مفاوضات فيينا: هل تنجح واشنطن بإدخال طهران في مسار أمميّ؟

مفاوضات فيينا: هل تنجح واشنطن بإدخال طهران في مسار أمميّ؟


12/06/2021

في ظلّ احتدام المنافسة الانتخابية في إيران بين المرشّحين لمنصب رئيس الجمهورية، والتي بلغت درجاتها القصوى، مؤخراً، على أكثر من مستوى؛ إذ تبادل المرشحون الاتهامات في مناظرات عبر التلفزيون الرسمي، كما أنّ مجلس صيانة الدستور بصدد مراجعة الأسماء التي جرى استبعادها، يزداد الملف النووي تعقيداً، خاصة أنّ المفاوضات الجارية في فيينا، والمتوقع أن تشهد جولة سادسة، خلال أيام، تقع تحت وطأة ثلاثة ملفات، تجعل من الوصول لاتفاق، نهائي وتامّ، أمراً صعباً وغير محسوم.

معضلات الاتفاق النووي

ومن بين القضايا التي تثير تعقيدات جمة في سبيل إحياء الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في المنشآت النووية الإيرانية، والأدوات المستعملة في تخصيب اليورانيوم، وكذا العقوبات الأمريكية التي يضغط المرشد الإيراني لرفعها كـ "شرط"، ضروري وأساسي، لنجاح المفاوضات، إضافة إلى المعوقات التي تفرضها طهران أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى المواقع النووية.

هيمن الملف النووي الإيراني على باقي القضايا الأخرى في المناظرة الثانية بين المرشحين لخلافة الرئيس حسن روحاني، قبل أيام، وقد تفاوتت الآراء حول الأزمة وآليات معالجتها، والتي لم تخلُ من توجيه اتهامات بين المرشحين السبعة؛ حيث تعرض المرشح محسن مهر علي زاده إلى انتقادات عنيفة، بعد أن طالب المسؤولين وأجهزة الدولة بضرورة التعاون مع الدول الكبرى للوصول إلى اتفاق، ومن ثم، رفع العقوبات الأمريكية، التي كبدت الاقتصاد الإيراني خسائر هائلة، وهو الأمر ذاته الذي حاول تمريره المرشح عبد الناصر همتي، لا سيما أنّ كلّاً منهما يحاول الحصول على دعم التيار الإصلاحي وكسب أصوات مؤديه.

مفاوضات الجولة السادسة ونجاحها يعتمد على اللاعبين؛ واللاعب الرئيس، الآن، سيكون الوكالة الدولية، حيث سيجتمع مجلسها، الذي يضمّ 35 دولة، في غضون أيام

ودان همتي "المعسكر الذي يهيمن على الاقتصاد ورؤوس الأموال ومرافق البلاد، منذ ثلاثة عقود، ويسعى وراء إقامة حسينية في البيت الأبيض، بدلاً من الاهتمام بالتنمية"، وتابع: "من هاجم السفارة السعودية؟ ومن ألحق ضرراً بقيمة العملة الوطنية ودمّر علاقاتنا بالجيران؟ ومن يقف وراءهم؟".

بيد أنّ المرشح القريب من المرشد الإيراني، وممثل الأخير في المجلس الأعلى للأمن القومي، سعيد جليلي، عقّب على تصريحات همتي بالقول: "ما تقوله عن إقامة حسينية في البيت الأبيض قول مزيف؛ هذا البعبع غير فاعل"، كما شدّد المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية، على ضرورة "رفع العقوبات" بغضّ النظر عن الرئيس القادم، وطالب بعدم التراجع عن المطلب الأخير في المفاوضات الحالية.

اقرأ أيضاً: نصرالله ونفط إيران.. توريط لبنان وتحويله لنموذج فنزويلا

وفي جلسة بمجلس الشيوخ، الثلاثاء الماضي، رجح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بقاء "مئات" العقوبات على إيران، حتى في حال امتثال طهران وواشنطن للاتفاق النووي، وقال: "أتوقع أنّه حتى في حال العودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، فإنّ مئات العقوبات ستظل سارية، ومنها عقوبات فرضتها إدارة دونالد ترامب".

الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي كمال الزغول

ولذلك؛ يرى الدكتور كمال الزغول، الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي، أنّه بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكية أمام مجلس الشيوخ، بأنّ الولايات المتحدة ستبقي على مئات العقوبات على إيران، إضافة إلى عدم سماح الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول جميع المواقع النووية للتفتيش "تصبح مفاوضات فيينا من نوع السهل الممتنع والتي قد تؤدي إلى تنازلات بسيطة من الطرفين، وقد تفضي هذه التنازلات إلى تخفيض حجم العقوبات على إيران، والتي تصل إلى 1300 عقوبة، لتصبح بالمئات، حسبما ذكر وزير الخارجية الأمريكي".

الجولة السادسة.. ما الذي سوف يحدث؟!

وفي المقابل، قد تقوم إيران بـ "التصرف حول كمية التخصيب الزائدة، بطرق قانونية، وبإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يعتمد على قدرة الوكالة على إدارة الملفّ"، بحسب الزغول، والذي يوضح، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ المعضلات الرئيسة التي قد تواجه الجولة السادسة تتمثل في "مطالبة الولايات المتحدة إيران بالوضوح التام بخصوص الأنشطة النووية منذ توقف الاتفاق، عام 2018، وهذا سيأخذ وقتاً، لكنّه ليس بالصعب إذا التزمت طهران بشروط الاتفاق، لا سيما أنّ إيران لديها 2.4 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة ٦٠%، حسبما أشارت الوكالة الدولية؛ إذ يصبح مخزونها من اليورانيوم المخصب 3.241 كيلوغراماً، وذلك بنسبة تصل إلى نحو 16 مرة، عن المنصوص عليه في اتفاق عام 2015".

اقرأ أيضاً: أمريكا ومأرب… والمشروع الإيراني

وبالتزامن مع الجولة السادسة، المتوقعة خلال الأسبوع الحالي، انعقدت جلسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لجهة مناقشة التقريرين اللذين صدرا بخصوص "ثلاثة مواقع سرّية عثر فيها على جزيئات اليورانيوم"، وهو الأمر الذي تسبّب في تصاعد نبرة حديث سفير إيران الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كاظم غريب آبادي، والاخير رفض الرد أو التعقيب على استفسارات الوكالة، بينما اتهمها بـ "التسييس".

وقال غروسي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية: "نحن بإزاء دولة لديها برنامج نووي متطور جداً وطموح تقوم بتخصيب اليورانيوم بمستويات عالية جداً، قريبة جداً من المستوى المطلوب لصنع أسلحة"، مضيفاً: لم تقدم، بعد عدة أشهر، التفسير اللازم لوجود جزيئات المواد النووية في أيّ من المواقع الثلاثة التي أجرت فيها الوكالة عمليات وصول تكميلية، بالنسبة إليّ، فإنّ طريق الثقة يمرّ عبر المعلومات والتوضيح والتفتيش والشفافية الكاملة".

الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي د. كمال الزغول لـ"حفريات" من بين المعضلات التي تعوق إحياء الاتفاق النووي في مفاوضات فيينا عدم موافقة إيران على دخول المواقع النووية

ووصف آبادي مخاوف غروسي بأنّها "مصطنعة"، ورأى أنّ مواقفه "تعكس مقاربة أحادية الجانب في التعامل مع إيران وتجاهل مستوى التعاون والتعامل بين الطرفين"، وهو الأمر الذي "يمكن أن يكون مانعاً للتعاملات المستقبلية بين الطرفين"، كما صنّف تقرير الوكالة بأنّه "لا يستند إلى مصادر موثوقة، وليس مقنعاً، لأنّه لا يعكس جميع جوانب التعاون والتقدم الذي تم تحقيقه".

خطة الولايات المتحدة باتجاه ملف إيران النووي

وبالعودة إلى الباحث في التاريخ السياسي الأمريكي، فقد أبلغ "حفريات" بأنّه من بين المعضلات التي تعوق إحياء الاتفاق النووي في مفاوضات فيينا "عدم موافقة إيران على دخول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع النووية؛ كون هناك جزيئات تخصيب تعود لعقود سابقة، ما يعطي مؤشراً بأنّ المفاعلات ليست لأغراض سلمية"، ويضاف إلى ذلك، إصرار الولايات المتحدة على التخلص من أجهزة الطرد المركزي الجديدة التي سرعت من قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم، خاصة أجهزة "IR4"، وأجهزة "IRM2"، وإبقائها دون تدمير يعدّ معضلة فنية كبرى".

ويخلص الزغول إلى أنّ "مفاوضات الجولة السادسة ونجاحها يعتمد على اللاعبين؛ واللاعب الرئيس، الآن، سيكون الوكالة الدولية، حيث سيجتمع مجلسها، الذي يضمّ 35 دولة، في غضون أيام، ليقرر النتائج حول جزيئات اليورانيوم المكتشفة، والأمور العالقة حول الاتفاق، بالإضافة لتحديد مدى قدرتها على تمهيد الطريق أمام اتفاق نووي يرضي الطرفين. ومن وجهة نظر محايدة، فإنّ اقتراب إيران من إنتاج سلاح نووي في ظلّ ظروف عالمية صعبة، يحتّم على الولايات المتحدة القبول باتفاق متوازن لإدخال طهران في مسار أممي، تمتلك فيه واشنطن الحجة مستقبلاً في حال اتخاذها القرار بالتصعيد إذا لم تلتزم الأول، وهذا ما تسعى الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إليه".

اقرأ أيضاً: هل يؤدي الاتفاق النووي مع إيران إلى تصدع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟

ويختتم: "ستكون الجولة السادسة حول تنازلات الطرفين للوصول إلى مسودة اتّفاق، ويبدو أنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية لن تقوم بتصعيد الموقف، بل على العكس ستحاول قدر الإمكان تمهيد الطريق نحو اتّفاق جديد، لكنّها ستحاول ممارسة ضغط سرّي على إيران، بناء على الاكتشافات السرية لها، حتى تقبل بالاتفاق، كما لا أتوقع بحال أنّ تغيير شكل الرئاسة سوف يؤثر على مسار المفاوضات؛ لأنّ الكلمة الفصل في تلك المفاوضات للمرشد الإيراني".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية