من هو "حكيم القروي" مستشار ماكرون لشؤون المسلمين؟

من هو "حكيم القروي" مستشار ماكرون لشؤون المسلمين؟


13/05/2018

ألقى الرّئيس الفرنسيّ بالّلائمة الشّهر الماضي على "الإسلامويّة السّريّة" وأولئك الّذين "يجنّدون الإرهابيّين على أرضنا ويُفْسِدون علينا حياتنا"، وذلك فيما كان يتحدّث إلى جانب نعش ملفوف بالعَلم لضابط شرطة جرى قتله في هجوم إرهابي في جنوب فرنسا.

وكان الهجوم قد أضاف مزيداً من الإلحاح للمشروع الّذي يجري العمل عليه بالفعل: لقد شرع ماكرون في تحقيق مَطْلَب مثير للجدل يتمثّل في إعادة هيكلة الإسلام في فرنسا - بهدف الإدماج، ومنع الأصولية أيضاً.

وقال إنّه في الأشهر المُقْبِلة سيُعلِن "مخطّطاً لمؤسّسة [الإسلام] بأكملها". وأولئك الّذين يحاولون توقّع ما سيبدو عليه ذلك يحوّلون أنظارهم إلى حكيم القرويّ، وهو صوت رائد فيما يتعلّق بكيفيّة تناسُب التّقاليد الإسلاميّة مع الثّقافة الفرنسيّة.

ومن الصّعب عدم ملاحظة أنّ الرّجل الّذي يبدو أنّ ماكرون يُصغي إليه بخصوص هذا الموضوع الأشدّ حساسيّة يحظى بملامح مماثلة. فالقرويّ، شأنه شأن الرّئيس، مصرفيّ استثماريّ سابق لدى مجموعة روتشيلد، وينحدِر من أصول اجتماعيّة عُليا، ويفضّل البدلات حَسَنة التّصميم، والقمصان البيضاء المتموّجة، والعالم النّبيل للأفكار الكبرى.

وآخر هذه الأفكار أنّ أفضل طريقة لدمج الإسلام في المجتمع الفرنسيّ تتمثّل في التّرويج لصِيغة من الدّين "يمارسها المؤمنون بسلام دون حاجة إلى الإعلان بصوت عال عن اعتقادهم".

الرئيس الفرنسي

طرق قديمة غير ناجعة

لكن إذا كان القرويّ يمثّل نموذجاً لكيفيّة تصوّر ماكرون لعمليّة الدّمج بين التّقاليد الإسلاميّة والقِيَم الفرنسيّة، فإنّ هذا الجهد قد ينتهي إلى التّعثّر على طريق وعرة.

يقول ياسر الّلواتي، وهو مدافع عن الحرّيّات المدنيّة في فرنسا وناشط تنظيميّ ضِمن الجالية المسلمة، "إنّ القرويّ مفصول عن عموم المسلمين، ويكتسب شرعيّة الحديث في هذه المسألة فقط من مصادفة كَوْن اسمه حكيم القرويّ، وهذا كلّ ما في الأمر".

ومنذ عام 2015، قُتِل في فرنسا أكثر من 230 شخصاً في هجمات إرهابيّة ارتكب معظمها مواطنون فرنسيّون أو أوروبيّون آخرون على صِلة بتنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش) أو تحت تأثير أفكاره. وفي هذه الأثناء، ذهب ما يصل إلى 1,910 مواطن فرنسيّ إلى الجّهاد في العراق وسوريا، بحسب مركز سوفان المعنيّ بدراسة الرّدكلة.

وتُكابِد فرنسا من أجل الوصول إلى طريقة لإيقاف ذلك - ما الّذي يمكن أن ينجح وما يجب أن يكون عليه الدّور الصّحيح للحكومة. وبالفعل، كانت هناك عثرات.

في عام 2016، افتتحت الحكومة أوّل "مركز تفكيك للرّدكلة"، ضمن 13 مركزاً جرى التّخطيط لهم، في قصر تمّ تحويله لهذا الغرض في وادي لوار، حيث تطوّع شباب في عرضة للخطر لبرنامج شامل في الثّقافة والتّاريخ الفرنسيّين. لكن هذه المقاربة تعرّضت لانتقادات لإخراجها الشّباب من ديارهم ومجتمعاتهم، كما انتُقِدَت باعتبارها ذات منظور قوميّ متطرّف وتستند إلى عِلم مشكوك فيه. ثمّ بدأ سكّان محلّيّون في الاحتجاج يدفعهم شعور بالقلق من وجود إرهابيّين في محيطهم. وجرى إغلاق مركز لوار في عام 2017، وأعلِن أنّ هذا المفهوم "فاشل تماماً".

بالنّسبة لعدد من العلماء الفرنسيّين فإنّ فكرة وجود دولة تحاول تنظيم دين بأكمله لإيقاف أقليّة صغيرة متطرفة تُعدّ معركة خاسرة

إلى هذا، اتّبع ماكرون سياسة أمنيّة صارمة. وفي العام الماضي، كرّس بشكل دائم أجزاء من النّصوص المنظّمة لحالات الطّوارئ في القانون الفرنسيّ. كما واصل حملة قمع على المساجد والأئمة المرتبطين بالسّلفيّة، وهي عبارة عن تفسير متشدّد للإسلام.

لكن يبدو أيضاً أنّه استثمر في عمليّة إعادة تصوّر لإسلام فرنسيّ على نحو يتجاوز مسألة الأمن القوميّ. ومنذ الثّمانينيّات، يحاول الرّؤساء الفرنسيّون القيام بالشّيء نفسه، ولكن دون جدوى. بيد أنّ ماكرون البالغ من العمر 40 عاماً عازم على النّجاح فيما فشل فيه غيره. ويبدو أنّه مفتون بشكل خاصّ بأفكار القرويّ.

الإسلام: البحث عن صيغة فرنسيّة

ولِدَ القرويّ لأب تونسيّ مسلم وأمّ فرنسيّة بروتستانتيّة، وهو أيضاً ابن شقيق رئيس وزراء تونسيّ سابق، ويعرّف نفسه على أنّه مسلم فرنسيّ. لكنّه ليس متديّناً على نحو علنيّ.

وهو يجسّد في العديد من النّواحي النّخبة الفرنسيّة الحديثة - وربّما بشكل أكثر من الّلازم بالنّسبة إلى بعض المسلمين. فتماشياً مع التّفسير الصّارم للعلمانيّة الفرنسيّة المعروفة باسم laïcité، يعارض تعبيرات دينيّة مثل الحجاب، الّذي يراه كأداة سياسيّة تعزّز عدم المساواة بين الرّجال والنّساء وبالتّالي تتعارض مع القيمة الفرنسيّة الأساسيّة للمساواة égalité.

ولم يكن إلّا بعد هجوم شارلي إيبدو عام 2015، وهو الهجوم الّذي شمل مسلمين فرنسيّين مشتبه بهم، أن بدأ القرويّ البحث والكتابة حول المسلمين في فرنسا - ويمثّل هؤلاء مجتمعاً مجزّأً يضمّ حوالي 4.5 مليوناً، بالرّغم من أنّ الرّقم الدّقيق غير معروف، نظراً لرفض الحكومة الفرنسيّة جمع إحصاءات رسميّة على أساس العرق أو الإثنيّة أو الدّين.

وتظهَر مواقفه المتعدّدة في كتاب صدر مؤخراً بعنوان "الإسلام، دين فرنسيّ L'Islam, Une Religion Française"، وهو عبارة عن مداخلة أسعدت قطاعات كبيرة من النّخبة الفرنسيّة لما اشتملت عليه من دعوة القرويّ المسلمين لتولي مسؤوليّة مجتمعهم. وكما يكتب في خاتمة الكتاب، "إنّنا في حاجة إلى استنفاركم. ومن خلال إلزام أنفسكم بذلك يُصبِح الإسلام بشكل طبيعيّ ديناً فرنسيّاً".

وباتّباع أسلوب ماكرونيّ عمليّ، يقارب القرويّ مشروع "الإصلاح" على النّحو الّذي قد يتوقّعه المرء من شخص لديه خلفيّة في مجال التّمويل. فقد سعى إلى تحديد "الاستهلاك الإسلاميّ" في فرنسا و"حصّة السّوق" من المسلمين العلمانيّين مقابل الدّولة الإسلاميّة (داعش) والإخوان المسلمين. ويكتب عن التّصديق على منتجات الحلال "على امتداد سلسلة القيمة [مصطلح اقتصاديّ يعني سلسلة الأنشطة التي تضيف قيمة إلى المنتوج النهائي] بأكملها". وهو مهتمّ بشكل خاصّ بالتّدفقات الماليّة ويرغب في الحدّ من الدّعم الخارجيّ للمساجد والأئمة - وهو الاقتراح الّذي تُشير تصريحات ماكرون الأخيرة بأنّه قد يتبنّاه في نهاية المطاف.

ويقول القرويّ في مقابلة في مكتبه في باريس: "لقد ارتكبنا خطأ إستراتيجيّاً في الماضي، عندما قُرّر أنّ المسلمين أجانب وأنّ الإسلام يجب أن يتمّ تمويله من قِبل دول أجنبيّة".

باتّباع أسلوب ماكرونيّ عمليّ، يقارب القرويّ مشروع "الإصلاح" على النّحو الّذي قد يتوقّعه المرء من شخص لديه خلفيّة في مجال التّمويل

وأشار إلى أنّ الإسلام هو ثاني أكثر الأديان ممارسة في فرنسا وأنّ الغالبيّة العظمى من المسلمين في فرنسا، حوالي 75 في المائة، هم من مواليد فرنسا. ومع ذلك، فإنّ أموال دعم الغالبيّة العظمى من المساجد والأئمة الفرنسيّين تأتي من الجزائر والمغرب وتركيا. وقال: "لقد أصبحت فكرة التّمويل الأجنبيّ جنونيّة تماماً". ويقترح تمويل الحياة العموميّة للمسلمين الفرنسيّين من خلال عدّة مصادر محليّة عوضاً عن ذلك.

وقد أدّت مقترحات القرويّ إلى نفور بعض المسلمين المتديّنين في فرنسا وأولئك الّذين يحاربون الإسلاموفوبيا. كما تعرّض لانتقادات بسبب قبوله أنّ الأصولية في الأساس هي مشكلة إسلاميّة يجب معالجتها في صفوف الجالية. إلّا أنّ العديد من الإرهابيّين المُدانين لم يكونوا متديّنين بشكل خاصّ.

وكان من بين القضايا المحدّدة دراسة أجراها عام 2016 من خلال معهد مونتيني: "إسلام فرنسيّ ممكن"، والّتي، من بين أمور أخرى، درست العلاقة بين المسلمين والرّدكلة. وقد جرى انتقاد الدّراسة على أسس تقنيّة. وجادل البعض بأنّ أحجام العيّنات كانت غير مقنعة، في حين أصرّ آخرون على أنّها طرحت أسئلة رائدة.

ويقول مروان محمّد، المدير السّابق للتّجمع ضدّ الإسلاموفوبيا في فرنسا Collective Against Islamophobia in France والنّاشِط المناهض للتّميّيز: "لديه مقاربة براغماتيّة، فهو يريد تعريف المشكلات وتقديم الحلول. لكن ما يعرّفه على أنّه 'راديكاليّ' لا علاقة له بالإسلام".

والقرويّ يتجنّب الانتقادات قائلاً: "من بين أكبر المشكلات في العالم الإسلاميّ، وفي العالم العربيّ، يأتي العجز عن مواجهة المشكلة. إنّ الأمر دائماً هو خطأ شخص آخر. 'هذا ليس خطأنا. لا وجود له. إنّها مؤامرة. إنّه خطأ إسرائيل'. لكن ما هي الحقيقة؟".

وهو أقلّ اهتماماً بأي مصادر أخرى موثّقة للعزلة والرّدكلة عند المسلمين، مثل التّميّيز الّذي قد يحدّ من فرص التّعليم والعمل، أو نظام السّجون في فرنسا، حيث يتمّ تمثيل المسلمين بشكل غير متناسب.

وهو أيضاً كاره لإعادة النّظر في المبادئ الأولى، مثل فكرة أنّ الحجاب يشكّل تهديداً لتأسيس الجمهوريّة الفرنسيّة. فقد قال عند حديثه حول الموضوع في الولايات المتّحدة في العام الماضي: "ذلك واقع سياسيّ وإنّنا لن نغيّر فرنسا".

ولِدَ القروي لأب تونسيّ مسلم وأمّ فرنسيّة بروتستانتيّة

مخاوف من مقاربة سلطويّة

وبالنّسبة إلى عدد من العلماء الفرنسيّين، فإنّ فكرة وجود دولة تحاول تنظيم دين بأكمله لإيقاف أقليّة صغيرة من المتطرّفين تُعدّ معركة خاسرة. كما يرى هؤلاء أنّ ذلك يُعدّ مطمحاً شِبه ملكيّ لا مكان له في بلد ملتزم بالعلمانيّة.

يقول أوليفييه روا، الخبير في شؤون الإسلام الفرنسيّ والأستاذ في معهد الجّامعة الأوروبيّة  في فلورنسا: "إنّ مصدر الإلهام الواضح هو الإدماج المركزيّ لليهود على يد نابليون، لكن نابليون تمكّن من تحقيق ذلك لأنّه كان رئيس دولة سلطويّة".

ففي عام 1808، أنشأ نابليون بمرسوم منظّمة تعرف باسم Consistoire Central Israélite، وهي هيئة تهدف إلى العمل كسلطة تنظيميّة مركزيّة للممارسة الدّينيّة اليهوديّة في كافّة أنحاء فرنسا. وما تزال نسخة من المنظّمة على قيد الحياة إلى اليوم.

ويتابع روا: "وقد جرى الأمر نفسه مع لويس الرابع عشر و'الغاليكانيّة'"، مشيراً إلى الرّأي القائل بأنّ الملوك الفرنسيّين - وليس البابا - يجب أن تكون لهم السّلطة المطلقة فيما يتعلّق بالسيطرة على الكنيسة الكاثوليكيّة، كوسيلة للسيطرة على الشعب. "كان ذلك أمراً طبيعيّاً في ذلك الوقت، ولكن لأنّ الملك كان مرعيّاً بالحقّ الإلهيّ".

ويضيف: "أمّا الدّولة العلمانيّة فليس لديها أيّ حقّ قانونيّ في التّدخل في الدّين. ومن شأن هذا أن يكون غير دستوريّ. إنّنا نسمع الكثير من الكلام عن تكوين الأئمة، وعن فكرة الإسلام الّذي يقبل 'قيم الجمهوريّة الفرنسيّة' - ولكن ماذا يعني ذلك بالضّبط؟".

بالنّسبة إلى آخرين، فإنّ ما يجب معالجته هو ما يعتبرونه النّفاق البنيويّ للدّولة الفرنسيّة، الّتي تَعِد الجميع بالمساواة ولكن في كثير من الأحيان تحدّد الطّريقة الّتي يستطيع بها مواطنون معيّنون أن يعيشوا حياتهم، كما يوضّح ذلك الجدل الأخير حول الحجاب و'البوركيني'.

وتقول دنيا بوزار، وهي مؤلّفة ومختصّة في تفكيك الأصولية، إنّ المسلمين الفرنسيّين "ليس لهم مكان في الحياة العامّة".

وتتابع: "علينا الحصول على حرية عموميّة في الفضاء العام".

جيمس ماكولي، الواشنطن بوست، 17 نيسان 2018

المصدر: Struggling to prevent terrorist attacks, France wants to ‘reform’ Islam




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية