محمد صلاح: صيحات ليفربول تعلو على مفرقعات الكراهية

محمد صلاح: صيحات ليفربول تعلو على مفرقعات الكراهية


20/03/2018

كتب صلاح منتصر في مقاله المنشور بجريدة الأهرام 11 آذار (مارس) 2018  مطالباً لاعب ليفربول المصري محمد صلاح بحلق لحيته وتهذيب شعره؛ انطلاقا من صيرورة صلاح لقدوة يتمثلها ملايين الشباب المصري والعربي، وأن اللحية تَشبُّه بالمتطرفين، وأن الشعر على إطلاقه غير المهندم لا يليق بالملك المصري القادم من قرية نجريج مركز بسيون بمحافظة الغربية، إلى آفاق دوري كرة القدم الإنجليزي. وكانت دعوة الكاتب صلاح منتصر محل سخرية محبي اللاعب الذي ينافس ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو على لقب هداف بطولات الدوري الأوروبي.

في 2018، أنشد مشجعو ليفربول نشيداً يتضمن محبة للدين الإسلامي، الذي ينتمي إليه اللاعب الأشهر في أوروبا حالياً

على الجانب الآخر، حدث الجدل المعتاد بين المؤيد والمعارض، من يراه نجماً مصرياً وعربياً أحيا أحلاماً انقضت في نفوس الشباب؛ على خلفية الأحداث الدموية التي شهدها الربيع العربي، بداية من كانون الثاني (يناير) 2011، في حين يراها آخرون، مسألة تافهة، ضخمها العرب كعادتهم؛ وأن محمد صلاح مجرد لاعب كرة قدم لا يستحق ذلك التقدير الحافل، من جميع أطياف الشعب المصري والعربي. غير أن قصيدة أنشدها بعض جمهور فريق ليفربول، استوجبت وقفة مع رحلة اللاعب المصري في ملاعب انجلترا، تقول كلماتها:

"إن كان جيداً كفاية بالنسبة لكم

فهو كذلك بالنسبة لي

إن سجل بعض أهداف أخرى

سأصبح مسلماً أنا أيضاً

إن كان جيداً كفاية بالنسبة لكم

فهو كذلك بالنسبة لي

جالساً في مسجد

هناك حيث أريد أن أكون".

الأنشودة التي أطلقتها جماهير ليفربول في العام 2018، جاءت في اللحظة التي يواجه فيها المسلمون والعرب في أوروبا حالة من رد الفعل السلبي من الشعوب الأوروبية، على أحداث العنف الصادرة عن تنظيمي؛ داعش والقاعدة، منها على سبيل المثال: وفاة الطالبة المصرية مريم مصطفى، التي تحمل الجنسيتين المصرية والإيطالية، متأثرة بإصابتها في هجوم لمجموعة فتيات اعتدين عليها في 20 شباط (فبراير) الماضي، في مدينة نوتنغهام شمال العاصمة البريطانية. أيضاً بدأت أجهزة الأمن البريطانية تحقيقاً في رسائل مجهولة أرسلت إلى منازل في عدة مدن بالمملكة المتحدة، وتدعو للاعتداء على المسلمين يوم 3 نيسان (إبريل) المقبل.

نظام نقاط لإلحاق الأذى بالمسلمين

ووضعت الرسالة نظام نقاط معينة لإلحاق الأذى بالمسلمين في هذا اليوم، منها أنّ من يقوم باعتداء لفظي سيحصل على 10 نقاط، ومن يلقي مادة حارقة على وجه مسلم سيحصل على 50 نقطة، ومن يفجر أو يحرق مسجداً سيحصل على ألف نقطة!

وبين نشيد يترنم محبة في الإسلام والمساجد حباً في صلاح، ورسالة يوم عقاب المسلمين، تاريخ ممتد لأكثر من 25 عاماً، هي عمر اللاعب محمد صلاح، وهي نفس الفترة التي شهدت أيضاً صراعاً دموياً لجماعة الجهاد المصرية بقيادة أيمن الظواهري، والجماعة الإسلامية، بقيادة عمر عبد الرحمن، وتنظيم القاعدة، بقيادة أسامة بن لادن، الذين بدأوا رحلة الدم المنظم أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي!

دولة الخلافة

15 حزيران (يونيو) 1992، شهد مولد محمد صلاح، في قرية نجريج، بمركز بسيون محافظة الغربية، بعد سبعة أيام فقط من اغتيال الجماعة الإسلامية للمفكر فرج فودة، بعد كتابات مناهضة للجماعة اعتبرها الإسلاميون ازدراء للدين الإسلامي، وقبل ذلك بعامين، بدأ السقوط في بئر الدم، الذي انتهجته الجماعة الإسلامية المصرية؛ على خلفية مواجهات مع الشرطة المصرية أودت بحياة العشرات من أعضاء الجماعة، وانتهت باغتيال المسؤول الإعلامي للجماعة علاء محي الدين عاشور، عام 1990، العملية التي اعتبرتها الجماعة الإسلامية إيذاناً ببدء الجهاد، لوقف الدولة الكافرة من وجهة نظرها، عن مسعاها لقتل مشروع الخلافة الإسلامية، وفي العام 1999 كانت المحاكم المصرية تنظر في قضية "العائدين من ألبانيا"، التي اعتقل على إثرها قرابة 100 عضو من جماعة الجهاد المصرية، التي أسسها أيمن الظواهري في بيشاور بباكستان عام 1988، من أجل رحلته هو الآخر لتطبيق دولة الخلافة الإسلامي.

قدر متخصصون القيمة السوقية لمحمد صلاح، في عالم كرة القدم في آذار (مارس) 2018 بـ 162 مليون يورو

لكن وفي العام نفسه، كان ابن قرية نجريج المنتمي لأسرة مصرية فقيرة، قد بدأ شغفه مع كرة القدم، وهو في السابعة من عمره، من أجل تحقيق حلمه الوحيد، أن يصبح مثل لاعب البرازيل ليوناردو، لا يعرف شيئاً عن هوس الخلافة الإسلامية، الذي انتاب جماعات مصرية مختلفة، تطمح لأن تقنع الآخر، أن الإسلام دين السماحة والمحبة، وأن دين المسلمين هو الحق!

"موه" صلاح

محمد صلاح، أو "موه" كما يلقبه الغرب، الذي قدر متخصصون قيمته السوقية في عالم كرة القدم آذار (مارس) 2018 بـ 162 مليون يورو، كان قبل سنوات لا يجد ملاذاً لممارسة هوايته المفضلة سوى مع أقرانه في شوارع قريته الفقيرة، ثم تطور الحلم ليمارس اللعبة في مركز كرة القدم بنادي اتحاد بسيون، الذي تأسس عام 1996، بعد أربع سنوات فقط من ميلاده، ثم انتقل صلاح بين عدة نوادٍ محلية في محيط قريته، حتى مضى عقده الاحترافي الأول مع نادي المقاولون العرب المصري، وهو في الرابعة عشرة من عمره، لتبدأ رحلة "موه" مع الساحرة المستديرة.

يحكي محمد صلاح عن رحلته مع كرة القدم في أحد حواراته الصحفية: "مع بلوغي عمر الـ 14 عاماً قمت بتوقيع أول عقد لي مع (المقاولون العرب) لتبدأ مسيرتي الاحترافية، ولكنه كان وقتاً صعباً للغاية. إذ كان النادي في القاهرة ويبعد عن بسيون مسافة أربع ساعات ونصف الساعة وكنت أذهب للتدريب خمسة أيام في الأسبوع".

كان قبل سنوات لا يجد ملاذاً لممارسة هوايته المفضلة سوى مع أقرانه في شوارع قريته الفقيرة

ولم يكن لدى صلاح وسيلة مواصلات مباشرة من بسيون للقاهرة: "كان عليّ ركوب ثلاث حافلات أو أربع وأحياناً خمساً من أجل الوصول للتدريب والعودة للمنزل. لم يكن مصيري واضحاً بالنسبة لي، ولكنني كنت أقول لنفسي أريد أن أكون مميزاً. لقد بدأت من الصفر، طفل في الرابعة عشر من عمره لديه حلم. لم أكن أعلم أن هذا سيحدث، ولكنني كنت أرغب بشدة في حدوثه".

الطريق إلى الدوري الأوروبي

انتقل صلاح إلى نادي تشيلسي الإنجليزي في كانون الثاني (يناير) 2014، مقابل 11 مليون جنيه استرليني، ليصبح في قلب الحلم الذي راوده طفلاً، أنه سيكون يوماً مثل رونالدو البرازيلي. وفي حزيران (يونيو) 2017 انتقل اللاعب المصري محمد صلاح إلى نادي ليفربول الإنجليزي، مقابل 39 مليون يورو، وفي العام نفسه قاد صلاح المنتخب المصري إلى مونديال روسيا، بعد غياب 28 عاماً عن كأس العالم، منذ عام 1990، العام الذي شهد بدايات نزيف الدم مع الجماعة الإسلامية في مصر، وقد ساهم بفاعلية في وصول مصر لكأس العالم بعد أن أحرز هدف الفوز على الكونغو.

وفي كانون الثاني (يناير) 2018، فاز محمد صلاح بجائزة أفضل لاعب أفريقي لعام 2017 ليصبح ثاني لاعب مصري يفوز بالجائزة بعد محمود الخطيب لاعب النادي الأهلي السابق عام 1983، غير أن صلاح الذي وصلت قيمته السوقية إلى 162 مليون يورو بحسب تقديرات نشرها موقع BBC، لا يزال مرتبطاً بقرية نجريج، يقضي فيها إجازته بين أهله وأصدقائه، وقد جاوز حجم تبرعاته المعلن في الصحف المصرية لأهل قريته 30 مليون جنيه مصري، بين تبرعات لمستشفيات وتأسيس معاهد تعليمية وملاعب كرة قدم ونقاط إسعاف.

في العام 2018، أنشد مشجعو ليفربول نشيداً يتضمن محبة للدين الإسلامي، الذي ينتمي إليه اللاعب الأشهر في أوروبا حالياً، وفي الوقت ذاته، دشنت مجموعة متطرفة في بريطانيا يوماً لعقاب المسلمين.

هؤلاء هم نسخة غربية من "داعش" وقوى الظلام، ولن يوقفوا متعة الكرة المستديرة وأفراحها. ستبقى الأهداف، وسترتفع أصوات الجماهير التي تهتف باسم محمد صلاح، وستعلو بلا ريب، فوق هدير التهديدات والمفرقعات والكراهية!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية