مع التدخل التركي في ليبيا.. معركة تونس ضد الإرهاب تزداد صعوبة

تونس

مع التدخل التركي في ليبيا.. معركة تونس ضد الإرهاب تزداد صعوبة


26/02/2020

بدون مُقدّمات، وبعد "هُدنةٍ" مُطوّلة بين العمليات الإرهابية وتونس، وفي ظلّ مُؤشرات كانت تنبئ عن تضييق الخناق على تلك المجموعات المتحصنة بالجبال، وتعافي المُؤسسة الأمنية، أعلنت السلطات التونسية عن العثور على ثلاثة مخيّمات لإرهابيين  في مرتفعات محافظة القصرين الحدودية (وسط غرب تونس)، خلال أقلّ من أسبوعين، عُثر بداخلها على معداتٍ حديثةٍ، وخرائط لبعض المؤسسات وذخائر حية معدةٍ لأغراض عدائية، إلى جانب معداتٍ تستخدم في صناعة ألغام تقليدية، وأواني طبخ وبقايا أدوية ومادة لتعقيم المياه وأدوات للحفر.

مصادر أمنية ترجح أن تكون العناصر الإرهابية الجديدة تلقت التدريبات في منطقة "مصراتة" الليبية

.
وترجح مادر أمنية نقلاً عن وسائل إعلامٍ محليةٍ أن تكون هذه العناصر الإرهابية قد تلقت التدريبات في منطقة "مصراتة" الليبية، ويخطَّط  لتحويلهم إلى دول المغرب العربي، وفق معلوماتٍ استخباراتية وردت إليهم، وأنّ ذلك مرتبط بالمستجدات التي تعيشها الجارة ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، في ظلّ التدخّل التركي في أراضيها.
مستجدّات تدقّ ناقوس الخطر في تونس، وتدفعها إلى رفع درجة الحذر، في ظلّ الوضع الإقليمي المتحرّك، خاصّةً أنّ الحرب ضد الإرهاب ما تزال مشتعلة مع الجماعات الإرهابية المنتشرة في الجبال، التي تحاول استعادة قوتها وترتيب صفوفها لتنفيذ هجماتٍ جديدة، في أوقات غير متوقعة.

 

تونس تدفع ثمن عدم الاستقرار الليبي
لم تنتهِ مخاوف تونس، منذ اندلاع الحرب بليبيا في شباط (فبراير) العام 2011؛ إذ لم تخل الساحة الليبيّة من التدخّل الأجنبيّ وسط صراعات تؤججها أطراف إقليمية ودولية بحسب مصالحها وأهدافها وهي مصالح في أغلبها معادية لاستقرار ليبيا ووحدتها، ولها تداعيات على استقرار تونس ونجاح نموذجها الديمقراطي.

ظلّ احتمال تسلّل عناصر إرهابيّة ضمن اللاجئين أو تحريك خلايا نائمة الهاجس الأكبر للأجهزة الأمنية

كما ظلّ احتمال تسلّل عناصر إرهابيّة ضمن موجات اللاجئين أو تحريك بعض الخلايا النائمة داخل البلاد منذ العام 2011، الهاجس الأكبر للأجهزة الأمنية في تونس، خصوصاً وأنّ التدخّل التركي، سيجذب آلاف المقاتلين إلى ليبيا ممّا يجعل تونس تعاني من التبعات الأمنية الخطيرة التي قد تكون قاصرةً عن مواجهتها في الظرف الحالي.
في هذا السباق، ترى مديرة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول، أنّ "الوضع الإقليمي المتحرّك، وفي مقدمته، المشهد الليبي غير المستقر، فضلاً عن التدخّل التركي عسكرياً فيه له علاقة مباشرة على ما يحدث في بلدان المنطقة، على غرار التفجيرات التي تعيشها كل من النيجر ومالي والتشاد، وستكون له انعكاسات سلبية على الوضع الأمني والعسكري في تونس".
وأشارت قعلول في تصريحها لـ"حفريات" إلى أنّ العثور على الأوكار الإرهابية في جبال محافظة القصرين، وتنفيذ بعض العمليات الاستعراضية في المنطقة، "هي بمثابة الإشارات الخضراء التي توجهها القيادات الإرهابية إلى جماعتها، تدعوهم فيها إلى الاستعداد، والتواجد في أرض المعارك".

اقرأ أيضاً: تونس تستعد لاستقبال "أطفال داعش": ضحايا أم براعم متفجرة؟
قعلول شدّدت أيضاً على أنّ التدخّل التركي في ليبيا، ستكون له تبعات سلبية جدّاً على الاستقرار التونسي، "خاصّةً أنّ الرئيس التركي يسعى إلى تنظيف بلاده من الإرهابيين والمتشدّدين، عبر ترحيلهم إلى ليبيا، ومدّهم بالسلاح لإدارة معاركهم".
ولا تستبعد قعلول أن يعطي الوضع السياسي المحلي المضطرب جداً، مجالاً واسعاً لتحرّك الإرهابيين براحةٍ، في ظلّ ارتفاع معدّلات الفقر، وتراجع المؤشرات الاقتصادية، وضعف الدولة.

 

المعركة مع الإرهاب لم تنتهِ
وبالرغم من أنّ التنظيمات الإرهابية باختلاف تسمياتها، قد تلقّت ضرباتٍ موجعةٍ في تونس، وتمت تصفية أغلب قياداتها خلال عملياتٍ استباقية متفرّفةٍ، فإنّ الخطر الإرهابي مازال قائماً حتّى أنّ تأثيرها اليوم أصبح أكثر خطورةً لاعتمادها على تقنيات جديدة وفكر وإيديولوجيا وعالم افتراضي للتسويق لأفكارها المتطرفة إضافةً إلى انتشار ما يسمى بـ "الذئاب المنفردة"، أو "الخلايا النائمة"، داخل المدن.

اقرأ أيضاً: الانسداد السياسي يدفع تونس إلى السيناريو الأصعب. ما هو؟
كما لا يمكن تجاهل أنّ ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف تونسي قادهم التطرف للذهاب إلى سوريا والعراق، 500 منهم عادوا، و400 أوقفتهم السلطات التونسية، بناءً على الأرقام والتقديرات الرسمية لتقييم التهديد الإرهابي في تونس، فيما تظلّ أكبر قوّة أجنبية في ليبيا بين المجاهدين هي من المقاتلين التونسيين.

إبراهيم حداد: الإرهابيون يفضلون الاختباء في جبل الشعانبي الذي يحتوي وحده قرابة 200 مغارة

ويعتبر الباحث الجامعي المختص في التاريخ العسكري فيصل الشريف أنّ "الخطر مازال متواصلاً، خصوصاً في ظلّ عدم الاستقرار الذي يحيط بتونس؛ إذ لا يزال المشهد الجزائري لم يستقر كلياً بعد، فيما تعيش ليبيا توتّراً داخلياً، قد يتطور إلى حربٍ أهلية بتدخل تركيا بتعلة حل النزاع، بين الفرقاء السياسيين، وهو ما سيعقّد التنسيق الأمني الذي يجب أن تجريه تونس مع جارتيْها للتعاون من أجل استباق العمليات الإرهابية التي تخطّط لها الجماعات المتشدّدة".
ويرجح الشريف في حديثه لـ "حفريات"، أن "تقوم العناصر الإرهابية المتمركزة بالجبال بعملياتٍ إرهابيةٍ نوعيةٍ، قد تفاجئنا بها في وقتٍ غير متوقّع، داعياً الوحدات الأمنية والعسكرية إلى الاستنفار، ورفع درجة الحيطة والحذر، وضرورة التعامل مع النجاح الأمني والعسكري بكلّ حذرٍ".

بعضٌ من المحتويات التي عثر عليها الأمن التونسي في أوكار الإرهابيين

تاريخ مؤلم لتونس مع الإرهاب
هذا وقد عرفت محافظة القصرين عمليات إرهابية دموية خلال الأعوام الأخيرة، على غرار عملية ذبح 8 جنود في شهر تموز (يوليو) 2013 واغتيال 14 عسكرياً في شهر آب (أغسطس) 2013، كما تشهد منذ العام 2013 تحركات إرهابية للجماعات المسلحة على غرار كتيبة "عقبة بن نافع" التابعة لتنظيم القاعدة وكتيبة "جند الخلافة" التابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
ويُعد العام 2013 الأكثر ضراوةً وقسوة؛ إذ شهدت خلاله البلاد أكبر عدد من العمليات الإرهابية التي أوقعت عشرات الضحايا من منتسبي مؤسستي الجيش والأمن، في مواقع عدة في الجبال والطرقات ومراكز الأمن والثكنات في عملياتٍ مباغتةٍ، فضلاً عن اغتيال السياسييْن شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

يرجح فيصل الشريف أن تقوم العناصر الإرهابية المتمركزة بالجبال بعمليات إرهابية نوعية

كما شهدت البلاد العام 2015، تحولاً خطيراً في سجل العمل الإرهابي في البلاد، من خلال عمليات كبرى في العمق التونسي، أهمها عملية باردو بالعاصمة التونسية، والتي قتل خلالها 22 شخصاً، غالبيتهم من السياح الأجانب، وجرح 45 آخرين، وتعرضت بعدها مدينة سوسة الساحلية لهجوم، أسفر عن مقتل 38 سائحاً وجرح 39 آخرين، بعد أن هاجم مسلح أحد الفنادق على شواطئ أحد المنتجعات السياحية، وتمكنت قوات الأمن حينها من قتل الجاني أثناء الهجوم.
لتتسلسل لاحقاً العمليات الإرهابية التي تستهدف المراكز الحيوية، داخل المدن، وفي المناطق الحساسة، ويتطور التنسيق الإرهابي إلى تكوين خلايا نائمة داخل العاصمة، وتدريب ذئاب منفردة، تعد الأخطر من تلك العناصر المتمركزة في الجبال، والتي تمت محاصرتها.

اقرأ أيضاً: تونس: هل يصنع الخوف تحالفات "النهضة"؟
وحول أهم نقاط تمركز الإرهابيين، قال الخبير العسكري إبراهيم حداد لـ "حفريات"، إنّهم يفضلون الاختباء في جبل الشعانبي الذي يحتوي وحده على حوالي 200 مغارةٍ، وأنّهم ينزلون لينهوا مهامهم في شكل ذئاب منفردة، ثم يعودون إلى مخابئهم".


ويؤكد الحداد أنّ الوحدات الأمنية والعسكرية نجحت في معركتها ضد الإرهاب الذي ضرب المدن الساحلية، وقلب العاصمة، خلال الفترة التي امتدت بين 2014 و2018، لكنّها لم تنجح بعد في القضاء على الإرهابيين المتحصنين بالجبال، الموجودة في القصرين، وباقي المحافظات الحدودية مع الجزائر.
الحداد لفت أيضاً إلى أنّ هذه الجماعات تحبذ التمركز في جبال القصرين، في مقدمتها جبل الشعانبي، لأنّه قريب من القرى الجبلية المكان الذي يسهل عليهم تنفيذ عملياتهم الإرهابية، والعودة إلى مغاورهم بأقل الخسائر، كما يسهل عليهم السطو على الأرياف القريبة منه لتأمين مؤونتهم، مشيراً إلى أنّ الأراضي التونسية الجنوبية القريبة من ليبيا يصعب الاختباء فيها، نظراً لطابعها الصحراوي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية