معطيات جديدة تدفع برلمانيين تونسيين لمقاضاة حركة "النهضة" الإخوانية

تونس

معطيات جديدة تدفع برلمانيين تونسيين لمقاضاة حركة "النهضة" الإخوانية


07/03/2019

منذ الإعلان عن اتهامات بتورّط حركة النّهضة الإخوانية (الشريكة الأولى في حكم تونس) في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2018، في تكوين جهازٍ سرّي تولّى تنفيذ الاغتيالات السياسية في تونس منذ العام 2013، لم يغب الموضوع عن مستجّدات الساحة السياسية، ورغم إنكار الحركة لذلك فإنّ دعاوى "تورّطها" ماتزال تشغل الرأي العام التونسي.

دفعت معطيات جديدة أكثر من 40 نائباً للتقدّم بشكوى ضدّ "المتورّطين في الجهاز السرّي لحركة النّهضة"

ودفعت معطيات جديدة أكثر من أربعين نائباً من كتلٍ مختلفة، إلى التقدّم بشكايةٍ في 6 آذار (مارس) الجاري ضدّ "المتورّطين في الجهاز السرّي لحركة النّهضة"، وقد بادر نوّاب كتلة الجبهة الشعبيّة المعارضة بنشر عريضةٍ وقّع عليها نوابٌ من كتلٍ مختلفة على غرار الكتلة الديمقراطية ونواب من كتلة "الولاء للوطن" ونواب من "آفاق تونس".
مستجدات خطيرة
يأتي ذلك بعد أن أعلنت هيئة الدفاع عن المعارضين اليساريين الراحلين؛ شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، عن اكتشاف معطياتٍ حول الملف، وصفتها بـ"الجرائم الخطيرة"، وتتمثّل في وثائق جديدةٍ تمّ العثور عليها مخفيةً بوزارة الداخلية، عاينها قاضي التحقيق، وتمّت إحالتها إلى النيابة العمومية.

هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي
وأوضحت الهيئة أنّ هذه الوثائق تتعلّق بكيفيّة صنع المتفجّرات، وطرق الاغتيالات، والأسلحة، ومحادثاتٍ مشبوهة، وبضائع مهرّبة، إضافةً إلى تجنيد ألف شابٍ في الأمن، و500 آخرين للحماية المدنيّة، وإنشاء ورشةٍ تقنيةٍ هدفها اختراق المؤسسات، وإحداث إدارةٍ تشرف على 4 أجهزة تنصت، وتكوين 50 علاقةٍ داخل الأجهزة الأمنيّة، ومع شخصياتٍ محايدة من خارج الجهاز، فضلاً عن وجود مراقبة لمنازل عديدة في منطقة باردو وسط العاصمة، وعرباتٍ إداريّةٍ منها واحدةٌ تابعة لرئاسة الحكومة.

اقرأ أيضاً: محامون: أدلة جديدة تدين حركة النهضة الإخوانية
وتحدّث عضو الهيئة، كثير بوعلاق، في تصريحاتٍ صحفيّة لوسائل إعلامٍ محليّةٍ، عن وثيقةٍ اطّلع عليها قاضي التحقيق، تفيد بأنّ مصطفى خذر (الهيئة قالت إنّه يتزعّم الجهاز السري للنهضة) أعلم جهةً معيّنة أنّ شخصاً حصل على 300 ألف دينار مقابل اغتياله لبلعيد، وهدّد بكشف تفاصيل جريمة الاغتيال في حال عدم تسديد بقية المبلغ.
"النّهضة" في مواجهة القضاء
وحول تفاصيل القضيّة التّي تقدّم بها برلمانيون، أكّد نائب رئيس كتلة الجبهة الشعبية، جيلاني الهمامي في تصريح لـ"حفريات"، أنّ الشكوى القضائية مرفوعة لوكيل الجمهورية ضد مجموعةٍ من المسؤولين الأمنيين في وزارة الداخلية وبعض السياسيين، بتهمة التستّر على معلوماتٍ تتعلّق بالجهاز السرّي وتهديداتٍ للأمن العام.

رغم إنكار الحركة للاتهامات فإنّ المعطيات حول تورّطها ماتزال تشغل الرأي العام التونسي

وأضاف الهمامي أنّهم طلبوا فتح بحثٍ تحقيقي حول عدّة جرائم، منها "سرقة وثائق من وزارة الداخلية، وتكوين وفاق لارتكاب جرائم إرهابيةٍ، والتآمر على أمن الدولة، وإدخال أسلحةٍ ومتفجراتٍ، وحملها ونقلها"، لافتاً إلى أنّ هذه الملفات "تدخل تحت يافطة الجهاز السري لحركة النهضة".
ويُذكر أنّ وزير الداخلية التونسي، هشام الفوراتي، نفى وجود أي غرفٍ سوداء داخل الوزارة، مشيراً إلى أنّ هناك غرفاً لحفظ الأرشيف فقط، وأنّ الوثائق التي تم تداولها من قبل هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي موجودةٌ لدى القضاء.

اقرأ أيضاً: تونس.. هل تتخلى حركة النهضة عن الشاهد؟
وكانت الهيئة قد أعلنت في 19 كانون الثاني (يناير) 2019، أنّها ستتوجّه إلى فرنسا لتقديم شكايةٍ جزائيةٍ ضدّ ما تسمّيه بالتنظيم السري لحركة النهضة، وأنّها ستتنقّل إلى الدول التي لها علاقة بهذا الجهاز السري لنفس الغرض.
محامون يتجنّدون "ضدّ التمكين الاخواني" في تونس
هذا وأعلنت مجموعةٌ من المحامين منذ 6 فبراير (شباط) الماضي عن  تأسيس مجموعة "محامون ضدّ التمكين"، على أن تتولّى القيام بجميع إجراءات التقاضي ضدّ ما تعتبره المجموعة مشروع التمكين الإخواني داخل تونس، مشدّدةً على متابعة ملفّات "إهدار المال العام، ومراكمة الثروات المشبوهة لقيادات حركة النّهضة ومسيّري الجمعيات المرتبطة بها".

كتلة الجبهة الشعبية تبادر برفع قضية ضد الجهاز الشري لحركة النهضة
وجاء في البيان التأسيسي للمجموعة، أنّ الإجراءات المتعلّقة بمواجهة التمكين تشمل القيام بقضايا جزائية وإدارية ضدّ المستفيدين من الانتدابات والتعيينات والترقيات في الخطط الوظيفيّة الإدارية والسياسية، المخالفة للإجراءات القانونية والنصوص الترتيبية، التي تمّت بجميع المؤسّسات العموميّة والهيئات الرسميّة على كامل تراب الجمهورية، بدايةً من حكومة الترويكا (بقيادة حركة النّهضة ومشاركة حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة وحزب التكتّل الديمقراطي)  .

الهمّامي: يجب فتح تحقيقٍ حول ارتكاب الجرائم التي تورّط فيها الجهاز السري لحركة النهضة

من بين الإجراءات، وفق البيان، أيضاً القيام بقضايا جزائيّةٍ وإداريّةٍ، متعلّقةٍ بملف التسفير إلى بؤر التوتر والعودة منها وملاحقة جميع المتورّطين في العمليات الإرهابيّة، وشبكاتها ومساراتها وتمويلها سواء في ليبيا أو سوريا أو العراق أو غيرها، مع تتبّع دورها في تأسيس وإقامة التنظيمات والمعسكرات داخل تونس .
كما دعت المجموعة إلى تأسيس المرصد الوطني ضد التمكين ''وهي صيغة مواطنية تهدف إلى توحيد جهود المثقّفين والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني بهدف مواجهة هذا المشروع'' وفق نص البيان.

اقرأ أيضاً: السبسي نادم.. ما علاقة حركة النهضة؟
وتُعتبر هذه المجموعة تحرّكاً قانونياً جديداً ضد حركة النهضة التي تواجه سيلاً جارفاً من الاتّهامات المتعلّقة بالإرهاب منها التورّط في تسفير آلاف التونسيين إلى ساحات القتال بسوريا وليبيا، وتكوين جهازٍ سرّي يقف وراء الاغتيالات السياسية.
في مقابل ذلك، اعتبر النائب عن الحركة سامي الفطناسي، أنّ هذا الكمّ من القضايا الموجّهة لحركة النّهضة يعبّر "عن خوف بعض الأطراف من نجاح الحركة خلال الانتخابات التي اقترب موعدها (في تشرين الأوّل/أكتوبر المقبل)، خاصّةً أنّها مازالت أكبر حزبٍ في تونس، وأكثرهم تنظيماً لثماني سنواتٍ منذ الثورة".
وقال الفطناسي، في تصريحه لـ "حفريات"، إنّ هذه الأطراف "تعمد في كلّ مرّةٍ إلى إثارة مواضيع ثانويّةٍ للتشويش على الرأي العام التونسي الذي يعي أنّ النّهضة حلقة هامّة في مسار الانتقال الديمقراطي"، ولفت إلى أنّ حركته "اعتادت هذه التهم الموجّهة إليها، وهي تحترم القضاء الذي أنصفها طيلة الثماني سنوات الماضية".
النّهضة تحاول التخلّص من التهم
ووسط هذه المستجدّات المتسارعة، والقضايا المتتالية تحاول حركة النّهضة التخلّص من تهمة "الإرهاب"، عبر التعديل في مرجعيّاتها وتوجّهاتها تارةً، وعبر نسج تحالفات سياسية مع أحزاب علميّة تارةً أخرى.
ويبدو ذلك واضحاً حين أعلنت عن تخلّيها عن توجّهها الدعوي، على أن تكون حزباً مدنياً، من أجل مواصلة التحالف مع حزب نداء تونس العلماني، الذي تخلّى عنها بعد 4 سنواتٍ من التوافق بسبب عدم نجاحها في التخلّي عن مرجعيّتها الدينية.


هذا وأثار تصريح زعيم الحركة، راشد الغنّوشي، نهاية الشهر الماضي خلال ندوة عقدها في إسطنبول، جدلاً واسعاً حول محاولة الحركة التخلّص من تهمة الارهاب وإيجاد مبرّراتٍ له، حيث قال الغنّوشي إنّ "الإرهاب لم تلده الثورة"، وأنّه من بقايا النظام السابق، حيث كان هناك 3 آلاف معتقل، انطلقوا للتدريب في معسكرات العنف، بعد الثورة، وعادوا لتونس لممارسة الإرهاب، ما يدل على جهلهم.

عبيد: حركة النّهضة تحاول التنصّل من مسؤوليّة تورّطها في الإرهاب وانتشاره على هذا النحو في تونس

من جهته، يقول المحلّل السياسي خالد عبيد، في تصريحه لـ"حفريات"، إنّ الإرهاب الذي شهدته تونس منذ 2012 إلى اليوم "لم تشهد له مثيلاً سابقاً"، وإنّ "حركة النّهضة تتحمّل المسؤوليّة كاملةً في وجوده وانتشاره على هذا النّحو".
ويعتبر عبيد أنّ تصريح الغنّوشي بأنّ الإرهاب "لم تلده الثورة"، هو "محاولة للتنصّل من مسؤوليّةٍ ثابتةٍ عليها، وأنّ النّهضة لن تستطيع التخلّص من مسؤوليّة تورّطها فيه وإن سعت إلى ذلك؛ لأنّ هذه اللّعنة ستلاحقها دائماً".

اقرأ أيضاً: انشقاقات واختراقات تهدد حركة النهضة .. بالتفاصيل
ويتفق مع هذا الرأي، المحلل السياسي فريد العليبي بقوله: إنّ قيادات الحركة بمن فيهم رئيسها راشد الغنّوشي كانوا قد نفوا سابقاً وجود الإرهاب في ‏تونس، وأكّدوا أنّ الأمر مجرّد فزّاعة لتخويف التونسيين من الإسلاميين، وأنّ ‏الجماعات السلفيّة مسالمة ومتحمسّة للإسلام لا أكثر، "ولكن تأكّد لاحقاً أنّ هذه الجماعات كانت تتجهّز للقتال في ‏الجبال، وتنفيذ عملياتٍ عسكرية في المدن على غرار ما حدث في الفنادق والمتاحف ‏والشوارع الرئيسية وأدّى إلى سقوط ضحايا تونسيين وأجانب".
وأشار العليبي، في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ الحركة تدفع في اتّجاه محو بعض ما حدث من الذاكرة أولاً، واعتبر أنّ القول بأنّ الإرهاب قديمٌ ولم يأتِ مع حكم النهضة وحلفائها، "هدفه تقديم الحركة في ثوب ‏الإسلام الديمقراطي الذي يمكن أن يوفّر الأمان للتونسيين، ويضمن مصالح القوى ‏الدولية بما يمكنها من ترسيخ أقدامها في السلطة على مدى السنوات القادمة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية