مصر تواجه "الإخوان"... والزيادة السكانية

مصر تواجه "الإخوان"... والزيادة السكانية


28/09/2021

محمد صلاح

من المعروف أن مصر تعاني مشكلة سكانية منذ زمن بعيد، وأن الزيادة المضطردة في أعداد السكان تؤثر في جهود التنمية وتقلّل من معدلات الفائدة منها وتتسبب في أزمات أخرى أولها انتشار العشوائيات وآخرها ارتفاع الأسعار وبينهما معضلات اقتصادية ضخمة ومشاكل حياتية يومية. وقد فشلت الحكومات المتعاقبة على مدى عقود في التعاطي مع الأمر، وأفضت مشاريع تنظيم الأسرة دائماً الى نهايات مأساوية وخسائر لا حصر لها وإحباطات من دون حدود.

عادت القضية من جديد الى واجهة الأحداث بعدما رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اثناء مؤتمر جماهيري الأسبوع الماضي اقتراحاً بإلغاء الدعم للمولود الثالث وتساءل: "وما ذنب هذا الطفل وحرمانه من حقه في العيش الكريم". لكن السيسي أكد مراراً ضرورة حل المعضلة من دون اللجوء الى قرارات صادمة، وإذا قادتك الظروف لتسير في شارع صلاح سالم الشهير المزدحم دائماً، والذي يقسّم العاصمة المصرية، ستقف حتماً أمام لوحة إعلانية كبيرة مثبتة فوق مقر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تُظهر العدد الذي وصل إليه المصريون، وقبل أن تتحرك بسيارتك، إذا كنت سعيد الحظ ولم تقف طويلاً، ستجد أن العدد زاد آلافاً عدة خلال تلك الدقائق التي أمضيتها أمام اللوحة ذات الأرقام المتحركة. نعم معدل النمو السكاني في مصر كبير وسريع، أو قل رهيباً، ولم تستطع أي حكومة أو نظام أن يحدّ من سرعته، ولذلك يضيع دائماً عائد التنمية ويتآكل أمام الأعداد الهائلة التي تتدفق في المجتمع كل يوم وتحتاج إلى مأكل وملبس ووظائف وخدمات وعلاج وترفيه، والمحصلة العامة طوابير في كل مكان.

ولذلك ليست مفاجأة تلك الأرقام المذهلة التي يعلنها كل فترة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والتي تشير إلى أن المصريين تجاوزوا المئة مليون بينما تستضيف مصر أكثر من عشرة ملايين من المواطنيين العرب.

ويستخدم "الإخوان المسلمون"، ومن يحترمونهم، والجهات الداعمة للجماعة مشاهد ازدحام المصريين ووقوفهم "طوابير" لشراء سلعة أو الحصول على خدمة لمعايرة المصريين والسخرية منهم، لأنهم "أطاحوا حكم الجماعة". دعك هنا من أن الكلام يصدر عن أشخاص كثيراً ما وقفوا بالساعات في طوابير طويلة وممتدة كي يُقبّلوا يد مرشدهم أو لينالوا "البركة" بلمسة من يديه، ولاحظ الجهل بأحوال مصر وطباع الشعب المصري نفسه. صحيح أن الإعلام الغربي يهتم غالباً ويصدق دائماً ما يروج له "الإخوان" إلى درجة مثيرة للضحك أحياناً، وحقيقة أن بعض المثقفين والمحللين العرب من غير "الإخوان" يسيرون في الركب من دون أن يكون لديهم إلمام بتفاصيل ما يجري في مصر، وبعضهم لم يزر مصر من بعد إسقاط حكم "الإخوان" ويكتفون بمطالعة ما يُنشر ورؤية ما تعرضه قنوات "الإخوان"، وأغراضها معروفة وأهدافها معلنة، لكن الأهم أن حملات التشوية كتلك لن تعيد "الإخوان" إلى الحكم، كما أن المصريين يبدون وكأنهم يعتبرون وقوفهم في طوابير "أسلوب حياة" لأنهم كما يقفون أحياناً في صفوف طويلة للحصول على سلعة مدعومة أو خدمة حكومية يقفون في طوابير أمام محال تبيع أحدث أجهزة الهواتف، أو للحصول على بطاقة لدخول صالة سينما، أو للاحتشاد خلف شاشات أجهزة الكومبيوتر للرد على حملات "الإخوان"، أو لإظهار دعمهم للدولة إذا ما شعروا أن أحداً أساء إليها!

لا توجد ساعة ذروة للمرور في مصر كما الحال في دول أخرى تصطف فيها السيارات أمام الإشارات في وقت مبكر من الصباح أثناء ذهاب الموظفين والعمال إلى أعمالهم والتلامذة والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، أو بعد الظهيرة أثناء عودتهم إلى منازلهم، أو مع بداية المساء أثناء خروج الناس للتنزه، أو عند منتصف الليل عند عودتهم إلى بيوتهم. شوارع مصر وميادينها دائماً في حالة ذروة ولا ينطبق عليها ما يسري على غيرها من الدول. أكثر من مئة مليون يعيشون في موازاة النيل، يتكدس بعضهم في مواقع العمل الحكومية أو أمام نوافذ المصالح الرسمية وكذلك في الأندية وداخل الفنادق وحولها وعلى المقاهي وفي الأرصفة. كل سلعة تباع في مصر تجد من يشتريها من السكر إلى هاتف آيفون، ومن شقق مشاريع الإسكان الاجتماعي إلى فيلات المنتجعات حول القاهرة وقرى الساحل الشمالي، حتى أن المدن الجديدة كالعلمين والجلالة والعاصمة الإدارية الجديدة تجد اقبالاً.

القضية مطروحة لكن حلها يحتاج الى وقت لكونها مرتبطة بموروثات وقناعات اجتماعية وربما دينية أيضاً ورغم أن المصريين اعتادوا على الأجواء التي أفرزتها القضية السكانية ويتعاملون معها باعتبارها جزءاً من تراثهم أو قل ثمناً لمواقف تبنوها وصمدوا من أجل الدفاع عنها، وأولها صمودهم في وجه "الإخوان" والدول والجهات الداعمة لتلك الجماعة وحفاظهم على بلدهم ونجاته من جحيم ربيع أطاح دولاً لم يعد الناس فيها يتزاحمون لشراء سلعة، أو الحصول على خدمة، وإنما يقفون طوابير طويلة لينالوا وجبات ألقيت إليهم من طائرات إغاثة أو لحجز مكان في خيمة مأوى!.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية