مظاهرات مصر.. ثورة على الشاشات وميادين فارغة!

مصر

مظاهرات مصر.. ثورة على الشاشات وميادين فارغة!


24/09/2019

بعد دعوة المقاول المصري محمد علي، في فيديوهاته من إسبانيا، المصريين إلى التظاهر يوم الجمعة الماضي، اتجهت الأنظار إلى شاشات الأخبار ومواقع التواصل ليفاجأ كلّ من دفعه فضول المتابعة بكمّ الأخبار المتضاربة حول "الحدث المنتظر"، لكن الملاحظ تلك الحالة غير المسبوقة من الإغراق الخبري الذي "تفرّدت" به قناة "الجزيرة" القطرية وقنوات الإخوان؛ حول "المد الثوري" ويوم الجمعة "الاستثنائي" الذي نزل فيه "آلاف المتظاهرين" إلى الشوارع، مطالبين برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي، في خطوة أعادت إلى الأذهان بدايات الحراك الشعبي في ثورة 25 يناير 2011!


المواقع الإلكترونية الإخوانية والقنوات التي تبث من تركيا، دون غيرها، فضلاً عن العديد من الصفحات بالسوشيال تحدثت عن تمكن المحتجين من الوصول إلى عدد من أبرز ميادين مصر، خصوصاً ميدان التحرير، رمز ثورة يناير، بل وتلك المظاهرات التي شملت عدداً من المحافظات المصرية، بينها؛ القاهرة والجيزة والإسكندرية والسويس والغربية والدقهلية والقليوبية وبني سويف والشرقية والغربية ودمياط، وأنّ الشعار الأبرز للمظاهرات هو "ارحل يا سيسي".

اقرأ أيضاً: بالفيديو.. محمد رمضان يتهم قناة الجزيرة بالفبركة.. هذا ما قاله
كنت منذ نصف ساعة من اطلاعي على كل الصخب، قد مررت بميدان التحرير وأنا في طريقي إلى المنزل ولم أرَ أي شيء غير طبيعي، وكانت نشرات الأخبار كالمعتاد: ترامب.. اليمن.. إيران.. إسرائيل..، لكنني لما قلّبت التلفاز، كانت مذيعة الجزيرة تقول: وقد اتسم تعاطي قوات الأمن مع المحتجين بالتفاوت، لكنه لم يكن "متوحشا" في الغالب؛ حيث إنّ الأمن المصري أطلق قنابل الغاز المدمع لتفريق مظاهرة ضد السيسي في ميدان التحرير (وسط القاهرة)، وأغلق الطرق المؤدية إلى الميدان، وقد ذكر مراقبون أنّ المظاهرات لم تصل بعد في زخمها وقوتها إلى ثورة شعبية، إلا أنّها كسرت حاجز الخوف.

اقرأ أيضاً: شاهد.. "الجزيرة" تعترف بفبركة فيديوهات عن مصر
اتصلت على الفور بأحد أصدقائي من الصحافيين لأتأكد فقال لي سمعت أنّ حوالي 100 متظاهرٍ كانوا في (ميدان الإسعاف) بوسط القاهرة لكنني لم أرَ بنفسي! ثم قمت بالاتصال بالشيخ علاء أبو الدهب، عضو الجماعة الإسلامية السابق المنشق بمحافظة المنيا، والمعارض لسياسات الرئيس، وسألته فقال لي وهو يقهقه ساخراً: لا تصدق، لم يخرج نفر واحد للتظاهر، ومن يستطيع أن يكرر تجربة 2013؟
فجأة اتصل بي أبو الدهب في الثامنة ليلاً، وقال لي: خرجت مظاهرة الآن، قوامها 20 فرداً، أعمارهم ما بين 18 إلى 26 عاماً وهم يهتفون "ارحل".. يبدو أنّ هناك أحداً وراءهم.. يبدو أنّ هناك من يرتّب لهذا الأمر، وفق قول أبو الدهب.

عبث الفيديوهات
ووسط دعوات التظاهر وتأكيدات ونفي الاحتشاد في مصر، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بما يمكن وصفه بحرب الفيديوهات بين من زعموا بدء "الثورة" ومن نفوها من الأساس؛ فقد نشرت الصفحات الإخوانية دعوات المقاول والممثل المصري محمد علي الذي عمل مع الجيش عدة سنوات- للتظاهر في الشوارع وأمام المنازل، وانتشر عدد من الفيديوهات للنشطاء على تويتر وفيسبوك من الشوارع وبعض الميادين، التي تحفز المصريين على النزول والتظاهر ، والمؤكد أنّ كل هذه الفيديوهات والصور نقلت أنّ أفراداً قليلين كانوا في الميادين!

اشتعلت مواقع التواصل بما يمكن وصفه بحرب الفيديوهات بين من زعموا بدء الثورة ومن نفوها من الأساس

الأمر كان أكبر من التركيز على مظاهرة أو مسيرة في شارع جانبي، لكنه وصل إلى خلق مئات الصفحات الوهمية لضباط من الجيش يعلنون انشقاقهم ودعواتهم للتظاهر، ويدخل موقع الجزيرة نت على الخط؛ حيث ينشر أنّ "فيديوهات منتشرة على صفحات محسوبة على السيسي توجه رسائل عكسية للجيش والشرطة".
إغراق الصحف بالفيديوهات والصور أدى إلى أن تخطئ صحف عربية ثم تقدّم اعتذارات، ومنها "القبس" الكويتية التي نشرت صورة على أنّها لتظاهرات في مصر، نقلاً عن وكالة أنباء الأناضول التركية، واتضح فيما بعد أنّ الصورة قديمة، وأُعيد استخدامها على نحو خاطئ، حتى الناشطة اليمنية توكّل كرمان دخلت على الخط وادّعت أن السيسي هرب إلى أمريكا!

الكاتب المعروف محمد الدسوقي رشدي، بصحيفة اليوم السابع، أثبت أنّ صفحات منسوبة لقيادات بالجيش تخرج من أوكرانيا، وأنّ هناك خطة ممنهجة لخلق الفوضى، ومنها صفحة منسوبة لضباط الجيش.

وبلغ الاستخفاف أنّ بعض الصفحات مثل صفحة تحت اسم (غزة الآن) تناقلت صورة لمسنّ وادعت أنّه يلقي شعراً في مظاهرات إسقاط النظام، ولم يعرفوا أنّه الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم الذي مات قبل تولّي السيسي الحكم، وأنّ الصورة قديمة جداً.

في المقابل دعا الكاتب الإخواني عبدالرحمن يوسف، أن يظل التفكير في كل السيناريوهات مطروحة، وأن تظل القوى السياسية صامتة دون صخب لفظي واستعراض وجود نخبوي بما يعطل عن الهدف الأساسي، وأن يستمر الزخم الشعبي حتى لو كان مُصطنعاً!

المواقع الإخوانية وقنوات من تركيا تحدثت دون غيرها عن تمكن المحتجين من الوصول إلى أبرز ميادين مصر

يقول أستاذ العلوم السياسية سعيد صادق في تصريح لـ "حفريات": اختر حدثاً كبيراً مثل مباراة الأهلي والزمالك، ثم أعطِ مجموعة من المشجعين الصغار نقوداً، ليتظاهروا في حارة ضيقة ويحرقوا صوراً للرئيس وصوّر بالموبايل للتذكير بصور مبارك في المحلة، لتقول الجزيرة (سقط جدار الخوف) وأسهل شيء ركوب أي ثورة أو غضب شعبي لتنفيذ أجندة أخرى.
ويبدو أنّ هذا ما حدث بالفعل؛ إذ اعترفت مذيعة الجزيرة بأنّه تم تركيب أصوات الهتافات ضد النظام على فيديوهات لمشجعي النادي الأهلي بعد فوزه بكأس السوبر في مباراته الأخيرة يوم الجمعة الماضي مع نادي الزمالك . كما أثبت نشطاء أنّه تم تركيب أصوات هتافات على مظاهرات أيام 25 يناير العام 2011، كما استغلت قناة الجزيرة فرحة جماهير النادي الأهلي بالفوز لتقوم بتركيب أصوات عليها ضد النظام المصري، وباتت المقاطع الصوتية والمصورة محل تساؤل وموضع اختبار في ظل تكاثر عمليات التزييف والتضليل.

‫‫ ما الذي يجري؟‬‬‬‬‬‬
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، د.طارق فهمي: تتقاطع الأهداف لجهات معادية خارجية لمصر في الوقت الراهن مع تحركات موجهة لشخصيات جرى إعدادها، وأخرى دخلت على الخط لإيجاد دور لها استثماراً للمشهد، وتقف جماعة الإخوان المسلمين متربّصة، وانتظاراً لسيناريو يجري إعداده عبر عناصر تم اختيارها بدقة لتنفيذ المهام العاجلة وخلق حالة من الفوضى.

اعترفت مذيعة الجزيرة بتركيب أصوات الهتافات ضد النظام على فيديوهات لمشجعي النادي الأهلي بعد فوزه بكأس السوبر

ويضيف فهمي، في حديثه لـ"حفريات"، والهدف التكتيكي البدء في إنهاك الأجهزة الأمنية أسبوعياً، وهو مخطط قديم يعاد تدوير عناصره مع توحيد الهدف الاستراتيجي (إيجاد حالة عامة من الارتباك والتأكيد على وجود حالة الثورة المقابلة)، ولدفع المجتمع للانقسام مجدداً بين مؤيد ومعارض، وتكريس حالة من الإعلام الموجه والمعادي مع التركيز على تصاعد الأحداث عبر قنوات إعلامية مضللة (حملة الجزيرة)، وهي تختلف تماماً عن حملات قنوات تركيا من حيث الوسيلة، لكنها تتفق في المضمون، ثم قياس ردود الفعل على موقعي الفيس وتويتر للتأكيد على الهدف مع اختيار توقيتات محددة قادمة للاستمرار في إشاعة الفوضى.. إنّ هناك وجوهاً تخطّط وتدبّر وتنظّم، وليس ما جرى في بعض المناطق بدون رأس، ومجرد أمر مرتبط بدعوة هارب خارج الوطن.
من جهته، يذهب الكاتب الصحافي، نبيل عمر إلى أنّ الأمر أكبر من ذلك، فيقول في تصريح لـ "حفريات": إنه في شهر تموز (يوليو) الماضي ظهر خبر صغير، لم يلتفت إليه كثيرون، في موقع "ديبكا" العسكري الإسرائيلي عن توتر شديد بين القاهرة وتل أبيب بعد نشر بطاريات صواريخ (سبايدر SPYDER-MR الإسرائيلية) حول موقع سد النهضة، ونتيجة المفاوضات لو بحثت عنها بنفسك، ودقّقت في التواريخ ستعرف بالضبط توقيت ظهور "المقاول والممثل محمد علي" قبل يوم واحد من توزيع وزارة الخارجية المصرية مذكرة على الأعضاء الدبلوماسيين بمحتوى المفاوضات مع إثيوبيا ونتيجتها، ثم في يوم الجمعة الذي قالت عنه قناة الجزيرة إنه ثورة جديدة في مصر، أعلنت إثيوبيا أنّها لن تتفاوض مع مصر حول سد النهضة، وفجأة يظهر من يطلق عليهم النشطاء، ويتطور الأمر مع الممثل الهارب لإسبانيا محمد علي، فبعدما كان يطالب بمستحقاته، طالب بثورة وإسقاط النظام، وفجأة يتلقفه الإخوان وقنواتهم من تركيا في حماس شديد، ويدافعون عنه ويطلقون عليه لقب (بطل شعبي).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية