مسلسل الاختيار.. عندما تتجاوز القوة الناعمة تأثير ألف معول لهدم التطرف

تساؤلات متعددة تطرح نفسها، بالتزامن مع عرض دراما "الاختيار 3"، ربما كان أبرزها هو سؤال القوة الناعمة Soft power، وأثرها على تمدد الأفكار داخل المجتمعات، وبالتالي لابد من الاشتباك مع ذلك المصطلح الذي نحته أستاذ العلوم السياسيّة بجامعة هارفارد، جوزيف ناي Joseph Nye؛ لوصف القدرة على الإقناع والجذب، دون إكراه أو عنف، فكيف تنجح القوة الناعمة في إحداث التغيير الاجتماعي؟

ربما ونحن بصدد تحليل البنية الفنية، بحمولتها السياسيّة، الواردة في مسلسل "الاختيار 3"؛ نجد السؤال المذكور أعلاه، قد تقاطع مع معطيات العمل الفني نفسه، وكذلك جملة العناصر المتضافرة فيه، فإلى أيّ مدى نجح العمل الفني؟ وهل حقّق المطلوب منه من الناحية المعرفيّة والاجتماعيّة قبل الفنيّة ؟

نجح هذا العمل الفني الموثق في الترسيخ لحقيقة هامّة، كثيراً ما يعمد الإخوان إلى التشكيك فيها، ألا وهي التعريف المفاهيمي لما جرى في ٣٠ حزيران 2013، وذلك من خلال التدليل المدعم بالمعطيات الدامغة، على أنّ ما حدث لم يكن انقلاباً

يمكن القول إنّ مسلسل "الاختيار -3" حقق - بدون أدنى مبالغة - نجاحاً غير مسبوق، على مستوى الانتشار والجماهيرية، وأيضاً على المستويين؛ الوطني والسياسي.

لن أتحدث عن الجانب الفني لهذا العمل الدرامي الكبير، ربما لأنّني لست من أهل الاختصاص، وإن كنت أراه، بعين المشاهد العادي، عملاً متميزاً من الناحية الفنيّة أيضاً، لكني سأتحدث هنا عن نجاحه الأهم من وجهة نظري، وبالتحديد قدرته على تحقيق ما قد تعجز عنه آلاف الكتب والمناهج الدراسيّة، من حيث التأثير والمقدرة على الوصول لقطاعات عريضة، ومن ثمّ ترسيخ مفاهيم هامّة في عقول الأجيال الجديدة، قد تجنبهم تكرار أخطاء الماضي في المستقبل، وتجاوز ما اقترفه البعض من جيل الآباء، وأقصد هنا بالتحديد خطأ الوثوق في جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، وكذا المراهنة على تيار الإسلام السياسي بشكل عام، خاصّة أنّ هذه الأجيال تكونت لديها أفكار مشوشة عن مرحلة حكم الإخوان، وما تزامن معها وتلاها من أحداث مفصليّة في تاريخ مصر.

جدل الحراك الثوري في 30 حزيران 2013

من جانب آخر، نجح هذا العمل الفني الموثق؛ في الترسيخ لحقيقة هامّة، كثيراً ما يعمد الإخوان إلى التشكيك فيها، ألا وهي التعريف المفاهيمي لما جرى في ٣٠ حزيران (يونيو) العام 2013، وذلك من خلال التدليل المدعم بالمعطيات الدامغة، على أنّ ما حدث لم يكن انقلاباً، بل ثورة بكل معانيها، قامت بمشاركة كل أطياف الشعب المصري، بهدف الإطاحة بنظام أثبت فشله.

ولابد هنا أن نواجه حقيقة، يرفض البعض التعاطي معها، وهي أنّ الجماهير الثائرة، رغم اصطفافها، لم تكن أبداً قادرة على خلع نظام الإخوان بمفردها، دون تدخل الجيش، وهنا لابد أن نفرق بين التحرك والاستجابة، فالقوات المسلحة المصرية تحركت وفقاً لاستغاثة الشعب، وخلّصت مصر من (الاحتلال) الإخواني، وبالتالي قامت بالدور المنوط بها، بعد أن ثبت لديها بالدليل القاطع، كيف كانت الجماعة تعد خطتها للإجهاز على الوطن ومقدراته.

فاعلية القوة الناعمة واستثمار أدوات النجاح

اعتقد أنّ صناع مسلسل "الاختيار 3"، استثمروا بذكاء في كل الأدوات المتاحة، التي مكنتهم من توثيق هذه الفترة الهامة من تاريخ مصر، في عمل مضمون نجاحه من الناحية الجماهيريّة، لأسباب عديدة، ربما في مقدمتها حشد كل هذا العدد من النجوم، وكذلك تجسيد شخصية الرئيس الحالي خلال الأحداث، وهو ما يطرح من جديد عدة تساؤلات حول مدى تأثير القوة الناعمة، وحتميّة الاستثمار الوطني فيها، كيفاً وكماً.

لقد اشتبك العمل الدرامي / الوثائقي، مع منطلقات اللحظة التاريخيّة ومنحنياتها الحرجة، بمرونة وتلقائيّة فنيّة احترافيّة، فتجاوز التأثير قدرة ألف معول تسعى نحو هدم أيديولوجيا التطرف والإرهاب

لقد اشتبك العمل الدرامي / الوثائقي، مع منطلقات اللحظة التاريخيّة ومنحنياتها الحرجة، بمرونة وتلقائيّة فنيّة احترافيّة، فتجاوز التأثير قدرة ألف معول تسعى نحو هدم أيديولوجيا التطرف والإرهاب، حيث عرض جملة من الحقائق الموثقة، في إطار درامي ناعم، ومفعم بالحيويّة في الوقت ذاته، فيما يشبه عملية التجنيد الفعال لطاقات الإبداع، وحشدها من أجل معركة الخلاص الوطني، في لحظة تاريخيّة فارقة.

وختاماً، يبقى الفن أداة حاسمة وفعّالة؛ للتعبير عن كافة الرسائل الإيجابيّة، وإطلاق صافرات الإنذار من احتمالات تكرار السقوط في الشرك الإخواني مرة أخرى، لتبقى الحقيقة دائماً ساطعة كشمس الصيف، تذيب بحرارتها سحب الزيف، وغيوم الأكاذيب.

*فنانة تشكيلية- كاتبة وإعلامية مصرية

مواضيع ذات صلة:

- "الاختيار٣".. الإخوان يهربون من الحقائق والتغطية على فشلهم ودسائسهم بالسخرية

- ما هي الفرقة 95 التي ورد اسمها في "الاختيار3"؟

- "الاختيار": موسم آلام "الإخوان"