولاجئين إيرانيين، العام 2019، في ألبانيا، حيث أرسلت طهران فرقاً تابعة للحرس الثوري، بقيادة غلام حسي كاظمي، بهدف تنفيذ تلك المهمة، وذلك تحت أغطية تجارية وصحافية، حسبما كشفت السلطات الألبانية، والتي حاولت معرفة كيفية دخول الأفراد والعناصر التابعين للحرس الثوري للبلاد، فاكتشفت أنّها "جاءت جميعها بدعوى نشاطات استثمارية وتجارية"، والأمر ذاته، حدث في العام 2018؛ حيث تم استهداف أعضاء في حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز"، في كوبنهاغن، لكن تم القبض على الشخص الذي كان يستهدف أعضاء المنظمة، أثناء التقاطه صوراً لمقر إقامة زعيم الحركة الأحوازية، في مدينة رينجستيد، جنوب غرب كوبنهاغن.

وتزامن قرار الاتحاد الأوروبي مع الاتهامات التي أطلقها وزير الخارجية الهولندي، ستيف بلوك، ضد النظام الإيراني بخصوص تورطه في عمليتي اغتيال لاثنين من المواطنين؛ إحداهما كانت في مدينة أليمرا، والثانية، في لاهاي، مقر الحكومة الهولندية، العام 2017؛ إذ أشار بلوك إلى أنّ "عمليات الاغتيال دفعت إلى فرض عقوبات جديدة على نظام الملالي في إيران"، مضيفاً: "لدى الاستخبارات الهولندية مؤشرات قاطعةعلى أنّ إيران متورطة في اغتيال هولنديين من أصول إيرانية، في الفترة بين عامي 2015 و2017".

ما وراء تهديدات أسدي

وجّه القضاء الألماني، في تموز (يوليو) الماضي، اتهاماً رسمياً للدبلوماسي الإيراني، ومواجهته بمخططه الذي كان يستهدف من خلاله، مؤتمراً للمعارضة الإيرانية، في مقاطعة فيلبنت، بالعاصمة الفرنسية، باريس، حيث حضر المؤتمر 25 ألف شخص، وشارك فيه ممثلان عن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب؛ الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي، نيوت غينغريتش، ورئيس البلدية السابق لمدينة نيويورك، رودي جولياني.

اقرأ أيضاً: إيران وتركيا... الإسلام السياسي مأزوماً

وبحسب وثيقة للشرطة البلجيكية، فإنّ أسدي المتهم بـ"التخطيط لتفجير اجتماع لجماعة إيرانية معارضة في المنفى في فرنسا، قد حذر السلطات من رد انتقامي محتمل من جماعات لم يحددها في حال إدانته"؛ إذ سجل محضر التحقيق لدى الشرطة البلجيكية، أنّ الأسدي هدد المحققين، وقال: "إنّنا (يقصد بلجيكا) لا ندرك ما سيحدث في حال صدور حكم غير مرغوب فيه".

وقال أسدي، بحسب الوثيقة، إنّ "جماعات مسلحة في العراق، ولبنان، واليمن، وسوريا، إضافة إلى إيران، تتابع مجريات القضية ونتائج التحقيق، حتى ترى ما إذا كانت بلجيكا ستدعمهم أم لا"، وهو ما علق عليه الناطق الرسمي بلسان المدعي العام الاتحادي البلجيكي، إيريك فان دويز، بأنّه "يمكن أن تحدث مثل هذه التهديدات، لكننا نتخذ دوما الإجراءات الأمنية اللازمة".

ومن جانبها، احتجت طهران على توقيف الدبلوماسي الإيراني، كما رفضت الاتهامات الموجهة له، فوصفت عملية القبض عليه بأنّها "عملية للتمويه من منظمة مجاهدي خلق، الجناح السياسي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية". وأكد الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في بيان أنّ "استدعاء السفير الألماني في طهران، جاء احتجاجاً على تسليم أحد دبلوماسيينا إلى بلجيكا".

وبحسب البيان، فإنّ إيران وصفت تسليم أسد الله أسدي إلى القضاء البلجيكي، بأنّها "مؤامرة دبرها أعداء إيران".

المعارضة الإيرانية بالخارج

وإلى ذلك، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، محمد محدثين، إنّ "هذه هي المرة الأولى التي يحاكم فيها دبلوماسي يعمل في أوروبا بارتكاب عمل إرهابي"، كما قامت مريم رجوي، بالمثول أمام القضاء الألماني، والإدلاء بشهادتها، حيث ذكرت أنّ "هذه العملية الإرهابية وافق عليها المجلس الأعلى لأمن النظام برئاسة، حسي روحاني، وتعليمات علي خامنئي"، وتابعت: "بالإضافة إلى أسدي وغيره من الإرهابيين المقبوض عليهم لكونهم مرتكبي هذه الجريمة، ينبغي محاكمة القادة الحقيقيين، وهم: خامنئي وروحاني وظريف، ورئيس الجلادين، محمود علوي، وزير المخابرات. وهذا أمر ضروري لوقف الإرهاب المنفلت للملالي".

اقرأ أيضاً: إيران:عقوبات الفرصة الاخيرة

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول الباحث المصري، محمود أبو القاسم، إنّ تهديدات الدبلوماسي الإيراني، باستهداف الميليشيات الإيرانية، في العراق واليمن وسوريا، لدول أوروبية، يؤكد تورط النظام في العمليات الإرهابية بأوروبا، كما أنّ استهداف المعارضين والناشطين ضد نظام الملالي على الأراضي الأوروبية، فضلاً عن احتجاز رهائن من جنسيات أوروبية، للتأثير على مواقف بعض الدول، يرجح وجود شبكة دولية عابرة للحدود، تصل بين النظام في الداخل مع ميليشياته في المنطقة، وكذا عناصره الموجودة على الساحة الأوروبية، كما يكشف أنّ ثمة جهة واحدة، ربما، هي من يقوم بعملية تنظيم نشاط ومخططات هذه الجهات.

اقرأ أيضاً: لماذا تدعم إيران حكومة الوفاق في ليبيا؟

لعبت المراكز الشيعية في أوروبا والغرب دوراً مركزياً، من خلال تجنيد بعض العناصر الأمنية والاستخباراتية، بهدف تنفيذ الأجندة الأمنية والأيدولوجية والسياسية لإيران، حسبما يوضح أبو القاسم، وذلك من خلال السفارات الإيرانية التي ينتشر بها عناصر من الحرس الثوري. كما تعد حادثة استهداف مؤتمر المعارضة الإيرانية، في باريس، قبل عامين، نموذجاً لاستخدام الشيعة في البلدان الأوروبية بواسطة الاستخبارات الإيرانية، لجهة تنفيذ مهام لصالح النظام.

الباحث المصري، محمود أبو القاسم لــ"حفريات": تهديدات الدبلوماسي الإيراني، باستهداف الميليشيات الإيرانية، في العراق واليمن وسوريا، لدول أوروبية، يؤكد تورط النظام في العمليات الإرهابية بأوروبا

ويضيف: "يتم عبر هؤلاء استهداف المعارضين لإيران في بعض البلدان، كما حدث في فرنسا والدنمارك، وبعض الدول الأوروبية، وبالتالي، لم يعد دور هذه المراكز يقتصر على الأنشطة الدعوية والرعوية، بل اتجهت لتكون أداة لدعم النفوذ الإيراني في أوروبا، ومصدر تهديد لاستقرار المجتمعات الأوروبية، ووسيلة ضغط على حكومات هذه الدول، خاصة، في ما يتعلق بالقرارات المتعلقة بإيران".

خبيئة الدور الإيراني بالخارج

كان من مصادر قلق النظام الإيراني، فرار رموز وعناصر نظام الشاه خارج البلاد، وكانت الدول الأوروبية هي المحطة الأبرز لهم، فقامت الجمهورية الإسلامية بتعقب الكثير منهم، وعمدت إلى اغتيالهم في عواصم الغرب، كما يوضح الباحث المتخصص في الشأن الإيراني؛ وتشير الشواهد والأدلة إلى أنّ الاستخبارات الإيرانية، خلال العقود الأربعة الماضية، وضعت قوائم للأشخاص الذين تستهدف اغتيالهم، وورد في اعترافات عدد من قادة جهاز الاستخبارات الإيراني، الذين تم استجوابهم في ملف اغتيال داريوش فروهر، وبروانه سكندري، أثناء فترة رئاسة محمد خاتمي، أنّ اغتيال المعارضين أمر اعتيادي لدى الاستخبارات الإيرانية.

وتتفق نتائج التحقيقات الألمانية مع سردية الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، والتي كشفت أنّ "قرار اغتيال المعارضين الإيرانيين، تم اتخاذه بواسطة لجنة مكونة من عدد من قادة النظام الإيراني؛ وهم: مرشد النظام، علي خامنئي، والرئيس الإيراني السابق، هاشمي رفسنجاني، ووزير الخارجية السابق، علي أكبر ولايتي، ووزير المخابرت، علي فلاحيان.

اقرأ أيضاً: إيران إذ تهرب من العقوبات الأمريكية فتقع رهينة التنين الصيني

 ولقد تمكنت إيران من أن تجعل هذه المراكز والمؤسسات، الرسمية وغير الرسمية، بؤرة جذب لعموم الشيعة في بعض البلدان الأوروبية، وذلك من خلال ما تقدمه من خدمات ومصالح، منها على سبيل المثال؛ إنشاء المدارس الخاصة لتعليم الأطفال، وربطها بالمؤسسات الدينية في إيران، كالحوزات العلمية، وجامعة المصطفى، فضلاً عن تمرير مفاهيم وقيم الولي الفقيه بالمناهج التعليمية، ناهيك عن تنظيم المعسكرات الرياضية والتعليمية لزيارة إيران، وتقديم تسهيلات لارتياد العتبات المقدسة، والمزارات الدينية، في إيران والعراق وسوريا، وقد استطاعت إيران من خلال هذه المراكز أن تجذب قطاعات من عناصر مختلفة نحو التشيع؛ إذ تتقدم إيران على مختلف الدول الإسلامية في نشاطها وفعاليتها بين الجاليات المسلمة على الساحة الأوروبية، بشكل عام، وبين الشيعة، على نحو خاص.

الصفحة الرئيسية