معارض القذافي الذي احترف الإرهاب ونشره في أفريقيا

معارض القذافي الذي احترف الإرهاب ونشره في أفريقيا


28/06/2020

تسعة أعوام هي عمر الصراع المتفجر في ليبيا، والذي قام على سواعد دول داعمة للإرهاب، وحركات إرهابية مسلحة، تنفق عليها تلك الدول بسخاء، بينما كانت النبتة الأولى لتلك الحركات أشخاص كانوا البؤرة الأولى لتفشي الإرهاب في العديد من المناطق، ومن ليبيا تحديداً قادت هذا الحراك الإرهابي الضخم وجوه بارزة، في مقدمتها، أبو أنس الليبي، الذي وافته المنية في الثاني من كانون الثاني (يناير) عام 2015، وقضى نحبه في نيويورك، بعد أن أفنى عمره في احتراف الإرهاب وقتل الأبرياء، في أفريقيا بأكملها.

أبو أنس الليبي

من الهندسة إلى المهلكة

في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2013، وبعد غارات كثيفة، ألقت قوات الكوماندوز الأمريكية القبض على أحد قادة القاعدة الهاربين في ليبيا، خلال عملية القوات الخاصة الأمريكية في العاصمة الليبية، طرابلس، اعتقلت فيها نزيه عبد الحميد الرقعي، المعروف باسمه المستعار "أبو أنس الليبي"، الذي عرض مكتب التحقيقات الفيدرالي 5 ملايين دولار للقبض عليه، لدوره في تفجيرات عام 1998، التي استهدفت سفارات الولايات المتحدة في أفريقيا، وبحسب وصف المسؤولين في الولايات المتحدة؛ فإنّ "أبو أنس الليبي" يعدّ أكبر جائزة حصدتها القوات الأمريكية، ولا يضاهيها سوى أسامة بن لادن، وأكدوا وقتها أنّه على قيد الحياة وفي حجز داخل الولايات المتحدة، وبعد أيام قليلة من اعتقاله، تظاهر عدد من أفراد الجماعة الإرهابية المسلحة في ليبيا، رافعين الألوية السوداء لتنظيم داعش، إلى جانب صور أسامة بن لادن و"أبو أنس"، وقاموا باختطاف رئيس الوزراء الليبي وقتها، علي زيدان؛ إذ اتهموه بالتواطؤ مع الأمريكيين لاعتقال أحد أبرز زعمائهم، إلّا أنّ زيدان نفى تلك الاتهامات، وتمّ الإفراج عنه بعد ساعات من الاختطاف.

سرد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي العديد من الأسماء المستعارة لـ "أبو أنس"، منها أنس السباعي ونزيه الراجحي

وفي كتابه "خريف الثورة"، الصادر عام 2005، أعقبه بإصدار ثانٍ عام 2014، أورد الباحث والكاتب أحمد المسلماني اسم أبو أنس الليبي، ضمن قائمة أهم الإرهابيين المتمركزين في ليبيا، والذين يقودون البلاد إلى حافة الهاوية، ويحملون لواء التقسيم للبلاد، معللاً بأنّ مثل هذه الحركات، هي ميراث القذافي الثقيل، الذي لا يعلم متى ستتخلص منه ليبيا.

غلاف الكتاب

 كان الليبي، الذي درس الهندسة النووية في جامعة طرابلس، أحد أبرز معارضي نظام العقيد الراحل معمر القذافي، الذي انضمّ إلى جماعة المقاتلين الذي خرجوا بدعوى الانقلاب على القذافي في التسعينيات، وبعد أن تمّت السيطرة على حركتهم التمردية، هرب برفقة العديد إلى السودان؛ حيث استتبّ الأمر لحكم الإخوان المسلمين هناك، ومنها نشر إرهابه لدول أفريقيا جنوب الصحراء، فكان أحد العقول المدبرة لتفجير السفارة الأمريكية في كلّ من كينيا وتنزانيا، عام 1998، والتي راح ضحيتها 224 شخص، إضافة لأكثر من 4 الآف جريح، ولم يكن الليبي الوحيد في تلك العملية؛ إذ كان "أبو عبد الله الليبي"، بحسب ما ذكر كتاب "حروب المليشيات: ليبيا ما بعد القذافي"، للكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي "عبد الستار حتيتة".  

الميليشيات تلتهم ليبيا

كان السودان أولى محطات التحاقه بالقاعدة التي أصبح أحد أبرز نجومها، ثمّ هاجر إلى أفغانستان، بعد أن اضطرب وضع أسامة بن لادن، ومكث هناك حتى ازدادت الأوضاع تعقيداً، ثمّ منح حقّ اللجوء في بريطانيا بمنتصف التسعينيات في ظروف غامضة، بحسب ما أشارت جريدة "الغارديان"، وهو ما زاد الشكوك في حماية بريطانيا وإيوائها لإرهابيين من القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، لكن بعد أعوام قليلة من وجوده في مانشستر، التي استقرّ بها، ألقت قوات الأمن القبض عليه، بعد العثور على عدة كتيبات تدريبية خاصة بالإرهابيين.

اقرأ أيضاً: أرض جديدة للجهاد.. ماذا سيثمر التدخل التركي في ليبيا؟

 وعام 1999؛ خرج هارباً من بريطانيا، بعد أن تمّ الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة، وأوضح ضابط المخابرات الأمريكية السابق، مالكوم فانس، لشبكة "CNN"، بعد اعتقال الليبي؛ أنّ اعتقاله يعدّ انتصاراً جديداً للولايات المتحدة، على الإرهاب الدولي الذي يحاصر العالم أجمع، وأوضح أيضاً أنّ الإرهابي كان متخصصاً في تقنيات الكمبيوتر مع القاعدة، وبعد ذلك كان قائداً قتالياً تنفيذياً في أفغانستان وباكستان.

كان أبو أنس الليبي، الذي درس الهندسة النووية في جامعة طرابلس، أحد أبرز معارضي نظام العقيد الراحل معمر القذافي

وأضاف فانس؛ أنّه كان من المهم جداً عودته إلى ليبيا؛ إذ يبدو أنّه على ارتباط كبير واسع النطاق بجميع تنظيمات القاعدة في شمال أفريقيا، وقدّم الليبي إلى محكمة اتحادية في نيويورك، مطالباً ببراءته من تهم الإرهاب، في وقت لاحق من تشرين الأول (أكتوبر) 2013، وكان من المقرر أن يحاكم في المدينة، في الثاني عشر من كانون الثاني (ديسمبر) 2015، لكنّ صحة السيد الليبي تدهورت بسرعة في الأسابيع التي سبقت جلسة الاستماع، وتوفَّى في المستشفى، في الثاني من كانون الثاني  (يناير)، بعد معاناته مع سرطان الكبد، وقد استجوب مسؤولو المخابرات السيد الليبي لمدة أسبوع، بعد اعتقاله على متن "يو إس" سان أنطونيو في البحر الأبيض المتوسط ، وفق جريدة "التايمز"، وقال مسؤولون أمريكيون إنّه نقل إلى الولايات المتحدة عندما بدأت صحته في التدهور، بعد أن توقف عن الأكل والشرب، وبعد وفاته خرجت زوجته بتصريح لوكالة "أسوشيتد برس"؛ أنّ زوجها قد خضع قبل اعتقاله بثلاثة أسابيع لعملية في الكبد، متهمة السلطات الأمريكية بإساءة معاملته.

سرطان بن لادن يغزو إفريقيا

بدأت رحلة الليبي مع الإرهاب في أواخر الثمانينيات، عندما تطلّع أسامة بن لادن إلى غزو أفريقيا، بعد أن عقد مواءمات مع الحكومة الإسلامية في إيران، وبحسب كتاب "القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب"، للكاتب والباحث المصري، كميل الطويل؛ فإنّ القاعدة وتنظيمها في الثمانينيات لعبت دوراً كبيراً في إطاحة النظام السوداني، واستبداله بنظام البشير، وكان الصومال الذي ضربته المجاعة في مستهل التسعينيات، أحد أهم معاقل القاعدة، والذي أراد من خلاله ضرب الولايات المتحدة الأمريكية، وكلّ الأنظمة العربية القائمة.

اقرأ أيضاً: المرتزقة في ليبيا.. هل ساهموا في نشر كورونا بين المواطنين؟

 ويوضح الطويل؛ أنّ بن لادن وقادة الجماعة المصرية، هم من أثار الاهتمام الأكبر آنذاك بسبب نشاطهم العلني في الخرطوم، وكانت الخرطوم مقراً لتنظيمات إرهابية أخرى، أبرزها "الجماعة المقاتلة الليبية"، التي كانت تضمّ "أبو أنس"، و"الجماعة المسلحة الجزائرية"، وبحسب حوار أجراه الطويل مع نعمان بن عثمان، أبرز قيادات المقاتلة الليبية؛ فإنّ هذا التنظيم كان أول من تطلّع إلى السودان، حتى قبل انقلاب البشير، وقد بدأت زياراتهم إلى السودان عام 1988، حتى استقرت لهم الأوضاع عام 1993؛ إذ زعم عثمان أنّ الليبية كانت تنفصل بقيادتها عن أسامة بن لادن.

اقرأ أيضاً: هل ستكون ليبيا مقبرة أردوغان والمشروع الإخواني في المنطقة؟

وقد سرد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي العديد من الأسماء المستعارة الأخرى لـ "أبو أنس"، بما في ذلك أنس السباعي ونزيه الراجحي، كما جاء في أحد تقارير منظمة "هيومان رايتس ووتش"، المنشور عام 2007؛ أنّ الليبي ربما يكون قد اعتقل من قبل الولايات المتحدة، عام 2002، لكن سرعان ما تمّ الإفراج عنه، وأما تاريخ عودته إلى ليبيا فهو غير محدّد، لكن يرجَّح أنّه قبل، أو أثناء، الحرب الأهلية في 2011، لكن نقلت وكالة "أسوشيتد برس" للأنباء، عن صديق مقرب لليبي؛ أنّ عائلته عادت قبل عام من الحرب الأهلية في ظلّ سياسة قدمها نجل القذافي، سيف الإسلام، لتعزيز المصالحة مع معارضي النظام الذين تخلوا عن العنف، لكن بعد وفاته ظهرت عائلته في العديد من وسائل الإعلام العالمية، واتهمت الحكومة الأمريكية بــ "اختطاف رجل بريء وإساءة معاملته وقتله".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية