"مذيع النكسة" أحمد سعيد يرحل في ذكرى الهزيمة

مصر

"مذيع النكسة" أحمد سعيد يرحل في ذكرى الهزيمة


05/06/2018

في مثل هذه الأيام، قبل واحد وخمسين عاماً، كان صوتٌ إذاعيٌّ هادر يشحن معنويات العرب من المحيط إلى الخليج، ويعدهم وبالنصر المؤزّر، ويذيع على مسامعهم البيانات العسكرية التي تؤكد هزيمة العدو الصهيوني أمام "جحافل" القوات العربية التي أذاقت إسرائيل هزيمة نكراء، وأسقطت طائراتها الحربية، رغم أنّ الجيش الإسرائيلي قصف الطائرات المصرية وهي على الأرض قبل أن تقلع من المطارات!

كان ذلك الصوت المنبعث من إذاعة "صوت العرب" من القاهرة، يحمل توقيع المذيع المصري الشهر أحمد سعيد، الذي شاءت الأقدار أن يرحل في ذكرى هزيمة حزيران (يونيو) 1967 التي أطاحت بأحلام العرب، بعدما أدركوا أن الحماسة الإذاعية لأحمد سعيد كانت فقط من أجل رفع المعنويات، وترميم الأرواح المنهارة.

رحل عن 92 عاماً بعدما التصق به لقب مذيع النكسة وشاع في مصر والعالم العربي

رحل أحمد سعيد، فجر اليوم، عن عمر يناهز 92 عاماً، بعدما التصق به لقب "مذيع النكسة" وشاع ذلك في مصر والعالم العربي؛ حيث اشتهر سعيد بحديثه عن قيام الطيران المصري وقتها بإسقاط الطائرات الإسرائيلية في سيناء، وهي الأخبار التى عرف الجميع بعد ذلك أنها كاذبة، عندما حانت ساعة الحقيقة وخرج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للشعب معلناً في خطابه يوم 9 حزيران (يونيو) مسؤوليته الكاملة عما حدث وخطأ تقديراته، وأكد استقالته من منصبه.

الحماسة الإذاعية لأحمد سعيد عام 67 كانت من أجل رفع المعنويات وترميم الأرواح المنهارة

لست نادماً

يقول أحمد سعيد، معلقاً على ذلك: "ما فعلته في 1967 أهم من الناحية الحرفية مما فعلته في مسيرتي الإعلامية كلها، لماذا؟ لأنه آنذاك كنت دولة منهزمة وشعباً منهزماً ورئيس الدولة خرج على الناس وهو مشحون بالأسى ويعلن عن مسؤوليته وتنحيه، ثم صارت الدولة بلا رئيس ولم نتلقّ معلومات لأربعة أيام. في ظل هذا كله وأنت إعلامي تستطيع الحفاظ على الروح المعنوية للشعب ليس بالأمر الهين، لقد حافظنا على هذه الروح بأشياء كثيرة منها أغنية (بلدي أحببتك يا بلدي)".

وأشار سعيد الذي كان مدير "صوت العرب" إلى أنّ قانون الحرب يجازي الخائن في الحرب وأيضاً من يقلل من عزيمة المحاربين، وأكد أنه لم يكن مسؤولاً عن مضمون البيانات ولا يمكنه تغيير محتواها وقد أذاعها كما تلقاها.

اشتهر سعيد، بأسلوبه الفريد في الأداء أمام الميكروفون بشكل جعل منه نجماً جماهيرياً، في الوطن العربي، لدرجة أنّ الحكومة البريطانية طلبت من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1965 رفع اسم أحمد سعيد من قائمة الوفد المصري المسافر إلى لندن، بعد اعتراض مجلس العموم البريطاني عليه، بتهمة تحريضه على قتل الجنود البريطانيين في عدن.

دحر الأكاذيب بـ"الحقائق"

اعتمد أحمد سعيد، كما تشير إلى ذلك تقارير إعلامية، على دحر الأكاذيب بالحقائق لمواجهة الهجوم الشرس على مصر، وذلك بإذاعة تصريحات وأحاديث حكام ومسؤولين عرب يرحبون فيها بالقومية العربية واستعداد بلادهم للتحرر، لكن بلادهم تهاجم مصر وعبد الناصر من خلال إذاعاتهم السرية ، كما أعد أحمد سعيد وأذاع بنفسه برنامجاً للغرض نفسه أيضاً وهو برنامج " أكاذيب تكشفها حقائق"، عام 1959.

يقارن بعض رجال الساسة ما فعله سعيد بأداء وزير الإعلام العراقي الصحاف أثناء الغزو الأمريكي للعراق

وبتفويض من عبد الناصر، أصبح أحمد سعيد من خلال "صوت العرب" هو الداعم المعنوي لشعب الجزائر ضد الاستعمار، حتى قامت ثورته التي أذاع أحمد سعيد بيانها الأول من القاهرة، وكان البيان معداً قبل بدء الثورة بثلاثة أيام ، فقد كانت "صوت العرب" على تواصل دائم بالثوار في الجزائر.

ولد أحمد سعيد عام 1925، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1946، وعيّن مذيعاً رئيسياً منذ انطلاق برنامج "صوت العرب" عبر إذاعة القاهرة، ومديراً لإذاعة "صوت العرب" عند تأسيسها عام 1953، وحتى عام 1967.

عمل الراحل في مجلة "آخر ساعة"، و"روز اليوسف"، و"الكواكب". وسافر إلى منطقة القناة، واشترك في عمليات الفدائيين ضد القوات البريطانية في بورسعيد والإسماعيلية والسويس والتل الكبير، وسجل هذه العمليات الحربية وأذاعها في الراديو.

اشتهر بأسلوبه الفريد في الأداء أمام الميكروفون ما جعله نجماً جماهيرياً

تجديدات في العمل الإذاعي

وأدخل خلال فترة عمله بـ"صوت العرب"، الكثير من التجديدات على أساليب الكتابة الإذاعية، والخرائط البرامجية، وأساليب العمل الإذاعي، كما استخدم الفكاهة في التعبير السياسي والسخرية في برنامجه الشهير "هذا عدوك"، واستخدم السيمفونيات العالمية المعبرة عن كفاح الشعوب مثل "البولوني" لشوبان.

من أعماله الإبداعية مسرحية "الشبعانين" عام 1966، وكان أول من فكر في تقديم المسلسلات الوطنية بالإذاعة، مثل "في بيتنا رجل" ليكون أول مسلسل وطني تقدمه إذاعة عربية.

كتب أحمد سعيد برنامجاً لإذاعة عربية عن هجرة "نبي الإسلام" أوضح من خلاله فكرة سياسية، هي "هكذا كان أجدادنا في الماضي، وهكذا يجب أن يكون العرب في المستقبل".

سعيد و"صحّاف العراق"

ويقارن بعض رجال الساسة، ما فعله سعيد، بأداء وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف، أثناء الغزو الأمريكي للعراق، من نشر بيانات كاذبة وأخبار مضللة، أوهم بها العالم بأنّ الجيش العراقي قادر على حماية أراضيه وصد العدوان الأمريكي بل ودحره، إلى أن سقط واختفى الجيش والرئيس الراحل صدام حسين فجأة والصحاف كذلك.

أحمد سعيد رفض بشدة هذه المقارنة أو مجرد الربط بينه وبين الصحاف، وأكد خلال حوار له مع صحيفة "الشرق الأوسط" أنّ الربط مقصود، ويحمل شبهة المؤامرة، لتشويه كل ما يرتبط بالعروبة والقومية، مشدداً على وجود محاولات مضنية لقتل العروبة في نفوس العرب، من جانب هؤلاء الذين أزعجهم أن تخرج المظاهرات بطول العالم العربي وعرضه تحمل صورة جمال عبد الناصر.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية