مناهج ومقررات مدرسية تقف خلف نزعات الكراهية

مناهج ومقررات مدرسية تقف خلف نزعات الكراهية


21/02/2018

حميد زنار

يتعجّب المرء في بعض الأحيان وهو يطّلع على بعض المقررات الدراسية مما إذا كان من وضعها في كامل عافيته العقلية. فمثلا نجد في أحد كتب التربية الوطنية والثقافة العامة لمرحلة الثانوية العامة في الأردن، هجوما على العلم الحديث بدعوى أنه يبعد الناس عن الدين والإيمان والشرف ويدمر البيئة وينشر المادية والعلمانية. كما نعثر على مقرر آخر يعلم التلاميذ أن المؤمن القوي هو الأكثر إقداما في الجهاد وأن أفضل الأعمال بر الوالدين ثم الجهاد ولا يجوز أن يكتفي المسلم بهداية نفسه بل واجبه أن يأمر وينهى الآخرين.

وفي السودان فرضت الحكومة السودانية على تلاميذها في مرحلتي الأساسي والثانوي تدريس الجهاد في المناهج الدراسية، كما نقرأ في موقع السودان على الإنترنت، وذلك بعد أن كانت وزارة التربية والتعليم قد حذفته في فترة سابقة من المنهج في أعقاب الاتهامات الموجهة للحكومة بتأجيج الحرب الدائرة في الجنوب بمفاهيم دينية. ونقرأ أيضا أن صحيفة “ألوان” المحلية قد نقلت عن الدكتور أحمد بابكر وزير التربية والتعليم لدى لقائه كمال الدين إبراهيم المنسق العام لقوات الدفاع الشعبي، أن الحكومة قررت إدخال “الجرعة الجهادية” في المناهج التربوية لمراحل التعليم الأساسي والثانوي للحفاظ على قيم الشريعة التي لن تكتمل بغير الجهاد.

ويكفي إلقاء نظرة متفحصة على المقررات السائدة في المدرسة الجزائرية لنعرف أنه من السنة الثالثة إلى التاسعة من التعليم الأساسي كان المحتوى متجذرا في التقليد وأقرب إلى التصور الأشعري في مسألة القدر مثلا منه إلى تصور المعتزلة، وهذا يدل على أن معظم البرامج كانت مقترحة من طرف أعضاء من جمعية العلماء المسلمين أو من المتعاطفين مع فكرها الإسلامي. وهو الأمر الذي جعل الكثير من التربويين والإعلاميين ينتقدون الوجود الديني التقليدي في المدرسة الجزائرية وقد ذهب بعضهم إلى رد الصعود الكبير للأصولية في الجزائر، ومن ثم ظاهرة الإرهاب، إلى مناهج المدرسة الجزائرية ذاتها. ولا يجد المتفحص للمادة المقدمة للتلاميذ سوى سلسلة من المعلومات تتخللها رسائل عنف ونداءات إلى الانشقاق مقدمة في نصوص قراءة مدعمة بقيم ومبادئ دينية في خدمة أيديولوجيا تنشر الكراهية بين الناس وتقسم البشر إلى مؤمنين وكفار.

وإذا انتقلنا إلى مصر نجد أنه رغم تعليمات رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي التي أكد فيها منذ مدة على وجوب إعادة النظر في المناهج التعليمية، فلم يتم سوى القيام ببعض التغييرات التي كان بموجبها حذف بعض النصوص المشجعة صراحة على التطرف. ولم يعلن وزير التربية المصري إلا في هذه السنة عن نيته في إعادة نظر معمقة للمناهج التعليمية المصرية واستحداث أخرى جديدة. أما في مناهج الأزهر فالخطب أعظم إذ نجد فيها مقررات فقهية تبيح “أكل لحم الأسير” و”أكل لحم الكافر في حالة الضرورة”، أما في كتاب “الحدود والجهاد في الفقه الإسلامي” المقرر لطلبة السنة الأولى في كليات الهندسة وطب الأسنان والصيدلة والسنة الثانية في باقي الكليات الأزهرية فنقرأ “الجهاد فرض كفاية ابتداء، بمعنى أنه يجب علينا أن نحارب الكفار الذين امتنعوا عن قبول الإسلام، وعن أداء الجزية، وإن لم يقاتلونا، وثبتت شرعيته بالكتاب والسنة والإجماع”.

ويمكن سرد أمثلة لا تحصى ولا تعد ومن مناهج عربية مختلفة تسهم كلها ولو بدرجات متفاوتة في خلق بيئة حاضنة لمفاهيم خطيرة كمفهوم التكفير والكراهية تجاه الآخر. والأمر ليس خاصا بالمناهج التعليمية المخصصة للأطفال الصغار في المرحلة الابتدائية فحسب بل بالنسبة للمراهقين في المرحلة المتوسطة والثانوية وحتى الجامعية.

وحتى وإن كنا لا نجد في المناهج دعوة صريحة إلى التطرف بشكل مباشر إلا نادرا في بعض البلدان فهي مبثوثة في اللغة المستعملة ذاتها. فكيف يمكن تنقية المناهج من تلك اللغة التي تحض على الكراهية والتحريض تجاه الآخر غير المسلم والآخر السني أو الآخر الشيعي على سبيل المثال؟

وبدل أن تنقي المناهج التعليمية أذهان الأطفال من الثقافة الشعبية التي تعطي للرجال الامتياز الفكري، لا تعمل سوى على ترسيخه. ويظهر التمييز بين الدور الموكول لكل من المرأة والرجل جليا في المقررات التعليمية والكتب إذ تعطي كلها مكانة أكثر أهمية للذكور علاوة على حضورهم الكمي الكبير مقارنة بالحضور النسوي.

لقد عمّرت طويلا المناهج الحالية التي صاغها الإخوان المسلمون أو التي اعتمدت تحت تأثيرهم وضغطهم في غالب البلدان العربية وخلقت ذهنية دينية تميل إلى التقوقع والتطرف لدى الجميع: تلاميذ وأساتذة وإدارة. ولم يعد خافيا على الملاحظين ولا حتى على الناس العاديين أن الوسط المدرسي والوسط الجامعي قد لعبا دورا كبيرا في تغذية الإسلاموية والتطرف الديني، إذ استغل الإسلاميون دائما الأوساط التعليمية للترويج لأيديولوجيتهم ونجد أن أغلب رواد الحركة الإسلامية جاؤوا من ميدان التعليم كزعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، التي أدخلت البلد في مرحلة تطرف وعنف راح ضحيتها الألوف من الجزائريين. واستغل الإسلاميون مناصبهم في التعليم في كل البلدان العربية لبثّ أفكارهم والتأثير على التلاميذ والثانويين وحتى الطلبة الجامعيين. وهذا ما أصبح يطلق عليه في الآونة الأخيرة بـ“المنهاج الخفي” كما جاء سابقا وهو ما يزرعه المعلمون والأساتذة في أذهان التلاميذ والطلبة من آرائهم وأيديولوجيتهم وثقافتهم الخاصة في غياب رقابة صارمة من قبل الوزارات والسلطات العمومية.

وبغض النظر عن النقاشات التي لا تزال مستمرة بين الإصلاحيين والمحافظين في مسألة تحديث المناهج التعليمية والتي من الصعوبة بمكان حسمها في أجل منظور، فالأمر الأكيد هو اتفاق الجميع على أن المناهج الحالية باتت متخلفة وغير متوافقة مع قيم العصر وينبغي إصلاحها لتواكب التطورات الحاصلة في كل مناحي الحياة. وحتى وإن كانت الدعوات إلى إعادة النظر في المناهج دعوات إصلاحية محتشمة يطبعها الكثير من الارتباك والتردد وحتى وإن لم تكن التعديلات المقترحة التي أجريت حتى الآن على المناهج قوية بما فيه الكفاية، فالأكيد أن موجة التغيير قد بدأت وأن الإصلاح البيداغوجي العربي قادم لا محالة ومن المستحسن أن يأتي من الداخل قبل أن يفرض تحت ضغوط خارجية.

عن"العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية