موسم قطف الزيتون في الضفة الغربية إذ يصبح مسيّجاً بالخطر

فلسطين

موسم قطف الزيتون في الضفة الغربية إذ يصبح مسيّجاً بالخطر


05/05/2020

لم تنجح أقنعة المستوطنين، وكان ذلك قبل جائحة كورونا، في إخفاء وجوههم الحقيقية التي بات المزارعون الفلسطينيون يعرفونها جيداً، مع بداية موسم قطف الزيتون، في ظلّ تصاعد وتيرة اعتداءاتهم عليهم وسرقة محاصيلهم، وقطع أشجارهم وحرقها، والاشتباك معهم وطردهم تحت تهديد السلاح، ليتحوّل موسم قطف الزيتون لدى مزارعي الضفة الغربية إلى كابوس بفعل الهجمات المتكررة للمستوطنين في البؤر الاستيطانية المجاورة لأراضيهم، وسط تواطؤ واضح من قوات الاحتلال الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا: لماذا تقرع فلسطينيات على الطناجر على الشرفات؟
ووفق إحصائية صادرة عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بيتسيلم"؛ فإنّه منذ عام 1967 حتى نهاية عام 2017؛ أقيمت في الضفة الغربية، دون القدس الشرقية، أكثر من 200 مستوطنة إسرائيلية، يعيش فيها أكثر من 620 ألفاً، منهم 412 ألف و400 مستوطن، يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية، و209 آلاف و270 مستوطناً يقطنون في أراضي الضفة الغربية التي تمّ ضمّها لبلدية القدس.

ويبدأ موسم قطف ثمار الزيتون في فلسطين، في شهرَي تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) من كلّ عام، ويبلغ عدد أشجار الزيتون في الأراضي الفلسطينية قرابة 12 مليون شجرة، منها قرابة 9 ملايين شجرة زيتون مثمرة، والباقي غير مثمر، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة الفلسطينية.

مطالبات منصور بأن تكون حشود المتضامنين والمتطوعين أكبر بكثير مما عليه الآن، لحماية الفلاح حارس الأرض الفلسطينية

ووفق تقرير صادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلال العام 2019، فإنّ موسم قطف الزيتون السنوي، يشكّل حدثاً رئيساً لدى المواطنين، وتشكّل زراعة أشجار الزيتون 47% من مجمل مساحة الأراضي المزروعة، وتشكّل أحد مصادر الدخل لنحو 100 ألف أسرة؛ حيث تتراوح قيمة إنتاج قطاع الزيتون ما يقدَّر بنحو 200 مليون دولار في أعوام الإنتاج الجيدة.

وبيّن التقرير؛ أنّ بناء جدار الفصل والتوسع العنصري الاستيطاني يشكل عاملاً أساسياً في ازدياد فصل التجمعات الفلسطينية عن أراضيها المزروعة بالزيتون؛ حيث تقع 30% من أشجار الزيتون خلف الجدار ما يعني عدم مقدرة بعض المواطنين على قطف محصولهم، وهو ما يشكّل خسارة للاقتصاد الوطني الفلسطيني، تقدَّر بنحو 45 مليون دولار سنوياً.

اقرأ أيضاً: كورونا يغيّر حياة الفلسطينيين بالضفة الغربية: لا زواج ولا مصافحة

ووفق تصريحات مسؤول ملف مقاومة الاستيطان في شمال الضفة، غسان دغلس، لإذاعة "صوت فلسطين" الرسمية، في 31 تشرين الأول (أكتوبر)؛ فقد تمّ تسجيل ثلاثة وسبعين اعتداء في مختلف محافظات الضفة، منذ بدء موسم قطف ثمار الزيتون.

ويفرض الاحتلال الإسرائيلي قيوداً على المواطنين الذين يريدون الوصول إلى أراضيهم لزراعتها، من نحو 90 تجمعاً سكانياً فلسطينياً، يمتلكون أراضي تقع ضمن حدود 56 مستوطنة، وعشرات البؤر الاستيطانية، أو على مقربة منها، ولا يستطيعون الوصول إليها، إلّا من خلال تصاريح خاصة، أو العبور من البوابات أو الحواجز العسكرية المنتشرة.
سرقة محاصيل الزيتون
ويروي محمد عودة من قرية دير الحطب قضاء نابلس، الذي يعيل أسرته المكوَّنة من 7 أفراد، ويمتلك 37 دونماً مزروعة بأشجار الزيتون، ويقول لـ "حفريات": إنّ "السلطات الإسرائيلية لم تسمح له بالوصول إلى أرضه سوى مرتين في العام، خلال موسم الحراثة وقطف الزيتون فقط، وفي أوقات محدّدة من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثانية مساء فقط، ويسمح للمستوطنين في مستوطنة ألون موريه، التي تبعد عن أرضه بضعة أمتار بالتجوّل بداخلها والقيام بأعمال التخريب وقطع وحرق أشجار الزيتون المعمرة".

اقرأ أيضاً: لماذا يعد الضمّ الإسرائيلي للمحميات الطبيعية في فلسطين جريمة حرب؟

ويضيف عودة (45 عاماً): "تفاجأت لدى توجّهي برفقة عائلتي إلى أرضي لقطف ثمار الزيتون، بعد حصولي على تنسيق مسبق لدخولها باقتلاع المستوطنين ما يقارب 169 شجرة زيتون مثمرة، وسرقة أكثر من 45% من محصول الزيتون لهذا العام، ولم يتركوا لي سوى الأشجار الصغيرة، التي تحمل القليل من الثمار".

اعتداءات مستمرة
ولفت إلى أنّ "اعتداءات المستوطنين لم تتوقف عند ذلك؛ فقد قامت مجموعة من المستوطنين، الذين يرتدون أقنعة على وجوههم، وتسلّحوا بالعصي والحجارة والزجاجات الحارقة، بالاعتداء علينا والطلب منا بمغادرة الأرض، وإلا سيقومون بقتلنا جميعاً".

خالد منصور لـ"حفريات": شجرة الزيتون تعتبر رمز عروبة الأرض، ومصدر دخل لما يزيد عن 100 ألف أسرة فلسطينية

وتابع عودة: "المستوطنون يتعمدون ليلاً إغراق أراضي القرية بالمياه العادمة، لمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، ومن يستطيع الوصول إلى أرضه تباغته قطعان المستوطنين، ويقومون بالاعتداء عليه، ودفعه لترك أرضه تحت تهديد السلاح".

ويبيّن عودة؛ "اعتداءات المستوطنين على أرضي، أدّت إلى خسارتي ما يقارب نصف المحصول، الذي تتراوح قيمته بين 17 و20 ألف شيكل، وتبقى الخشية من أن يقوم المستوطنون بالاعتداء على بقية الأشجار وحرقها وقطع أغصانها أو الاعتداء علينا جسدياً".

قطع وحرق أشجار الزيتون
حال المزارع عودة، كحال زميله وصفي سلمان (33 عاماً)، من قرية ترمسعيا قضاء رام الله، والذي يمتلك 15 دونماً، من بينها 9 دونمات مزروعة بأشجار الزيتون، ويقول لـ "حفريات": إنّه "أثناء ذهابه إلى أرضه قبل أيام لقطف ثمار الزيتون، تفاجأ بقيام مجموعة من المستوطنين في مستوطنة عميحاي المجاورة للأرض بالتسلل إلى أرضه وقطع أغصان 123 شجرة زيتون وحرق 58 شجرة أخرى مثمرة، ولم يتبقَّ في الأرض سوى 113 شجرة زيتون خالية من الثمار، وكأنّ مجزرة ارتكبت بحقّ الأشجار".

اقرأ أيضاً: كمامات ومعقمات محلية الصنع تتحدى كورونا في فلسطين
ويكمل سلمان، الذي يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، حديثه ويقول: "منذ اللحظة الأولى لدخول الأرض برفقة أبنائه وزوجته، لم يرق ذلك للمستوطنين، وقاموا بالتصدي لهم والاعتداء عليهم بالهروات، وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة عليهم، ما أسفر عن إصابته برضوض في مختلف أنحاء جسده، وإصابة أحد أبنائه بكسر في يده اليمني، نتيجة الاعتداء عليهم بالعصي والهراوات الحديدية".
حرمان المزارعين من دخول أراضيهم
وتابع: "الدخول إلى المنطقة التي تتواجد بها أرضي ليس بالأمر السهل، ويتطلب ذلك التنسيق مع الارتباط الفلسطيني؛ كي يتم السماح لي بالدخول إليها لحراثتها وزراعتها ومتابعة الأشجار خلال أوقات محددة وفي ساعات النهار فقط، وفي كثير من الأحيان؛ يتمّ الانتظار على الحواجز الإسرائيلية لساعات طويلة حتى يتسنى لي الوصول إلى الأرض".

وعن شكل الاعتداءات التي تتعرض لها الأراضي الزراعية في القرية، يقول سلمان: "القرية تعاني من هجمة إسرائيلية شرسة لمصادرة أراضيها، ويلجأ المستوطنون لإطلاق الخنازير البرية لإتلاف المحاصيل وتدميرها، إضافة إلى قيام جرافات الاحتلال بتجريف الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار المثمرة".

ولفت إلى أنّه "في عدة مرات عرض عليه مستوطنون في البؤرة الاستيطانية المجاورة لأرضه مبلغاً وقدره 120 ألف دولار أمريكي لبيع أرضه، وتمّ تهديده مراراً بأنّه في حال رفضه سيتمّ مصادرتها والاستيلاء عليها قسراً، إلا أنّ عروض المستوطنين كانت تجابه بالرفض المطلق، باعتبار أنّ الأرض هي عرض وروح ودم كلّ فلسطيني حرّ".

الوقوف إلى جانب المزارعين
بدوره، يقول مسؤول العمل الجماهيري في الإغاثة الزراعية، ومنسق حملة "إحنا معكم" لمساعدة المزارعين في قطف ثمار الزيتون بالضفة الغربية، خالد منصور، لـ "حفريات": إنّ "الحملة بدأت قبل أحد عشر عاماً، وأطلقتها الإغاثة الزراعية لمساعدة المزارعين في القرى والبلدات الواقعة في المناطق الأكثر تعرضاً لاعتداءات المستوطنين، للوقوف إلى جانب المزارعين في مواجهة ذيول الاستيطان والتطهير العرقي التي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضدّهم".

ولفت منصور إلى أنّ "الحملة تضمّ متطوعين محليين وشركاء من الجامعات والمعاهد والمدارس والمجالس القروية وقوات من الأمن الفلسطيني، إضافة إلى متضامنين دوليين يأتون سنوياً خلال موسم قطف ثمار الزيتون، من فرنسا وأمريكا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا ودول أخرى عديدة، لمشاركة المزارعين قطف محاصيلهم، والاطلاع عن قرب على معاناتهم".

قلة أعداد المتطوعين
وتابع: "شجرة الزيتون تعتبر رمز عروبة الأرض، ومصدر دخل لما يزيد عن 100 ألف أسرة فلسطينية، وهناك صراع فلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي على الأرض"، مبيناً أنّ "المستوطنين وجنود الاحتلال يهدفون لتحويل موسم الزيتون إلى موسم ساخن ومواجهة مع المزارعين، من خلال منعهم في أحيان كثيرة من الوصول إلى أراضيهم، خاصة التي تقع خلف الجدار، وفي حرم المستوطنات، والقيام بالاعتداء عليهم، وسرقة محاصيلهم، وحرق وتجريف الأشجار المعمرة، وحقنها بمواد كيماوية حارقة حتى لا تستطيع أن تنبت من جديد".

وعن أبرز المعيقات التي تواجه عمل الحملة، يقول منصور: إنّ "من أهم المعيقات قلّة أعداد المتطوعين الذين يشاركون المزارعين قطف محاصيلهم"، مستدركاً بأنّه "كلّما كان المزارع وحده يطارده قطعان المستوطنين ويعتدون عليه، وعندما تكون أعداد المتطوعين كبيرة يقوم المستوطنون بالهروب والانسحاب من المنطقة".

وطالب منصور بأن تكون حشود المتضامنين والمتطوعين أكبر بكثير مما عليه الآن، لحماية الفلاح حارس الأرض الفلسطينية، وأن تقوم الجهات المعنية والمختصة بالسلطة الفلسطينية بحشد الطاقات ومساعدة المزارعين في توفير العلاجات اللازمة لمحاصيلهم، والوقوف إلى جانبهم في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة بحقّهم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية