مفكر فرنسي: كورونا على خطى الإرهاب.. هذا ما فعله

مفكر فرنسي: كورونا على خطى الإرهاب.. هذا ما فعله


كاتب ومترجم جزائري
25/03/2020

ترجمة: مدني قصري


يرى سيباستيان بوسواس، الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط حول العلاقات الأوروبية العربية / الإرهاب والتطرف، ومدرس العلاقات الدولية والتعاون العلمي في جامعة ليبردو بروكسيل "CECID"؛ أنّ فيروس كورونا يستفيد، على غرار التطرف والإرهاب، من أنماط حياتنا المنطوية المُركزة، ومن عجزنا على الاستجابة العالمية، ومن ضعفنا الجماعي لتوحيد الناس معاً.
حرب حضارية
نحن نعيش في أوقات قد يسمّيها البعض "نهاية العالم"، وهو ما يخشاه ويتوقّعه "الإنجيليون" من جميع القارات؛ فقد انتقلنا من القلق والخوف إلى شيء آخر؛ إذ إننا مرعوبون اليوم من تهديد عالمي لم يسبق له مثيل في قرنٍ من الزمن، بسبب توسّعه السريع وقدرته على العدوى، فقد نجح فيروس كورونا في غضون أسابيع قليلة بالقضاء على جميع التهديدات الوجودية الأخرى للنظم الجيوسياسية التي شغلتنا لأعوام ووحّدت الرجال لبعض الوقت ضد تهديد خارجي؛ مثل الإرهاب الإسلاموي، وتهديد اليمين المتطرف الشعبوي، وكوريا الشمالية، وإيران.


من حرب اقتصادية بين الإخوة الأعداء، تشنّها الولايات المتحدة ضد الصين، إلى حرب حضارية نعيشها اليوم، اكتسبت فيها الصين مكانتها، فمن هناك بدأ كل شيء، ومن هناك قد ينتهي كل شيء، إذ بدأت الإنفلونزا الإسبانية في الصين، وكذلك إنفلونزا "H1NI"، ما يشير إلى العيوب القاتلة في عولمتنا؛ ابتداءً بإنكار الغربيين لأسابيع عديدة للوباء الجديد، بسبب إيمانهم بأنّهم في مأمن من أي شر يصيب غيرهم.
رد فعل غير كافٍ
بعد انطلاقه، على الأرجح، من سوق وُوهان الصيني للمأكولات البحرية، وهي فرضيات تناقضها بعض الدراسات الجادة، تمكّن الفيروس من التحليق في طرق وأجنحة العولمة بسهولة وسرعة لم يسبق لهما مثيل في أيّ فيروس (باستثناء "إيبولا" في القارة الأفريقية)، حتّى وصل إلى أوروبا، وفي الوقت الحالي، هذا هو المنتج الأوّل على طريق الحرير الجديد الذي وعدنا به  الرئيس الصيني شي جين بينغ؛ فيروس عالمي، ولا داعي لذكر الإنفلونزا الإسبانية، من زمن آخر، للتقليل من الخطر الذي يمثله "كوفيد 19" على أجسامنا، واليوم على أذهاننا.

نجح كورونا في غضون أسابيع قليلة بالقضاء على جميع التهديدات الوجودية الأخرى للنظم الجيوسياسية

إذا كان فيروس كورونا لا يقتل، على ما يبدو، فهو بالفعل، وفقاً لأحدث التقارير، قد قتل أكثر من الإنفلونزا الموسمية، فكون الفيروس ليس مميتاً لا يعني أنه غير مُرعب، هذا بسبب عدم وجود لقاح متوقع له قبل عام في أحسن الأحوال، كما أنّ الفيروس يستفيد بشكل أساسي من صورة الإرهاب البشري لأنماط حياتنا المركزة، ومن ضعف تفاعلنا العالمي، ومن عجزنا الجماعي على توحيد الناس معاً ضد تهديد خارق للإنسان، ولكن قبل كل شيء؛ من إنكارنا الدائم لوجود خطر عالمي؛ كمامة أو من دون كمامة؟ حجر صحي أو عدمه؟ لا أحد يعرف الحقائق بما يكفي، ولكل شخص رأي، والكل غارق في كمّ من المعلومات المبعثرة وفي سيلٍ من الهراء والحماقات الشعبية، والأدهى من ذلك، نظرية المؤامرة والمناورات السياسية، التي تفيد بأنّ الفيروس قادم من الولايات المتحدة لإضعاف الصين وإيران "الدولتان الأكثر تأثراً في الوقت الحالي".

فيروس كورونا هزّ ثقتنا في تفوّقنا وهيمنتنا
رغم التطوّر والتنمية ودرجة حضارتنا المزعومة، نحن أغنياء القارات المدللين؛ رفضنا باسم المبدأ التحوطي، اتخاذ تدابير، تجنبنا بالحد الأدنى تلوثاً فيروسياً لا يرحم، مع إهمالنا ونسياننا أنّ ثلاثة أرباع البشرية لا تزال تعيش في ظروف صحية مؤسفة، ومعرضة في نهاية المطاف لأن تسجل أكبر عدد من الضحايا بالأرقام، ومع ذلك، فهذه الشعوب ليست أكثر من تحدّث عنها العالم في الأيام الأخيرة، لأنها لا تملك الوسائل لإنتاج أو الحصول على اختبارات كافية.
فيروس مُنتقم لإسكات غطرسة الغرب
على غرار الهجمات الإرهابية التي أصابت أوروبا؛ فإنّ فيروس كورونا يزعزع أساسياتنا وثقتنا في تفوّقنا وهيمنتنا، كما يُظهر مرة أخرى ويلات الانتحار المُنظّم لمجتمعاتنا بسبب خصخصة الصحة، بتفريغ البحث الأساسي من وسائله وأدواته، والدليل على ذلك، أننا كنا نفكر من فترة قريبة أننا في مأمن من هذه الجائحة التي اعتبرناها، دون الاعتراف بذلك، مجرد وباء يخص العالم الثالث وحده؛ فعندما تحدث مأساة بعيداً عن أعيننا، غالباً ما تكون بعيدة عن قلوبنا، لكنّ أوروبا اليوم هي النخب الأوّل في المشهد العالمي، فقد أصبح فيروس كورونا "جوكرنا" الجديد؛ إلكترونٌ حرّ، يتحرك بانتقام بارد لإسكات القليل من غطرستنا، ويُعرّضنا مرة أخرى لفقدان كل الثقة في جميع مؤسساتنا، لأنّ هذا هو الموضوع؛ فبدلاً من حظر جميع الرحلات الجوية من الصين منذ البداية، سمحت سلطاتنا للسمّ بالانتشار في جميع أنحاء القارة العجوز.

اقرأ أيضاً: الإمارات تتخطى حواجز الدين والعرق في معركتها العالمية ضد كورونا
لقد أظهرت السلطات الغربية عجزها التام، وفي هذا دليل على تغليب الترابط بين تبادلاتنا التجارية الربحية وحياتنا، فهذه الشبكة الفيروسية الخفية التي نُسِجت في أقل من شهر كان لها أثرها البالغ، مثل الإرهاب تماماً، على أنماط حياتنا، فجميعنا معرّضون اليوم للعزل والحجر والحظر.

درس في التواضع للمستقبل
لم تكن أوروبا تريد تصديق ذلك؛ فقد عادت مرة أخرى إلى شعورها بالعظمة بإنكارها ما يحدث في العالم من تدهور وانحطاط، بسبب غطرستها وإيمانها الراسخ بكونها دائماً المتربعة على منصة التميّز السياسي.

اقرأ أيضاً: كيف نتخيل العالم بعد وباء "كورونا"؟
ليس الإرث التاريخي فقط هو المهم في السياسة، فهناك أيضاً الرؤية نحو المستقبل، فاليوم هناك العزل والحجر الصحي والحظر في إيطاليا وفرنسا وبلجيكا، ودور مَن غداً؟ الحدود تُغلق، ومشاعر الرفض والعنصرية والكراهية ورهاب الأجانب؛ تنفجر في خوفٍ وجودي وخوفٍ من نهاية العالم، الفكرة العزيزة على عقول الإنجيليين، وهم 700 مليون نسمة على وجه الأرض، بدءاً من الأمريكيتين، مروراً بالصين والولايات المتحدة، التي تغلق أراضيها أمام الأوروبيين، وليس انتهاءً بالهند، لكنّ الفيروس يستمر في الوصول إلى أعلى الدوائر، لأنّ الدودة "موجودة بالفعل في الفاكهة"، فهو درس في التواضع للمستقبل.
الإرهاب سوف يحاكي الطبيعة في المستقبل
كما نعلم جميعاً، ولعلّ "داعش" وآخرين سيستمتعون بذلك؛ سوف يُحاكي الإرهاب البشري الطبيعة في الأعوام القادمة، باستخدام الأسلحة البكتريولوجية، وستكون الحرب حرب الطائرات بدون طيار والروبوتات والأسلحة غير التقليدية، فماذا سنفعل ضد هذا التهديد غير المرئي؟ كانت التجربة المتواضعة لطائفة أوم "Aum " التي سكبت غاز السارين في مترو أنفاق طوكيو عام 1995، خطوة تجريبية لا يزال الجميع يتذكرها. إنّ المنظمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية كلها بالفعل في حالة تأهب حتى تحقق، باسم أيديولوجيتها العدمية، الدمار الشامل لِما يسمى حضاراتنا المتطورة، فماذا يمكننا أن نفعل ضد هذه المنتجات السامة الصادرة عن أسوأ مختبرات الحقد والكراهية؟ إنّ فيروس كورونا دليل حيّ على عدم استعدادنا لمثل هذه الاحتمالات، وربما هذا هو الأكثر إثارة للقلق، إنّ تعرّض مؤسساتنا الدولية للتحدي من طرف أعظم القادة الشعبويين الذين يحكمون الكوكب، تحدٍّ كبير للغاية، فلم يهتم دونالد ترامب، مثل جاجر بولسونارو وناريندرا مودي؛ بالمنظمات الدولية التي ما فتئت تُحذّر، على غرار تحذيرات منظمة الصحة العالمية، من خطر تفشي وباء كورونا في كوكب الأرض، نعم، هناك سبب وجيه للقلق الشديد الذي يعترينا ويستبد بالبشرية جمعاء بشأن المستقبل؛ لأنّ التعددية اليوم لا تستطيع أن تفعل شيئاً لإنقاذنا.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:
marianne.net

https://www.marianne.net/debattons/billets/comme-le-terrorisme-le-coronavirus-ebranle-nos-fondamentaux-et-notre-confiance-en



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية