مخاطر ما بعد سليماني

مخاطر ما بعد سليماني


07/01/2020

حامد الحمود

من الصعب تفسير موقع قاسم سليماني في ترتيب سلم القيادة الإيرانية، فهو من الناحية الرسمية كقائد لقوات القدس، التي تتبع الحرس الثوري، أقل رتبة من قائد الحرس الثوري. كما أنه أقل رتبة من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. لكن في الواقع، وفق ما يتم تداوله في الإعلام داخل إيران وخارجها، بدا قاسم سليماني الشخصية القيادية المتفوقة على الجميع؛ وذلك لقربه من خامنئي، حتى قيل إنه قد يخلفه. ومع أن سليماني نفى هذه الأخبار؛ لكونه يفضل أن يكون جنديا، إلا أن ثقله السياسي بين المتربعين على السلطة في إيران لا ينافسه فيه أحد. ومن المظاهر البسيطة التي تعكس ثقل نفوذه أنه عندما رتب زيارة لبشار الأسد لمقابلة الإمام خامنئي منذ أكثر من سنة، لم يدعُ إلى اللقاء وزير الخارجية محمد جواد ظريف، مما تسبب في أزمة نتيجة غضب الوزير الذي هدد بالاستقالة. هذا وعندما نتتبع ظهور نجمه السياسي، فيمكن أن نقسم ذلك إلى فترتين: الأولى ما قبل الربيع العربي، والثانية بعد الربيع العربي؛ في الأولى كان دوره أشبه ما يكون بقائد لمنظمة سرية تقوم بأعمال إرهابية. أمّا في الثانية فظهر إلى العيان كقائد سياسي وعسكري مميز. وكان دوره محوريا في منع سقوط النظام السوري، حيث قام بهندسة دخول حزب الله إلى سوريا وتمويله لدعم النظام، إضافة إلى أنه عمل على تشكيل ميليشيات شيعية من مقاتلين من باكستان والعراق وأفغانستان لدعم النظام السوري. وبعد أن ظهر تنظيم داعش، حاربت قواته خلال الفترة 2014 – 2017 في صف القوات الأميركية. فكانت الطائرات الأميركية تقصف مواقع «داعش» في الموصل، بينما كانت قوات يديرها سليماني تتقدم على الأرض. لكن، ماذا بعد غيابه بعد إطلاق صاروخ على سيارته قرب مطار بغداد برفقة أبو مهدي المهندس – نائب قائد قوات الحشد الشعبي وآخرين؟ لقد أعلنت إيران أكثر من مرة على لسان المرشد وقائد الحرس الثوري أنها ستنتقم. وصرح قائد الحرس الثوري بأنهم ينتظرون تعليمات المرشد الأعلى. وتكمن الخطورة في أن تقوم إيران بعمل انتقامي كبير ترد فيه على الولايات المتحدة وهكذا دواليك، إلى أن تنشب حرب يتضرر منها الجميع وتزيد معاناة الشعب الإيراني، وأن تمتد المعاناة إلى جميع دول المنطقة. وفي هذا المجال، نشر إيلان غولدينبرغ بحثا في دورية فورين أيرز Foreign Affairs بتاريخ 3/1/2020، يناقش فيه سيناريوهات أو احتمالات الحرب بين أميركا وإيران. ولقد صدف أن النشر تم قبل ساعات من مقتل سليماني. فكتب: «إن هناك احتمالا أن يرسل الطرفان - أميركا وإيران – إشارات غير مفهومة للطرف الآخر تؤدي إلى حرب شاملة، بأن تظهر الخطوات الدفاعية لكل فريق، كخطوات هجومية؛ مثلا أن يفهم الإيرانيون تواجد قطع بحرية أميركية جديدة في الخليج على أنه استعداد للحرب وليس للدفاع، وأن يفهم الأميركان أن إخراج إيران لصواريخها من المخازن كدفاع احتياطي على أنه استعداد للهجوم». وبدا أن الإدارة الأميركية ستتقبل ردا أو انتقاما محدودا، لكن ليس هناك ضمانات. فعندما يكون الرد من إيران ومن حلفائها في المنطقة، سيكون الرد المقابل شاملا مهددا بحرب شاملة في المنطقة. هذا وكما نشرت «نيويورك تايمز» يوم 4/1/2020 أنه على الرغم من شعبية سليماني في إيران، فهناك أعداء له في وزارة المخابرات، الذين يرون أنه بسماحه للميليشيات الشيعية باضطهاد السنة في العراق، قد أضر بمصالح إيران على المدى الطويل. إن من يعرف سليماني عن قرب، يستطيع أن يرى أنه بالنسبة إليه الحرب العراقية - الإيرانية لم تنته بعد؛ فنجوميته بدأت هناك، بعد أن التحق بالحرس الثوري جنديا بعد سنوات عمل بها كعامل بناء. وهناك أكثر من رأي حول تأثير غيابه على العملية السياسية في العراق، وأن كان أغلبيتها يرى أن غيابه سيعطي فرصة أكثر لاستقلالية القرار بعيدا عن النفوذ الإيراني. ومن ناحية أخرى يرى البعض الآخر أن العراق الرسمي وتحت ضغوط من أحزاب وميليشيات طائفية سيطالب بخروج القوات الأميركية من العراق. وبهذا ربما يكون مقتل سليماني بداية لتفرد إيران بالتأثير على الحكومة العراقية. لا شك أن الغياب المفاجئ لقاسم سليماني سيترك فراغا لدى قوى وأحزاب سياسية في العراق وسوريا ولبنان. ولكن من ناحية أخرى بدا مقتله وكأنه متنبأ به. ففي فبراير الماضي، منح المرشد الأعلى أعلى وسام عسكري لقاسم سليماني لم ينله أحد قبله مخاطبا إياه: «ما زلنا بحاجة إليك، وأتمنى في النهاية أن تموت شهيدا»! ولا شك في أن قاسم سليماني سيبقى في الذاكرة العربية بصورة مختلفة عما هو في الذاكرة الإيرانية.

عن "القبس"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية