مغربيات يزاحمن الرجال على التطرّف

داعش

مغربيات يزاحمن الرجال على التطرّف


05/12/2018

في تنظيمات متشدّدة تبيح قتل النفس وتحتفي بذكوريتها؛ تساهم نساء جهاديات في صناعة جيل من المحاربين، ويعملن على استقطاب نساء أخريات، وأحياناً ينفذن عمليات إرهابية. وتتعدد وظائف النساء في الجماعات الإرهابية، لتتحول المرأة أحياناً من ضحية إلى فاعل أساسي في هذه التنظيمات المتطرفة.

اقرأ أيضاً: أشهر الإرهابيات السعوديات.. التفاصيل كاملة

في المغرب، تعدّ فتيحة المجاطي (أم آدم)، إحدى الأسماء الأكثر شعبية بين الجهاديين المغاربة في تنظيم داعش، حتى أنّ الكاتب الفرنسي ديفيد طومسون خصّص جزءاً كبيراً لهذه المرأة في الكتاب الذي أصدره مؤخراً، وحمل عنوان" العائدون".

بارونة تنظيم داعش

تناول الكتاب فتيحة المجاطي من خلال عملها في "المضيفة"، التي كلّفتها داعش بإدارتها، العام 2014، والمضيفة: هي البيت الرئيس الذي يؤوي النساء العازبات، والأرامل والمطلقات من نساء داعش، إلى حين تزويجهن.

المغربية فتيحة المجاطي (أم آدم)

يصف ديفيد طومسون المجاطي بأنّها امرأة مخيفة جدّاً، مثقفة، تتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية بشكل جيد.

في كتابه الذي خصصه لجهاديين وجهاديات هربوا من مناطق التوتر وعادوا إلى بلدانهم، استمع ديفيد طومسون إلى "لينا"، وهي فتاة من أصل جزائري، كانت تعيش في منطقة شعبية بفرنسا، تعرّفت على المجاطي عندما قررت اللّحاق بشابّ فرنسي إلى سوريا.

أبو حفص: الحدّ من انتشار التطرف في صفوف النساء لا ينفصل عن الحدّ منه داخل المجتمع

وتحكي لينا: "في المضيفة اعتادت فتيحة المجاطي أن تقول للفتيات: "أنتنّ لا شيء، زوجي جاهد في أفغانستان، ونحن كلنا ظلال أزواجنا"".

تشير لينا إلى أنّها كانت أكثر ضحايا فتيحة المجاطي، ووصفتها بأنّها "مستبدة، ومتغطرسة، وذكية إلى أقصى حدّ".

تقول لينا: "المجاطي تتعامل مثل بارونة، لكونها كانت تعتقد أنّها تدير مافيا"، وكانت فتيحة، بحسب لينا، تحظى باحترام الرجال، الذي ينظرون إليها كامرأة عظيمة، وقد كان يكفي أن تشير بمعاقبة إحداهن حتى يتم الأمر.

من امرأة متحررة إلى متطرفة

تضيف لينا: "كانت فتيحة المجاطي أمّاً مطاعة من جميع نساء المضيفة، وكانت تتعامل مع رجال داعش من داخل مضيفتها التي تعقد فيها اللقاءات، كما كانت تخصص لفتيات المنزل 10 دقائق لمقابلة رجال من داعش يرغبون في الزواج، كان ذلك نوعاً من المواعدة الحلال"، موضحة: "لقد كان ذلك هو السبيل الوحيد بالنسبة إلى الفتيات لمغادرة مضيفة المجاطي".

اقرأ أيضاً: النساء الجهاديات: المرأة صانعة للإرهاب أم ضحية له؟

ويشار إلى أنّ المجاطي تخرجت من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، العام 1986، بعد أن نالت الإجازة في القانون الخاص باللغة الفرنسية، وكانت الأولى على دفعتها.

لم تكن المجاطي محجّبة في بداية حياتها، بل عاشت شبابها منبهرة بالغرب، تتنقل بين عواصمه، وكانت منفتحة ومتحررة، غير أنّها انقلبت إلى امرأة متشددة وحاقدة على الغرب عامة، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، وباتت تصفّهم بـ"دول الكفر"، وتناهض سياساتهم تجاه العالم الإسلامي.

فتيحة المجاطي برفقة ابنها

سبق لفتيحة أن اعتقلت من قبل مصالح الأمن المغربي، ووضعت رهن الاعتقال، بتمارة في المغرب، برفقة ابنها، لمدة زادت على 6 أشهر، قبل أن يُفرج عنها.

اعتقالها زاد تطرفها، وتبنّت مواقف تكفيرية، وانضمت إلى جمعيات حقوقية ناصرت معتقلي "أحداث 16 مايو" الإرهابية، وآزرت أسر المعتقلين، وشاركت في وقفات احتجاجية أمام السجون المغربية.

اقرأ أيضاً: داعش يخطف النساء من جديد.. أين؟!

ودعمت تنظيم داعش، وأيدت سفر ابنها إلى دولته "الوهمية" في العراق؛ بل عدّت سفره مصدر فخر لها، وتمنّت لقاءه في الجنة، وقبل أربعة أعوام؛ غادرت هي نفسها المغرب لتلتحق بداعش، وقد حظيت باستقبال كبير من قادة التنظيم.

"زوجي جعل مني متطرفة"

في الوقت الذي كانت فيه المجاطي تدافع عن أفكارها المتطرفة، تحت أعين الصحافة والإعلام بالمغرب، كانت "حبيبة" البالغة 44 عاماً، تخاف من المجتمع، بعد أن غادر زوجها المغرب للالتحاق بتنظيم داعش، تقول: "زوجي جعل مني متطرفة، لم أختر يوماً هذه الحياة، كنت إنسانة عادية من عائلة بسيطة، لكن بعد زواجي تغيرت حياتي وتغيرت شخصيتي".

تعدّ فتيحة المجاطي (أم آدم) إحدى الأسماء الأكثر شعبية بين الجهاديين المغاربة بتنظيم داعش

وتضيف حبيبة، في تصريحها لـ "حفريات": "كنت أقوم بما يخبرني به زوجي، ومع الوقت وجدت نفسي أشبهه، وأتبّنى أفكاره نفسها، وأعتقد بأنّ الحلّ الوحيد هو الجهاد، لمحاربة الكفر".

بنبرة حزينة تروي حبيبة: "عندما سافر زوجي إلى سوريا، طلب مني أن ألحقه، كنت في البداية متحمسة لذلك، كنت أعتقد أنّ الحياة هناك ستكون أفضل.. لحسن الحظ أنّ شقيقي منعني من السفر، يعلم الله وحده ماذا كان ينتظرني هناك.. الحمد لله".

تعيش حبيبة حالياً في مدينة الدار البيضاء، في بيت والدها، برفقة أطفالها الثلاثة، لكنّها تجهل مصير زوجها في سوريا، واسم "حبيبة" مستعار، استجابة لطلبها بعدم الكشف عن هويتها.

ساء لإشباع رغبات رجال التنظيم 

يرى الباحث في علم الاجتماع، عبد الجبار شكري: أنّ "تنظيمات إرهابية كانت تتواصل مع هؤلاء النسوة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاستقطابهن لجهاد النكاح، وتزامناً مع ذلك؛ كان فقهاء التنظيم يصدرون فتاوى تشجّع النساء على السفر إلى سوريا، واستخدامهن في المعسكرات لإشباع حاجيات رجال التنظيم الجنسية".

اقرأ أيضاً: ميليشيات الحوثي تختطف نساء وتقمع "هبّة صنعاء"

وأشار الباحث في علم الاجتماع، في حديثه مع "حفريات"، إلى أنّ "الأطفال المولودين من هذه العلاقات الجنسية داخل الجماعات المتطرفة دينياً، يعانون من هوية ممزًّقة، واضطرابات نفسية".

ورأى الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بأبي حفص، الذي كان أحد أبرز رموز "السلفية الجهادية" أنّ: "الحدّ من انتشار التطرف في صفوف النساء لا ينفصل عن الحدّ من التطرف داخل المجتمع"، مشيراً ، في حديثه لـ(حفريات)، إلى أنّ المرأة جزء من المجتمع وتتأثر بما يتأثر به من عوامل، وما يسري فيه من خطاب، وبما يقع فيه من معطيات".

يدعو فقهاء التنظيم النساء للسفر إلى سوريا لاستقطابهن لجهاد النكاح

المتطرفات يدمّرن أطفالهن

يقول أبو حفص: "ليست هناك وصفة خاصة لمحاربة تطرف النساء، في المقابل؛ ينبغي التركيز على المرأة، لأنّها تشرف على تربية الأطفال، وتقضي معهم من الوقت أكثر ما يقضيه الرجل؛ لذلك ينبغي التركيز على المرأة عن طريق التوعية والبرامج".

يصف ديفيد طومسون في كتابه "العائدون" فتيحة المجاطي بأنّها امرأة مخيفة جدّاً ومثقفة وتتقن الفرنسية والإنجليزية

وأكد أبو حفص أنّ "قضاء الأمهات المتطرفات وقتاً كبيراً مع الطفل، يمكنهنّ من تمرير عدد كبير من الرسائل، يتشرّبها ذلك الصغير، وتؤثر في سلوكياته فيما بعد، وفي مواقفه واختياراته"، مضيراً إلى أنّ "تطرّف الأم يشكل خطراً كبيراً على الأطفال، وينبغي الحذر جداً من هذا الموضوع، بحكم الصلة العاطفية التي تربط بين الأم والطفل، وممكن أن تمر عبرها مجموعة من الرسائل الخطيرة التي قد تؤدي إلى دمار الطفل". 

ويثير موضوع عودة النساء الجهاديات بتنظيم داعش إلى المغرب جدلاً واسعاً؛ حيث تطالب جمعيات حقوقية السلطات في المغرب بتمكين هؤلاء النسوة من العودة، بينما يرى البعض أنّ عودتهن قد تشكل خطراً على الأمن الداخلي للمملكة.

مطالب بعودتهن إلى المغرب

في هذا الصدد، يقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بن عيسى، "إنّ هؤلاء النساء كنّ قد أدلين بتصريحات صحفية، عبّرن من خلالها عن توبتهنّ عن هذا المسار"، مضيفاً لـ "حفريات" أنّهن "أكدن تفضيلهن الاعتقال والمتابعة في المغرب، على أن يبقين عالقات في صراع بعيد عنهن".

 

ويشار إلى أنّ مرصد الشمال لحقوق الإنسان، علم أنّ السلطات المغربية، أخبرت قوات سوريا الديمقراطية عن رفضها إعادة أكثر من 200 من النساء والأطفال المغاربة المتواجدين في مخيماتها، إلى المغرب.

وجاء قرار الرفض في وقت قامت مجموعة من الدول بإعادة النساء والأطفال إلى وطنهم الأصلي، وعملت على إعادة إدماجهم في الحياة الاجتماعية، وإخضاعهم لبرامج خاصة في هذا الإطار.

اقرأ أيضاً: كيف تسيست نساء التنظيمات الإسلامية في المغرب؟

ويشير بن عيسى إلى أنّ "الجانب الحقوقي يحضر من منطلق أنّ القانون الدولي الإنساني يفرض على الدول تحمل مسؤولية رعاياها، وبالتالي؛ بما أنّ النساء يحملن الجنسية المغربية، فمسؤولية الدولة تجاههن قائمة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية