من يلاحق قتلَة هشام الهاشمي بعد تهريبهم خارج العراق؟

من يلاحق قتلَة هشام الهاشمي بعد تهريبهم خارج العراق؟


22/11/2020

مثّل اغتيال الباحث والصحفي العراقي، المتخصّص في شؤون التنظيمات الإرهابية، هشام الهاشمي، إحدى الحلقات المعقّدة والمثيرة في متوالية الاستهدافات المتصلة بمجموعة من الشخصيات السياسية والحقوقية والصحفية بالعراق، وكذا الناشطين، ممن لهم مواقف معارضة ضدّ الميليشيات والقوى، السياسية والأمنية، المدعومة من طهران، المتهمة بالفساد، والمتسبّبة في العنف والسيولة الأمنية، إضافة إلى تورّطها في قمع القوى الشعبية المنتفضة في مظاهرات احتجاجية، منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

التصفية الجسديّة للنشطاء والصحفيّين بالعراق ممنهجة ولا تتوقف عند الحدود القصوى للعنف، وتسبقها موجة هائلة ومقصودة من الدعاية السلبية ضدّ المعارضين

اغتيال الهاشمي.. القصّة وتداعياتها

التصفية الجسديّة للنشطاء والصحفيّين بالعراق، تبرز حملة ممنهجة، لا تتوقف عند الحدود القصوى للعنف، إنّما تسبقها موجة هائلة ومقصودة من الدعاية السلبية ضدّ المعارضين، تعمد إلى تشويههم ووصفهم بالعمالة والتخريب لصالح قوى خارجية وأجنبية، مثلما حدث مع الناشطة العراقية، ريهام يعقوب، في آب (أغسطس) الماضي، والمراسل الصحفي، أحمد عبد الصمد، وحسين العابدي وزوجته.

ففي تقرير صحفي لوكالة "مهر" الإيرانية، شبه الرسمية؛ وردت أسماء مجموعة من الناشطين المدنيّين العراقيّين، الذين جرى اتهامهم بـ "العمالة لصالح القنصلية الأمريكية في البصرة"، ومن بينهم الناشطة العراقية، ريهام يعقوب؛ إذ ورد في التقرير المنشور: "عكست أعمال الشغب التي سيطرت على تظاهرات مدينة البصرة العراقية، وجود شبكة أمريكية الصنع تستهدف مكانة إيران في المنطقة، وتسعى إلى تقسيم الشرق الأوسط، لا سيما العراق، ووفق المعطيات المتاحة؛ فإنّ الحرب الناعمة ضدّ الشعوب في الشرق الأوسط تدار الآن من قبل السفير الأمريكي في العراق، دوغلاس سيليمان".

كان هجوم الوكالة الإيرانية، شبه الرسمية، على الناشطة العراقية بمثابة الشيفرة لانفلات الأذرع الأمنية الإيرانية ضدّها، الأمر الذي تكرّر في حوادث مماثلة كثيرة، وقد جرى مع الأديب العراقي، علاء المشذوب، بعد هجومه على الإمام الخميني؛ لذا فإنّ الهاشمي تمّ استهدافه بعد ساعات قليلة من مقابلة تلفزيونية، انتقد فيها الخلايا الميلشياوية المعروفة بـ "الكاتيوشا"، والمسؤولة عن مهاجمة البعثات الدبلوماسية في العراق، ومن بينها السفارة الأمريكية.

ذراع القمع والاغتيال

وإن قضى المشذوب إثر ثلاث عشرة طلقة، في محيط منزله بمنطقة باب الخان، الواقعة بمحافظة كربلاء، وسط العراق، والخاضعة ضمن الأطواق الأمنية للمجموعات المدعومة من طهران، فقد حدث الأمر ذاته، مع الهاشمي، لكن بأسلحة كاتمة للصوت، في منطقة زيونة، شرق العاصمة العراقية، بغداد.

وكان غرّد الهاشمي عبر حسابه الشخصي، على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، قبل أقلّ من ساعة من اغتياله: "تأكّدت الانقسامات العراقية من خلال عُرف المحاصصة؛ الذي جاء به الاحتلال "شيعة، سنّة، كرد، تركمان، أقليات"، الذي جوْهر العراق في مكونات، والأحزاب المسيطرة "الشيعية، والسنّية، والكرديّة، والتركمانية، .."، التي أرادت تأكيد مكاسبها عبر الانقسام، والأحزاب الدينية التي استبدلت التنافس الحزبي بالطائفي".

وفي غضون ذلك، كشف المتحدّث الرسمي بلسان رئيس الوزراء العراقي، أحمد ملا طلال؛ أنّ هناك جهات هرّبت قتلة هشام الهاشمي، للخارج بعد يوم واحد من حادث الاغتيال، لافتاً إلى أنّ "الأجهزة الأمنية كانت قد تمكّنت من تحديد هوية اثنين من المتّهمين الأربعة بالاغتيال، وعثرت على الدراجات النارية المستخدمة في العملية، في منطقة ما في العاصمة، بغداد".

سبقت تصريحات المتحدث الرسمي بلسان رئيس الوزراء العراقي، تصريحات أخرى سابقة له، قبل نحو ثلاثة أسابيع، كشف فيها امتلاك الحكومة العراقية معلومات تخصّ المتورطين في مقتل واغتيال الهاشمي، دون توضيح أكثر بخصوص التعريف بهوية تلك الأطراف، أو معلومات حول صلاتها وارتباطاتها، وذلك للحفاظ على سرّية التحقيقات، حسبما قال.

اقرأ أيضاً: هذا ما حدث في اجتماع سليماني مع الميليشيات العراقية.. تقرير استخباراتي

ومن جانبها، رحّبت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بتعهّد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بمحاسبة المسؤولين عن مقتل كبير الباحثين والمحللين الأمنيين، هشام الهاشمي، مشيرة إلى أنّ "مقتل الهاشمي يتّبع نمطاً من عمليات القتل التي تستهدف الأفراد الذين ارتبطوا بطريقة أو بأخرى بالمظاهرات، أو الذين وجهوا انتقادات علنية؛ للحكومة، أو الأحزاب السياسية، أو الميليشيات".

تحديات الميليشيات للدولة

وقالت المتحدثة باسم المفوضية ليز ثروسيل؛ إنّ حادثة القتل المروّعة التي تعرض لها الخبير الأمني في العاصمة العراقية، أظهرت بجلاء المخاطر التي يواجهها الأشخاص الذين يتجرأون على تحدّي المليشيات القوية، في العراق، ويتحدّثون عن انتشار الإفلات من العقاب والفساد.

د. محمد نعناع لـ"حفريات": المجموعة المنفّذة للاغتيال كانت مقرّبة جداً من قيادي كبير في الميليشيات المدعومة من طهران، ويقيم في إيران

وشدّدت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الحكومة العراقية، على ضرورة "المساءلة والتحقيق في جميع أعمال العنف التي ترتكب فيما يتعلق بالمظاهرات، وعمليات القتل، من خلال إجراء تحقيقات ومحاكمات شاملة ومستقلة وشفافة".

تعدّ عملية اغتيال الخبير الأمني، والباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، هشام الهاشمي، انتكاسة كبيرة للوضع الأمني بالعراق، وللعمل الحكومي والقضائي، على حدّ سواء، بحسب الباحث العراقي، الدكتور محمد نعناع، الذي أبلغ "حفريات" بأنّ "الأطراف التي اغتالت الهاشمي، وهي المليشيات المدعومة من الخارج، معروفة منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الاغتيال، وهذه الجماعات الميليشياوية قامت بفعل الاغتيال متحدّية الدولة، من جهة، ومتجاوزة كلّ محاولات بناء مناخ عراقي إيجابي، تسوده الثقة، من جهة أخرى". 

الباحث العراقي الدكتور محمد نعناع

ويتابع نعناع: "من المعلوم لنا؛ أنّ المجموعة المنفّذة للاغتيال كانت مقرّبة جداً من قيادي كبير في الميليشيات المدعومة من طهران، ويسكن في إيران، بينما يوجه مجموعاته من الخارج، كما أنّه من المعلوم أيضاً أنّ هذه المجموعة، المكوّنة من خمسة عناصر، نفذّوا الاغتيال بحقّ الهاشمي، وسافروا فجراً بعد العملية، وقد هرب بعضهم، عبر الحدود البرّية، تحديداً من منفذ المنذرية، والبعض الآخر عبر مطار النجف الدولي". 

وانتقد الباحث العراقي تصريحات الناطق باسم رئيس مجلس الوزراء، مؤخراً، بأنّهم كشفوا تهريب اثنين من المجرمين، كون هذه المعلومة قديمة جداً، بينما يعرفها جميع المطّلعين على سير العملية والتحقيقات حولها، وأردف: "من المعيب أن تكشف الحكومة، بين فترة وأخرى، معلومات لا قيمة لها فيما يتّصل بقضية الهاشمي، وذلك من أجل إلهاء الرأي العام وتشتيته، دون القيام بأيّ إجراء عملي وجاد على أرض الواقع".

وأردف المصدر ذاته: "حتى من أعلن الناطق الرسمي باسم رئيس مجلس الوزراء العراقي تورّطهم في تهريب الذين اغتالوا الصحفي والباحث العراقي، لم تداهَم بيوتهم، أو أماكن عملهم، على حدّ علمي، مما يعني أنّ التصريحات الرسمية المعلنة، بين فترة وأخرى، حول موضوع الهاشمي، هي للاستهلاك الإعلامي المحلي، فقط، ومن دون أيّة فائدة، تنفيذية أو قضائية؛ وهذا يعني أيضاً أنّ الحكومة انحنت أمام تحدّي المليشيات لسلطتها".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية