مركز دولي يكشف استراتيجيات إيران وحزب الله في تمويل نشاطاتهما في أوروبا

مركز دولي يكشف استراتيجيات إيران وحزب الله في تمويل نشاطاتهما في أوروبا


09/09/2020

كشف مركز جنيف للدراسات والأبحاث، وحدة دراسات الجماعات المتطرفة، عن الاستراتيجيات التي تتبعها إيران في دعم الجماعات المتطرفة بأوروبا، وفي أجنداتها الاستخباراتية.

وقال المركز: إنّ الاستراتيجيات الإيرانية تنقسم إلى 3 محاور رئيسية، يبدو أخطرها الاستراتيجية الجديدة التي باتت تتبعها بشكل موسّع، وهي "الرصد والمتابعة والسيطرة".

تتلخص هذه الاستراتيجية بتشكيل مراكز دينية تتبع لإيران مباشرة، وجماعات سرّية مهمّتها رصد ومتابعة الجاليات الشيعية في أوروبا، والبدء بالسيطرة عليها حتى التهديد بالقتل، وفق الوثائق التي ترجمتها العربية.

ورصد جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية "مكتب حماية الدستور" هذه الاستراتيجية الجديدة لإيران، ما اضطرّها إلى الخوض في حساسية التضارب بين الجماعات والمراكز التي تعمل لصالح إيران وبين المراكز الشيعية التي لا ترتبط بأيّ أجندات خارجية وتتقيد بكافة القوانين الأوروبية.

اقرأ أيضاً: “حزب الله” قبل أن يحيله الفقيه الى المعاش

من هذه المراكز التابعة لإيران "المركز الإسلامي في هامبورغ"، فقد أسّس شبكة واسعة في عموم الأراضي الألمانية تمارس نفوذاً كبيراً على الجاليات الشيعية المنحدرة من جنسيات مختلفة، إلى حدٍّ يصل إلى السيطرة الكاملة، بمعنى استغلال هذه الجاليات بكلّ الوسائل من التجنيد إلى التجسّس وغسيل الأموال، وذلك وفق تقرير مكتب حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية الألمانية"، الصادر في صيف 2019

 

إيران تعمل على تشكيل مراكز دينية تتبع لها مباشرة، وجماعات سرّية مهمّتها رصد ومتابعة الجاليات الشيعية في أوروبا للسيطرة عليها


.

غير أنّ الهيئة الاستخباراتية لم تذكر أسماء عناصر هذه الشبكة، حفاظاً على سرّية رصدها وتتبعها، ومنعاً لتعريض حياة الأشخاص الذين أبلغوا عنهم للخطر.

وقد تبيّن أنّ محتوى رسائل وخطب المركزي الإسلامي الشيعي يُعدّ ثمرة للاتصالات مع إيران التي تعمل لتصدير ثورتها، وهذا يتعارض مع الدستور الألماني، بحسب مذكرة بعثتها الحكومة الفيدرالية إلى البرلمان في 21 آب (أغسطس) 2019.

ونصّت المذكرة حرفياً: أنّ "المنظمات والمساجد الألمانية التي تخضع للنفوذ الإيراني  تعمل نظرياً تحت مظلة المجتمع الإسلامي للمنظمات الشيعية، لكنّ المركز في هامبورغ هو المحرّك الأساسي لها". وعلى رأسه الإمام ومدير المركز الإسلامي في هامبورغ الشيخ محمد هادي مفتح، الذي يدير هذا المخطط.

والأخطر من ذلك، أنّ أنشطة إيران باتت تورّط المؤسسات الأوروبية بما فيها الألمانية، التي تقدّم التمويل للمؤسسات الدينية، وتجعلها تحت خطر شبهة تمويل نشاطات "غير قانونية"، بدليل أنّ منظمة المجتمع الإسلامي للمنظمات الشيعية في ألمانيا (أسست عام 2009)، والتي يندرج ضمنها المركز الإسلامي في هامبورغ، قد حصلت على تمويل من الاتحاد الأوروبي في 2019 بلغ 137 ألف يورو، بينما بلغ حجم التمويلات الألمانية في الفترة بين 2016 و2019 ما يعادل 120 ألف يورو، في إطار برنامج يرمي إلى مكافحة التطرّف الديني، بحسب ما ورد في موقع "غوته" GOETHE INSTITUT  الألماني.

اقرأ أيضاً: العقوبات الأميركية على مسؤولين لبنانيين.. تفكيك المنظومة المالية الجانبية لحزب الله

ولكن ما يحدث فعلياً هو العكس، حيث يتمّ تسخير هذه الأموال لأهداف النظام الإيراني، إذ إنّ المركز على اتصال مباشر بمكتب خامنئي، ويوفر كافة أشكال الدعم لحزب الله اللبناني، وفقاً لما قاله خبير السياسة المحلية للديمقراطيين الألمان دنيس غلادياتور، في رسالة إلى البرلمان في هامبورغ.

هذه الانتهاكات شكّلت الشرارة للتحرّكات الرسمية والحزبية في هامبورغ في الأشهر الماضية، لحظر ذراع إيران الرئيسية في ألمانيا، لا سيّما بعد تصنيف حزب الله مؤخراً منظمة إرهابية، وحظر جميع أنشطته.

 

حزب الله اللبناني يستخدم الأراضي الألمانية مكاناً لتوفير الدعم اللوجستي والمالي، ويستغلّ الجمعيات الثقافية والمساجد غطاء لعمليات غسيل الأموال

 

ومن هامبورغ إلى بريمن في شمال ألمانيا، حيث أحد المراكز الاجتماعية في المدينة متورّط في دعم حزب الله اللبناني مالياً: "مركز المصطفى". 

وبحسب تقرير لجهاز المخابرات المحلية في بريمن، تبيّن أنّ هذا المركز الذي يعمل تحت غطاء اجتماعي يجمع الأموال ويحوّلها إلى حزب الله في لبنان.

ويظهر تقرير المخابرات أنّ حوالي 50 شخصاً في بريمن، ونحو 1050 في مختلف أنحاء ألمانيا، هم أعضاء في "مركز المصطفى"، أرسلوا أموالاً لأسر مقاتلي الحزب.

وإذا كانت ألمانيا قد سبقت فرنسا بخطوة بإعلانها حزب الله "منظمة إرهابية"، فإنّ لباريس مصالح اقتصادية في إيران قد تجعلها أقلّ حدة في خط مواجهة الجمعيات الشيعية التي ترتبط بإيران بأجندات متطرفة.

ولعل القضية الأبرز هي "مركز الزهراء في فرنسا"، والذي تمّ الكشف عن ارتباطه بشكل وثيق بالاستخبارات الإيرانية، نظراً للتقارب الإيديولوجي لذلك المركز الذي تأسس عام 2005 مع إيران، والترويج لحزب الله، ما جعله محطّ أنظار أجهزة الأمن الفرنسية.

اقرأ أيضاً: هل خذل ماكرون الشعب اللبناني.. وما علاقة تركيا بمهادنة حزب الله؟

المفارقة هنا أنّ السلطات الفرنسية قد أغلقت مركز جمعية "الزهراء" وجمّدت أصوله بتهمة "نشر التطرف والإرهاب" في أوروبا لمدة 6 أشهر فقط، حتى إنّ الجمعيات الشيعية الأربع التي تمّ حلها، والتي تنضوي تحت مظلة "مركز الزهراء"، وبينها "الحزب ضد الصهيونية" و"الاتحاد الشيعي لفرنسا" وتلفزيون" فرنسا ماريان تيلي"، يبقى قرار حظرها النهائي بيد الرئيس إيمانويل ماكرون، ما يطرح علامات استفهام حول التراخي في قرار الحظر إلى الآن.

اقرأ أيضاً: كيف استغل حزب الله ألمانيا كـ"ملاذ" لعناصره؟

كما ذكرنا سابقاً، فإنّ هذه الجمعيات الثقافية والمساجد تشكّل غطاء لعمليات غسيل الأموال في أوروبا بقيادة أعضاء الحزب، وهذا باعتراف من هيئة حماية الدستور في ولاية بافاريا جنوبي ألمانيا، فقد قالت: إنّ "حزب الله اللبناني يستخدم الأراضي الألمانية مكاناً لتوفير الدعم اللوجستي والمالي".

اقرأ أيضاً: تجنب إثارة ملف حزب الله يحيط زيارة ماكرون إلى لبنان بالشكوك

غير أنّ المسارات الرئيسية لحزب الله باتت تتغير وتنتقل حالياً من أمريكا الجنوبية إلى أفريقيا، ومنها إلى الاتحاد الأوروبي، حيث يتمّ تهريب الكوكايين إلى ألمانيا مثلاً عبر 3 موانئ رئيسية: روتردام (جنوب هولندا)، وأنتویرب (البلجيكي)، وهامبورغ (شمال ألمانيا)، وفق تقرير لمجلة "دير شبيغل" الألمانية.

ولعل كشف أمر عصابة تهريب المخدرات وتبييض الأموال الشهيرة "عصابة الأرز" في 2016، يعطي صورة واضحة عن طريقة عمل هذه الشبكات في غسيل الأموال.

اقرأ أيضاً: "حزب الله" في مأزق غير مسبوق

كانت هذه العصابة المؤلفة من 14 عضواً منهم 4 في ألمانيا تنقل الأموال من تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية إلى أوروبا وأفريقيا، حيث تشتري بها نقداً سيارات وساعات ومجوهرات باهظة الثمن، لترسلها إلى لبنان لاحقاً، حيث تباع بالسوق السوداء وتستعاد قيمة الأموال لتمويل عمليات حزب الله. وبين أعوام 2011 و2015، قام الأعضاء الأربعة بتبييض 20 مليون يورو.

ومؤخراً، نقلت مجلة "دير شبيغل" الألمانية عن سلطات الجمارك في مدينة "إيسن" غرب البلاد، اكتشاف عملية غسل أموال محتملة لصالح حزب الله تتعلق بمجموعة من اللبنانيين يعتقد أنها خلال العامين الماضيين قامت بغسل ما لا يقل عن 75 مليون يورو.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ حزب الله في أوروبا باتباع استراتيجية جديدة في نقل الأموال إلى لبنان أو سوريا، وفق مستشار العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مركز جنيف للدراسات والأبحاث ناصر زهير في حديثه لـ "العربية".

اقرأ أيضاً: وزير العدل اللبناني الأسبق لــ "حفريات": إيران وسوريا اغتالتا الحريري بأدوات حزب الله

وتتمثل هذه الآلية بالشركات والأفراد الذين يقومون بتحويل الأموال بصيغة غير قانونية في أوروبا، وتتمحور عبر تحويل مبالغ نقدية "كاش" بين 5 آلاف إلى 40 ألف يورو في العملية الواحدة، على أن تتكرّر عدة مرّات في الأسبوع وعبر شبكات مختلفة.

ووفق مركز جنيف، يتقاضى الوسطاء نسبة من الأموال تنحصر بين 3 و7% من قيمة المبالغ المحولة، ويمكن أن تتكرّر هذه العملية 8 مرات في اليوم عبر عدة وسطاء وعدة مدن وعدة أشخاص.

وبحسبة بسيطة، إذا تمّ تحويل 40 ألف يورو 8 مرات في اليوم، فسوف يصل المبلغ المحوّل لحزب الله إلى 9.6 مليون يورو شهرياً، و115.2 مليون يورو سنوياً، مع إمكانية مضاعفة عدد التحويلات، بدون الحاجة إلى جهود لتسييل الأموال وتحويلها لبضائع أو مجوهرات وإعادة تحويلها من جديد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية