مقاطعة الحج في تونس: السياسة في خندق الدين

تونس

مقاطعة الحج في تونس: السياسة في خندق الدين


05/07/2018

أثارت دعوة مقاطعة الحج في تونس أواخر الشهر الماضي جدلاً واسعاً في الشارع التونسي بين مؤيد ومعارض. الدعوة لم تكن الأولى من نوعها، غير أنّها في ظلّ السياقات السياسية والاجتماعية والإقليمية الحالية قد أخذت بعداً أكبر من حجمها وامتدّ جدلها إلى وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات إعلامية عربية عديدة.

دعوة المقاطعة

ودعا مكتب عام نقابة الأئمة في تونس، الفاضل عاشور، إلى مقاطعة الحج لهذه السنة، متعللاً بـ "ارتفاع مشطّ في كلفة أدائه وبالظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تونس"، مطالباً بضرورة أن توجه الأموال المخصصة لموسم الحج لدعم الفقراء وتحسين وضعياتهم الاجتماعية.

وقال عاشور، في تصريحات لوسائل إعلام محلية: "أنتظر أن تصدر فتوى تقول بعدم جواز الحج لاعتبارات اقتصادية، وأن يقوم الحاج بالإنفاق على ذويه والمحتاجين، وأن ينجز مشاريع لعائلات فقيرة، وأن يساعد عائلات وينفقها في مسائل تساعد الدولة".

لم يتوقف تداول دعوة مقاطعة الحج عند وسائل التواصل الاجتماعي بل تلقفتها وسائل إعلام معادية للسعودية

وتوجه عاشور إلى مؤسسة الإفتاء التونسية، مطالباً بإصدار فتوى تعطل فريضة الحج قائلاً: "أنتظر أن يتم اتخاذ موقف شجاع وتاريخي من دار الإفتاء، وأن تقوم بتوعية المواطنين وتستشهد بفتوى الإمام أبو الحسن الشاذلي الذي وافقه كل علماء عصره آنذاك".

غير أنّ التعلل بغلاء الكلفة البالغة 11000 دينار تونسي (4000 دولار أمريكي تقريباً) لم يكن كافياً؛ إذ زعم عاشور أنّ "السعودية تستخدم أموال الحج في العدوان على دول إسلامية مثل سوريا واليمن وهذا مخالف للشريعة الإسلامية".

جدل وانقسام

وانقسم الشارع التونسي بين مؤيد لهذه المقاطعة، بسبب تحول أداء فريضة الحج إلى مجرد فلكلور، وطقس شكلي لا يراد منه العبادة الخالصة، بقدر ما يراد منه الوجاهة الاجتماعية لا غير، وبين رافضين لهذه الدعوة، معتبرين إياها دعوة شخصية مشبوهة، غايتها هدم ثوابت الدين في تونس.

اقرأ أيضاً: أين وصلت تونس بعد 7 سنوات من "الثورة"؟

وفي ظلّ صمت الأحزاب التونسية، سارعت حركة النهضة إلى إصدار بلاغ رفضت فيه هذه الدعوة إلى مقاطعة الحج، معتبرة أنها "دعوة معزولة لها أبعاد شخصية مشبوهة ولا تعكس متانة العلاقة مع السعودية".

في دعوة المقاطعة روائح تسييس لفريضة الحج

تسييس الحج

وبغض النظر عن الأساس الفقهي لهذه الدعوة ومبرراتها الدينية، وإمكانية تبريرها من حيث الجانب الاقتصادي والاجتماعي بالنسبة إلى الوضعية الصعبة للتونسيين الذين يعانون الأمرّين بسبب غلاء المعيشة وتدنّي قيمة الدينار وتواصل هبوطه الحاد مقابل ارتفاع نسب التضخم وتفشي البطالة وغيرها، فإنّ الإشارة إلى أنّ المقاطعة شكل من أشكال "معاقبة" السعودية قد أغرق المسألة في السياسة وكشف البعد الأهم في المسألة في جانبها السياسي؛ إذ إنّ في دعوة المقاطعة روائح تسييس لفريضة الحج، وهو ما عبرت عنه الجهات الرسمية بصمتها عن الرد على هذه الدعوة، والمضيّ قدماً في إصدار البلاغات الترتيبية الخاصة بتنظيم رحلات الحج، بما أنّ المقاطعة على علاقة بالسياسة الخارجية التونسية التي ترتبط رسمياً بعلاقات مع السعودية توصف "بالجيدة".

الإعلام المعادي للسعودية على الخط

لم يتوقف تداول دعوة عاشور إلى مقاطعة الحج واستصدار فتوى رسمية في ذلك عند وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل تلقفتها وسائل إعلام معادية للسعودية (إيرانية وقطرية بالأساس) وسارعت إلى نشر تقارير عديدة وعقدت برامج لمناقشة المسألة، بالتركيز خصوصاً على إدانة السعودية بالحرب على اليمن، أو بالتدخل في سوريا، أو بالتشهير بالعلاقات السعودية الأمريكية.

من جهته أعلن وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم، في 20 حزيران (يونيو) 2018، عن تخفيض بـ213.506 دنانير في تسعيرة الحجّ لموسم 2018 والمحددة بـ11.710 آلاف دينار لتصبح في حدود 11.497 ألف دينار.

هناك من يقللون من شأن دعوات المقاطعة ويعتبرونها حركات للفت الانتباه وجلب الأنظار تفتقر إلى الجدية والالتزام

وأضاف الوزير، في تصريح إعلامي، على هامش افتتاح الشباك الموحد المخصّص لإتمام إجراءات السّفر إلى البقاع المقدّسة بجامع مالك ابن أنس بقرطاج، نقلاً عن أسبوعية "الشارع المغاربي" التونسية، أنّ بعثة تونسية توجهت إلى البقاع المقدسة أواخر شهر رمضان، بتكليف من رئيس الجمهورية تفاوضت مع المسؤولين السعوديين من أجل التخفيض في التسعيرة. وأوضح أنّ المسؤولين السعوديين استجابوا لطلب تونس، وأنه تم إدخال تخفيضات على عدد من الأداءات ليكون مجموعها 213.506 دنانير.

اقرأ أيضاً: أسرار وخفايا تصنيف تونس كأكثر دولة عرضة لتمويل الإرهاب

وكانت وزارة الشؤون الدينية قد فسرت ارتفاع تكلفة الحج بارتفاع كلفة عقود السكن والنقل ومصاريف الإعاشة وفارق الصرف للريال السعودي وارتفاع كلفة مصاريف الطيران عالمياً، ما سيرفع تسعيرة الحج مقارنة بالموسم الفارط والتي تتراوح حسب الخدمات بين 7480 ديناراً (2800 دولار)، 9520 ديناراً تونسياً (3600 دولار)، وفق موقع "لكم".

عدد مطالب الحج حققت تقدماً مقارنة بالسنة الماضية

تزايد أعداد الحجاج

يذكر أنّ عدد مطالب الحج قد حققت تقدماً مقارنة بالسنة الماضية؛ إذ أعلن وزير الشؤون الدينية التونسي أحمد عظوم في وقت سابق، أنّ عدد المطالب المتصلة بموسم الحج للعام الجاري بلغ 236 ألف مطلب ترشح للحج، مبرزاً أنّ عدد الحجيج التونسيين للعام الجاري يبلغ 10892 حاجاً مقابل 10374 حاجاً العام 2017. وهو ما يطرح أسئلة عن مدى فاعلية هذه الدعوة وصداها في أذهان التونسيين الذين يرى مراقبون أنهم لا يتفاعلون مع دعوات المقاطعة، ويعزون ذلك إلى ترسخ ذهنية الاستهلاك في بيئتهم.

اقرأ أيضاً: هل تقف أجندات خفية وراء فوضى التعليم الديني في تونس؟

وبما أنّ هذه الدعوات تتصاعد في كل عام، مترافقة مع البدء بتحضير ترتيبات الحج الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الدينية، فإنّ ملاحظين يقللون من شأن دعوات المقاطعة ويعتبرونها مجرد حركات للفت الانتباه وجلب الأنظار، تفتقر إلى الجدية والالتزام بالقضايا الحقيقية للتونسيين والتونسيات.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية