موسكو تستعين بأنقرة لتسديد هدف في مرمى الناتو والولايات المتحدة

موسكو تستعين بأنقرة لتسديد هدف في مرمى الناتو والولايات المتحدة


13/10/2020

عبر صحيفة "ميدل إيست أونلاين"، كتب السياسي الأمريكي، آلون بن – مير، في آخر مقالاته؛ أنّ رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، أخبره مراراً وتكراراً بأنّه بحلول عام 2023، وفي الذكرى المئوية للجمهورية التركية، ستظهر تركيا قوتها وتمارس التأثير الذي كانت تتمتع به الإمبراطورية العثمانية في أوجها، والتي رآها آلون حالة من عدم الاستقرار والعنف، وهو ما تقدّمه غزوات أردوغان المحلية والدولية من رؤية بانورامية لأهدافه الخطيرة.

اقرأ أيضاً: أدوات أردوغان لإثارة الأزمات وافتعال الحروب

تخلت الديمقراطيات الغربية عن مبادئها، أمام جنون العظمة الذي أصاب الخليفة الجديد، وهو ينتهك كلّ مادة من حقوق الإنسان في بلده، ويزعزع استقرار البلدان الأخرى، بينما يستغلّ نقاط ضعفها ومواردها من أجل الترويج لأجندته القومية، وما يزال الاتّحاد الأوروبي، وحلف الناتو، في حالة من الصمت، حتى بعد شراء تركيا لمنظومة دفاع جوي من روسيا.

يقول الباز لـ "حفريات": "نحن نتحدث عملياً عن وجود أنظمة روسية في قلب حلف الناتو، وعلى أراضي أحد أهم أعضائه، لخصوصية تركيا الجيوسياسية، وهو مكسب مهم جداً لروسيا، مهما كانت الخلافات بين موسكو وأنقرة؛ حيث إنّه إذا تمّ تفعيل منظومة "s-400"؛ فإنّ هذا التفعيل قد يترتب عليه شلل في العمليات الأمريكية التي تتمّ إدارتها من قاعدة "إنجرليك"، وهو مكسب إضافي لروسيا بطبيعة الحال، وحتى مع افتراضات عدم تفعيل تركيا للمنظومة الروسية؛ فإن روسيا تحاول أن تعطي شيئاً في المقابل، أي بيع المنظومة لتركيا رغم الخلافات بينهما، مقابل أن تغضّ تركيا النظر عن النفوذ الروسي في سوريا، لتظلّ روسيا محتفظة بإطلالتها على المياه الدافئة بسوريا عبر قاعدة طرطوس، ولعِلم روسيا أنّ تصعيد الفصائل المسلحة في سوريا مرهون بإشارة من أنقرة".   

تتبع روسيا سياسات متناقضة تجاه تركيا؛ إذ يهدف الرئيس الروسي، من خلال الصفقة مع تركيا، إلى تحقيق عدد من الأهداف التي تؤدي إلى تصدّغ حلف الناتو

أمّا فيما يخصّ تركيا؛ فإنّ التذبذب الأمريكي بشأن توريد أنظمة "باتريوت"، ووقف بيع طائرة "F-35" لتركيا، كلّها عوامل قد عززت المسعى التركي نحو الاستمرار في الحصول على الأنظمة الروسية، وبحسب الباز: "يُضاف إلى ذلك أنّ الرئيس التركي نفسه يعلم أنّ بلاده قد تقع في مشكلة تحت التسويف الأمريكي، وهي أنّ جبهاته التي فتحها في بلاد مختلفة تُحتّم توفير غطاء صاروخي بشكل عاجل، وهو ما يلائم الحالة الروسية التي تورّد الأسلحة دون اشتراطات مسبقة، عكس الولايات المتحدة، إضافة إلى ضمان استدامة مشروع السيل التركي".

اقرأ أيضاً: عن أردوغان الطوراني العظيم

وهذا يوضح أنّ الخلافات بين موسكو وأنقرة في ميادين مختلفة هي مجرد هامش تتمّ موازنته بالمصالح المختلفة، على المستوى العسكري والاقتصادي والسياسي، كما هو موضح أعلاه، عوضاً عن أنّ الطرفَين يجيدان إدارة خلافاتهما على أرضية مصالح مشتركة، وهو الحاصل في سوريا وليبيا على وجه الخصوص.

هل تكون تركيا رجل أوروبا العجوز؟

بدأت تركيا بنقل منظومة الدفاع الصاروخي الروسي إلى مدينة سينوب، أقصى شمال البلاد، ولم يتمّ حتى الآن تفعيل النظام، الذي تمكّنت تركيا من الحصول عليه مقابل 2.5 مليار دولار، بعد توقيع اتفاق الشراء عام 2017، إلّا أنّ شراء تركيا لهذه المنظمة أقلق الناتو؛ لذا تمّ تأجيل التفعيل الذي كان من المفترض أن يتمّ في نيسان (أبريل) الماضي، ولأنّ تركيا تعلم جيداً أنّها دولة ذات أهمية لحلف الناتو؛ إذ تتفوّق على كافة دول الحلف بحمولة سكانية كبيرة (بعد الولايات المتحدة).

 كما تتمتع تركيا بمزايا جغرافية لا تضاهيها فيها أيّة دولة أخرى، متمثلة في إدارتها لنقاط الاختناق المروري، عبر المضائق والبحر الأسود، وهي، كعضو في الناتو، دولة ذات نفوذ في آسيا الوسطى؛ أي في أقرب نقطة للنفوذ السوفييتي التاريخي، الذي تحاول روسيا استعادته، وهي عبارة عن حاملة طائرات كبيرة في أقرب نقطة لميادين اشتباك الناتو أو حتى الولايات المتحدة، وهو ما يعلّق عليه الباز قائلاً: "إنّ أقصى ما يقوم به الناتو حالياً هو اعتراضات على المستوى الفردي، وليس على مستوى التكتل، إذا ما تمّ الاعتراض على السلوك التركي، ومثال ذلك الموقف الفرنسي الرافض للنزعة التوسعية التركية، وكذلك الموقف الألماني من السياسات التركية".

اقرأ أيضاً: غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

ويرى الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، مصطفى كمال، أنّ شراء تركيا للمنظومة الدفاعية الروسية أبلغ تعبير عن تناقضات السياسة الخارجية التركية تجاه كلّ من حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

الباحث مصطفى كمال لـ "حفريات": تعتمد تركيا على سياسات خارجية محفوفة المخاطر، وذلك من خلال تقاطعاتها في ميادين الصراع مع القوى الكبرى، منها روسيا والولايات المتحدة

 ويتابع كمال، في تصريحه لـ "حفريات": "تعتمد تركيا على سياسات خارجية محفوفة المخاطر، وذلك من خلال تقاطعاتها في عدد من ميادين الصراع مع القوى الكبرى، منها روسيا والولايات المتحدة؛ ففي الميدان السوري تقف تركيا وروسيا على النقيض من طرفَي الصراع، رغم بعض التفاهمات بينهما، والأمر نفسه ينطبق على الميدان الليبي، والأمر مشابه في العلاقات مع الولايات المتحدة في الصراعات في سوريا وليبيا؛ إذ اتّسمت سياسات تركيا بالعلاقات المرنة غير المتطابقة مع الولايات المتحدة، بالرغم من كونها حليفاً للولايات المتحدة في حلف الناتو، لكنّها تقف على النقيض من علاقة الولايات المتحدة بالأكراد وموقفها من تسليحهم".

الأبواب الخلفية للسياسة

اتجهت تركيا للمنظومة الروسية نتيجة عدم حصولها على المنظومة الغربية الباتريوت من حلف الناتو، ورغم زيادة المخاطر المحيطة بتركيا نتيجة انخراطها في أغلب صراعات المنطقة العربية، باعت روسيا المنظومة لتركيا، وذلك لعدة أسباب، يراها "كمال" ممثلة في "زيادة التفاهمات والتنسيق مع الجانب الروسي المنخرط بشكل أساسي في كلّ من سوريا وليبيا، وضعف منظومات الدفاع الجوّي المحلية، بالمقارنة مع المنظومات الغربية والشرقية، والتطور الإيراني الخصم والمنافس الإقليمي الأكبر لتركيا في سوريا والعراق في مجال الصواريخ".

بالمثل، تتبع روسيا سياسات متناقضة تجاه تركيا؛ إذ يهدف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من خلال الصفقة مع تركيا، إلى تحقيق عدد من الأهداف، التي، بحسب رأي كمال، تؤدي إلى "تصدّغ حلف الناتو، وتحييد قدرات الحلف باستمالة الجانب التركي له، واعتماده نمط تسليح مختلف عن التسليح داخل الناتو، ومناورة الولايات المتحدة بخسارتها حليف كبير لها في منطقة الشرق الأوسط"، أما التناقض فيتمثّل في كون تركيا تشتبك مع روسيا في ميدان الصراع في سوريا وليبيا، وتتّخذ بعض السياسات المتناقضة، الأمر الذي يثير قلق روسيا من استخدام تركيا، في حال الحصول على منظومة الدفاع الروسي المتطورة ضدّها في ميادين القتال، وهو الأمر الذي يرجع له أسباب تأجيل إرسال الدفعة الثانية من المنظومة لتركيا؛ حيث لم تحصل تركيا، حتى الآن، على المنظومة كاملة؛ بل كلّ ما حصلت عليه خلال عام 2019 اللوجستيات البدائية للمنظومة فقط.

ويضيف كمال: "حصول تركيا على هذه المنظومة يستبطن خطورة أمنية على المصالح الروسية في سوريا وشرق المتوسط، ولا اعتقد أنّ روسيا بوتين يمكن أن تغامر بأقوى منظومة دفاع جوي لديها في مناورتها السياسية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية