مسلسل أمريكي يجسد علاقات البشر بعد انتهاء الحياة على الأرض

مسلسل أمريكي يجسد علاقات البشر بعد انتهاء الحياة على الأرض


14/04/2020

عُرض، الشهر الماضي، الموسم السابع لمسلسل الدراما الأمريكية، الذي بدأ موسمه الأول في 2014، بعنوان "The 100".
يبدأ المسلسل، الذي ينتمي إلى دراما الديستوبيا أو ما بعد الخراب، حين تنتهي الحياة على الأرض، بعد حرب نووية، تجعل الكوكب غير صالح للسكن، وتبشر بنهاية الجنس البشري، لكنه لن ينتهي، وسيعود الناس لسابق عهدهم ربما للأسوأ.

 

 

الفضاء المرعب
تبدأ الحلقات بمحطة فضائية، صامدة ومعلقة فوق الكوكب، تحمل على متنها أكثر من ألفين من الناجين، هم الجيل الخامس والسادس لمن هربوا من الأرض، هؤلاء هم أعضاء المجموعة الأولى الذين يأخذوننا معهم في رحلة لنتعرف إلى حياة الفلك التي لا تختلف عن الأرض، إلّا أنّها أكثر قسوة وبؤساً؛ فالجماعة الناجية عينت مجلساً استشارياً، يترأسه رئيس، ربما نسميه رئيس جمهورية الفلك، الرجل الذي لا يعرف الرحمة، ويقوم بدوره الممثل الأمريكي "Isaiah Washington"، الذي يرغب كثيرون من سكان الفلك بالانتقام منه، فالقوانين الصارمة والموارد المحدودة بداية من الهواء والماء، جعلت العقوبات والجرائم والنظام القمعي على متن محطة فضائية هي الجحيم نفسه، كلّ الجرائم، مهما صغرت، عقوبتها الإعدام رمياً من الفضاء، فنجد الثأر مشتعلاً في نفوس أبناء من أعدموا بعد سرقة طعام، أو أدوية، أو امرأة أنجبت طفلاً إضافياً لن تستوعبه السفينة، فتلقى بدورها من الفضاء، لكن تظل بارقة الأمل الوحيدة لهؤلاء هي العودة للحياة على الأرض، وهي خطوتهم التي سيلقون إليها أبناء الذين أعدموا، ومن لا يُرغب في وجودهم.

على متن مركبة هبط إلى الأرض 100 من السجناء الذين عوقبوا بالسجن لأنهم لم يبلغوا الـ 18

وعلى متن مركبة وصول، هبط إلى الأرض 100 من السجناء الذين عوقبوا بالسجن على متن المحطة، لأنهم لم يبلغوا الـ ١٨، فينطلقوا إلى الكوكب الذين يبدأون في التعرف إليه، وبين هؤلاء، غير المرحَّب بوجودهم، ابن رئيس المحطة، وابنة أحد أعضاء المجلس، والتي ستتولى قيادة الـ 100 على الأرض، بافتراض أنّهم سينجون، ولكن المفاجأة لذويهم في الفضاء، كانت أنهم نجوا بالفعل جميعاً، ولم يمت أحد منهم في طريقه إلى الأرض، وظناً منهم أنّهم على الكوكب وحيدون، منفردون بالنجاة من الهلاك الذي حلّ بالأرض، يفاجأ الجميع بالطبيعة الخلابة، التي أعادت بناء نفسها من جديد، لكن سرعان ما يصابون بالصدمة، من وجود مجموعة من الناجين، لا يعرفون من هم، لكنهم يبدأون في نصب الفخاخ لاصطياد الوافدين الجدد، وهنا تبدأ مغامرة هؤلاء القادمين من السماء، الذين انقسموا فيما بينهم أولاً، فمن الشخصيات المحورية في المسلسل؛ "بيلامي"، الذي يؤدي دوره الممثل الأسترالي، بوب مورالي، قُتلت أمه رمياً في الفضاء، بسبب أنّها أنجبت ابنة غير مسموح لها بإنجابها، وهو ما دفعه لطعن رئيس المحطة انتقاماً لأمه، قبل أن يُرحَّل على متن سفينة الإنزال، لكن بيلامي يُظهر طموحه في القيادة على الأرض، ولما يتمتع به من كاريزما، يلتف الجميع حوله، فيبدأ في تقسيم المجموعة لفرق عمل، ويصبح الرئيس.

 ينتمي إلى دراما الديستوبيا أو ما بعد الخراب

أهلاً بك على الأرض
بالنسبة إلى الفيلسوف اليوناني، أرسطو، فإنّ الحرب هي وسيلة للكسب، كصيد الحيوانات، ولأنّ الإنسان هو سيد الكائنات، بحسب رأيه، فإنّ الحرب هي وسيلة لإخضاع من لا يطيعون هذا الكائن المتفرد، والذي يتمثل في صورة القائد بالنسبة لأرسطو، وبالرغم من هذا الكلام ذو الطابع العنصري، فإنّ التطور في سردية الفلاسفة حول الحرب للغاية، ينبئنا بأنّها أمر نسبي، وليس حتمياً، كما رأى الأوائل، فقد تحدّث ابن خلدون، في مقدمته، عن الحرب ولخّصها في عاملين: الغيرة والفتنة والنهب وهي حرب غير مشروعة، وإمّا حرباً لإرساء دين الله، ورفع الفتنة عن المُلك وهي المشروعة، لكننا اليوم قد اكتسبنا خبرة تاريخ البشرية الذي نعرفه، سجلات من الحروب المستمرة وعمرها 5 آلاف عام، لتخبرنا أنّ الحرب تستفيد منها الأقلية، وتدفع ثمنها الأغلبية مهما كانت غايتها، ويمكن أن نستشفّ هذا من المجموعة الثالثة التي نجت من الدمار، وتختبئ لمئة عام داخل جبل، بني قبل الدمار للوقاية من الإشعاع، فاختبأت فيه مجموعة من الناجين، وصل عددهم بعد قرن إلى 350 ناجياً، معزولين عن العالم الخارجي.

اقرأ أيضاً: عالم اجتماع مغربي لـ"حفريات": الجماعات المتشدّدة تنتعش من الأوبئة

ولأّنّ حمضهم النووي لم يتكيّف مع الإشعاع، فإنّهم عاجرون تماماً عن الخروج، ولكنهم استطاعوا ابتكار طريقة علاجية، تمكنهم من التداوي إذا حدث تسرب إشعاعي، يحرق جلودهم، هذه الطريقة هي اصطياد بعض الناجين الذين يعيشون في قبائل بدائية، وحقنهم بمادة مخدرة، تحولهم إلى صيّادين يصطادون بشراً آخرين، يتم امتصاص دمائهم، لمداواة من احترق بالإشعاع من سكان الجبل "ماونت ويذر".
وهكذا استطاع هؤلاء النجاة طول قرن، لكنّ العامل الجديد، وهو سكان الفضاء، فتح أمامهم آفاقاً أخرى، وأملاً في الرجوع على الأرض، فبعد أنّ أنقذوا 48 ناجياً من سكان الفضاء، خلال حربهم على سكان الأرض البدائيين، تتمكن الطبيبة المعالجة من اختبار دمائهم، لتكتشف أنّ النخاع العظمي لسكان الفضاء، وحقن سكان الجبل به، ما سيمكنهم من الخروج والتعايش على الأرض وامتصاص الإشعاع المتبقي، وهنا تلعب السياسة لعبتها، فقائدة الـ ٤٨ تتمكن من الهرب، بعد أن عرفت كيف يعالج هؤلاء مرضاهم، وتعقد تحالفاً سياسياً مع قبائل الأرضيين، ويتفقان على شنّ حرب على سكان الجبل، هذا التحالف اقتضى بتسلل أحد سكان الفضاء إلى داخل الجبل، لفكّ أسر أهل الأرض، المحبوسين داخل أقفاص ينتظرون امتصاص دمائهم.

 

 

المزيد من الأعداء
في كتابه "نقد العقل الخالص"، يرى الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانط؛ أنّ الحرب تخلق أعداءً أكثر مما تزيل، لذلك فإنّ الحرب تخلق خلفها أعداء صامتين ينتظرون الانتقام في أول فرصة تتاح لهم، لنجد أنّه بعد اتحاد سكان الأرض مع سكان الفضاء، ويسيرون بجيشهم إلى سكان الجبل، الذي يضمّ مجموعة ثائرين من سكانه، يرفضون العلاج بدم غيرهم، ويفضّلون الموت، يكون هؤلاء الثائرون هم سلاح من بالخارج، إلّا أنّ قائد سكان الجبل، يعقد صفقة مع قائدة القبائل الأرضية، بأن يسلمها ذووها، مقابل انسحاب جيشها من المعركة، وهنا يقف سكان الفضاء وحيدين، بلا مأوى أو جيش يخلص العالقين في الداخل، بينما يخطط سكان الجبل لاستجلاب كلّ سكان الفضاء لأخذ نخاع عظامهم، ليتمكنوا مرة ثانية من العودة إلى الأرض التي حرموا منها، هنا تقف قائدة سكان الفلك وحيدة، والتي جاءت إلى الأرض مُحمّلة بأمنيات السلام، وعدم تكرار ما فعل الأجداد، من حروب دمرت الكوكب وجعلتهم يقضون زهرة أيام حياتهم معلقين فوق الأرض، فعليها أن تختار المضي قُدماً في حرب لأجل البقاء؛ لأنّ الذين داخل الجبل لن يتنازلوا عن حلم العودة لأرضهم، الكامن في عظام أهل الفضاء.

تبقى الحرب عماد هذا السرد الدرامي مستترة في شكل الدفاع عن النفس وكأنّها تخبرنا أنّ هذه هي الطبيعة

يرى كانط أنّ تحقيق السلام بين البشر ليس بالأمر العسير، بل وصل به الأمر إلى وضع خطة للسلام بين البشر، بالقضاء على الصراعات العنصرية المحمومة، وإلغاء الجيوش التي تستنفر العصبية بين الناس وتجعلهم مندفعين إلى القتال، برغبة كامنة لا يتوقفون عنها، وهنا يأتي الفيلسوف الإنجليزي بيرتراند راسل، متقفاً مع رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد، في رؤيته للحرب والشر المتأصل في الإنسان؛ إذ يرى أنّ البشر في حاجة ماسّة إلى العدو، حاجة نفسية، فطالما أنّ هناك عدواً، سيكون هناك أصدقاء، وإلّا لما أمكن أن يكون هناك شعب وقبيلة ولا انتماء، وفي ضوء المسلسل الذي يحاول أن يبرهن لنا صحة ما قاله فرويد ومؤيدوه، فلا بُدّ من وجود العدو، ولن تنتهي الحرب لأنّها من أجل البقاء، فنرى تحول أكثر شخصيات المسلسل دعوة للسلام، إذا بهم قتلة يبدأون في التعرف إلى ذواتهم الجديدة التي اتخذت القتل وسيلتهم للنجاة، فبعد أن يفنى أهل الأرض جميعاً، ولم يبقَ منهم سوى قليلون، ها هم يعودون من جديد إلى الحرب والدمار، وكأنّ ذلك مطبوع في أحماضهم النووية.
نجد الثأر مشتعلاً في نفوس أبناء من أعدموا

لماذا الحرب؟
في كتابه "لماذا الحرب؟" المشترك مع عالم الفيزياء، ألبرت إينشتاين، أعلن الطبيب النفسي الأشهر، سيغموند فرويد، أنّ الحرب هي التعبير الطبيعي والغريزي عن فطرة الإنسان الذي جُبل على الشر، ولا يمكن استئصاله، وأهدى كتابه للديكتاتور الإيطالي، موسوليني، وانتشر هذا الكتاب ولاقى رواجاً كبيراً؛ كونه يمجّد الحرب التي ما لبثت أن أصبحت حرباً عالمية ثانية، أكثر فتكاً من الأولى، وأكثر حرب دموية عرفها تاريخنا الحديث، فنار الحرب التي لا تخمد خلال أحداث مسلسلنا، تشتعل من جديد، بعد أن يتمّ القضاء على سكان الجبل، وتهرب قائدة سكان الفضاء بشبعها، ولم تمضِ عليهم بضعة أشهر إلّا ليظهر عدو جديد هم شعب الجليد، فتبدأ الحرب الباردة، استعداداً للحرب الجديدة التي سيتم بها القضاء على الجميع، فمن دون أن يتعرّف الفريقان إلى بعضهما تشتعل الحرب، لا أحد يعرف المغزى، لكنّ الإبادة تبقى الهدف الواضح، في مشهد مشابه لإبادة الأوروبيين لسكان الأمريكيتين، هي حرب لأجل الإبادة ومحو جنس بعينه، وبحسب ما أخبرنا ميكافيللي، في كتابه "الأمير"، فإنّ الحرب هي فنّ سلب العدو كلّ منابع قوته، وإخضاعه كلياً.

 


تبقى الحرب عماد هذا السرد الدرامي، مستترة في شكل الدفاع عن النفس، وكأنّها تخبرنا أنّ هذه هي الطبيعة، لا ما نتصوره نحن عن الطبيعة وعن ذواتنا، وعن هويتنا، فالحرب هي أحد دوافع تشكيل الهوية، وبحسب ما تحدثت به أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة المنيا، نعمات زكريا، لـ "حفريات": "الحرب مفتاح الهوية، والعكس صحيح، بمعنى أنّ للهوية تأثيراً وقدرة على تحويل الناس من أناس عاديين وأسوياء إلى قتلة، وهذا هو الواقع الإنساني منذ بدأت أول حرب نعرفها، تقوم على الهوية، ثمّ تحولت إلى الوطن الذي أصبح الهوية الجديدة للمجتمعات، وبالرغم من بساطة الحل، لكن لا أحد يجرؤ على استئصال السبب، والحلّ ببساطة أن يتجاوز البشر انتماءهم الفردي والحتمي الانعزالي داخل جماعات؛ إذ إنّ هذه الكيانات الممثلة للهوية، تقوم على اختزال الفرد وإخضاعه لكيان الجماعة الذي يُهدر حقوق الأفراد ويسحق وجودهم، فالفرد مجرد رقم في ترسانة الجماعة، وهي صاحبة الفضل والنعم، لذلك عليه دفع قرابين الولاء والطاعة المتمثلة في الاستنفار للحرب، ومن هنا بدأت المشكلة وعلقنا بها".

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية