معركة الكرامة إذ تمزج الدم الأردني بالفلسطيني وتقهر العدو الصهيوني

الكرامة

معركة الكرامة إذ تمزج الدم الأردني بالفلسطيني وتقهر العدو الصهيوني


21/03/2019

تتزامن الذكرى الحادية والخمسون لمعركة الكرامة مع أنباء المجد والكبرياء التي سطرها خلال الأيام القليلة الماضية شبّان فلسطينيون حملوا أرواحهم على أكفهم، وقاوموا الاحتلال الصهيوني الغاشم، وأكدوا أنّ المعركة مع الاحتلال ستطول حتى تتحرر فلسطين كاملة من بحرها إلى نهرها.
الشهيد البطل عمر أبو ليلى، منفذ عملية سلفيت بنابلس التي أسفرت عن مقتل جندي إسرائيلي، وحاخام، وإصابة اثنين آخرين، أثبت أنّ هزيمة الاحتلال ليست مستحيلة، وإيقاع الخسائر بين جنوده، يحتاج إلى إرادة وإيمان وتصميم على النصر.

اقرأ أيضاً: هذا ما طلبته السلطة الفلسطينية من مصر.. ما علاقة حماس؟
من وحي هذه المعاني العظيمة والثابتة تحقق النصر في معركة الكرامة في الحادي والعشرين من آذار (مارس) 1968، حينما كبدّ الجيش الأردني وقوات الثورة الفلسطينية العدو الصهيوني خسائر فادحة، وألحقا به هزيمة مذلة.
الشهيد البطل عمر أبو ليلى

بارليف: عملية الكرامة كانت فريدة من نوعها
وقد اعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، حاييم بارليف، في حديث نشرته جريدة "هارتس" العبرية يوم 31/3/68 بأنّ "عملية الكرامة كانت فريدة من نوعها ولم يتعود الشعب في (إسرائيل) مثل هذا النوع من العمليات، بسبب كثرة الإصابات بين قواتنا، والظواهر الأخرى التي أسفرت عنها المعركة مثل استيلاء القوات الأردنية على عدد من دباباتنا وآلياتنا، وهذا هو سبب الدهشة التي أصابت المجتمع الإسرائيلي".

امتزج دم الجيش الأردني مع دماء المقاومة، فكانت ملحمة الكرامة، وهو ما يشهد عليه قائد المعركة مشهور حديثة الجازي

ووصف قائد مجموعة القتال الإسرائيلية المقدم أهارون بيلد المعركة: "لقد شاهدت قصفاً شديداً عدة مرات في حياتي، لكنني لم أر شيئاً كهذا من قبل، لقد أصيبت معظم دباباتي في العملية ما عدا اثنتين فقط".
وأثبتت معركة الكرامة عمق الانصهار الأردني الفلسطيني في جبهة القتال ضد العدو الإسرائيلي، فقد امتزج دم الجيش الأردني مع دماء المقاومة الفلسطينية، فكانت ملحمة الكرامة، وهو ما يشهد عليه قائد المعركة الفريق الركن المتقاعد الراحل مشهور حديثة الجازي، فـ "بهذه المعركة دافعنا عن الكرامة العربية المفقودة وأرض الكرامة العربية وعن المقاتلين الفلسطينيين المتواجدين في القواعد المنتشرة ضمن حدود قواتنا بالجبهة". وقال في حديث لصحيفة "العرب اليوم" الأردنية نشر في 22/3/1998 أنّ "المشاركة الكبيرة بين قواتنا المسلحة والمقاتلين الفلسطينيين (القوات الفدائية ) والموزعة بالتنسيق معنا بساحة المعركة مزجت دماء المقاتلين معاً على أرض المعركة، وعمقت اللحمة الأخوية بأحسن معانيها القومية والوطنية والدينية. ومع أنّ هذه المعركة هي معركة مواجهة بين قواتنا المسلحة والقوات المعادية إلا أنّ حسن التنسيق والثقة بيننا وبين القوات الفدائية التي خاضت معارك ضارية مع القوات الإسرائيلية، واستعمل فيها السلاح الأبيض، وكانت خسائر العدو الإسرائيلي 250 قتيلاً و450 جريحاً وتم تدمير 20 دبابة، حيث ترك منها 11 على أرض المعركة، إضافة إلى تدمير 88 آلية مختلفة وإسقاط 7 طائرات، وقد استشهد من أبطال القوات الفدائية ما يزيد عن المائة شهيد عدا عن الجرحى والأسرى إلى جانب خسائرنا بالقوات المسلحة الأردنية التي بلغت حوالي المائة والعشرين بين شهيد وجريح".
قامت القوات الإسرائيلية في 21/3/1968 بشن هجوم واسع النطاق على الضفة الشرقية لنهر الأردن

تفاصيل المعركة
وفي العودة إلى تفاصيل ما جرى في المعركة، فقد قامت القوات الإسرائيلية في 21/3/1968 بشن هجوم واسع النطاق على الضفة الشرقية لنهر الأردن في منطقة امتدت من جسر الأمير محمد (دامية) شمالاً حتى جنوبي البحر الميت. وكان هدف الهجوم كما أعلنت (إسرائيل) رسمياً القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة الواقع على بعد 5 كم من جسر الملك حسين (النبي)، وفي مناطق أخرى إلى الجنوب من البحر الميت، كما أفادت "الموسوعة الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: فلسطين.. تفاصيل عملية "مزدوجة" قرب سلفيت
ولم يكن الهجوم مفاجئاً لقوات المقاومة الفلسطينية في المنطقة ولا للقوات الأردنية. فقد شوهدت تحركات القوات الإسرائيلية قبل العملية بيومين. وأذاع ناطق فلسطيني يوم 19 آذار أنّ إسرائيل حشدت خلال اليومين السابقين قوات كبيرة على طول نهر الأردن. وفي اليوم نفسه أعلن مندوب الأردن في الأمم المتحدة أنّ إسرائيل تعد العدة لشن هجوم كبير على الأردن.
وحشدت إسرائيل لتنفيذ العملية، تبعاً للمصادر الأردنية أربعة ألوية (لواءين موزعين ولواء المظليين 35، ولواء المشاة 80) تدعمها وحدات من المدفعية الميدانية (خمس كتائب مدفعية من عيار 105 مم و155مم) ووحدات هندسية عسكرية وتغطية جوية بأربعة أسراب نفاثة، بالإضافة إلى عدد من الحوامات كاف لنقل كتيبتي مشاة مع معداتهما. وقد بلغ عدد هذه القوات خمسة عشر ألف جندي.
ما الأهداف التي كانت المعركة تسعى إليها؟
وفي الجانب العربي كانت وحدات رصد المقاومة تراقب تحركات وتحشدات القوات المعادية. وتدارست التدابير الواجب اتخاذها وفقاً لمبادئ قتال الحرب الشعبية. وبعد مناقشة الموضوع يعمق قررت "الصمود الواعي"، كما تقول الموسوعة، تحقيقاً للأهداف التالية:

قائد مجموعة القتال الإسرائيلية المقدم أهارون بيلد: شاهدت قصفاً شديداً في حياتي لكنني لم أر شيئاً كهذا من قبل

1- رفع معنويات الجماهير الفلسطينية والعربية بعد نكسة حزيران 1967.
2- تحطيم معنويات العدو وإنزال أكبر الخسائر في صفوفه.
3- تحقيق الالتحام مع الجماهير حتى يصبح الشعب قوة منيعة.
4- زيادة التقارب والثقة بين قوات الثورة الفلسطينية ورجال الجيش الأردني.
5- تنمية القوى الثورية داخل صفوف الشعب العربي.
6- اختبار ثقة المقاتلين بأنفسهم في معارك المواجهة المباشرة مع قوات العدو.
من جهة أخرى اتخذت القيادة الأردنية استعداداتها للتصدي للعدوان الوشيك فوضعت القوات في حالة استنفار وتعبئة انتظاراً للتطورات المتوقعة.

اقرأ أيضاً: حكومة فلسطينية جديدة .. هل تنهي الانقسام بين فتح وحماس؟
عبرت القوات الإسرائيلية نهر الأردن تحت تغطية نيران المدفعية. ولكنها ما كادت تتقدم مسافة 200 م حتى اصطدمت بمقاومة عنيفة أعاقت تحركها فدفعت بعناصر محمولة بالحوامات أنزلت بعضها في غور الصافي للتمويه والتضليل ومعظمها في الكرامة. فتصدت لها القوات العربية وكبدتها خسائر كثيرة، مما اضطر القيادة الإسرائيلية إلى زج قواتها بكثافة كبيرة، مركزة قصفها على مرابض المدفعية الأردنية ومواقع الفدائيين ومرابض الدبابات والمدافع المضادة للطائرات.
وخلال ذلك، تابعت الحوامات نقل عناصر إضافية والعودة بالجرحى وجثث القتلى. واستثمرت القوات المدرعة نتائج القصف الجوي والمدفعي المركّز لمتابعة تقدمها فأمكنها في الساعة العاشرة تقريباً الاتصال بالقوات المنزلة جواً في الكرامة. ودارت بينها وبين سرية من الفدائيين معارك دامية بدأت بالبنادق ثم بالسلاح الأبيض، كما خاضت القوات الأردنية معارك عنيفة على المحاور الأخرى وأحبطت تقدم العدو ومنعته من تنفيذ مخططاته.
اتخذت القيادة الأردنية استعداداتها للتصدي للعدوان الوشيك

لماذا رفض رئيس الحكومة الأردنية وقف النار؟
وفي الساعة 14:00- وكانت خسائر الإسرائيليين قد تزايدت واتضح لهم مدى الثمن الذي سيدفعونه لقاء كل تقدم - ادعى الإسرائيليون بأنهم قد أتموا تنفيذ المهمة الموكولة اليهم وبدأوا بالانسحاب. وكانوا قد طلبوا وقف اطلاق النار في الساعة 11:30 بواسطة الجنرال أودبول كبير المراقبين الدوليين، ولكن رئيس الحكومة الأردنية رفض الطلب حتى انسحاب القوات الإسرائيلية بكاملها. وقد تم انسحاب آخر جندي إسرائيلي في الساعة 20:30. وتكبدت القوات الإسرائيلية خلال انسحابها أيضاً خسائر كبيرة.

اقرأ أيضاً: الاحتلال ينتهك حقوق الأسيرات الفلسطينيات.. هذه أوضاعهن
وفي نظر محللين عسكريين، فقد شهد العدوان الإسرائيلي على الكرامة أول مرة تتخطى فيها القوات الإسرائيلية نهر الأردن؛ فقد توغلت مسافة 10 كم على جبهة امتدت من الشمال إلى الجنوب نحو 50 كم. وهي أول عملية على نطاق واسع قادها رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد آنذاك حاييم بارليف. وقد حشدت لها إسرائيل قوات كبيرة نسبياً أرادت منها أن تكون درساً رادعاً للفدائيين وللجيش الأردني، وأن تحقق بواسطتها نصراً سريعاً تستغله في رفع معنويات السكان الإسرائيليين التي بدأت تهتز تحت ضربات العمليات الفدائية في الأراضي المحتلة.
كانت معركة الكرامة نوعاً من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1967 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال؛ ففي معركة الكرامة أخفقت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والإستراتيجية لرفع معنويات الإسرائيليين، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية