مصرف يرأسه الصديق الكبير يبدّد 67 مليون دولار.. هل ما خفي أعظم؟

مصرف يرأسه الصديق الكبير يبدّد 67 مليون دولار.. هل ما خفي أعظم؟


18/08/2020

فيما أظهرت البيانات المالية لمجموعة بنك المؤسسة العربية المصرفية ABC المتداولة أسهمها في بورصة البحرين، الذي يترأسه محافظ مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، الصديق عمر الكبير، الخسائر الصافية الموحدة العائدة إلى مساهمي الشركة الأم بــ67 مليون دولار في النصف الأول من العام الجاري، سلّط الكثير من وسائل الإعلام الضوء على فشل سياسات الصديق الكبير، في ظلّ عدم محاسبته من حكومة الوفاق والأجهزة الرقابية الليبية.

 الصديق يتذرّع بأزمة كورونا دون ذكر حوادث الاحتيال في المصرف وشبهات الفساد في الاعتمادات المستندية

وقد خرج البنك، الذي استحوذ مصرف ليبيا المركزي العام 2010 على أسهم جهاز أبو ظبي للاستثمار في بنك ABC والبالغة نسبتها 17.72%، ممّا رفع مساهمة ليبيا في البنك إلى نسبة 59.37%، من مجموع أسهمه، خرج ببيان جاء في نصّه ما يرجع أو يبرر الخسائر بما وصفه بمواجهة أوضاع متاجرة غير مسبوقة، شكّلت تحدياً كبيراً جداً خلال النصف الأول من العام 2020، مشيراً إلى أنّ المصرف "بدأ هذا العام بأداء جيد متمتع بميزانية عامة قوية ومجموعة من الصفقات المنتظرة، ومواصلة عملية التحّول لرقمنة وتطوير الأعمال المصرفية بالجملة"، ثمّ يعدّد البيان ما عناه بمواجهة الظروف غير العادية، مورداً أحداث النصف الأوّل من العام، وهي "جائحة كوفيد-19، وانهيار أسعار النفط، وما ترتب عليه من ضغوط في الأسواق"، واصفاً أنّ تلك العوامل كانت قوية لاجتماعها في وقت واحد.

بلغت الخسائر الصافية الموحدة العائدة إلى مساهمي الشركة الأم 67 مليون دولار في النصف الأول من العام الجاري

ولأنّ البيان لا بدّ أن يقدّم التطمين والتفاؤل، فقد قال: إنّ البنك، خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، سوف يواصل إعطاء الأولوية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الربحية، وفي الوقت ذاته احتواء مخصّصات خسائر الائتمان المتوقعة التي كانت العامل الأكبر الذي أثر على النتائج.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد.. عندما تديره الميليشيات

وأعقب الموقع الرسمي للمصرف البيان بتصريح لرئيسه، متحدثاً فيه عن الخسارة، مرجعاً ذلك إلى الظرف غير الطبيعي، وفق قوله، نتج عنه وضع مخصّصات كبيرة لخسائر ائتمان متوقعة، كان جزء كبير منها يخصّ عملية احتيال ضخمة من عميل واحد، لكنّ الكبير وبيان المصرف لم يدخل في تفاصيل إفصاح أبعد من هذا الحد. 

تصريح الكبير كان مقتضباً، وبدل أن يستفيض حول ما حدث من عملية احتيال كجانب إفصاحي مهم للعملاء والمراقبين، سواء أكانوا مستثمرين أو إعلاميين، اكتفى بإشارات عابرة شديدة الاختصار، وهي دائماً طريقته في التعاطي الإعلامي .

 مراقبون أكدوا أنّ سياسة الصديق ستؤدي في النهاية إلى إفلاس المصرف المركزي الليبي

غير أنّ الأهمّ هو الاعتمادات المستندية التي تُفتح عن طريق بنك ABC كبنك وسيط، وفق ما تؤكّد مصادر مطلعة لصحيفة "بوابة أفريقيا"، وهو مؤشر واضح على شبهات الفساد الكبيرة التي تُرتكب باعتماد من الصديق الكبير.    

وسائل إعلام ليبية سلّطت الكثير من الضوء على ممارسات الصديق الكبير الأخيرة، خاصة بعد الحرب، التي شنّها الجيش الليبي لتحرير العاصمة طرابلس من قبضة ميليشيات الوفاق والإخوان المسلمين، معتبرة أنه يهدر المال العام لتحقيق مكتسبات سياسية ولإرضاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ساهم بمرتزقته في صد الجيش الوطني الليبي.

ونقل موقع "الساعة 24" الليبي عن مصدر أمني أنّ "حكومة الوفاق" فوّضت محافظ البنك المركزي في طرابلس مطلع شهر تموز (يوليو) الماضي بتحويل الديون المتراكمة عليهم لصالح تركيا، وذلك عقب زيارة وزير الخارجية ورئيس المخابرات ووزير المالية إلى طرابلس قبل ذلك أيام قليلة.

وكشف الموقع أنّ الديون المتأخرة تشمل سداد الصفقة المتعلقة بالطائرات المسيرة بكلّ أنواعها.

وفي حزيران (يونيو) الماضي أثارت زيارة محافظ مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، تركيا التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، الكثير من التساؤلات حول أهدافها والملفات التي سيتمّ بحثها فيها، وإلى أيّ مدى ترتبط بمسألة إلغاء المصرف التركي المركزي خطابات الضمان الصادرة لصالح المصارف الليبية؟ وما المستحقات المالية المترتبة على ليبيا بعد الاتفاقيات التي أبرمت مع الشركات التركية خلال الأعوام الماضية، والتي قدّرت بنحو 120 مليار دولار؟

اقرأ أيضاً: بيانات رسمية تدحض تصريحات أردوغان حول الاقتصاد التركي... كم بلغ عجز الموازنة؟

وكان المصرف التركي المركزي قد أقدم خلال الربع الأول من شهر حزيران (يوينو) الماضي على خطوة اقتصادية جديدة نحو ليبيا، تمثلت بإلغاء خطابات الضمان المصرفية الصادرة لصالح المصارف الليبية المخالفة لكل القوانين والقواعد الدولية والمحلية المنظمة لهذا الشأن، وفق صحيفة "المرصد" الليبية، التي تحصّلت على عدد من المراسلات بين المصارف التركية والمؤسسات الليبية تفيد بهذا الإجراء المخالف للقوانين، وبأنّها جريمة مالية متكاملة الأركان، ارتكبها البنك المركزي التركي في حق البنوك الليبية من خلال إلغاء جميع خطابات الضمان البنكية الصادرة لصالحها وتحميلها قيمة كلّ هذه الخطابات وإخراج المصارف التركية من هذه المسؤولية رغم أنها ملزمة أيضاً.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ "هذا الإجراء سيترتب عليه إفلاس المصارف الليبية؛ لأنّ قيمة هذه الخطابات بالمليارات، وقد استلمت المصارف إخطاراً يفيد بإلغاء قيمة الخطابات المصرفية الصادرة لصالحها".

اقرأ أيضاً: "فايننشال تايمز": أردوغان يقامر باقتصاد تركيا

وكشفت الصحيفة أنّ المصارف الليبية، وبعد تلقيها الإخطار من البنك المركزي التركي، أخطرت مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوفاق بقيادة فائز السراج، ولم يحرّك الطرفان ساكناً حتى اليوم دون أيّ مبرر، رغم أنّ فصول هذه القضية قد بدأت قبل 6 أشهر.

وخطاب الضمان هو عبارة عن تعهد من (مصرف) بأن يسدّد للمنتفع بالضمان مبلغاً متفقاً عليه، ليتم تقديمه إلى جهة الطلب أو جهة المشروع (المنتفع) في حال فشل العميل أو تأخره في الوفاء بالتزاماته بموجب أحكام وشروط العقد أو الاتفاقية المبرمة مع المنتفع.

وتعني هذه الحالة أنّ المصارف الليبية باتت ملزمة وحدها بدفع قيمة خطابات الضمان لعدّة جهات ليبية، منها جهاز الإسكان الليبي وغيره، نظير المشاريع التركية المتوقفة منذ العام 2011 لظروف قاهرة نتيجة قرار دولي أدخل البلاد في مشكلة لا تتحمل مسؤوليتها.

هذا إلى جانب المبالغ الطائلة التي يدفعها المصرف المركزي بطرابلس، بتوقيع من الصديق الكبير، كرواتب للميليشيات ولمرتزقة أردوغان، والمكافآت أيضاً التي تمنح للخبراء العسكريين والضباط الأتراك، والتي تقدّر بمئات الآلاف من الدولارات.

اقرأ أيضاً: خبراء: 3 أزمات جديدة تحاصر اقتصاد لبنان بعد انفجار بيروت

ولم تغفل المؤسسات الإعلامية عن الاتفاقية التي وقعتها ليبيا برعاية الصديق الكبير مع إحدى الشركات التركية التي تعود ملكيتها لأحد أصدقاء أردوغان، والتي تتعلق بمنح حقّ إدارة الجمارك لتلك الشركة، على الرغم من أنّ الجمارك من أهمّ المؤسسات الحيوية التي تثري خزينة الدولة.

مصادر كثيرة ومراقبون أكدوا في تصريح خاص لـ"حفريات" أنّ سياسة الصديق الكبير المالية، وتعامله مع الأموال الليبية كأنها ملكية خاصّة، سوف تؤدّي في النهاية إلى الإضرار بشكل كبير باحتياطي العملات الصعبة، وسوف تدفع المصرف إلى الإفلاس، في ظلّ المستحقات المالية التي تدفع لتركيا بدل الأسلحة التي تنقل من تركيا إلى ليبيا.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد التركي على بعد خطوة واحدة فقط من الكارثة

ومنذ 5 أعوام لم يعد الصديق الكبير، وفقاً للقانون، محافظاً لمصرف ليبيا المركزي، لانتهاء المدّة القانونية لشغل المهام.

وبرغم تعيين مجلس النواب لمحمد الشكري محافظاً للمركزي، إلّا أنّ الكبير لم يتزحزح من منصبه، متحجّجاً بأنّ انتخاب الشكري في البرلمان مخالف لبنود الاتفاق السياسي، وبذلك يمارس سلطاته بالأمر الواقع بحماية الميليشيات المنتفعة منه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية