مونديال قطر: ماذا عن التكلفة البشرية للمنافسة؟

مونديال قطر: ماذا عن التكلفة البشرية للمنافسة؟


كاتب ومترجم جزائري
30/11/2021

ترجمة: مدني قصري

إذا كان تسليم الملاعب الثمانية قبل عام تقريباً من الموعد المحدّد، فإنّ المنظّمين يكافحون بعناء من أجل إسكات الانتقادات حول التكلفة البيئية، وعلى الخصوص التكلفة البشرية للمنافسة.

ثمانية ملاعب لكرة القدم فخمة المظهر، ستتباهى استعراضاتها بعد عام على جميع شاشات الكوكب. ستستضيف هذه الساحات فائقة الحداثة، التي صمّمتها أسماء كبيرة في الهندسة المعمارية، مباريات كأس العالم 2022 (من 21 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 18 كانون الأول (ديسمبر) )، وهي الأولى التي تقام في بلد عربي، وقبل اثني عشر شهراً على بدء المنافسة أصبح الأسطول القطري الموجّه للترويج للإمارة الخليجية في جميع أنحاء العالم، جاهزاً تقريباً.

اقرأ أيضاً: كيف تتدخل قطر في أزمة السعودية ولبنان؟

افتتاح ملعب البيت العملاق الذي يتّسع لـ 60 ألف مقعد على شكل خيمة بدوية؛ حيث ستقام المباراة الافتتاحية، في 30 تشرين الثاني (نوفمبر). وملعب لوسيل الذي ستقام فيه المباراة النهائية، والذي يتسع لـ 80 ألف مقعد ويجسّد تصميمه وعاء نحاسياً مليئاً بالتمر الذي يقدَّم للضيوف، رمز الضيافة العربية، سيفتح أبوابه في الأسابيع القادمة.

لقد تم بالفعل الانتهاء من بناء الملاعب الستة المتبقية ومعظمها قيد التشغيل، وكذلك الحال أيضاً بالنسبة لمطار قطر الجديد، ومترو الدوحة، ومدينة لوسيل الجديدة، وحي مشيرب، وهي أربعة مشاريع عملاقة أصبحت ضرورية بسبب كأس العالم. كلّف جنونُ البناء هذا، الممتد على مدى عشر سنوات، الإمارة 300 مليار دولار (حوالي 177 مليار يورو)، بما في ذلك 6 إلى 7 مليارات للملاعب. وقد عبّر السيّد حسن الذوادي، مدير اللجنة العليا للمشاريع والإرث "Committee for Delivery and Legacy"، المسؤول عن التحضير للحدث عن غبطته  قائلاً: "من حيث البنية التحتية سنكون جاهزين في بداية عام 2022. من المحتمل أن يشغل  هذا المحامي المحترف ذو النظر الثاقب والمصافحة النشطة، والذي يتحدث الفرنسية، أكثر المناصب أهميّة في الإمارة. قد يكون موعد 2022 بمثابة تمجيد لإستراتيجية "القوة الناعمة" التي اتبعتها سلطات الدوحة على مدى عشرين عاماً لفرض "علامة قطر التجارية" على الساحة الدولية، لكنّ تكريس قصاصات ورق الكريسماس في البلاد، مع امتلاء الخزائن بدولارات الغاز، يمكن أن يترك طَعماً مُرّاً

عجرفة تكييف الهواء الطلق

بفضل فوزها بتنظيم كأس العالم، عام 2010، وضعت شبه الجزيرة نفسها في دائرة الضوء. لكنْ حدثَ في أعقاب ذلك أحد عشر عاماً من الجدل حول شروط البطولة وظروف عمل المهاجرين المكلفين ببناء البنية التحتية، وفي تقرير نُشر في 16 تشرين الثاني ( نوفمبر) شجبت منظمة العفو الدولية مرّة أخرى "الاستغلال واسع النطاق" لهذه القوّة العاملة والغموض المحيط بعدد القتلى في مواقع بناء المونديال.

سجّلت اللجنة المنظمة لكأس العالم 39 حالة وفاة بين الذين عملوا في الملاعب القطرية منذ منتصف، عام 2010، قيل إنّ ثلاث حالات منها كانت نتيجة مباشرة لنشاطها المهني

مع استلام الملاعب الثمانية، قبل ما يقرب العام على الموعد المحدّد، يجب على قطر، على الأقل، أن تُجنّب نفسها الجدل حول تأخيرات البناء، وهو أحد كلاسيكيات نهائيات كأس العالم. سور لوسيل، الذي يبلغ ارتفاعه 75 متراً سيُبهر الجمهور بخطوطه الأنيقة، ممّا يجعله يبدو وكأنه صحنٌ فضائي طائر. من خلال الجاكوزي في غرف خلع الملابس إلى غرف الصلاة المتعددة للمشجّعين المسلمين، مروراً بعدد كبير من غرف فاخرة لكبار الشخصيات، تمنح جميع الملاعب مستوى XXL من الراحة.

تتمثل الرفاهية، أو النزوة، المطلقة في نظام تكييف الهواء في فضاء الهواء الطلق، مع إقامة كأس العالم تقليدياً في فصل الصيف، عندما تتجاوز درجات الحرارة في الخليج 40 درجة مئوية، فقد تضمّن العطاء المقدّم من قطر، عام 2010، نظامَ تبريد الملاعب. وعلى الرغم من تأجيل المنافسة إلى شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأوّل  (ديسمبر)، وهي الفترة التي يتراوح فيها زئبق مقياس الحرارة بين 25 درجة مئوية و30 درجة مئوية، فقد تم الاحتفاظ بالمشروع. بفضل الهواء النقي الذي يتم نفخه عبر عدد لا يحصى من فتحات التهوية، سيتحرك اللاعبون والجماهير على حد سواء في أجواء تتراوح بين 21 درجة مئوية و24 درجة مئوية.

اقرأ أيضاً: عون يبدأ زيارة إلى قطر... هل تزحزح أزمة الخليج؟

يبرّر المنظمون هذا الابتكار بانشغالهم بـموضوع الاستدامة، بمجرد انتهاء البطولة، سيتم تفكيك جزء من المدرجات والتبرع بها للدول الفقيرة. أمّا الملاعب بعد أن يتم تقليصها إلى أحجام صغيرة فسيتم تحويلها إلى ملاعب رياضية للأحياء، أو إلى قاعات أفراح ونوادي أطفال، ...إلخ. من المفترض أن تعمل الهياكل على مدار السنة، حتى في عزّ حرارة الصيف، ومن هنا تأتي الحاجة إلى أجهزة التكييف.

اقرأ أيضاً: بايرن ميونخ يتعرض لهجوم من مشجعيه... ما علاقة قطر؟

قال سعود غني، المهندس السوداني البريطاني، الذي يقف وراء هذا النظام الذي يؤكّد أنّه أقلّ استهلاكاً للطاقة من المطارات "لا نريد فيلة بيضاء، وملاعب عملاقة مهجورة بعد المونديال"، لكنْ لماذا تشغيل هذا النظام في نهاية الخريف، عندما يصبح المناخ محتملاً مرّة أخرى؟ في هذه الأوقات من القلق البيئي المتزايد يُنبِّئ هذا القرار بحالة من التبرم والغضب، خاصة أنّ قطر تمثل بالفعل بطلة العالم في نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وهو ما يشكّك في "مونديال خالٍ من الكربون"، وهو الشعار الذي يردّده مُرَوِّجو الدوحة.

اِحتساب تسعة وثلاثين حالة وفاة

لكنّ هذا القلق ما يزال ضئيلاً مقارنة بالقلق بشأن محنة العمّال، الإحصاء الوحيد المتوافر بشأن عدد الوفيات المرتبطة بالعمل هو الإحصاء الصادر عن اللجنة العليا، وسجّل منظم كأس العالم 39 حالة وفاة بين العمال الذين عملوا في الملاعب منذ منتصف، عام 2010، قيل إنّ ثلاث حالات منها كانت نتيجة مباشرة لنشاطها المهني.

لقد تعلّم العديد من رواد الأعمال المحليين التحايل على الحقوق الجديدة المقدَّمة للعمال لإبقائهم تحت سيطرتهم.

في تقرير صدر مؤخراً أكدت منظمة العفو الدولية؛ أنّه "يجب على السلطات القطرية أن تكون جريئة، وأن تتبنّى بالكامل أجندتها لإصلاح عالَم العمل دون مزيد من التأخير"

بيتر شخصية منعزلة في ليل الدوحة، يقف السائق الغاني منتصباً كعمود عند مفترق طرق في مشيرب، عند أقدام أبراج المكاتب في هذه المنطقة الجديدة، التي تمّ بناؤها في موقع حيّ هندي بعد أن أصبح في حالة يرثى لها. بعد ندرة العملاء، يوافق الشاب الأربعيني، على الانفتاح على الحياة في قطر.

"راتبي ليس مرتفعاً، (1250 ريالاً شهرياً/ 300 يورو)، من دون سكن وطعام، إذ يتكفل بهما صاحب العمل، لكنّ وضعي هنا أفضل مما كنت عليه في غانا، ولهذا السبب أتيت إلى هنا، ناهيك عن أنّ الوضع يتحسن، قبل خمس سنوات كنا إذا طلبنا تغيير الوظيفة كانوا يعيدوننا إلى بلدنا، لكن قبل بضعة أشهر، وبفضل الإصلاحات الحكومية تمكنت من تغيير الشركات دون صعوبة، كلّ هذا التطور جاء بفضل كأس العالم والضغط الذي مارسته وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية على قطر".

اقرأ أيضاً: "أسوشيتد برس": قطر استعانت بضابط مخابرات أمريكي سابق لاستضافة مونديال 2022

على الجانب الآخر من المدينة، في منطقة "ويست باي" (West Bay) التجارية، تبنى "ماكس تونيون" (Max Tuñon)، مدير الفرع المحلي لمنظمة العمل الدولية التي تم افتتاحها عام 2017، خطاباً مشابهاً تقريباً: "لا يزال هناك العديد من التحديات، لكن عندما يتعلق الأمر بحماية العمال المهاجرين فقد خطت قطر خطوات ملحوظة. لكنْ كان التقدّم بطيئاً بشكل خاص، على الرغم من وعود سلطات الدوحة بإلغاء نظام الكفالة، عام 2015، إلا أنّه كان لا بدّ من انتظار عام 2020، أي بعد عشر سنوات من تصويت الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على منح الإمارة كأس العالم 2022، قبل أن يتم إلغاء هذا النظام من التشريع، المقيّد للمهاجرين بأرباب العمل.

ضعف إجراءات التنفيذ

 يصرح القانون الآن لمليوني مواطن من جنوب شرق آسيا وأفريقيا، وهم أصل التحديث الساحق لهذه الإمارة الخليجية الصغيرة بمغادرة البلاد وتغيير وضعهم الوظيفي دون طلب إذن مسبق من رؤساء العمل التابعين لهم.

كما فرضت قطر حداً أدنى إلزامياً للأجور، عام 2020، حدِّد بـ 1000 ريال، يضاف إليه 300 ريال للطعام و500 ريال للسكن، في حال لم يوفرها صاحب العمل. قال شاندرا، وهو نيبالي عمره 35 عاماً يعمل سائقاً في شركة للمنظفات: "عندما وصلت إلى الدوحة قبل ستة عشر عاماً كنت أتقاضى 500 ريال شهرياً"، وقال مهاجر جاء للتسوق في مركز تسوق "لابور سيتي" (مدينة العمل): "اليوم أكسبُ 3000 ريال".

اقرأ أيضاً: معاريف: قطر ومصر لاعبان رئيسان في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

تعدّ هذه المدينة السكنية العملاقة واحدة من تلك المجمّعات السكنية، من نمط السكن الاجتماعي، التي في طريقها الآن لتحلّ محلّ الأكواخ التي طالما تكدس فيها العمال.

وبحسب السلطات القطرية؛ فقد غيّر 242 ألف عامل وظائفهم، منذ أيلول (سبتمبر) 2020، واستفاد 400 ألف من زيادة الأجور، لكنّ المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، التي رحّبت في البداية بالإصلاحات، تخشى الآن أن تقع هذه الإصلاحات في مستنقع.

التفاف أرباب العمل على القانون

لجأ العديد من رواد الأعمال المحليين الذين فوجئوا على حين غرة، إلى طريقةٍ للالتفاف على قانون العمل الجديد لإدامة نظام الكفالة المفيد لهم بشكل فعّال. من خلال تهديد المهاجرين الراغبين في تغيير وظائفهم بتقديم شكوى ضدّهم بحجة "الهروب"، أو بإنهاء تصريح إقامتهم، أو بفرض مادة مخالفة للقانون في عقد العمل تنص على التزامهم بعدم المنافسة، تمكّن رواد الأعمال من إبقائهم تحت سيطرتهم.

في تقرير صدر مؤخراً أكدت منظمة العفو الدولية؛ أنّه "يجب على السلطات القطرية أن تكون جريئة، وأن تتبنّى بالكامل أجندتها لإصلاح عالَم العمل دون مزيد من التأخير"، وفي هذا السياق، أضافت المنظمة؛ "ستضيع المكاسب التي تحققت إذا رضيت قطر بإجراءات تنفيذ ضعيفة".

الدوحة ترفض مخاوف المنظمات غير الحكومية؛ حيث تزعم الحكومة أنّها أرسلت أكثر من 13000 غرامة إلى الشركات في وضع انتهاكٍ للقانون، وأكّدت الحكومة على أنّ "الإصلاحات المنهجية عملية طويلة الأمد"، مضيفة "يستغرق تغيير سلوك كلّ مؤسسة وقتاً طويلاً".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

WWW.LEMONDE.FR




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية