"معصوب العينين": قصّة رهينة سابق لدى "القاعدة"

"معصوب العينين": قصّة رهينة سابق لدى "القاعدة"

"معصوب العينين": قصّة رهينة سابق لدى "القاعدة"


09/03/2024

ترجمة وتحرير : محمد الدخاخني

هل تَذكُر داعش؟ وماذا عن القاعدة؟ لم يمضِ وقت طويل على استدعاء أيّ من هذين الاسمين شيئاً من الغثيان الذي اجتاح ثيو بادنوس أثناء جلوسه أمام التّلفزيون، في جنوب غرب سوريا، صباح 20 آب (أغسطس) 2014، في ذلك الوقت، كان بادنوس رهينة لدى تنظيم القاعدة، الجماعة الإرهابيّة الّتي استحوذت على انتباه العالم بأسره عندما اعتُبِرَت أيديولوجيا دينيّة راديكاليّة التّهديد الرّئيس للحياة كما نعرفها.

في كتابه الجديد "معصوب العينين: مذكّرات أسْر وتعذيب وتنوير"، يرسم الكاتبُ المشهَد: بعد ما يقرب من عامين في زنازين صغيرة وفترات استراحةٍ متقطّعةٍ من التّعذيب، يتمتّع الصحفيّ الأمريكيّ بقدرٍ من الحرّيّة.

لقد أمضى بادنوس أيّاماً في سيّارة من نوع "تويوتا هايلوكس" مع زعيم القاعدة قويّ البنية في سوريا، أبو ماريا القحطانيّ، والّذي كان يقودها عبر البلاد على رأس موكبٍ مؤلّفٍ من 60 مركبة، وخلفهم كانت حقول النّفط الّتي خَسِرها تنظيم القاعدة لتوّه في مواجهةٍ مع جماعةٍ إرهابيّةٍ منافسةٍ من جيل الألفيّة الجديدة لم تكن موجودة حتّى عندما تمّ أخذ بادنوس رهينةً للمرة الأولى، داعش، وأمامهم كانت الحدود السّوريّة مع إسرائيل؛ حيث سيتمّ تحرير بادنوس، وقد وعدت دولة خليجيّة بدفع فدية ضخمة (11 مليون يورو) مقابل تحرير المواطن الأمريكيّ، واعتزم أبو ماريا أن يكون هناك.

لقد باعني عبر قطر

يقول بادنوس عبر الهاتف من منزله في فيرمونت: "لقد باعني عبر قطر، وأراد توصيل البضاعة"، ويضيف: "كم هو رجل أعمال محترم؛ لقد دفعوا له، وأراد التّأكّد من تسليم المنتج في الوقت المحدّد وبحالةٍ جيّدة".

يقول الرّهينة السّابق: لقد اكتشفت الحياة المنزليّة الهادئة؛ أطهو، أركب الدرّاجة، أُنهي الرّواية التي كتبتها في السّجن عن تمرّدٍ يمينيٍّ مجنون في أمريكا

في فيلا بالقرب من الحدود، وجد بادنوس نفسه مُمسكاً بجهاز التّحكّم عن بعد الخاص بالتّلفزيون، في غرفةٍ حيث نصف دزينةٍ من قادة القاعدة ينظرون إلى هواتفهم، ويمضون صباحهم في ألعاب الفيديو.

 يتطلّع بادنوس وحده إلى الشّاشة الكبيرة، وما يراه يجعله يتنبّه: شابّ أمريكيّ يرتدي الّلون البرتقاليّ راكع على الرّمال بجانب رجل يرتديّ زيّ النّينجا ويمسك بسكين، والشّاشة مكتوب عليها: "مقتل الصّحافيّ الأمريكيّ "جيمس فولي" في سوريا".

اقرأ أيضاً: هجوم على قاعدة عسكرية في نيجيريا: داعش يقود معارك الصحراء

يغيّر بادنوس القناة، ثمّ يغيرّها مجدّداً، إنّ خبر مقتل الصحافيّ موجود في كلّ محطّة، وأيضاً، بعد ذلك، على هواتف آسريه، الّذين يقضون بقيّة يومهم في إبداء الإعجاب بفيديو الإعدام والتّذمّر، يكتب بادنوس: "لقد شعروا أنّ القطار قد فاتهم"، ويضيف: "لقد صنع زملاؤهم القدامى مقطع فيديو ناجحاً، مقطع فيديو أصاب العالم بالذّهول".

الحرب العالميّة على الإرهاب

يُعِدّ بادنوس نفسه من بين مئات آلاف الأمريكيّين الّذين تغيّرت حياتهم بسبب الحرب العالميّة على الإرهاب، التي أثارتها القاعدة بهجمات 11 أيلول (سبتمبر).

الآن، يبلغ من العمر 53 عاماً، وقد أمضى أجزاء كبيرة من حياته الرّاشدة، ليس فقط في العالم الإسلاميّ، لكن بين شباب عربيّ يُحيط به الصّراع من كلّ جانب، يروي كتابه الأوّل "المسلم المتخفّي"، الفترة الّتي قضاها في اليمن، حيث تعلّم الّلغة العربيّة وسط شبّان ساخطين يستعدّون للجهاد، وكما يروي في "معصوب العينين"، وفي "ثيو الّذي عاش"، الفيلم الوثائقيّ الخفيف بشكلٍ مثيرٍ للدّهشة حول تجربة أسْره، فقد تعرّف على المحيطين به جيّداً: في أحد السّجون المؤقّتة الّتي احتُجز فيها، كان جيرانه أسرى من مقاتلي داعش، كما شارك سجوناً أخرى مع مدنيّين تنافسوا مع السّلطات الموجودة، وفي إحدى الّليالي، استمع إلى شيخٍ ودودٍ يموت ببطءٍ وحيداً في الزّنزانة المجاورة بعد نوبة تعذيب.

اقرأ أيضاً: خبير فرنسي يتوقع عودة داعش للعراق

رأى بادنوس في آسريه بلطجيّةً، اعتقدوا أنّهم شيء ممجّد، "إرهابنا مقدّس"، هكذا يقول أحد الأناشيد التي يغنّيها المقاتلون الذين أقنعوا أنفسهم بأنّ التّطبيق القاسي لقواعد بسيطة من شأنه أن يسرّع المواجهة المروّعة مع الغرب، ومن الجدير بالذّكر؛ أنّ زعيم القاعدة، الّذي نقل بدينوس عبر سوريا، كان قد ذهب إلى المدرسة مع أبو بكر البغداديّ، الذي أسّس داعش وأطلق على المنطقة التي سيطر عليها "الخلافة".

التّسميات لا تعني شيئاً

ويوضّح بادنوس أنّ التّسميات لا تعني شيئاً يُذكَر: "قبل وقتٍ طويلٍ من إعلان الخلافة (في حزيران (يونيو) 2014)، وقبل وقتٍ طويلٍ من ظهور البغداديّ في الإنترنت واجتياح الموصل، كانت هناك خلافة فاعلة في الرّكن الشّماليّ الغربيّ من سوريا، بالفعل، عام 2012، كان النّاس يعيشون كما لو أنّ البغداديّ هو الخليفة".

كان بادنوس قبل اختطافه قد عزم على نشر شيءٍ ما، لكنّه كان مزدرياً للمجموعة الصّحفية المتجمّعة في بلدةٍ حدوديّةٍ تركيّة؛ لذلك، انضمّ إلى شابين سوريّين عرضا اصطحابه إلى بلدهم لبضعة أيّام دون مقابل.

بادنوس لم يكن يبحث عن أخبار، بل عن رؤية ما يكفي من أجل "قصّة سفر أدبيّة، إلى حدٍّ ما مثل "ريبيكا ويست في يوغوسلافيا"، وإلى حدٍّ ما مثل كتاب جورج أورويل "متشرّداً في باريس ولندن'"، وكما يقول: " كانت هذه هي الفراشة التي طاردتها عند جرفٍ شديد الانحدار".

"إرهابنا مقدّس"، يقول أحد الأناشيد التي يغنّيها المقاتلون الذين أقنعوا أنفسهم بأنّ التّطبيق القاسي لقواعد بسيطة من شأنه أن يسرّع المواجهة المروّعة مع الغرب

وفي لحظةٍ ما، عَلِم أنّه قد وضع ثقته في الأشخاص الخطأ. "انتابني رعب أقوى من أيّ شيء واجهته خلال كافّة الرّحلات السّابقة إلى سوريا. تجاهلت ذلك...". وبعد ساعاتٍ قليلة، قام أصدقاؤه الجدد بوضع يديه في الأصفاد، وبدأ الضّرب،

كان فرع القاعدة الذي احتجزه، المعروف باسم جبهة النّصرة، هو "الجيش الإسلاميّ" الوحيد في سوريا في ذلك الوقت، وكان يُركّز في الغالب على محاربة النّظام السّوري، ومن بين الأدلّة أنّ الفرع قد امتلك بذلة برتقاليّة واحدة (زيّ سجناء غوانتانامو)؛ لذلك عندما حان الوقت لتصوير مقاطع فيديو للرّهائن، كان على بادنوس ورفاقه من السّجناء التّناوب على ارتداء بذلة واحدة.

اقرأ أيضاً: فادي عزام: "داعش" حلم موجود داخل الملايين ولن يموت

الآن، يقول الرّهينة السّابق: "لقد اكتشفت الحياة المنزليّة الهادئة"، ويضيف: "إنّ الحياة ليست سيّئة في فيرمونت؛ أطهو، أركب الدرّاجة، أُنهي الرّواية التي كتبتها في السّجن عن تمرّدٍ يمينيٍّ مجنون في أمريكا".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كارل فيك، "تايم"، 25 شباط (فبراير) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية