محللون لـ "حفريات": العدوان الإسرائيلي على غزة لم يحرف البوصلة عن أحداث القدس

محللون لـ "حفريات": العدوان الإسرائيلي على غزة لم يحرف البوصلة عن أحداث القدس


12/05/2021

الساعة الرابعة فجراً بتوقيت قطاع غزة، انتهت السيدة أميرة عبد الفتاح صبح من تناول وجبة السحور برفقة ابنها عبد الرحمن (17 عاماً)، من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتصطحبه إلى سرير نومه، وكان يردد سؤالاً يوجهه لوالدته: هل هذا السحور الأخير ليأتي بعده عيد الفطر، وعلى عجالة انتشلته من أعلى كرسيه المتحرك ليخلد إلى سباته الأخير.

فعندما دنت طائرات الاحتلال الحربية إلى أدنى مستوى لها من الأرض، أزهقت روح السيدة الخمسينية هي وولدها الوحيد، بعد أن استهدفت منزل العائلة في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، بعدة صواريخ مدمرة، وبذلك تُطوى صفحة الأم الصابرة، وتُوأد أحلام الفتى الذي كان يكافح متغلباً على إعاقته التي رافقته منذ الصغر.

اقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي يمطر غزة بالغارات ويستعد لعملية واسعة في القطاع

هذه الفاجعة التي أدمت قلوب أقارب وجيران السيدة صبح وابنها، هي صفحة من سجل أبشع عدوان ارتكبه الاحتلال منذ حربه الأخيرة على قطاع غزة صيف عام (2014)، فقد ارتكب جرائم عديدة بحق المدنيين العزّل الآمنين داخل منازلهم، حيث حولت إسرائيل عشرات المنازل والأبراج السكنية إلى أكوام من الركام التي اختلطت بدماء وأشلاء النساء والأطفال.

 دنت طائرات الاحتلال الحربية إلى أدنى مستوى لها من الأرض

وأكد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ جيش الاحتلال سيواصل استهداف قطاع غزة بشكل مكثف خلال الساعات القادمة.

وأوضح نتنياهو، في مؤتمر صحفي، أنّ المعركة مع قطاع غزة ستستمر لوقتٍ طويل، زاعماً أنّ المعركة ستكون من أجل إعادة الأمن لمستوطني الاحتلال الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: غزة تحت القصف.. التصعيد متواصل وارتفاع عدد الشهداء والجرحى .. تفاصيل

وقال مراسل ومحلل الشؤون الفلسطينية في قناة كان العبرية غال بيرغر: "إنّ هدف حماس من المواجهة الحالية تحقق بالفعل، بترسيخ صورتها في الوعي الفلسطيني كـ "مدافع عن القدس"، وإيجاد معادلة تعني أنّ أي مسّ إسرائيلي بالقدس يستوجب رداً فورياً من غزة".

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية الثلاثاء ارتفاع عدد الشهداء في قطاع غزة إلى 35، بينهم 12 طفلاً، و3 سيدات، ووصل عدد الإصابات إلى 233 حالة بجراح مختلفة.

معادلة جديدة

ويقول الكاتب والمحلل السياسي حسن عبده في حديثه لـ"حفريات": "إنّ الاحتلال الإسرائيلي هو من أشعل فتيل هذه الجولة من التصعيد بعد ارتكابه المجازر بحق سكان مدينة القدس، ومحاصرة المصلين بالمسجد الأقصى، والاعتداء على سكان حي الشيخ جراح بالمدينة، وفصائل المقاومة أرادت وضع حدٍّ لتلك الانتهاكات التي زادت عن حدها دون وجود رادع لها، واتبعت معادلة جديدة، وهي العين بالعين".

الكاتب والمحلل السياسي حسن عبده

ويضيف: "من دفع نحو دائرة العنف والصراع هو نتنياهو، وذلك لأسباب داخلية تتعلق بأزمة عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وهي عدم الاستقرار الحكومي، وعدم تمكنهم من تشكيل حكومة، ما يؤكد أنّ الأزمة هي أزمة نظام، فهو يريد أن يهرب من مصيره المحتوم، ويتوّج رئيساً لحكومة طوارئ؛ وبالتالي يدفع نحو دوامة العنف والصراع".

 

حسن عبده لـ"حفريات": الاحتلال الإسرائيلي هو من أشعل فتيل هذه الجولة من التصعيد بعد ارتكابه المجازر بحق سكان مدينة القدس، ومحاصرة المصلين بالمسجد الأقصى

 

ويواصل عبده حديثه: "نتنياهو بدأ بساحة العامود، وفشل في وضع البوابات الإلكترونية، ولم ينجح في ما يسعى إليه، والآن يصعّد الأوضاع في غزة، والأخيرة ترد على هذا العدوان بكل ما تستطيع، والموقف اليوم لصالح فصائل المقاومة، كون أنّ هناك وحدة مواجهة وطنية شاملة تشمل أراضي الـ(48)، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وهذا مشهد نادر الحدوث، وهو أن يتوحد كل الفلسطينيين داخل فلسطين على الاستراتيجية نفسها، ومواجهة عدو واحد".

رد سريع

ويبين عبده أنّ فصائل المقاومة الفلسطينية حازت على ثقة عالية من الجمهور، وخاصة المقدسيين الذين استنجدوا بقادة المقاومة، وطالبوها بالرد السريع على الانتهاكات التي تجري بالمدينة المقدسة، والفصائل لبّت تلك الدعوات، وردّت بشكل سريع، واستخدمت صواريخ تصل إلى مدى بعيد، الأمر الذي أربك قادة الاحتلال، وجعلهم يتخبطون كونهم لا يرغبون الانجرار إلى مواجهة طويلة المدى".

اقرأ أيضاً: الإمارات: على إسرائيل إنهاء الاعتداءات في الأقصى وحي الشيخ جراح واحترام دور الأردن

وبنظر عبده، فإنّ من يتحكم باستمرار أو توقف العدوان على غزة هو الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أنّ مطلب المقاومة واضح بأنّ الهدوء يبدأ من القدس، وليس من غزة، وأنه لا معنى للهدوء في أي مكان في فلسطين بدون مدينة القدس.

وبسؤاله عن سبب تركيز إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على مدينة عسقلان المحتلة، أجاب قائلاً: "فصائل المقاومة مصرّة على مكافأة الاحتلال الإسرائيلي بالمثل، فعندما بدأ باستهداف المدنيين أرادت الفصائل استهداف المناطق التي يوجد بها مدنيون، وبذلك تردّ بالمستوى نفسه".

مواجهة شاملة

ويشير الكاتب والمحلل السياسي إلى أنّ البعض كانوا يعتقدون أنّ دخول غزة المواجهة سوف يؤدي إلى التعتيم على ما يجري بمدينة القدس؛ إلّا أنّ النتيجة كانت معاكسة لتلك الرؤية، وتدخّل فصائل المقاومة في غزة لنصرة أهل القدس صعّد من المواجهة، ورفع المعنويات، وأدى إلى شمولية المواجهة في كافة الأراضي الفلسطينية.

ومن جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أنّ تدخل غزة لمساندة أهل القدس، هو أنّ الأولى لا يمكن أن تكون خارج الصراع الفلسطيني، وأنّ الاحتلال الإسرائيلي لم ينجح بإقصاء 2 مليون فلسطيني من دائرة الصراع والحساب الديموغرافي.

الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل

ويشير في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ قضية القدس "حرّكت كل الشعب الفلسطيني بأمل أن تستطيع لاحقاً تحريك الشارع العربي والإسلامي، وينتقل التضامن من الشعوب إلى الأنظمة العربية، وتضطر لتغيير سياستها، ومواقفها ورؤيتها للقضية الفلسطينية".

 

طلال عوكل لـ"حفريات": الاحتلال لم ينجح هذه المرّة في أن يجعل المشهد في غزة يطغى على المشهد بمدينة القدس، وأنّ البوصلة لم تنحرف عن الممارسات الإسرائيلية بالمدينة المقدسة

 

وبخصوص: لماذا لجأت غزة للاشتباك المسلح لمساندة أهل القدس؟ يبين عوكل أنّ الاشتباك المسلّح هو الشكل الوحيد الذي يمكن لغزة أن تتضامن به مع أهل القدس وغيرهم، ولا يوجد لديها أشكال أخرى، وخاصة أنها استخدمت أدوات المقاومة الشعبية بكافة أشكالها، ولكنها لم تكن كافية لردع المحتل عن أفعاله.

وتوقع عوكل أن يستمر الاشتباك بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية عدة أيام، ولكنّ الأمور لم تصل إلى مواجهة عسكرية مفتوحة "حرب"، ولا توجد إشارة حتى اللحظة لإمكانية حدوث حرب، وأنّ التوصل إلى تهدئة سيكون قريباً.

ويؤكد أنّ الاحتلال الإسرائيلي لم ينجح هذه المرّة في أن يجعل المشهد في غزة يطغى على المشهد بمدينة القدس، وأنّ البوصلة لم تنحرف عن قضية القدس، والممارسات الإسرائيلية بالمدينة المقدسة، وظلت المسألة مرتبطة بموضوع القدس، والتطهير العرقي لعائلات الشيخ جراح.

معادلة خاسرة

وفيما يتعلق باستهداف الاحتلال الإسرائيلي للأبراج السكنية والمنازل بشكل مباشر خلال تلك الجولة، أبلغ عوكل "حفريات" بأنّ الاحتلال الإسرائيلي يحاول إيقاع خسائر كبيرة في بداية الجولة، للضغط على الأذرع الفلسطينية لرفع الراية البيضاء، لافتاً إلى أنّ هذه المرّة من الصعب تحقيق ذلك بالنسبة إلى الاحتلال.

اقرأ أيضاً: اعتقالات وإصابات وتضامن واسع… ما الذي يحدث في حي الشيخ جراح بالقدس؟

وفي المقابل، يقول المحلل السياسي محمد الغريب في حديثه لـ"حفريات": "إنّ غزة تتجه نحو تصعيد من المستوى الثاني للحرب، وخاصة أنّ المشاورات التي تمّت بين نتنياهو ووزير الدفاع انتهت بتكثيف الضربات كمّاً ونوعاً على غزة، الأمر الذي سوف يدفع نحو رد فعل فلسطيني، وبالتالي سوف تزيد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية، والدخول بجولة حرب محتملة".

 

محمد الغريب لـ"حفريات": هناك انعكاسات لهذه الحرب على تركيبة الحكومة الإسرائيلية، لأنّ نتنياهو معنيٌّ باستمرارها، لوضع القائمة المشتركة بوضع حرج جداً، لكي لا يتمكنوا من إعطاء ثقتهم لحكومة يشكّلها معارضوه

 

ويضيف: "الاحتلال رفض عرض التهدئة الذي تقدمت به جمهورية مصر العربية، ويعتقد أنه باستهداف غزة سوف يردع فصائل المقاومة، وبالتالي هي بصدد تركيز عملياتها وعدوانها بشكل أكبر، لأنّ قادة الاحتلال يريدون استمرار جولة التصعيد دون الحديث عن تهدئة بضربات على أهداف ومناطق كثيرة، وأعطوا للجيش تعليمات بأن تكون يده طليقة بكل شيء باستثناء الحرب البرية".

ويشدد الغريب على أنّ: "هناك انعكاسات لهذه الحرب على تركيبة الحكومة الإسرائيلية، لأنّ بنيامين نتنياهو معنيٌّ باستمرارها، لوضع القائمة المشتركة بوضع حرج جداً، لكي لا يتمكنوا من إعطاء ثقتهم لحكومة يشكّلها معارضوه".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية