مشروع قانون ينتزع من الأم حضانة ابنها يُقسّم المجتمع العراقي.. ما علاقة إيران؟

مشروع قانون ينتزع من الأم حضانة ابنها يُقسّم المجتمع العراقي.. ما علاقة إيران؟


07/07/2021

أثار مشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وتحت قبة البرلمان، خصوصاً بعد إعلان مجموعة من أعضاء مجلس النواب وقوفهم ضد تمرير هذا التعديل، الذي يتعلّق بحق حضانة الأطفال بالنسبة للأزواج المطلّقين، وحق الزوجة بعد الانفصال وتفاصيل أخرى اعتُبرت منتقصة من حقوق المرأة ومتحيّزة للرجل فيما يتعلّق بالخلافات العائلية.

ينصّ قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188/ لعام 1959 على منح حق الحضانة إلى الأم استناداً إلى نص المادة (57) فقرة 1 والتي نصّت على أنّ الأم أحق بحضانة الطفل وتربيته

ويأتي هذا الجدل لكون تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي سيقضي بحضانة الطفل للأب، وهو ما يدفع إلى استغلال الأطفال في الخلافات الأسرية، ويزيد من حالات الطلاق في البلاد، وفق مشرّعين.

بينما ينص قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188/ لعام 1959 على "منح حق الحضانة إلى الأم استناداً إلى نص المادة (57) فقرة 1 والتي نصت على أنّ (الأم أحق بحضانة الولد وتربيته)".

انقسام في المجتمع العراقي

وبناء على المجريات التي يتم تداولها في البرلمان وبين القوى السياسية العراقية، فإنّ المجتمع العراقي انقسم بين تيارات تدافع عن تعديلات، تنتمي بالذات إلى الطبقات المحافظة من الرجال، وبين قوى المجتمع المدني والطبقات الوسطى، التي تعتبر بأنّ المادة المذكورة هي أساس الاستقرار والعلاقات العائلية ضمن المجتمع العراقي.

المجتمع العراقي انقسم بين تيارات تدافع عن التعديلات وبين قوى تعتبر بأنّ المادة المذكورة هي أساس استقرار العائلات

وينص التعديل الجديد على أنّ "الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية والفرقة حتى يتم السابعة من عمره ما لم يتضرر المحضون من ذلك"، فيما لم يرد في أصل المادة من القانون عبارة "حتى يتم السابعة من عمره" ما عرضه لانتقادات واسعة من قبل المنظمات النسوية والمدافعين عن الأسرة والطفل وعن أحقية بقاء حضانة الأطفال بيد الأم لحين بلوغهم السن القانونية.

وتعطي المادة المعدلة، في حال أتم الطفل المحضون السابعة من عمره، وكان أبوه متوفى أو مفقوداً أو فقد أحد شروط الحضانة، الحق إلى "الجد الصحيح"، ثم إلى أمه ما دامت محتفظة بشروط الحضانة، ومنها أهليتها على المستويين؛ المادي والعقلي، وعدم زواجها مرة أخرى، من دون أن يكون لأقاربها من النساء أو الرجال حق منازعتها فيه لحين بلوغ الولد أو البنت سن الرشد.

تعترف اللجنة القانونية في البرلمان، بصعوبة تمرير التعديل الجديد نتيجة الاعتراضات والخلافات القائمة بين كتله السياسية

ويشرح الباحث والكاتب العراقي أنور ياسين خوجة خلال حديث له مع "سكاي نيوز عربية" طبيعة الانقسام الداخلي في البرلمان حول الموضوع، بالقول "صحيح أنه ثمة قوى ومنظمات وشخصيات ثقافية ومن المجتمع المدني، تمارس كل أشكال الضغط على البرلمان لمنع التعديلات، إلا أن التوازن والصراع الحقيقي هو داخل قبة البرلمان، بين قواه السياسية المنظمة".

وتابع: " تدفع الأحزاب الإسلامية بأغلبيتها المُطلقة لإقرار التعديلات. في المقابل، مجموع المُعترضين على إمكانية إقرار التعديلات لا تصل حتى إلى ثُلث أعضاء البرلمان".

وليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها قوى البرلمان العراقي لتعديل قانون الأحوال الشخصية أو مواد منها؛ إذ سبق أن عُرض قانون جديد للأحوال الشخصية في العام 2006، لكنه رُفض وقتئذ، لعدم قدرته على الحصول على توافق "طائفي". إلى أن عاد تجمّع من القوى السياسية العراقية برئاسة حزب الفضيلة إلى عرض قانون "الأحوال المدنية الجعفرية" في العام 2013، ولم يتم تشريعه بسبب الأوضاع الأمنية، وخلال العام 2018 قدّم النائب حامد الخضري قانوناً مشابهاً، لم يُقر، وكذلك رُفض قانون منظمات المجتمع المدني العراقية الذي طُرح خلال العام 2020.

وتعترف اللجنة القانونية في البرلمان، بصعوبة تمرير التعديل الجديد نتيجة الاعتراضات والخلافات القائمة بين كتله السياسية، وقال عضو اللجنة سليم همزة، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إنّ "القانون وتحديداً المادة 57 يمرّ بجدل كبير تحت قبة البرلمان، والخلافات عليها بين النائبات والنواب مستمرة حتى الآن وإصرار بعض الكتل السياسية على منع الأم أحقية حضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك". 

دشّن ناشطون حقوقيون عراقيون حملة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، لرفض مشروع تعديل القانون

واستبعد همزة "تمرير القانون في الدورة الحالية نتيجة لقرب الانتخابات في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وصعوبة انعقاد جلسات المجلس، والبرلمان يحتاج إلى وقت طويل لتمرير قانون الأحوال الشخصية بسبب الخلافات المحتدمة بين النواب حول أحقية حضانة الأطفال".

ولفت همزة إلى أنّ "الرجال ظلموا في القانون السابق فيما يخص مشاهدة أبنائهم بعد انفصالهم عن زوجاتهم، فهم لا يرونهم إلا ساعتين لكل 30 يوماً وهو أمر مجحف بحقهم لكون الأولاد من حق الأب والأم معاً، والقانون الجديد سيضمن حق المشاهدة للطرفين بصورة منصفة وعادلة".

بدوره، يرى القاضي المتقاعد رحيم العكيلي أنّ "مشروع تعديل المادة 57 أحوال شخصية، يجعل الحضانة للأم غير المتزوجة قبل السابعة، ليس لأنّها الأفضل لكن لأنّها أم، ويجعلها للأب أو الجد الصحيح بعد السابعة ليس لأنّهما أفضل بل لأنهما أب أو جد".

ويضيف العكيلي أنّ "المعيار الدولي والممارسات الفضلى حول العالم تساوي بين الأبوين في حضانة الصغير، في ضوء مصلحة الصغير، فأما حضانة تناوبية بين الأبوين، فإذا تعذّر ذلك لأي سبب؛ فتكون لأفضل الأبوين في ضوء مصلحة الأطفال على أن يزور الأب الآخر الأطفال أو يصطحبهم في أيام العطل"، وفق ما أوردت صحيفة "الشرق الأوسط".

جدل على مواقع التواصل

ودشّن ناشطون حقوقيون عراقيون على حملة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، لرفض مشروع تعديل القانون.

وقال الصحفي العراقي سيف الهيتي، في تغريدة نشرها عبر موقع تويتر، إنّ "المادة الجديدة المقترحة لتعديل قانون الأحوال الشخصية متحيّزة تماماً، بشكل لا يصدق! وإلا كيف يمكن أن ينازع الجد الأم في تربيتها لابنها؟ وكيف يسمح للأب بالحضانة في حال زواجه بينما تُمنع الأم من هذا الحق؟! هذا القانون يعيدنا إلى القرون الوسطى".

وشنّت المطربة العراقية شذى حسون هجوماً عنيفاً على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية الجديد في العراق، والذي يناقشه البرلمان تمهيداً للتصويت عليه وإقراره خلال الأيام المقبلة.

وقالت حسون إنّ القانون الجديد فيه إجحاف كبير للمرأة "لأنّه يحرم الأم من حضانة ابنها الذي سهرت عليه الليالي متحملة كل التعب والألم".

المشكلة في محاولة قوى سياسية ودينية فرض نمط من الأفكار والممارسات والعادات الدينية والاجتماعية، تقليداً للنموذج الإيراني

وأضافت في تغريدة أنّ الأب يأتي في سن الـ 7 أعوام ويأخذ ابنه، والأدهى أنّه في حالة وفاة الأب تنتقل الحضانة إلى الجد والد الأب، حتى لو كان عمره 90 عاماً.

ووصفت حسون مقترح التعديلات الجديدة بأنّه يعتدي على قيم الأمومة، متعجبة من أنّ مشروع التعديل يسقط حضانة الطفل عن الأم التي تتزوج بعد طلاقها، ويهبه للأب حتى لو كان متزوجاً.

على خطى إيران!

ويتفق العديد من المشرعين والمواطنين على أنّ المشكلة في العراق ليست في إصدار قوانين لحفظ حريات المجتمع وأفراده وتنظيم أوضاع الأسرة وعلاقات أفرادها في ما بينهم، وإنما المشكلة في محاولة قوى سياسية ودينية فرض نمط من الأفكار والممارسات والعادات الدينية والاجتماعية، تقليداً للنموذج الإيراني، إضافة إلى استغلال بعض القوى السياسية رفض القانون لأغراض الكسب السياسي بين جمهورها.

وتأتي هذه التعديلات في وقت تنتظر فيه العراقيات المصادقة على قانون العنف الأسري الذي أقر من قبل مجلس الوزراء وتم رفعه إلى مجلس النواب العراقي للمصادقة عليه. ويستهدف القانون حماية الشرائح الضعيفة في المجتمع مثل الأطفال والنساء، علماً بأن العراق تسوده المفاهيم القبلية ويوصف بأنّه "مجتمع ذكوري".

تأتي هذه التعديلات في وقت تنتظر فيه العراقيات المصادقة على قانون العنف الأسري الذي أُقِر من قبل مجلس الوزراء وتم رفعه إلى مجلس النواب العراقي للمصادقة عليه

وتعجز السلطات العراقية عن سن قوانين من أجل حماية المرأة والطفل، ويقول الناشطون العراقيون إنّ العديد من الأحزاب السياسية الدينية في البلاد تقف دون تمرير قانون "العنف الأسري".

ويواجه القانون اعتراضاً من قبل التيارات الإسلامية المتحكمة في العملية السياسية منذ عام 2003 التي ترى أنّ إقرار القانون لا يتماشى مع الإسلام، بل هو "نسخة من قوانين غربية تُشجّع الفتاة على التمرّد"، وذلك لوجود بنود في القانون تتيح للفتاة أو المرأة الحصول على راتب يعينها في إكمال حياتها واستقلاليتها وتوفير مأوى لها، وفق ما أورد موقع "العرب اللندنية".

وتؤكد ناشطات عراقيات أنّ الإسراع في تشريع قانون المرأة والطفل يمكنه أن يعمل على حماية الأسرة، ولا بُدّ من أن يكون من أولويات عمل مجلس النواب.

وتعكس الأخبار المتلاحقة عن انتشار جرائم العنف داخل العائلات، التي تتناولها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تدهوراً خطيراً في المجتمع العراقي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية