من بربروس إلى أتاتورك

من بربروس إلى أتاتورك


09/01/2020

كمال بالهادي

في إطلالاته المتتالية، ولتبرير تدخله العسكري في ليبيا، لم يترك أردوغان رمزاً إلا واستدعاه، في ذات الوقت الذي شحذت فيه المعارضة التركية أدواتها؛ لمحاربة القرار الذي تعده خاطئاً. ويتضّح أن أردوغان قد نسج على منوال التجربة الأمريكية؛ حين قررت الولايات المتحدة احتلال العراق، دون موافقة دولية.
أردوغان الذي يتغذى فكرياً من أدبيات جماعة «الإخوان المسلمين»، يشبه تماماً رؤساء الولايات المتحدة، وخصوصاً الجمهوريين الذين يمثلون تيار المحافظين الجدد، أو ما يعرفون بالإنجيليين، في قراءتهم للحروب التي يخوضونها.
فلنذكر على سبيل المثال، أن بوش الابن احتل العراق بناء «على رسالة إلهية» تم تكليفه بها كما ادعى في إحدى خطبه. ولنذكر أيضاً أن وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري قد صرّح في شهر نوفمبر/‏تشرين الثاني الماضي بأن «العناية الإلهية» هي التي اصطفت ترامب رئيساً. ومن هنا فإن كل حروب ترامب هي حروب «مقدّسة». هكذا يفكر الإنجيليون في الولايات المتحدة. وليس بعيداً عن هذا الفكر، يتموقع التنظيم «الإخواني» ومعه الرئيس التركي في حربه القادمة على ليبيا. فأردوغان الذي برّر كل ما فعلته بلاده طيلة السنوات التسع في سوريا، بأنه كان من أجل الإنسان فقط، وأن بلاده هي الوحيدة التي تنظر إلى الإنسان في سوريا، وليس إلى النفط أو النفوذ.
أردوغان استدعى اسم «أمير البحار» زمن الإمبراطورية العثمانية، خير الدين بربروس، الذي خاض معارك كثيرة، استطاع فيها بسط سيطرة الإمبراطورية على التجارة في حوض المتوسط. وهذا يدل على أن طموحات أردوغان ليست تحرير الإنسان الليبي من «الظلم»؛ بل إنه يطمح إلى أكثر من ذلك بكثير، فهو كان قد قال إنّه سيذهب إلى هناك؛ حيث أرض الأجداد. هو يدرك أن استدعاء اسم أمير البحار تعد رسالة ذات طابع عسكري، بأن الحرب ستكون حرباً مفتوحة ضد الجميع في البحر المتوسط، أي ضدّ كل من يقف أمام مصالح تركيا. وهذا يعني آلياً حرباً ضد اليونان وأوروبا وضد مصر وضد الدول العربية الرافضة للمنطق العثماني. لن يغفل أردوغان إضفاء طابع القداسة على حربه القادمة، ولن يتأخر في دعوة مريديه من جماعات «الإخوان» لإصدار فتاوى للشباب البائس؛ لكي ينخرط في الحرب «الجهادية» التي سيخوضها زعيمهم. ومثلما حدث في سنة 2012، عندما تم تنظيم مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، وما تبعه من فتح «أبواب الجهاد»، ونتج عنه هجرة مئات الآلاف من الشباب العربي والمسلم، إلى المحرقة السورية، فإنّه ليس مستبعداً أن تعمل الآلة الدعائيّة والتنظيمية على تجميع المقاتلين من كل حدب وصوب. وقد أكدت تقارير إعلامية وجود بوادر لهذا التحرك؛ حيث بدأت الجماعات الناشطة في سوريا بدعوة مقاتليها إلى الالتحاق بالساحة الليبية مع إغرائهم برواتب شهرية تصل إلى حدود 2500 دولار أمريكي.
غير أن الدعاية «الإخوانية» يبدو أنها قاصرة عن تكرار السيناريو السوري منذ 2011، بعد أن كُشِفت جوانب كثيرة من زيف تلك الحرب المدمرة لبلد عربي؛ لذلك استدعت الآلة الدعائية لحزب «العدالة والتنمية» التركي، صورة للزعيم العلماني التركي كمال أتاتورك وهو يقف إلى جانب مقاتلين ليبيين إبان الاحتلال الإيطالي لليبيا. نعم أردوغان «الإخواني»، الطامح لاستعادة الخلافة العثمانية، استنجد بأتاتورك الذي أنهى وجود الإمبراطورية العثمانية. إنه منطق يعبّر عن تخبط الرئيس التركي، في مغامرته الجديدة؛ بعد أن باءت مغامراته السابقة بالفشل. فمشروعه في سوريا سقط إلى غير رجعة، والعراق اتجه شرقاً نحو إيران، وحتى السودان التي راهن عليها لم يبق فيها له أي أمل؛ بعدما تمت إعادة ترتيب البيت وتنظيفه من الخيارات «الإخوانية». و الجزائر حسمت خيارها، بأنه لا سقوط في هوة «الربيع الإخواني»، أما بالنسبة لحلفائه في تونس، فهم أضعف من أن يكونوا حلفاء حقيقيين قادرين على رسم خرائط اللعبة في المتوسّط.
أمّا الإنسان الليبي الذي يزعم أردوغان أنه ذاهب لتحريره، فهو قد أعلن من خلال زعمائه، عن النفير العام وعن الجهاد ضدّ الغازي الجديد. ليعلم أردوغان أن نحو ألف شيخ قبيلة قد أعلنوا الجهاد ضدّه. وهذه لن يخلّصه منها إلا أن يرجع عما عزم عليه. وحتى بربروس لن يستطيع أن يحميه من المستنقع الليبي حتى وإن قام من قبره.

عن "الخليج"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية