مستقبل الاقتصاد العالمي بعد كورونا: هل فقد الخبراء الأمل؟

كورونا

مستقبل الاقتصاد العالمي بعد كورونا: هل فقد الخبراء الأمل؟


24/03/2020

تقدم أكثر من 500 ألف كندي خلال الأسبوع الماضي بطلباتٍ من أجل تعويضات البطالة؛ أي إنّ 2.5٪ من إجمالي قوة العمل الكندية قد تقدموا بطلباتٍ للحصول على تعويضات البطالة خلال أسبوع عمل واحد. من المتوقع في الولايات المتحدة الأمريكية أن ترتفع الطلبات الأسبوعية للحصول على إعانات البطالة بشكل هائل من 28 ألف إلى 25.2 مليون طلب إعانة.

مسؤول بصندوق النقد الدولي: كلما كانت ردود الأفعال الصحية حيال الأزمة أفضل تنظيماً وتنسيقاً، كانت إمكانية عودة الثقة أسرع

وباتت الآثار المترتبة على فيروس كورونا "كوفيد 19" واضحة للعيان. يمكن مشاهدة الأثر الكبير لمثل هذا النوع من الكوارث بمجرد النظر إلى الخارج من النافذة، كما يقول المحلل الاقتصادي الدولي ماريو فانيلا، حيث انخفضت أعداد الناس في الشوارع حول العالم حتى في الأماكن التي لم ينتشر فيها الفيروس بشكل كبير. وتزداد حالات الإغلاق، وتتراجع الأنشطة التجارية في كل مكان، ما سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع كبير في نسب البطالة. ويصف فانيلا الوضع الحالي بأنه توقف مفاجئ في الاقتصاد العالمي، وليس مجرد ركود اقتصادي. 

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا والمصريون: حذر وخوف و"خفة" في مواجهة الوباء
وتزداد الأوضاع سوءاً في الدول التي يعتمد اقتصادها على النفط نتيجة للانخفاض الحاد بالأسعار. في كندا، تبلغ مساهمة النفط الخام في الناتج المحلي الإجمالي الوطني حوالي 10٪، وهي مثال واضح يشرح الوضع في بقية الدول. من السهل توقع حدوث انخفاض في النشاط الاقتصادي يتجاوز 10٪ خلال الربع الثاني، وينطبق هذا الافتراض بشكل أكبر على الدول الأقل تنوعاً في اقتصادها، كما يقول فانيلا في تقرير نشره مركز الشرق للبحوث في دبي.
%2.5 من إجمالي قوة العمل الكندية قد تقدموا بطلباتٍ للحصول على تعويضات البطالة

إغلاق مصانع السيارات
وأشار تقرير اقتصادي إلى أنّ إغلاق مصانع السيارات في أوروبا وأمريكا الشمالية واللاتينية، قد يؤدي إلى خفض الإنتاج العالمي من السيارات هذا العام بأكثر من 1.4 مليون سيارة.
وكانت مصانع السيارات في جميع أنحاء العالم قد أعلنت عن خطط لتعليق الإنتاج مؤقتاً، من أجل تطهير المرافق ومنع انتشار فيروس كورونا الجديد.

اقرأ أيضاً: التطرف في زمن كورونا: هل حرّض إسلاميون مغاربة ضدّ الحجر الصحي؟
ومن شأن الفجوة أو فترة التوقف هذه، التي قد تستمر لما يقرب من 3 أسابيع في بعض الحالات، أن تخلق أزمة نقدية فورية لشركات صناعة السيارات من خلال التراجع في إنتاج المركبات.

ففي أوروبا؛ حيث توقفت عمليات التجميع لمدة 13 يوم عمل في المتوسط، كما يذكر تقرير نشرته "سكاي نيوز عربية" ستؤدي عمليات الإغلاق المؤقتة إلى خفض الإنتاج بأكثر من 880 ألف مركبة، في حين ستؤدي عمليات الإغلاق في أمريكا الشمالية والتي يقدر تقرير شركة "أي إتش أس ماركت" مدتها في المتوسط بحدود 6 أيام كاملة من الإنتاج، إلى خفض الإنتاج بمقدار 478 ألف سيارة.

اقرأ أيضاً: عالم ما بعد كورونا
كما تتوقع "أي إتش أس ماركت" أن تعمل الإجراءات الجديدة لاحتواء الوباء في البرازيل والأرجنتين، في أمريكا الجنوبية، على تخفيض الإنتاج بمقدار 80 ألف مركبة.
يشار إلى أنه في أمريكا الشمالية، أعلنت شركات فورد وجنرال موتورز وفيات كرايسلر، الأربعاء الماضي، عن خطط لوقف الإنتاج مؤقتاً لمدة أسبوعين تقريباً بعد الاستجابة للضغط من اتحاد عمال صناعة السيارات، الذي أراد تحسين بروتوكولات الأمان لحماية الموظفين من الوباء.

اقرأ أيضاً: ترامب أم "كورونا"؟
ويشكل الإطار الزمني لاحتواء الأزمة عاملاً مقلقاً، فلا توجد رؤية واضحة أو بيانات موثوقة حتى الآن يمكن الاستناد إليها عن طول مدة الأزمة الراهنة، بحسب مركز الشرق للبحوث، وحتى اللحظة لم يتم التوصل إلى أي حل طبي، وهو ما يجعل من المستحيل عملياً تحديد الوقت الذي يعاود فيه الاقتصاد العالمي نشاطه. هل يتعين على الدول أن تنتظر شهراً واحداً؟ أو اثنين؟ ربما كل الصيف؟ تتوافق البحوث التي أجريت من مصادر طبية متعددة على حقيقة مفادها أنّ عدد ضحايا الفيروس سوف يستمر في الارتفاع، عقب تدهور الأوضاع المستمر شمال إيطاليا.

إيطاليا تخسر مليار يورو شهرياً

وقدّر اتحاد الصناعة الإيطالي خسائر البلاد  الفادحة جراء توقف القطاعات الإنتاجية فيها للحد من انتشار فيروس كورونا.

"فورين أفيرز": تعافي الاقتصاد سيبدأ عندما يستطيع مسؤولو الصحة أن يؤكدوا للناس أنه تم احتواء الفيروس

وقال رئيس الاتحاد فينسينزو بوكيا، إنّ خسائر إيطاليا الاقتصادية من توقف الإنتاج قد تصل إلى 100 مليار يورو شهرياً.
وأضاف أنّ الاقتصاد الإيطالي انتقل بعد تعليق الأنشطة الإنتاجية من اقتصاد الطوارئ إلى الاقتصاد العسكري، كما أفادت وكالات أنباء.
وأشار إلى أنّ حجم الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإيطالي يبلغ نحو 1800 مليار يورو سنوياً، وعند توقف 70% من الإنتاج يعني أنّ البلاد تخسر نحو 100 مليار دولار شهرياً.
وأكد المسؤول أنّ نحو 70% من أنشطة الإنتاج في إيطاليا قد توقفت بعد تعليمات الحكومة.

اقرأ أيضاً: نعومي كلاين: كيف نهزم "رأسمالية الكورونا"؟
وكانت الحكومة الإيطالية قد أوعزت، أول من أمس الأحد، بوقف كافة الأنشطة الإنتاجية في إيطاليا، باستثناء الإستراتيجية والضرورية، وذلك في إطار مكافحة انتشار كورونا

وترتبط الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ببعضها ارتباطاً وثيقاً، وفي الأزمة الراهنة يزداد هذا الترابط، نظراً للمعاناة الإنسانية والخسائر في الأرواح، كما يقول فانيلا، إذ يتعين على الدول أن تسرع إلى الاستثمار في زيادة قدرات نظام الرعاية الصحية على الفور. يجب اتخاذ سياسات منسقة تعطي الأولوية لدعم الشركات القادرة على إنتاج أجهزة التنفس الصناعي والأقنعة وغيرها، ويجب أن تُنفذ مباشرة. حول هذه النقطة، ترسل الأسواق رسالة مهمة: يجب أن ينتقل التركيز من السبل التقليدية لمعالجة الأزمة، إلى مجموعة وسائل جديدة ومخصصة لهذه الأزمة، بمعنى آخر، يجب أن تصب الدول تركيزها على احتواء فيروس كورونا؛ لأنه يبدو أنّ التخفيف من التداعيات الكارثية للوباء أمر مستحيل دون تحسن فوري في نظام الرعاية الصحية، فالدول التي تُبلغ عن عددٍ ضئيل للغاية من حالات الإصابة بفيروس كورونا، مثل روسيا، لا تزال تشهد ارتفاعات قياسية في حالات الالتهاب الرئوي، بحسب تقارير وسائل الإعلام.
يتوقع خبراء كثيرون نتائج مدمرة على الاقتصاد العالمي بسبب كورونا

هل هناك عملية تعافٍ في الأسواق والاقتصاد؟
ويتوقع المحلل الاقتصادي الدولي ألا يكون هناك عملية تعافٍ في الأسواق والاقتصاد، بهذا الترتيب دون وجود عامل الثقة، ومن أجل تأسيس هذه الثقة (وبالتالي تحفيز الانتعاش)، يجب علينا أن نضع في أذهاننا أنّ الحد من انتشار الوباء أمر ممكن من الناحية العملية. حتى تظهر أدلة واضحة على ذلك، فإنّ السقوط الحر سيستمر. ومن المؤسف أن تدابير الحجر الصحي الصارمة تشكل السبيل إلى تحقيق هذه الغاية، إذا كانت هذه التدابير ناجعة من الناحية الطبية (شريطة أن نثق بعلماء الأوبئة). وبالتالي فإنّ التوصل إلى حل طبي سريع أمر بالغ الأهمية من أجل خلق فرصةً لإعادة تشغيل الاقتصاد.

اقرأ أيضاً: كيف جاءت استجابة دول الخليج في مواجهة كورونا؟
ويعتقد فانيلا أنّ التحدث عن الانتعاش على شكل حرف V  بعيدٌ عن الواقع حالياً. لكن من أجل تحقيق انتعاش على شكل حرف  U وهو السيناريو الذي نراه أكثر واقعيةً، سيتطلب الأمر حوافز مالية ضخمة.
ويوضح أنّ الخطوات التي اتخذتها حكومات العالم حتى الآن تبدو مشجعة. على سبيل المثال، يعد القرار الجديد الذي اتخذه البنك المركزي الأوروبي بإنشاء برنامج "الشراء الطارئ الوبائي" بقيمة 750 مليار يورو (PEPP) تدارك جيد لخطأ لاغارد في المؤتمر الصحفي الأول. إضافةً إلى ذلك، لدى أوروبا مبالغ كبيرة مخصصة للإنفاق على البنية التحتية، يجب على الاتحاد أن يوظفها على نحو منتج وفعال. ينطبق ذلك على الولايات المتحدة أيضاً.

اقرأ أيضاً: وباء "كورونا" إذ يصيب دعاة الخطاب الديني
لكنّ الصين، بحسب تقرير مركز الشرق، تمر بوضعٍ مختلف، نظراً لاستثمارها في البنية التحتية بشكل زائد، فقد استنفدت أفكار الاستثمارات المنتجة على مرّ السنين. علاوة على ذلك، تقدم العملة المُدارة في الصين حيزاً نقدياً أقل من العملات الحرة مثل اليورو والدولار. بناءً على ذلك، نرى أنّ انخفاض أسعار الفائدة الصينية سيؤثر سلباً على الصين، بل إنه، في الواقع، سيؤدي إلى تدهور اختلال التوازن في الدخل، ويقلص حصة الاستهلاك من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتناقض مع ما تحتاجه البلاد. إضافةً إلى ذلك، قد تحفز تدفقات رأس المال الأجنبي، وهو من شأنه أن يرغم بنك الشعب الصيني على الاختيار بين الحفاظ على استقرار العملة وتضخم المعروض النقدي المحلي.

توقعات متشائمة

ويتوقع خبراء كثيرون نتائج مدمرة على الاقتصاد العالمي بسبب كورونا، حيث أفادت "فورين أفيرز" بأنّ الاقتصاد العالمي دخل في حالة من الركود الشديد، وأنّ الانكماش سيكون مفاجئاً وحاداً بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، متوقعة أن تكون الآثار مؤثرة لعقود قادمة.

رئيس اتحاد الصناعة الإيطالي: توقف 70% من الإنتاج يعني أنّ البلاد تخسر نحو 100 مليار دولار شهرياً

وكانت معظم التوقعات الاقتصادية لعام 2020 تتنبأ بسنة من النمو الثابت إن لم يكن بالنمو المتزايد، فقد شهد تحديث توقعات صندوق النقد الدولي لشهر كانون الثاني (يناير) ارتفاعاً في النمو من 2.9 في المائة في 2019 إلى 3.3 في المائة في 2020، وكانت هناك أسباب كثيرة للتفاؤل منها اتفاقية التجارة "المرحلة الأولى" بين الصين والولايات المتحدة، وخفض تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وذكرت "فورين أفيرز" أنه قبل الوباء، كانت العديد من الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا واليابان، غير مجهزة بالفعل للتعامل مع حتى الصدمات الخارجية الصغيرة.
وشكلت المخاوف من انتقال العدوى على الطائرات، وإغلاق الدول لحدودها، ضربة كبيرة لقطاع الطيران، ورداً على ذلك، قلصت شركات الطيران الرحلات الجوية بشكل حاد لأنها تحاول الحفاظ على الجدوى التشغيلية والمالية، كما قامت بتسريح الموظفين.

اقرأ أيضاً: مصر في زمن الكورونا: الحياة "أون لاين"
وأشارت إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الدول لمكافحة تفشي المرض مثل إغلاق الحدود والعزلة والحجر الصحي، مهمة لإنقاذ الناس، لكنها ستجعل الأمور أسوأ بالنسبة للاقتصاد، وأنها ستغلق قطاعاً اقتصادياً تلو الآخر.
وأوضحت "فورين أفيرز" أنه لن يكون من السهل إعادة تشغيل اقتصاد عالمي حديث مترابط بعد انتهاء الأزمة، وأنّ تعافي الاقتصاد سيبدأ عندما يستطيع مسؤولو الصحة أن يؤكدوا للناس أنه تم احتواء الفيروس، وأنّ الحصانة من المرض الذي يسببه قد زادت، مؤكدة أنّ التعافي لن يكون فورياً، بل سيكون سريعاً.

كيف تكون الاستجابة الصحيحة؟

وأضافت أنّ الاستجابة الصحيحة من الحكومات والشركات والأفراد يمكن أن تحد من الانكماش الاقتصادي القادم وتقصير مدته والمساهمة في انتعاش أكثر حدة وأقوى وأكثر استدامة.
في المقابل، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون لوباء كورونا أثر شديد على الاقتصاد العالمي.

اقرأ أيضاً: إسبانيا مرعوبة من كورونا ومن مخاوف "سيناريو إيطاليا"
وقال رئيس قسم سياسة ومراجعة الإستراتيجية بصندوق النقد الدولي، مارتن مويلايزن، الجمعة، إنّ وقع وباء فيروس كورونا سيكون شديداً، ولكنه أضاف أنّ ذلك "يأتي عقب فترة نمو طويلة ومعدلات توظيف مرتفعة، مما سيسمح للاقتصاد العالمي بامتصاص الصدمة الحالية".
وأوضح مويلايزن في تصريح صحفي، أنّ الهدف الرئيسي للحكومات ينبغي أن يتمثل في الحد من انتشار الفيروس بطريقة تبث الثقة في أنّ الصدمة الاقتصادية ستكون مؤقتة.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا... مَن وراء إعادة تشكيل العالم؟
وقال إنّ البنوك والحكومات اتخذت بالفعل خطوات غير مسبوقة لتوفير السيولة للأسواق وتيسير استمرار عملها، ربما بأكثر مما كنا نحتاج، لكن مثل هذه الخطوات ينبغي تنسيقها عالمياً لتعظيم أثرها.
وأضاف المسؤول بصندوق النقد الدولي: "كلما كانت ردود الأفعال الصحية حيال الأزمة أفضل تنظيماً وأكثر تنسيقاً، كانت إمكانية عودة الثقة أسرع".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية